المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


مدرسة القوالب  
  
3835   11:21 صباحاً   التاريخ: 21-4-2019
المؤلف : د. رمضان عبد التواب
الكتاب أو المصدر : المدخل الى علم اللغة
الجزء والصفحة : ص192- 211
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / قضايا لغوية أخرى /

 

 مدرسة القوالب:
تشارك هذه المدرسة "تشومسكي" وجهة نظره القائلة بوجود جانبين في دراسة اللغة، هما: جانب الكفاءة، وجانب الأداء، وترى هذه المدرسة أن مهمة علم القواعد في أسسه الأولية، تتمثل في إعطاء نموذج، أو لنقل صورة لجانب الكفاءة، وهو جانب غير واعٍ في معظمه، شأنه في ذلك شأن استعمال الناس للغة بالاعتماد على آثاره التي تتجلى في جانب الأداء، الذي تسهل ملاحظته ورصده.
وترى هذه المدرسة أن التحليل اللغوي، يعني طائفة من الإجراءات لوصف اللغة. ويعتمد على وحدة نحوية أساسية، تسمى: "القالب" Tagmeme وترد هذه الوحدة ضمن مركب على هيئة سلسلة، وتقع ضمن مستويات معينة من المستويات النحوية.
وقد قام بتطوير هذه النظرية ونظامها اللغوي: "كينيث بايك" Kenneth Pike واستخدامها معهد Summer للغويات(1).
ومصطلح "القالب" أو "الإطار" Tagmeme الذي تستخدمه هذه المدرسة، هو عبارة عن ارتباط بين موقع وظيفي "Functional Stat" وفئة من الوحدات "ltems" التي تشغل هذا الموقع، مؤلفه من وظيفة "Function" وشكل "Form".
والمواقع الوظيفية، هي مواضع في أطر مركبات، تحدد الدور الذي تقوم به الأشكال اللغوية في المركب، بالقياس إلى غيرها من الأجزاء الموجودة في المركب نفسه. والوظائف عبارة عن ارتباطات نحوية، تحدد الدور الذي يقوم به الشكل في المركب، كالمسند إليه، والمسند، والمفعول به، والحال، والتمييز، وغير ذلك.
وعلى الرغم من أن المواقع الوظيفية، ترد في العادة في مواضع ثابتة، فإنه لا مانع من وجود وحدات في كل لغة، قابلة للتنقل بحيث يمكنها أن تأتي في أكثر من موضع، ففي جملة مثل: "ضرب محمد عليا" ثلاثة مواقع هي:

ص192

1- موقع المسند: وتشغله الكلمة الفعلية: "ضرب".
2- موقع المسند إليه: وتشغله الكلمة الاسمية: "محمد".
3- موقع المفعول به: وتشغله الكلمة الاسمية: "عليا".
ويمكن أن يأتي الترتيب على نحو آخر، كأن ترتب هذه الجملة على النحو التالي: "ضرب عليا محمد". وهذا التغيير لا يعني تغييرا في المواقع الوظيفية، التي تحدد الدور الذي تقوم به الأشكال اللغوية في المركب، وإنما يعني تغييرا في مكان الموقع الوظيفي لا غير.
والموقع الوظيفي الواحد، يمكن أن يشغله واحد من فئة الشاغلات "Fillers" وهذه الوحدات قابلة للتبادل فيما بينها في داخل الموقع. وينبغي أن تصنف هذه الشاغلات إلى أصناف شكلية في قائمة القالب. ومن أمثلة ذلك أن موقع المسند إليه، يمكن أن يشغله: ضمير، أو اسم علم، أو عبارة اسمية، أو تراكيب. وقد يكون أحد هذه الشاغلات، هو الفئة الشكلية النموذجية، من بين فئة الشاغلات التي تملأ الموقع.
وهذا الترابط بين الموقع الوظيفي والفئة الشاغلة، هو في الحقيقة ترابط بين وظيفة وشكل.
ويتجلى نظام التحليل القالبي، في أقصى درجة من الوضوح في عملية التسمية، حيث يسمى كل من الوظيفة والشكل، بأسماء مثل: "المسند إليه: اسم/ عبارة اسمية ... إلخ"، فتذكر قائمة الأشكال التي تملأ الموقع على يسار علامة النسبة ":" والوظيفة أو المعنى النحوي على يمينها(2).

