أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
3509
التاريخ: 22-10-2015
3315
التاريخ: 31-01-2015
5953
التاريخ: 29-01-2015
3521
|
لو اردنا ادراك اهمية «فتح مكة» باطار الفهم المعاصر الحديث، لافترضنا اننا يجب ان نفهم آثارها او مقتضياتها بنفس درجة فهم اسبابها او عللها. فمع ان شجاعتي رسول الله (صلى الله عليه واله) وامير المؤمنين (عليه السلام) الفائقتين كانا من اهم عللها، فان آثارها كانت خطيرة للغاية. ذلك ان فتح مكة وضع القيادة الدينية الاجتماعية للعالم بيد المسلمين بعد ان كان المشركون يعيثون في الارض فساداً. فدخل الناس، مؤمنين باطناً او ظاهراً، في دين الله افواجاً. وقد تنبأ كتاب الله المجيد بتلك الاحداث بالقول: {نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 1، 2].
وتلك سورة مدنية نزلت بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة. حيث كانت السورة إخباراً بتحقق أمر لم يتحقق بعد. وهو الوعد الجميل بالنصر والفتح. وتلك السورة تنطبق على فتح مكة الذي هو اُمّ فتوحاته (صلى الله عليه واله) في حياته، حيث تكلل ذلك النصر بهدم بنيان الشرك في جزيرة العرب. ولذلك طلب الله عزّوجلّ من رسوله (صلى الله عليه واله) ان يسبحه وينـزهه بقوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] الآية. حيث تم اذلال الشرك وتعزيز التوحيد وابطال الباطل واحقاق الحق.
واصبح الاسلام بعد فتح مكة قوة عالمية تستطيع مواجهة قوى الفرس او الروم والانتصار عليهما، وتثبيت الامن العالمي في ذلك الوقت تحت شعار: لا اله الا الله، محمد رسول الله. وهذا كله يمثّل مصداقاً من مصاديق المقولة القرآنية: جاء الحق وزهق الباطل، ان الباطل كان زهوقاً.
أ - بدء عصر جديد:
ولاشك ان فتح مكة لم يكن مجرد عملية انهيار قوة عالمية وهي قوة المشركين، وانتصار قوة اعظم في المبدأ والعقيدة وهي قوة المسلمين. بل كانت عملية بدء عصر جديد يستمر فيه الاسلام حياً نابضاً فعّالاً الى يوم القيامة. لان الاسلام بطبيعته دين عالمي وليس ديناً محلياً يهتمّ بعرق معين او طائفة معينة. ويؤيده قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].
وقد كان للبطولة الخارقة دور حاسم في فتح مكة وتحطيم الاصنام فوق الكعبة وحولها، كما بحثنا ذلك سابقاً. وبتحطيم الاصنام أزف الوقت لإعلان عدم شرعية الشرك في معقل المشركين بمكة بقوة السلاح والايمان، واعلان انتقال السلطة العالمية من يد الشرك الى يد الايمان، وانتهاء التحدي الفكري الذي قاده الشرك القرشي ضد الاسلام.
ومن منطلق تلك الاحداث لابد من ادراك مقدار المكاسب التي حققتها بطولة اهل بيت النبوة (عليه السلام) في المعارك الاسلامية الكبرى. فقد دمر ذلك التفاني العجيب من اجل الدين، كل احكام الوثنية في البقاء. فلم تكن تلك المعارك صراعاً شخصياً بين بني هاشم وبني امية. ولم تكن تلك مواجهة شخصية بين رسول الله (صلى الله عليه واله) وأبي سفيان، او بين حمزة وابي جهل، او بين علي (عليه السلام) ومعاوية.
بل كان الصراع بين الخير والشر او الحق والباطل صراعاً تأريخياً بين معسكرين ذَوَي مبدأين متصارعين الى ابد الدهر. ولم يكن تسامح رسول الله (صلى الله عليه واله) مع اهل مكة الطلقاء ليغير من موقف النخبة الجاهلية. فحتى مع اظهار اسلامه، لا يزال ابو سفيان في قلبه شيء من رسالة محمد (صلى الله عليه واله)، ولا يزال يؤمن بأنه المُلك الذي حازه محمد (صلى الله عليه واله) واصبح به عظيماً، لا النبوة الخاتمة ولا وحي السماء. ولا يزال خالد بن الوليد يتصرف على ضوء عنجهيته الجاهلية فيقتل من لا يجوز قتله، وعنندها يتبرأ رسول الله (صلى الله عليه واله) من افعاله.
ان العداء التأريخي الذي كانت تكنّه قريش للاسلام ولرسول الله (صلى الله عليه واله) ولعلي (عليه السلام) لم يكن ليزول باعلان الشهادتين على اللسان دون القلب. ذلك ان فتح مكة كان اظهار قدرة الله سبحانه على اعزاز الاسلام وتكريمه وتجليل خاتم الانبياء (صلى الله عليه واله). وقد نصر الله الاسلام على رغم انوف صناديد قريش من الذين تشربت في قلوبهم عبادة الاوثان والاصنام.
