أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-4-2019
![]()
التاريخ: 9-4-2019
![]()
التاريخ: 31-3-2019
![]()
التاريخ: 9-4-2019
![]() |
اختلاف أعضاء النطق باختلاف الشعوب
تختلف أعضاء النطق في بنيتها واستعدادها ومنهج تطورها تبعًا لاختلاف الشعوب, وتنوع الخواص الطبيعية المزود بها كل شعب, والتي تنتقل عن طريق الوراثة من السلف إلى الخلف. حقًّا أن أعضاء النطق تظل مرنة طوال المرحلة الأولى من مراحل الطفولة, فمن المشاهد أن الطفل في هذه المرحلة لا يستعصي عليه اكتساب أية لغة عن طريق التقليد، مهما كانت هذه اللغة بعيدة عن لغة أبوية، بل في استطاعته أن يكتسب بهذه الوسيلة عدة لغات أجنبية إذا أتيحت له فرصة الاختلاط بالمتكلمين بها، ويصل في إجادتها جميعها إلى درجة لا يستطيع معها أكبر خبير في اللغات أن يميزه من أهلها، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في الفصل الثاني من الباب الأول من هذا الكتاب. ولكن ليس من شكٍّ في أنه كلما تقدمت به السن ظهرت عنده الاستعدادات الصوتية الكامنة الخاصة بأمته، ورسخت لديه عاداتها الكلامية, فتفقد أعضاء نطقه مرونتها شيئًا فشيئًا، وتتشكل بالشكل الذي فطرت عليه في شعبه، وتسلك في تطورها منهجًا خاصًّا يختلف عن المنهج الذي تسكله أعضاء النطق في الشعوب الأخرى.
ولا يخفى ما يترتب على اختلاف الشعوب بهذا الصدد من آثار خطيرة في التطور الصوتي في مختلف اللغات.
فإلى هذا يرجع بعض السبب في اختلاف اللغة الواحدة في تطورها الصوتي باختلاف الشعوب الناطقة بها, وذلك أنها تسلك في تطورها الصوتي عند كل شعب منها مسلكًا يتفق مع ما فطرت عليه أعضاء نطقه في طبيعتها واستعدادها ومنهج ارتقائها؛ فاللاتينية مثلًا
ص293
قد سلكت في تطورها الصوتي عند كل شعب من الشعوب الناطقة بها مسلكًا يختلف عن مسلكها في الشعوب الأخرى، فلم تلبث أن انشعبت من جراء ذلك إلى عدة لغات "الفرنسية، الإيطالية، الأسبانية. البرتغالية، لغة رومانيا ... إلخ", واللغة العربية قد اتجهت كذلك في تطورها الصوتي عند كل شعب من الشعوب الناطقة بها وجهة تختلف عن وجهتها عند غيره، فلم تلبث أن تولد عنها من جراء ذلك عدة لهجات "عامية العراق، عامية الشام، عامية نجد والحجاز، عامية اليمن، عامية مصر، عامية المغرب ... إلخ" حقًّا أن كثيرًا من مظاهر هذا الاختلاف ترجع إلى عوامل اجتماعية ونفسية أو إلى آثار البيئة الجغرافية، ولكن ليس من شكٍّ في أن بعض هذه المظاهر يرجع إلى العامل الشعبي الذي نحن بصدد الكلام عنه.
وعلى هذا العامل يقع كذلك قسط من التبعة فيما يصيب اللغة من تحريف في أصواتها حينما تنتقل من شعب إلى آخر(1), وذلك أنها تتشكل عند الشعب المنتقلة إليه في الصورة التي تتفق مع ما فطرت عليه أعضاء نطقه في بنيتها واستعدادها، فتبعد بذلك عن أصولها الأولى، ويزداد بعدها هذا كلما اتسعت مسافة الخلف بين أصول الشعبين. فما أصاب لغة الصقالبة من تحريف في ألسنة البلغاريين يفوق كثيرًا ما أصابها عند غيرهم، وذلك لأن الشعب الفيني Finois الذي ينحدر منه البلغاريون لا تربطه صلة قريبة بالأصل السلافي الذي ينتمي إليه الصقالبة, وما أصاب الأصوات اللاتينية من تحريفٍ في اللغة الفرنسية يفوق كثيرًا ما أصابها في اللغة الإيطالية، وذلك لأن الإيطاليين أقرب رحمًا إلى قدماء الرومان من الفرنسيين، ففيهم يغلب
ص294
الدم اللاتيني، بينما يغلب في الفرنسيين الدم السلتي والجرماني. ولهجات القسم الجنوبي من فرنسا كالجسكونية والبروفنسية Gascon Provencal etc أقرب إلى أصولها اللاتينية من لهجات القسم الشمالي، وذلك أن الدم اللاتيني في سكان الجنوب أغزر منه في سكان الشمال, ولهجات الجنوب نفسها تختلف في مبلغ قربها إلى اللغة اللاتينية تبعًا لاختلاف الناطقين بها في مبلغ قربهم إلى الأصل اللاتيني, ولذلك كانت البروفنسية Provencal أقرب إلى اللاتينية من الجسكونية Gascon؛ لأن البرفنسيين أدنى إلى اللاتينيين من الجسكونيين، ولهجات القبائل العربية النازحة إلى مصر من المغرب "البراعصة، الفوايد، الرماح، الجوزي، أولاد علي، سمالوس ... إلخ" أدنى في ناحيتها الصوتية إلى العربية الفصحى من لهجات المصريين أنفسهم, وذلك لأنهم أقرب رحمًا إلى العرب من المصريين.