 

ص193

ونخلص من كل هذا إلى أن القوالب عبارة عن ارتباطات بين الشكل والوظيفة، توزع في مركبات اللغة، وتتنوع القوالب وفقا لمكوناتها، إلى الأنواع التالية:
1- قوالب إجبارية، أو قوالب اختيارية.
2- قوالب أساسية، أو قوالب ثانوية.
3- قوالب ثابتة المواضع، أو قوالب متحركة متنقلة.
النوع الأول: القالب الإجباري عبارة عن قالب يرد في كل حالات ظهور البنية اللغوية المعينة، ويرمز له بالعلامة "+" للدلالة على وجوب وروده حيثما جاء المركب. أما القالب الاختياري فهو قالب يرد في بعض حالات ظهور البنية اللغوية، لا في جميعها، ويرمز له بالعلامة "+-" للدلالة على إمكان وروده، حيثما جاء المركب، وإن لم يكن ضروريا.
النوع الثاني: القالب الأساسي هو قالب يتميز به المركب الذي يرد فيه، كالقوالب الموجودة في التركيب التالي: "البنت تزوجت خطيبها" أما القالب الثانوي "غير الأساسي/ التابع"، فهو قالب لا يتميز به المركب الذي يرد فيه، مثل: قالب الظرفية "بالأمس" في التركيب التالي: "البنت تزوجت خطيبها بالأمس".
وليست كل القوالب الأساسية إجبارية، فقد يكون بعضها اختياريا، كقالب المفعول به في التركيب: "البنت تزوجت خطيبها"؛ إذ يمكن أن يستغنى عنه، فيقال: "البنت تزوجت". أم القالب الثانوي فهو اختياري دائما. وعلى ذلك يكون عندنا ثلاثة تصنيفات من قوالب النوعين، وهي: قالب أساسي إجباري، وقالب أساسي اختياري، وقالب ثانوي اختياري.

ص194

النوع الثالث: القالب الثابت، هو الذي يثبت موضعه بالنسبة لغيره في التركيب. وعلى العكس من ذلك لا يثبت القالب المتحرك في موضع معين بالنسبة لغيره.
وهذا مثال لتحليل جملة مكونة من سلسلة من القوالب:
العربة البطيئة المهمشة/ نقلت/ أثاث البيت/ عبر الصحراء/ يوم الخميس.
الجملة= + مسند إليه: عبارة اسمية+ مسند: فعل متعد+ مفعول به: عبارة اسمية+_ مفعول فيه "ظرف مكان": عبارة ظرفية+_ مفعول فيه "ظرف زمان": عبارة ظرفية.


المستويات النحوية:
يجرى ترتيب المركبات القالبية، على هيئة طائفة من المستويات المحددة المعالم. وأكثر هذه المستويات شيوعا في الدراسات اللغوية المعاصرة، هي: مستويات "الكلمة" Word و"العبارة" Phrase و"التركيب" Clause و"الجملة" Sentence فضلا عن مستوى "المورفيم" Morpheme.
فمستوى "الكلمة" هو ذلك المستوى من النحو، الذي نحلل عنده الكلمة إلى مورفيماتها المكونة لها.
ومستوى "العبارة" هو ذلك المستوى من النحو، الذي نحلل عنده مجموعات الكلمات، ذات الأبنية المعينة -باستثناء التراكيب- إلى كلمات.
ومستوى "التركيب" هو ذلك المستوى من النحو، الذي نحلل عنده التراكيب، إلى ما فيها من مسند ومسند إليه ومكملات.

ص195

ومستوى "الجملة" هو ذلك المستوى من النحو، الذي نحلل عنده جمل اللغة الصغرى والكبرى، إلى تراكيب مستقلة وغير مستقلة.
أما المنهج التاريخي، فيدرس اللغة دراسة طولية، بمعنى أنه يتتبع الظاهرة اللغوية في عصور مختلفة، وأماكن متعددة ليرى ما أصابها من التطور، محاولا الوقوف على سر هذا التطور، وقوانينه المختلفة.
ويمكننا لذلك، القول بأن عرض نحو أية لغة، يكتفى إن أراد الاقتصار على هذه اللغة بوصفها. غير أن تعليل الظواهر التي توجد في هذه اللغة، يظل أمر بالغ الصعوبة، إذا لم يعرف لهذه اللغة فترات تاريخية متباعدة، يمكن المقارنة بينها، ومعرفة صور التطور الناتجة عبر الأجيال الكثيرة. وعندئذ يمكن الكشف عن السر الذي يكمن وراء إحدى صور هذا التطور.
ولنأخذ مثلا على هذا: اللغة العربية العامية، التي نتحدث بها اليوم في البلاد العربية، فإن وصف هذه اللغة من نواحيها المختلفة، أمر سهل ميسور؛ إذ يقال مثلا: إن الاستفهام يعبر عنه بنبر أحد أجزاء الجملة، وإن النفي يكون بالأداء: "مُِش" مثلا، وإن ترتيب الجملة فيها: فاعل+ فعل+ مفعول ... إلخ. ولكن معرفة سر وصول هذه النواحي المختلفة، من صوتية، وصرفية، وتركيبية، ودلالية، وغيرها، إلى ما وصلت إليه، كان من الممكن أن يظل لغزا، لولا معرفتنا بالعربية الفصحى. وكان من الممكن أن يزداد وضوح التطور وأسراره في هذه اللغة العامية، لو أننا توصلنا إلى معرفة حلقات التطور المختلفة، منذ الجاهلية حتى الآن.