ولذلك كانت النبوة امراً لا تستطيع قريش هضمه او استيعابه. فما هي تلك القوة الهائلة التي تستطيع ان تحرك القلوب نحو الله ضد الشيطان والشرك والرجس؟ وما هو سر ذلك التسامي العظيم لرسالة محمد (صلى الله عليه واله) بين الامم؟ وما هو سر شجاعة علي (عليه السلام) الفائقة وتفانيه في حماية الرسالة السماوية؟ وما هو السر في استبسال تلك النخبة المؤمنة التي كانت تحيط برسول الله (صلى الله عليه واله) وتصحبه؟ لا شك ان تلك النخبة كانت اشدّ تماسكاً في اتباع قائدها (صلى الله عليه واله) من غيرها من نخب الملل والمذاهب، فهذا علي (عليه السلام) يصعد على كتف رسول الله (صلى الله عليه واله) ليحطم الاصنام، في وقت كان شعارهما: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً. وكان حمزة (رض) متفانياً في الدفاع عن الاسلام ونبيه (صلى الله عليه واله)، وكان ابو طالب ومواقفه الاجتماعية العظيمة تفصح عن عمق ايمانه برسالة محمد (صلى الله عليه واله)، وكان تفاني جعفر بن ابي طالب مشهوداً من اجل الاسلام ورسالته السماوية للبشرية.
ب - إعادة تركيب العالم:
وبذلك فقد كان الشعور الوجداني بين النخبة المؤمنة هو ان يزدهر الخير بين البشر وتتحقق كلمة التوحيد وعبادة الله سبحانه. وبذلك كان فتح مكة اعادة لبناء التركيب السياسي والاجتماعي للعالم على ضوء الدين الجديد. في وقت كان العالم يبحث فيه عن قيادة جديدة تحقق العدل الاجتماعي والامان والتوحيد، فكانت قيادة رسول الله (صلى الله عليه واله) تحقق ثبات دولة الايمان العالمية ونظامها الامني والحقوقي.
والسبب في البحث عن قيادة عالمية جديدة ان العالم يتضمن شعوباً متباينة في التقاليد والعادات واللغات، ولا يمكن ان يجمعها الا دين سماوي واحد. فكان الاسلام هو الدين القادر على جمع ذلك العدد الهائل من البشر تحت سقف خيمة واحدة يظللها لواء واحد. ولا يستطيع احد تحمل مسؤولية ادارة ذلك التجمع العالمي اجتماعياً وسياسياً الا رسولٌ يوحى اليه. فكان رسول الله (صلى الله عليه واله) هو حامل المسؤولية العالمية. وكان من خلفه المؤهل الاول لتسلمالقيادة الدينية بعده (صلى الله عليه واله) أمير المؤمنين (عليه السلام).
فقد كان (عليه السلام) موضع ثقة رسول الله (صلى الله عليه واله) في فتح مكة. فعندما قال الناس: اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحل الحرمة. دعاه النبي (صلى الله عليه واله) لتدارك الوضع الخطير الذي كان سيؤدي حتماً الى سفك الدماء. فكان علي (عليه السلام) منقذ الموقف. وعندما قال خالد بن الوليد بقتل من قتل من بني جذيمة، وداهم رسول الله (صلى الله عليه واله) فبعث اليهم علياً (عليه السلام) لتسوية الوضع. وقبلها كان علي (عليه السلام) ثقة ابي سفيان رأس الشرك الذي حارب الاسلام والنبي (صلى الله عليه واله) وعلياً (عليه السلام) اشد حرب. فكان علي (عليه السلام)، إذا صحت الرواية، ألينهم معه. وهكذا كان خلق الانبياء والاوصياء. وهذا تعامل رسول الله (صلى الله عليه واله) في مكة مع الطلقاء.
ويمكننا الآن ان نقول باطمئنان بأن فتح مكة كان من طراز الفتوحات الكبرى للاسباب التالية:
1ً - رجع رسول الله (صلى الله عليه واله) منتصراً الى البلدة التي حاربته واضطهدته وتآمرت على قتله واخرجته بالاكراه. فبعد ثمان سنوات فقط من الهجرة الكبرى من مكة الى المدينة، رجع المصطفى (صلى الله عليه واله) الى بلدته مكللاً بالانتصار.
2ً - دخل خاتم الانبياء (صلى الله عليه واله) الكعبة وبجنبه علي (عليه السلام) وحطما الاصنام التي كانت تعتبر رمز الشرك في عالم ذلك الزمان، وفي كل زمان. وأرجع (صلى الله عليه واله) للكعبة الشريفة حرمتها النبوية التي وضعها ابراهيم الخليل (عليه السلام) ولوثتها جاهلية الاوثان والاصنام.
3ً - كان رداء المصطفى (صلى الله عليه واله) التسامح مع ألد اعدائه: مشركي قريش. فأعطاهم الامان، وقال لهم: اذهبوا فانتم الطلقاء. وكان هؤلاء قد ارتكبوا اعظم الفظائع ضد الموحدين المسلمين.
4ً - كان فتح مكة إيذاناً لتحرير الجزيرة العربية من الشرك، والاذعان لسلطان الاسلام. وبعدها تهيأ رسول الله (صلى الله عليه واله) لمحاربة القوى الاخرى في العالم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|