وعلى ضوء هذا العامل يمكن كذلك قياس مسافة الخلف بين "اللهجات المحلية" "وهي اللهجات التي يتكلم بها في منطقة لغوية واحدة كلهجات البلاد المصرية" والوقوف على بعض الأسباب التي تؤدي إلى بعدها بعضًا عن بعض(2), فالمشاهد أن مبلغ اختلاف هذه اللهجات بعضها عن بعض في أصواتها يتبع إلى حد كبير مبلغ اختلاف الناطقين بها بعضهم عن بعض في أصولهم الشعبية, فكلما كان هؤلاء متجانسين في أصولهم ضاقت مسافة الخلف بين لهجاتهم في ناحيتها الصوتية، وكلما تعددت الأصول الشعبية التي ينتمون إليها اتسعت هذه المسافة؛ فلهجات المصريين لا تختلف كثيرًا بعضها عن بعض في هذه الناحية، وذلك لتجانسهم في الأصول التي انحدروا منها, ولهجات المنطقة الشمالية بفرنسا -منطقة باريس وما إليها- تختلف كثيرًا عن لهجات المنطقة الجنوبية منها: "طولون، نيس ... إلخ
ص295
Nice, Toulon"؛ ولكن كلتا المنطقتين تحتوي مجموعة متشابهة من اللهجات(3), وذلك لأن سكان المنطقة الشمالية يختلفون في أصولهم الشعبية عن سكان المنطقة الجنوبية، ولكن كلتا المنطقتين تضم من السكان مجموعة متجانسة في هذه الأصول. ولهجات المناطق الوسطى بفرنسا يختلف بعضها عن بعض اختلافًا غير يسير، وذلك لتعدد الأصول الشعبية التي ينتمي إليها سكان هذه المناطق(4).
غير أنه من الخطأ المبالغة في أثر هذا العامل والعامل السابق له, كما حاول ذلك بعض الباحثين, ولا أدلَّ على أن أثرهما ليس بالدرجة التي تصورها هؤلاء من أن الطفل من أية أمة, وفي أي عصر, يستطيع بسهولة أن يجيد لغة أمة أخرى, أو عصر آخر عن طريق التقليد, إذا أحيط في دور طفولته بأفراد يتكلمون هذه اللغة، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول هذه الفقرة.
ص296
__________
(1) انظر صفحة 231, وآخر ص235, وأول 236, وآخر ص244, ونقول: "قسط من التبعة" لا كل التبعة؛ لأن لهذه الظاهرة أسبابًا أخرى كثيرة غير هذا العامل "أسبابًا اجتماعية ونفسية وجغرافية ... إلخ".
(2) نقول: "بعض الأسباب"؛ لأن لهذه الظاهرة أسبابًا أخرى كثيرة غير هذا العامل "أسبابًا اجتماعية ونفسية وجغرافية ... إلخ".
(3) انقرض الآن معظم هذه اللهجات وحلت محلها الفرنسية الحديثة.
(4) V. Dauzat: Vie du Langage 47.
|
|
دراسة: خطر يتعرض له الملايين يفاقم خطر الإصابة بالباركنسون
|
|
|
|
|
الأمم المتحدة: ذوبان الجليد يهدد إمدادات الغذاء والماء لملياري شخص حول العالم
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تتشح بالسواد في ذكرى شهادة الإمام علي (عليه السلام)
|
|
|