ص196

فالمنهج التاريخي في الدرس اللغوي، عبارة عن تتبع أية ظاهرة لغوية في لغة ما، حتى أقدم عصورها، التي نملك منها وثائق ونصوصا لغوية، أي أنه عبارة عن بحث التطور اللغوي في لغة ما عبر القرون، فدراسة أصوات العربية الفصحى دراسة تاريخية، تبدأ من وصف القدماء لها من أمثال الخليل بن أحمد، وسيبويه، وتتبع تاريخها منذ ذلك الزمان، حتى العصر الحاضر، دراسة تدخل ضمن نطاق المنهج التاريخي. ومثل ذلك يقال عن تتبع الأبنية الصرفية، ودلالة المفردات، ونظام الجملة.
وإذا كان علم اللغة الوصفي، يمكن أن يوصف بأنه علم ساكن static إذ فيه توصف اللغة بوجه عام، على الصورة التي توجد عليها، في نقطة زمنية معينة، فإن علم اللغة التاريخي "يتميز بفاعلية مستمرة dynamic، فهو يدرس اللغة من خلال تغيراتها المختلفة. وتغير اللغة عبر الزمان والمكان خاصة فطرية في داخل اللغة، وفي كل اللغات، كما أن التغير يحدث في كل الاتجاهات: النماذج الصوتية، والتراكيب الصرفية والنحوية، والمفردات. ولكن ليس على مستوى واحد، ولا طبقا لنظام معين ثابت. هذه التغيرات اللغوية تعتمد على مجموعة من العوامل التاريخية. وبينما يمكن دراسة هذه التغيرات دراسة وصفية، هي محض تعريف بأشكال التغيرات الحادثة، فإنه لا يمكن عزلها عن الأحداث التاريخية التي تصاحب وجودها. وإذا كانت الوظيفة الأولى لعلم اللغة الوصفي، هي أن يصف، ولعلم اللغة التاريخي هي أن يعرض التغيرات اللغوية، فمن الصعب كثيرا الفصل بين النوعين في مجال التطبيق العملي؛ وذلك لأن كل المصطلحات التي استعملت تحت العنوان الوصفي قابلة من الناحية العملية للاستعمال مع الفرع التاريخي"(3).

 

ص197

"وعلى الرغم من أسبقية علم اللغة التاريخي، في ميدان البحث اللغوي، ومن التقدم المطرد، الذي أمكن تحقيقه خلال القرنين الماضيين، فما زالت هناك جهود ضخمة يمكن بذلها، حتى بالنسبة لتلك اللغات التي لاقت اهتماما كبيرا، فإن هناك اكتشافات ضخمة لكتابات مسجلة، ما تزال يتوصل إليها. ويجب كلما اكتشف شيء من ذلك، أن يعاد النظر في النتائج المقارنة السابقة التي كان بعضها فرضيا، ويدخل عليها من التعديلات ما هو ضروري، بعد الاستفادة من تلك الشواهد الجديدة ... وهنا نجد المنهجين: التاريخي والوصفي، يدخلان في شكل انسجامي تعاوني مثمر"(4).
"وليس المنهج المقارن إلا امتدادا للمنهج التاريخي، في أعماق الماضي السحيق، وينحصر في نقل منهج التفكير، الذي يطلق على العهود التاريخية، إلى عهود لا نملك منها أية وثيقة"(5).
ومع أن المنهج المقارن، يولي وجهه شطر الماضي السحيق، فإنه في الواقع لا يؤتي ثمرته، إلا في اتجاه عكسي؛ لأنه يوضح تفاصيل اللغات الثابتة بالوثائق. وأظهر نتيجة لنحو اللغات الهندوأوربية المقارن، تنحصر في تحديد صلات القرابة بين هذه اللغات، فكل اللغات الفارسية، واللغات السلافية، والجرمانية، والرومانية، والكلتية، إذا اعتبرت من الوجهة الزمنية، تبدو للعالم اللغوي، نتيجة لسلسلة متتابعة من التباين لحالة لغوية واحدة، سابقة عليها جميعا، وتسمى باللغة "الهندية الأوربية"(6).

 

ص198

"ويتضمن المنهج المقارن أساسا، وضع الصيغ المبكرة المؤكدة، المأخوذة من لغات يظن وجود صلة بينها جنبا إلى جنب، ليمكن إصدار حكم فيها بعد الفحص والمقارنة، بخصوص درجة الصلة بين عدة لغات، والشكل الذي يبدو أقرب صلة إلى اللغة الأم.
"ولعل الباحث يكون آمنا، حين يقرر انتماء لغات متعددة إلى أصل مشترك، إذا وجد بينها تماثلا كافيا في تركيباتها النحوية، ومفرداتها الأساسية، وإذا لاحظ ازدياد قربها بعضها من بعض، كلما اتجهنا إلى الوراء"(7).
"ويقدم لنا النحو المقارن نظاما، تصنف فيه اللغات في أسرات تبعا لخصائصها، فبمقارنة الأصوات، والصيغ، تتجلى ضروب التجديد الخاصة بكل لغة، في مقابلة البقايا الباقية من حالة قديمة، وقد نجح اللغويون في أن يحددوا ما قبل تاريخ اللغات الهندوأوربية، ولكنهم لم يصلوا إلى معرفة من كانوا يتكلمونها، ولم يستطيعوا أن يحددوا أسلاف الإغريق أو الجرمان، أو اللاتين، أو الكلتيين، وإنما يعرفون فقط التغييرات التي مرت بها الجرمانية والإغريقية واللاتينية والكلتية، حتى وصلت إلى الحالة، التي تكشف عنها النصوص. أما الأسماء التي أطلقوها على اللغات، التي أعادوا بناءها فتحكمية، قد اتفقوا عليها مجرد اتفاق، فكلمة: الهندية الأوربية، إذا أخرجت من الاستعمال اللغوي، لم يبق لها أي معنى"(8).
ومنذ نشأة طريقة المقارنة بين اللغات -وهي أصلا طريقة تاريخية- وهي تحظى بمكانة مرموقة في علم اللغويات، كما صارت البحوث اللغوية

ص199

التاريخية، وقفا على كبار العلماء والباحثين، على حين استمرت الطريقة الوصفية كما كانت من قبل، طريقة عملية ذات نفع عاجل، تعالج تعلم الناس اللغات الأجنبية، وتعرفهم بالطريقة الصحيحة لاستخدام لغاتهم(9).
هذا هو المنهج المقارن، وتلك هي حدوده، وقد تأثر به دارسو اللغات السامية، وقطعوا فيه شوطا ليس بالقصير.
وإن من يلج ميدان الدراسة السامية المقارنة، يدرك على الفور مدى الصعوبة، التي تقابل الباحث، عندما يريد الرجوع بظاهرة ما في هذه اللغات إلى أصلها، ذلك لأن هذه اللغات السامية ليست حلقات متصلة في سلسلة لغوية واحدة، يمكن اعتبار إحداها أقدم اللغات، والثانية أحدث منها ... وهكذا، بل هي على العكس من ذلك، تعد خلفا للغة واحدة، هي ما اصطلح العلماء على تسميته "بالسامية الأم"، وهذه اللغة لا وجود لها الآن في صورة وثائق أو نقوش مكتوبة.
ولذلك، فمن الممكن دراسة كل لغة من اللغات السامية على حدة، دراسة وصفية وتاريخية منتجة إلى أقصى حد، غير أن استنباط الأصول الأولى، للظواهر اللغوية المختلفة في هذه اللغات، أمر بالغ الصعوبة. وقد حاول العلماء استخدام الطرق العلمية، التي كشف عنها المنهج المقارن، وعلم اللغة الحديث، في الوصول إلى هذه الأصول الأولى، "لكن لا يجوز للمرء، أن يطلب الكثير في هذه الناحية، فإن سير تطور اللغات غامض في تفاصيله بالنسبة لنا غالبا، وذلك في المرحلة السابقة للمرحلة، التي وصلت إلينا منها وثائق لغوية"(10).

 

ص200

لقد أدى اكتشاف اللغة السنسكريتية، في القرن الثامن عشر، إلى نشوء علم اللغة المقارن كما ذكرنا، وطمع علماء الساميات في تطبيق المنهج المقارن للغات الهندوأوربية، على مجموعة اللغات السامية، وحاولوا بالمقارنة الاهتداء إلى الأصول الأولى، وأطلقوا عليها اسم "اللغة السامية الأم". غير أنهم كانوا يدركون تماما، أن هذه اللغة الأم، لا تخرج عن كونها افتراضا قابلا للتعديل في أي وقت، طبقا لما تؤدي إليه بحوث المستقبل.
ولقد كان "نولدكه" Noldeke على حق، عندما قال: "وإننا نريد أن نوجه سؤالا لمن يظن أن إعادة البناء الكامل للغة السامية الأولى، ولو بالتقريب، أمر ممكن. والسؤال هو: هل يستطيع أحسن العارفين باللهجات الرومانية كلها "الإيطالية والفرنسية والإسبانية" أن يعيد بناء الأصل القديم لهذه اللهجات، وهو اللغة اللاتينية، لو فرض أنها غير معروفة الآن؟ "(11)
ومع كل هذه الصعوبات، أثمرت الدراسات السامية المقارنة في القرن الماضي، والقرن الحالي، ثمرات عظيمة، وأصبحنا نقف في كثير من المسائل فيها، على أرض ليست هشة. والفضل في كل هذا للمستشرقين من علماء الغرب.
ولم تكن اللغات السامية مجهولة تماما، بالنسبة للعرب، فقد فطن الخليل بن أحمد "المتوفى سنة 175هـ" إلى العلاقة بين الكنعانية والعربية، فقال: "وكنعان بن سام بن نوح، ينسب إليه الكنعانيون، وكانوا يتكلمون بلغة تضارع العربية"(12).

 

ص201

كما عرف أبو عبيد القاسم بن سلام "المتوفى سنة 224هـ" اللغة السريانية، وأداة التعريف فيها وهي الفتحة الطويلة في أواخر كلماتها(13).
وكذلك أدرك ابن حزم الأندلسي "المتوفى سنة 456هـ" علاقة القربى بين العربية والعبرية والسريانية، فقال: "من تدبر العربية والعبرانية والسريانية، أيقن أن اختلافها، إنما هو من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان، واختلاف البلدان، ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل"(14).
ويقول الإمام السهيلي "المتوفى سنة 581هـ": "وكثيرا ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي، أو يقاربه في اللفظ"(15).
كما عرف أبو حيان الأندلسي "المتوفى سنة 754هـ" اللغة الحبشية، وأدرك العلاقة بينها وبين العربية، وألف فيها تأليفا مستقلا، فقال: "وقد تكلمت على كيفية نسبة الحبش، في كتابنا المترجم عن هذه اللغة، المسمى: بجلاء الغبش عن لسان الحبش. وكثيرا ما تتوافق اللغتان: لغة العرب ولغة الحبش، في ألفاظ، وفي قواعد من التركيب نحوية، كحروف المضارعة، وتاء التأنيث، وهمزة التعدية"(16).
أما المستشرقون، فقد بدأت دراساتهم الأولى، في أحضان كليات اللاهوت، فأدركوا العلاقة بين العبرية والعربية والسريانية. وبدأت هولاندة في القرن الثامن عشر، على يد "شولتنس" Schultens بمقارنة العبرية بالعربية. وجاء بعده كل من: "إيفالد" Ewald، و"ألسهوزن" Olshausen فألفا في

 

ص202

اللغة العبرية، مستخدمين العربية في المقارنة، كما حاول مثل ذلك "نولدكه" Noldeke في الآرامية. وفي عام 1890م ألف "وليم رايت" W. Wright كتابه: "محاضرات في النحو المقارن للغات السامية" Lectures on the conparative Grammar of the Semetic Languages. كما ألف بعده بعام كل من: "لاجارد" Lagarde و"بارت" Barth: بحوث في أبنية الأسماء السامية" Untersuchungen uber die كما ألف "لند برج" LINDBERG "النحو المقارن للغات السامية" Grammatik Der semitischen sprachen vergleichende وألف "تسمّرن" Zimmern كتابه الذي سماه: "النحو المقارن للغات السامية" كذلك، ونشره في برلين سنة 1898م.
وجاء بعد هؤلاء جميعا، عملاق هذا الفن، المستشرق "كارل بروكلمان" C Brockelmann فألف كتابه الضخم: "الأساس في النحو المقارن للغات السامية" Grundriss der vergleichenden Grammatik der semitischen Sprachen في جزأين، يضم الأول منهما دراسات، عن أصوات اللغات السامية وأبنية الأسماء والأفعال فيها، كما يختص الثاني بدراسة الجملة في اللغات السامية. وأكثر موضوعات هذا الجزء جديد، لم يسبق إليه مؤلفه. وقد نشر الجزء الأول في برلين سنة 1908م، ونشر الثاني فيها سنة 1913م.
ولبروكلمان نفسه كتابان صغيران، يقتصران على موضوع الجزء الأول من "الأساس"، يسمى الأول: "فقه اللغات السامية" Semitische Sprachwissenschaft نشره في ليبزج سنة 1906م. وقد ترجمناه إلى العربية، ونشرناه في جامعة الرياض سنة 1977م. أما الكتاب الثاني، فيسمى: "مختصر النحو المقارن للغات السامية" Kurzgefasste vergleichende Grammatik der semitischen Spachen نشره في برلين سنة 1908م.

ص203

وكل من جاءه بعده عالة عليه، أمثال: "De lacy o Laery "أوليري" الذي نشر في سنة 1929م، كتابا بعنوان: "النحو المقارن للغات السامية" Comparative Grammar of the Semitic Languaes و"برجشتراسر" Bergstraller الذي ألف في عام 1928م، كتابا بعنوان: "المدخل إلى اللغات السامية" Einfuhrung in die sinitischen Sprachen كما ألقى في الجامعة المصرية القديمة، محاضرات عن التطور النحوي، مقارنا العربية باللغات السامية. وقد طبعت هذه المحاضرت تحت عنوان: "التطور النحوي للغة العربية" بالقاهرة سنة 1929م. وقد قمت أنا بتصحيح أوهامه والتعليق عليه، وطبع بالقاهرة 1981م. و"موسكاتي" S. Moscati، الذي نشر في روما سنة 1960م كتابا بالإيطالية، عنوانه: "محاضرات في اللغات السامية": Lezioni di linguistica Semitica ثم ترجمه بعد تنقيح إلى الإنجليزية، بالاشتراك مع: "أنطون شبيتالر" A. Spitaler و"إدوارد ألندورف" E. Ullendorf و"فولفرام فون سودن" W. von Soden ونشر تحت عنوان: "مقدمة في النحو المقارن للغات السامية" An lntroduction to the Comparative Grammar of the Semitec Languages في فيسبادن بألمانيا سنة 1964م.
هذا إلى مئات المقالات، التي تعالج موضوعات مفردة في شتى المجلات العلمية، الأوروبية والأمريكية كل هذه المؤلفات تعالج اللغات السامية، وفق المنهج المقارن. ومع تقدم هذا العلم في الغرب، فإنه ما يزال -مع الأسف- جديدا غض الإهاب في الشرق، وسيمضي وقت طويل، قبل أن ينهض على قدم وساق؛ لأنه يتطلب معرفة كاملة بكل لغة من اللغات السامية، وهو أمر لما يتح إلا لقلة من الدارسين.

ص204

"ومقارنة قواعد اللغات السامية، يجب أن يبدأ حقا من العربية، على أن يراعى في التفاصيل، كل قريباتها الأخريات، ما دمن معروفات لنا. وهنا ربما تصلح اللغة العبرية، في إعادة بناء الأم الأولى المشتركة، أكثر من الحبشية. غير أن الآرامية والآشورية، وكذلك اللهجات التي نعرف القليل منها، أو اللهجات الحديثة كل ذلك يمكن أن يقدم مادة قيمة لمثل هذا العمل كذلك.
"أما كيف وصلت تلك اللهجات الحديثة. ولا سيما الحية منها إلى شكلها الحالي، فإنه يمكن معرفة ذلك في دائرة واسعة نوعا ما. وهكذا نربح بذلك قياسات قيمة، لبحث تطور اللغات القديمة، غير أن الفحص الدقيق لتلك اللغات، يرغمنا على الاعتراف والحكم بأنه لا يمكن تفسير كثير من الظواهر المهمة في تلك اللغات القديمة. ويصدق بعض ذلك أيضا، على حالات يبدو لأول وهلة، أن تفسيرها سهل جدا.
"وإذا ثبت الآن، اتفاق اللغات السامية في أصولها الأولى، من زمن بعيد - قبل أن يبرهن "بوب" Bopp علميا على وجود العلاقة بين اللغات الهندوأوربية فإن مسألة الوصول إلى قواعد مقارنة دقيقة في موضوعنا، بحيث تعطي نتائج ثابتة هذه المسألة ليست إلا واجبا صعبا، ولا بد أن يكون استمرارا لطريقة، أو نظام سابقين، فليس الأمر أمر خلق من العدم، وإنما هو استعمال للعناصر اللغوية القديمة، في شكل جديد.
ومن النادر -كما يقول فندريس-(17) أن تلجأ اللغة إلى صنع الكلمات من أساسها، بتركيب مجاميع الأصوات اللغوية بعضها مع بعض،

 

ص205

لأنه يعد عملا غير مفيد، فكل ما تعمله أنها قد تغير وضع العناصر الصوتية، في هذه الكلمة أو تلك. وهذه طريقة تشوه ولا تخلق، فالخلق أمر في غاية الندرة، "ومعناه خلق كلمة من الهواء والتكلم بها. ويتم ذلك عادة على يد بعض الأشخاص المشهورين، الذين يصادف ابتكارهم قبولا"(18).
وإذا ذكر لهذا الخلق بعض الأمثلة، فإنما تذكر على سبيل التندر، مثل كلمة: "gaz" غاز" التي اخترعت في القرن الثامن عشر، وكذلك rococo "نوع من الزخرفة". ومن ذلك أسماء بعض المستحضرات والسلع والآلات، مثل كلمة: "Kodak "كوداك"، فقد خرجت كما هي من دماغ مخترعها.
ولكن مثل هذه الكلمات صعبة الصنع، فلا شيء أصعب من صنع كلمة، دون الاهتداء بوسائل الاشتقاق والتركيب المعتادة في اللغة، التي يتكلمها الصانع. ولئن صح ما قيل من أن كلمة: gaz فيها صدى كلمة: Geist بمعنى: "روح" كنا في هذه الحالة أمام تشويه، لكلمة موجودة بالفعل.
أما الكلمات التي من قبيل: kodak وrococo فلا يجرؤ على ذلك إلا عالم فقيه تماما.
"وأنا أشك مطلقا في أن الوقت قد حان لمثل ذلك العمل. ولكن قبل ذلك، يمكن القول بضرورة كثير من الأبحاث الصغيرة المتقنة. ومما يعوق البحث على وجه الخصوص، أن نصوص اللغات السامية، التي تحت يدنا، لا تعبر عن أصوات تلك اللغات تعبيرا كافيا، وأعتقد أن بحث الجملة بحثا مقارنا في اللغات السامية، أسهل من بحث الأصوات والصيغ فيها"(19).

 

ص206

والمنهج المقارن، يستند كما يقول "أنطوان مييه"(20) A. Meillet إلى بعض مبادئ أساسية، يجب أن تصاغ صريحة؛ وذلك لأن معظم الأخطاء التي ترتكب في علم اللغة، إنما تصدر عن استخدام وسائل النحو المقارن في حالات، لا يمكن أن تطبق فيها مبادئه.
وأول تلك المبادئ: هو أن اللغات تصدر عن تغييرات عناصرها الموجودة، لا عن خلق جديد، فمن يريد أن يضع اسما لشيء جديد، يستعير عادة عناصر الكلمة من لغته أو من لغة أجنبية، وذلك كاللفظة الألمانية: Fernsprecher بمعنى: "تليفون"، فإنها مأخوذة من كلمة: Fern بمعنى: "بعيدا" وكلمة Sprecher بمعنى: "متحدث"، ومن ثم فإنه إذا ثبت أن بعض الكلمات، لا يمكن أن تعد مخلوقة من العدم على نحو ما، بحيث لا نجد لها أصلا اشتقاقيا، فإنه من المسلم به أن لكل طريقة خاصة للنطق، وكل نظام نحوي عام، قيمة تعبيرية لا تنكر، ذلك أنها كلمات أشبه بأسماء الأصوات، وتدخل في فصيلة من الكلمات، تعتبر اليوم ثابتة النظام والقواعد، فكلمة Kodak تصور لنا صورة، هي صورة سمعية، حتى كأننا نحس صوت المفتاح، الذي يفتح الآلة، لالتقاط الصورة ويغلقها، فهل أحس مخترع الكلمة هذه القيمة، وأراد أن يحاكيها؟ إن هذا لجائز، ولكنه غير ضروري، غير أن هناك دائما اتفاقا غير شعوري، يقوم بين الأصوات والأشياء، فالانطباع الذي تحدثه كلمة غير معروفة، يمكن أن يختلف من سامع إلى آخر، ولكن هناك انطباعا على كل حال، إن قليلا وإن كثيرا. وإنما يقاس الفرق بدرجة حساسية السامع أو خياله، أو مجرد حالته

 

ص207

العصبية، فالذي يطلق عليه اسما مصنوعا من أوله إلى آخره، على شيء أيا كان، قد يكون مستهديا بتوافق نفسي، بين الأصوات والشيء نفسه.
هذا إلى أن كلمة: "كوداك" متمشية، مع قواعد اللغة التصويرية، فالسواكن تحتوي على نفس الحركة الصوتية، والحركات فيها نفس الجرس، الذي لآلة التصوير. وهذه الكلمة تعد على درجة من حسن الصياغة، تجعلنا نتساءل عما إذا كان في الإمكان، صياغتها على غير ما هي عليه. ولعل القدرة على خلق الكلمات، ليست إلا نوعا من الخداع. وهذه النتيجة تؤدي بنا إلى القاعدة اللغوية الكبرى، التي تقول: إن اللغات تسير على تحوير العناصر الموجودة، لا على الخلق، وهذا هو أول مبادئ النحو المقارن.
والمبدأ الثاني: هو أنه ليس ثمة بين الاصطلاح اللغوي، والشيء الذي وضع له هذا الاصطلاح، أية علاقة طبيعية، وإنما هي علاقة تقاليد. وهذا معناه أنه ليس هناك ارتباط طبيعي بين الاسم والمسمى، فالضمائر: "أنا" و"أنت"، و"هو" مثلا، ليس فيها شيء يدل بذاته، على أحد الأشخاص الثلاثة، وإنما تستعمل لأنه في جماعة بشرية ما، جرت التقاليد بأن تستعمل تلك الصيغ. ومن ثم نرى أكثر علماء اللغة حنكة، عاجزًا كغيره من الناس، أمام خطبة أو نص مكتوب بلغة مجهولة جهلا تاما.
فكثير من "كلماتنا، رموز تقليدية. ونحن نكتسب معاني هذه الكلمات، في طفولتنا المبكرة، ولكن بطريق التعلم؛ إذ لا يوجد في اللفظ ما ينبئ عن المدلول. فبالإضافة إلى عدم وجود أية علاقة بين كلمة "منضدة" وما تدل عليه مثلا، هناك شيئان يعارضان افتراض وجود أية علاقة طبيعية بينهما مهما كانت هذه الصلة غامضة، الأول: يتمثل في تنوع الكلمات، واختلافها في اللغات المختلفة. والثاني: يتبلور في الحقائق

ص208

التاريخية، فلو كانت معاني الكلمات كامنة في أصواتها، لما أمكن أن تتغير هذه الكلمات في لفظها ومدلولها، تغيرا يستحيل ربطه بالوضع الأصلي لها"(21).
ويتضح من هذا كله وضوحا كاملا "أن القيمة التي يدل عليها الرمز، تتم بطريق التحكم والفرض، وأنه ليس هناك أي رابطة فطرية بين اللفظ ومدلوله. ولو صح الافتراض القائل بوجود علاقة فطرية بينهما، لكان حتما أن يتكلم الناس لغة واحدة، ولكن الأمر على غير ذلك، فكلمة: dog في اللغة الإنجليزية: يقابلها: chien الفرنسية، perro الإسبانية Hund الألمانية وinu اليابانية.
"اللغة المتكلمة تعتمد إذن على الاصطلاح، والاتفاق الجماعي، مهما قل عدد أفراد الجماعة اللغوية. وهذا يضع اللغة حتما في قائمة الرموز، مثل عملة النقد الورقية، التي ترمز إلى قيمة شرائية معينة، وتعتمد في قيمتها على العرف والاتفاق بين أفراد المجتمع، لا على قيمتها الذاتية"(22).
والأشياء هي الأشياء، فلا يغير من حقيقتها التعبير عنها برموز لغوية مختلفة. وقد صدق "شكسبير" حين وضع على لسان "جولييت" هذه العبارة: "ماذا في اللفظ؟ إن ما نسميه: وردة، سوف يحتفظ برائحته الزكية، فيما لو سميناه باسم آخر"(23).
وتنتقل اللغات عموما بأحد طريقين:

 

ص209

الأول: باستعمال الأطفال لها في الحديث، إذ يتمثلون لغة ممحيطهم، أي لغة الهيئة الاجتماعية، التي ينتمون إليها.
الثاني: بتعلم الفرد لغة أخرى، علاوة على لغته الأولى، فإنه يكون عرضة لأن يدخل في لغته الأصلية، بعض عناصر اللغة الثانية، وينتهي الأمر بمواطنيه، الذين يجهلون اللغة الثانية، إلى أن يستخدموا تلك العناصر في استعمالهم العادي. وإنه لمن المعترف به اليوم، أن الاستعارة تلعب دورا هاما في نمو اللغات، وهي ليست ظاهرة شاذة، بل عادية كثيرة الحدوث، مثلها مثل انتقال اللغات من الآباء إلى الأبناء.
والمشكلة التي تعرض لمؤرخ اللغة، هي أنه ما دامت اللغات لا تخلق بل تغير، وما دامت العبارة اللغوية تقليدية، فإن من الواجب أن نميز في الاتفاقات، التي توجد بين لغتين أو أكثر، بين ما يعد منها نموا ذاتيا، وما يفترض قيام تقليد مشترك بين تلك اللغات، فمن الممكن أن يكون التوافق بين مفردات منعزلة، نتيجة للمصادفة البحتة، كما أنه من الممكن أن يكون ذلك نتيجة لاستعارة اللغتين من لغة واحدة. ولكن مجموعة الاتفافات في الصيغ النحوية، تدل على وحدة الأصل دلالة قاطعة.
واللغات في الواقع دائمة التغير. والتغيرات تنتج أولا عن الطريقين اللذين تنتقل اللغات بواسطتها، ففي كل مرة يتعلم الأطفال الكلام، تختلف اللغة التي يثبتون عليها عن لغة محيطهم. وهذه الاختلافات على صغرها في كل مرة تتجمع بتعاقب الأجيال. ومن جهة أخرى تستعير اللغات عن غيرها، وتلك العاريات تتجمع هي الأخرى. وثمة تغييرات أخرى تنتج عن مجرد استخدام اللغة، فالعنصر اللغوي الذي يستعمل، يصبح استعماله أكثر سهولة على المتكلم، وأكثر إلفا، ومن ثم أقل دلالة، وأسرع تغيرا، والاستخدام يبلى، كما يقولون!

ص210

والمبادئ الأساسية في المنهج المقارن، منها كذلك، مبدأ مضمونه أن التغيير لا يحدث على نحو مشتت غير مطرد، بل يحدث وفقا لقواعد ثابتة، يمكن أن نصوغها في دقة، إذا تناولنا لغة ما في عصرين متتابعين من تاريخ تطورها، وأن التغير يحدث على نحو مستقل متميز، في كل عنصر من عناصر اللغة الثلاثة: الصوت، والصيغة، والدلالة.
والقوانين الصوتية تعبر عن علاقة بين حالتين متتابعتين للغة واحدة، في وسط اجتماعي معين، فهو ليس قانونا عاما شبيها بقوانين علم الطبيعة أو الكيمياء. والقانون الصوتي يفترض تغيرا، ولكنه لا يبصرنا بسبب ذلك التغير.
وإذا عرضنا للصيغ النحوية، في فترتين متتابعتين من تاريخ اللغة، نجد اتفاقات ومقابلات مطردة. أما المفردات فلكل كلمة منها حياتها المستقلة، فالتغييرات التي تصيب كلمة ما، خاصة بتلك الكلمة، فإن أصابت غيرها، لم يعد ذلك بعض الكلمات المشابهة لها في المعنى، أو في الصيغة.

ص211

__________
(1) انظر: Robins Genersl Linguistics 287.
)2) Cook lntroduction to tagmemic analysis 15-17.
(3) أسس علم اللغة لماريوباي 137.
(4) أسس علم اللغة لماريوباي 176.
(5) اللغة لفندريس 375.
(6)انظر: لغات البشر لماريوباي 74.
(7) أسس علم اللغة لماريوباي 168.
)8) اللغة لفندريس 375.
(9) انظر: لغات البشر لماريوباي 74.
(10) اللغات السامية لنولدكه 11.
(11) اللغات السامية 11.
(12) العين للخليل بن أحمد 1/ 232.
(13) انظر: الزينة في الكلمات الإسلامية، لأبي حاتم الرازي 1/ 77.
(14) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/ 30.
(15) التعريف والإعلام 11.
(16) البحر المحيط 4/ 162.
(17) اللغة: 292-294.
(18) أسس علم اللغة لماريوباي 156.
(19)انظر: اللغات السامية لنولدكه 15، 16.
(20) انظر: علم اللسان 455-462.
(21) انظر: دور الكلمة في اللغة 70، 71.
(22) انظر: أسس اللغة لماريوباي 41.
(23) انظر: دور الكلمة في اللغة لأولمان 83.


 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات