المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الحث على المشاورة والتواضع
2024-04-24
معنى ضرب في الأرض
2024-04-24
معنى الاصعاد
2024-04-24
معنى سلطان
2024-04-24
معنى ربيون
2024-04-24
الإمام علي (علي السلام) وحديث المنزلة
2024-04-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


علم اللغة والمجتمع الإنساني (علم اللغة وعلم الاجتماع علم الاجتماع)  
  
10077   02:13 مساءً   التاريخ: 5-12-2018
المؤلف : د. رمضان عبد التواب
الكتاب أو المصدر : المدخل الى علم اللغة
الجزء والصفحة : ص125- 136
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / علم اللغة والعلوم الأخرى / علم اللغة وعلم الاجتماع /

الفصل الثالث: علم اللغة والمجتمع الإنساني
ليست اللغة بمعزل عن العلوم الأخرى، فلها "ارتباط وثيق بعلوم الطبيعة، فإن أصوات لغة الكلام، تنتج وتستقبل عن طريق أجهزة الجسم الإنساني. وتركيب هذه الأجهزة ووظائفها جزء من علم وظائف الأعضاء. وكذلك فإن انتقال الصوت على شكل موجات صوتية عبر الهواء، يدخل في اختصاص علم الطبيعة، وبخاصة ذلك الفرع، المعروف بعلم الصوت. ولكن اللغة، من ناحية أخرى، لها علاقة وثيقة بعلم الإنسان، وعلم الاجتماع، باعتبارها نتاج علاقة اجتماعية، ووسيلة نقل الثقافة، التي تعد من وجهة نظر علم الإنسان، مجموعة تقاليد الشعب، وأوجه استعمالاته للغته. وبالنظر إلى وظيفة اللغة، كتعبير عن الفكر، يمكن اعتبار اللغة جزءا من علم النفس"(1).
ونتناول في هذا الفصل، علاقة اللغة بالمجتمع الإنساني، وقد ذكرنا من قبل، أن اللغة نشاط اجتماعي، من حيث إنها استجابة ضرورية، لحاجة الاتصال بين الناس جميعا، ولهذا السبب يتصل علم اللغة اتصالا شديدا، بالعلوم الاجتماعية، وأصبحت بعض بحوثه تدرس في علم الاجتماع، فنشأ لذلك فرع منه يسمى: "علم الاجتماع اللغوي"، يحاول الكشف عن العلاقة بين اللغة والحياة الاجتماعية، وبين أثر تلك الحياة الاجتماعية في الظواهر اللغوية المختلفة.

ص125

وقد تنبه اللغويون إلى مثل هذه البحوث، بعد أن رأوا الدراسات، التي تقوم بها المدرسة الاجتماعية الفرنسية، التي أنشأها "دوركايم" Durkheim في أوائل القرن العشرين، وانضم إليها كثير من علماء اللغة في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وسويسرا والدانيمارك، وكثير من أساتذة الجامعات في أوربا وأمريكا.
ومن العلماء من لم ينضم انضماما إيجابيا إلى هذه المدرسة غير أنهم تأثروا بعقلية "دوركايم" الجبارة، وبذلك أصبحت بحوث المدرسة الاجتماعية الفرنسية، أساسا للبحوث اللغوية في كثير من الأحيان؛ إذ طبقت نظريات علم الاجتماع العام على اللغة، وحاول الباحثون أن يبينوا لنا أثر المجتمع ونظمه وحضاراته المختلفة، على الظواهر اللغوية، باعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي أولا وقبل كل شيء، ولذلك كانت اللغة كائنا حيا كالإنسان سواء بسواء؛ لأنها ألصق الظواهر الاجتماعية به.
ويقول فندريس: "في أحضان المجتمع تكونت اللغة، ووجدت يوم أحس الناس بالحاجة إلى التفاهم بينهم، وتنشأ من احتكاك بعض الأشخاص، الذين يملكون أعضاء الحواس، ويستعملون في علاقاتهم الوسائل التي وضعتها الطبيعة تحت تصرفاتهم، الإشارة إذا أعوزتهم الكلمة، والنظرة إذا لم تكف الإشارة"(2).
وهكذا يرى "فندريس" أن اللغة تنتج من اللاحتكاك الاجتماعي، ثم تصبح عاملا من أقوى العوامل، التي تربط أفراد المجتمع الإنساني، ويرى علماء الاجتماع أن الظواهر الاجتماعية لها قوة قاهرة آمرة، تفرض بها على أفراد

ص126

المجتمع، ألوانا من السلوك والتفكير والعواطف، وتحتم عليهم أن يصبوا سلوكهم وتفكيرهم وعواطفهم، في قوالب محددة مرسومة -على حد تعبيرهم.
ويدل على وجود القهر في الظواهر الاجتماعية -عند علماء الاجتماع- أن الفرد إذا حاول الخروج على إحدى هذه الظواهر الاجتماعية، فإنه سرعان ما يشعر برد فعل مضاد من المجتمع الذي يعيش فيه؛ ذلك لأن المجتمع يشرف على سلوك أفراده. ويستطيع توقيع العقاب، على كل من تسول له نفسه الخروج عليه. وأهون صور هذا العقاب، هو التهكم الشديد، أو السخرية المرة.
والأمثلة على وجود هذا القهر، أن المجتمع لا يسمح لنا مثلا أن نتحدث باللغة العربية لمن يفهمها، ولا أن نحدث العامة مثلا باللغة الفصحى، التي لا تسمو إليها مداركهم، فإن كل من يحاول الخروج على السلوك اللغوي لجماعته، يعد خارجا على الظواهر الاجتماعية نفسها.
وقصة أبي علقمة الثقفي، الذي اشتهر باستعمال الغريب والوحشي من الألفاظ، في حواره مع طبيب جاءه يشكو إليه من مرض ألم به، خير مثال لهذه القضية، من تراثنا العربي، فقد "دخل أبو علقمة على أعين الطبيب، فقال له: أمتع الله بك! إني أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسئت طسأة، فأصابني وجع ما بين الوابلة إلى دأية العنق، فلم يزل يربو وينمي حتى خالط الخلب والشراسيف، فهل عندك دواء؟ فقال أعين: نعم، خذ خربقا وشلفقا وشبرقا، فزهرقه وزقزقه، واغسله بماء روث واشربه. فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك! فقال أعين: أفهمتك كما أفهمتني"(3).

ص127

ويروى أن الشيخ "حمزة فتح الله" رحمه الله، وكان مفتشا بالمدارس المصرية، قدم ذات يوم من رحلة تفتيشية له بمدارس الريف، وعندما وصل به القطار إلى محطة القاهرة نظر حوله، لعله يجد رجلا يحمله على حماره إلى بيته -أيام كانت الحمير هي الوسيلة الوحيدة للنقل- فبصر برجل يجر خلفه حمارا فناداه: "أيها المكاري! "، فقال الرجل: "نعم" فقال الشيخ حمزة: "إيتني بأتان جمزى! "، فظن الرجل أنه يتكلم لغة أجنبية، فقرب منه، وجعل يستطلع جلية ما يريد، حتى أخذ منه الجهد، ولم يحظ منه بطائل. وهنا حلت العقوبة بالشيخ حمزة؛ إذ تركه صاحب الحمار، وذهب لحال سبيله، وهرول الشيخ إلى بيته، وهو يقول:
مشيناها خطى كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطى مشاها(4)
وهذا القهر الذي يفرضه المجتمع على أفراده، يختلف بالطبع شدة وضعفا، إلا أنه موجود دائما، حتى ولو لم نشعر به حين نستسلم له. ويرى علماء الاجتماع، أن ضروب السلوك والتفكير، لا توجد خارج شعور الفرد فحسب، بل تمتاز كذلك بقوة قاهرة آمرة، هي السبب في أنها تستطيع أن تفرض نفسها على الفرد، شاء أم أبى. حقا إن الإنسان ربما لا يشعر بهذا القهر، أو لا يكاد يشعر به، حين يستسلم له بمحض اختياره؛ لأن الشعور بالقهر في مثل هذه الحالة ليس مجديا، ولكن ذلك لا يحول دون أن يكون القهر من خصائص الظواهر الاجتماعية.
ويهمنا هنا بالطبع اللغة، من بين الظواهر الاجتماعية، وهي أداة للتعبير عما يدور في المجتمع، فهي تسجل لنا في دقة ووضوح الصور المختلفة المتعددة الوجوه، لهذا المجتمع، من حضارة ونظم وعقائد، واتجاهات فكرية وثقافية، وعلمية وفنية واقتصادية وغير ذلك.

ص128

واللغة بدورها تتأثر بكل هذه الظواهر الاجتماعية، تأثرا كبيرا، فهي بدوية في المجتمع البدوي غير المتحضر، ولذلك نجدها فيه محدودة الألفاظ والتراكيب والخيال، ليست مرنة ولا تتسع لكثير من فنون القول. أما إذا كانت اللغة في مجتمع قد أخذ قسطا من الحضارة، فإننا نجدها متحضرة الألفاظ، مطردة القواعد، يسيرة في نطقها، خفيفة الوقع على السمع.
واللغة في المجتمع البدائي كثيرة المفردات، فيما يتعلق بالأشياء المحسوسة، والأمور الجزئية، قليلة الألفاظ التي تدل على المعاني الكلية، فالرجل البدائي "قد توجد لديه كلمات خاصة للدلالة على المعاني الجزئية، كغسل نفسه، وغسل رأسه، وغسل شخص آخر، وغسل رأس شخص آخر، غسل وجهه، وغسل وجه شخص آخر ... إلخ، في حين أنه لا توجد لديه كلمة واحدة، للدلالة على العملية العامة البسيطة، وهي: مجرد الغسل"(6).
وكثيرا ما تخلو مدلولات الكلمات، في هذا المجتمع البدائي، من الدقة، ويكثر فيها اللبس والإبهام، وهي غالبا لا تعبر إلا عن ضرورات الحياة اليومية، ولذلك كانت جملها قصيرة، وروابطها قليلة. ولا يزال بعض هذه اللغات البدائية. يعتمد حتى الآن اعتمادا كبيرا، على الإشارات اليدوية والجسمية، لإعطاء المعنى المقصود، من الألفاظ التي ينطقونها، إلى درجة أن الأهالي يوقدون النيران ليلا، لكي يتمكنوا من فهم ما يقال؛ لأن الإشارات التي تصحب الكلام، تكمل الناقص من المفردات، وتحدد مدلول الكلمات.

ص129

ولا تزال في اللغات الراقية، بقايا هذه البدائية، في بعض الإشارات الجسمية الموضحة للمراد من الكلام، في بعض الأحيان. وهذا هو السر في غموض بعض كلمات الحديث التليفوني، أو أحاديث الظلام. وقد روى لنا ذلك "ابن جني" فقال: "وقال لي بعض مشايخنا رحمه الله: أنا لا أحسن أن أكلم إنسانا في الظلمة"(7). كما يقول ابن جني أيضا: "وكذلك إن ذممت إنسانا، ووصفته بالضيق، قلت: سألناه وكان إنسانا! وتزوي وجهك وتقطبه، فيغني ذلك عن قولك: إنسانا لئيما أو لحزًا أو مبخلا أو نحو ذلك"(8).
وتعكس اللغة أثر التفاوت بين طبقات المجتمع. وفي ذلك يقول "ماريو باي": "من المسلم به أن اللغة تتغير، تبعا للطبقة التي تتحدث بها. وقد صرح بعض هواة اللغويات في بريطانيا، بأن هناك نوعين من اللغة، أحدهما وقف على الطبقة الراقية، ولا يمتد استعماله إلى الطبقة الدنيا، والآخر لا يستخدمه إلا أفراد الطبقة الدنيا. وهناك لغات تصل الفوارق الطبقية فيها إلى أبعد من ذلك، فهناك مثلا ثلاثة أنواع للغة "جاوا"، أحدها يتحدث به أهل الطبقة الدنيا ويسمى: نجوكو Ngoko والآخر تستخدمه الطبقة الراقية، ويسمى كراما Krama وثالث لتسهيل عملية التفاهم بين الطبقتين، ويسمى: ماديا Madya. ويتحدث أفراد الطبقة الراقية في بعض التمثيليات الهندية القديمة: اللغة السنسكريتية، على حين يتحدث أفراد الطبقة الدنيا: اللغة البراكريتية"(9).

ص130

ولا شك أن التغير الاجتماعي، في بيئة من البيئات، يتبعه تغير في شيء من اللغة المستعملة في تلك البيئة. ويكفي أن نذكر بأن قيام ثورة 23 يولية في مصر، أدى إلى تغير في النظام الاجتماعي، تبعه اختفاء كلمات مثل: بك، وباشا، وصاحب العزة، وصاحب السعادة، وصاحب الدولة، وصاحب المعالي، وصاحب الرفعة، وصاحبة العصمة، والبرنس، وسمو الأمير، وصاحب الجلالة، والذات الملكية. كما شاعت ألفاظ مثل: ثورة التحرير، والعزة والكرامة، والتأميم، والاشتراكية، والتحول الاشتراكي، والمكاسب الاشتراكية، والتقدمية، والرجعية، والتطلع الطبقي، والصراع الحتمي، وتذويب الفوارق الطبقية، ونضال الجماهير، والنقاء الثوري، والقيادة الجماعية، والجماهير الكادحة، والعناصر الانتهازية، والمصير المشترك، والسلام القائم على العدل، وفك الاشتباك. وغير ذلك كثير.
وكثيرا ما يؤدي التفاوت بين طبقات المجتمع، إلى نشوء لغات سرية عامية، هي بنوع خاص لغة الأشقياء والخارجين على القانون، ممن يعيشون في خوف دائم من سطوته؛ لأنهم يحيون حياة على هامش المجتمع.
ويقول قندريس: "كان عندنا، حتى بداية القرن التاسع عشر، هيئة منظمة حقا للأشقياء، وكانت لها لغتها الخاصة المتفق عليها، والتي كان يعمل كل عضو من أعضاء الهيئة، على المحافظة عليها"(10).
ونحن نعرف عن هذه اللغة الخاصة في كل البلاد، غناها بالتعبيرات التي تشبع الغرائز المادية، والصفات المذمومة التي تنطوي على الجريمة، كالسرقة والزنا والسكر، وما إليها من أنواع الانحلال الخلقي، ففي لغة هذه

ص131

الطبقات من أهل فرنسا مثلا، نجد ثماني عشرة كلمة تعبر عن الأكل، وعشرين عن معاقرة الخمر، وعشرين أخرى للتعبير عن الخمر نفسها، وأربعين لفظا تعبر عن السكر. ولخشيتهم دائما من سطوة القانون، جعلوا للشرطي اثنتي عشرة كلمة، وللفرار منه خمسة عشر لفظا، كما سموا السجن معهدا ومدرسة، والبؤس فلسفة وسموا الحذاء البالي فيلسوفا. أما المال الذي يستحوذ على أفكارهم وقلوبهم، فقد وضعوا له ستين كلمة. والبغايا اللاتي يعشن معهم دائما، وضعوا لهن ثمانين كلمة، تعد كلها وابلا من السباب بأحط الألفاظ. أما السيدة الفاضلة، فليس لها كلمة واحدة في لغتهم. والرجل المستقيم، يعبرون عنه بالبساطة، ومعناها في عرفهم الغفلة والغباء.
وكثيرا ما توجد في هذه اللغات العامية الخاصة نشاط وحيوية؛ إذ نجدها مليئة بالاصطلاحات المجازية والاستعارية المتجددة "فالاستعمال الاستعاري من الوسائل المحببة إلى العامية الخاصة" (11). ويقول في ذلك ماريو باي: "الصوتيات وأصول الكلمات ملك مشاع لكل الطبقات الاجتماعية، على حين تظهر الاختلافات الطبقية، في اختيار المفردات اللغوية، وطريقة استعمالها"(12).
ولا يطلق اصطلاح "اللغات الخاصة" على هذه اللغات السرية فحسب، وليست كل ألفاظها فحشا، وليست كل تراكيبها تعبيرا عن الرذيلة والجريمة؛ إذ إنه "يوجد من العاميات الخاصة بقدر ما يوجد من جماعات متخصصة. والعاميات الخاصة تتميز بتنوعها الذي لا يحد، وأنها

ص132

في تغير دائم تبعا للظروف والأمكنة، فكل جماعة خاصة، وكل هيئة من أرباب المهن، لها عاميتها الخاصة، فهناك عامية التلاميذ الخاصة، وهي غير واحدة في كل المدارس، بل تختلف أحيانا باختلاف الفصول في المدرسة الواحدة. وهناك عامية الثكنات الخاصة، التي تختلف باختلاف الأسلحة، بل تختلف باختلاف الثكنات أيضا. وهناك عامية الخياطات الخاصة، وعامية الغسالات، وعامية عمال المناجم، وعامية البحارين"(13).
"فكل مجموعة إنسانية، مهما صغرت، لها لغتها الخاصة بها. فهناك في دائرة الأسرة والمكتب والمصنع ومطاعم الجنود، تتوالد الكلمات والعبارات والمعاني الهامشية والألغاز، وطرق التعبير الأخرى، التي تختص بهذه البيئات، والتي يصعب إدراكها على من لم ينتم إليها. وهذا هو الحال كذلك في المجموعات الكبرى، التي يربطها رباط المصالح المشتركة، كالمهنة، والحرفة، والتجارة، والانتماء إلى مختلف فروع العلم والفن والصحافة، والقوات المسلحة، والهيئات الأكاديمية والرياضية وغيرها.
فلكل من هذه المجموعات ثروتها اللفظية الخاصة بها، وهي ثروة تعكس خصائص الموضوعات والمناقشات، التي يتناولها الأعضاء فيما بينهم، وتسهل اتصالهم بعضهم ببعض، ولكنها في الوقت نفسه، تزيد في الهوة التي تفصلهم عن غيرهم، ممن لا ينتمون إليهم. هذا الاتجاه نفسه موجود في اللهجات الطبقية الخاصة، كلهجات السوقة واللصوص. ويقوي هذا الاتجاه في هذه اللهجات النزعة إلى خلق مصطلحات صادقة التعبير، وحاوية لعناصر الفكاهة والدعابة، وكاشفة عن الروح البيئية الخاصة"(14).

ص133

وقد تتسرب بعض ألفاظ هذه العاميات، إلى اللغة الأدبية، حينما يستخدم أحد الكتاب أو الشعراء لفظه من ألفاظ العاميات الخاصة في كلامه، فيقابل بالإعراض واللوم من الغيورين على اللغة الأدبية. وقد حدث مثل ذلك في فرنسا نفسها، فلم يكن الاعتراف بهذ التراكيب العامية أمرا ميسورا؛ إذ نشبت معركة شديدة بين القدماء والمحدثين، بين من يرون أن اللغة الفرنسية الحقة، هي لغة كبار الكتاب والشعراء، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، هي لغة: موليير، وراسين، ولامرتين، وفولتير وغيرهم، وأن من الخطر الشديد أن ندنس هذه اللغة الأدبية الفصيحة، بلغة عامية مبتذلة وبين أولئك الذين كانوا ينظرون إلى اللغة على أنها كائن حي يتطور على مر الزمن.
وقد اضطرت الأكاديمية الفرنسية أخيرا إلى الاعتراف بكثير من الألفاظ الفرنسية العامية، التي رد لها الأدباء والشعراء اعتبارها، فأدخلتها في معاجمها، وبذلك انتصر المحدثون، فأصبحنا نرى كثيرا من الألفاظ العامية، التي كانت مستعملة في القرن الثامن عشر، وقد صارت ضمن مواد معجم الأكاديمية الفرنسية الذي يعد في فرنسا، المعجم اللغوي الرسمي. وستصبح الكثرة الغالبة من الألفاظ والتراكيب المستعملة في القرن العشرين، بدورها ألفاظا وتراكيب رسمية يوما ما.
هذه التفاعلات الشديدة بين المجتمع واللغة، قد وجد يوم تكونت المجتمعات البشرية، ويوم خلقت اللغات الإنسانية. وستظل هذه الصلة وثيقة دائما، فتنقل لنا اللغات، ما يدور في هذه المجتمعات من نظم مختلفة، وما يتصف به الأفراد في هذه المجتمعات، من علم وثقافة، ونظم اجتماعية مختلفة.

ص134

ومن البديهي أن لكل مجتمع طرقه في التفكير، ونظرته الخاصة إلى الحياة، فهناك مجتمع يتصف بصراحة شديدة مثلا، يراها مجتمع آخر خشنة جافة، لا تتلاءم وقواعد السلوك العامة، وعندئذ نجد فراقا واضحا في لغة كل مجتمع، من هذين المجتمعين، فلغة المجتمع الأول تعبر بصراحة مباشرة، عن الأمور المشينة والعورات، والأعمال التي لا ينبغي أن تذكر في عبارات مكشوفة. أما لغة المجتمع الثاني، فتتلمس دائما حسن الحيلة وأدب التعبير، مستعملة المجاز في الألفاظ، والكناية بدلا من صريح القول، وكلما شاع معنى لفظ واستهجن، استبدلت به سريعا لفظا آخر، ولو كان مستعارا من لغة أجنبية.
والخلاصة أن علم اللغة أصبح يعد الآن، ضمن طائفة العلوم الاجتماعية، ويتصل اتصالا وثيقا بغيره من هذه العلوم، كالأديان، والتاريخ، والآداب، والسياسة، والاقتصاد وغيرها، وأن الظواهر اللغوية متأثرة تأثرا مباشرا بالظواهر الاجتماعية. وفي بعض الأحيان، لا تفهم الظواهر الأولى إلا بمساعدة الثانية، فنشأة اللغات، وتكونها، وانقسامها إلى أسر مختلفة، وانتشارها، وما يطرأ عليها في حياتها من قوة أو ضعف، وما تدخل فيه لغة من صراع مع غيرها، وانتصارها أو هزيمتها في هذا الصراع اللغوي، وما يستتبع هذا من تطورات في أصواتها، أو تغير في مدلولات ألفاظها، واستعارة الألفاظ وتبادلها بين اللغات، واخضاعها لقوانين الأصوات في اللغة المستعيرة، وغير ذلك كل هذه الظواهر التي ذكرناها وغيرها، لا يمكن أن تعرف على حقيقتها، إلا إذا ألقت عليها الظواهر الاجتماعية، ضوءا يكشف ما قد يخفى علينا من غزوات وحروب، وما يستتبع هذا من تغلب أمة على أخرى، ومن هجرات ترجع إلى طبيعة قاسية، أو أرض مجدبة، ومن انتشار

ص135

دين جديد ينتزع ما سبقه من ديانات، أو يعيش بجوارها متغلبا عليها، ومن حضارات تندثر وأخرى تنتشر، وما إلى ذلك من المظاهر المختلفة، للحياة البشرية الاجتماعية المعقدة.

ص136


__________
(1) انظر: أسس علم اللغة لماريوباي 42.
(2) اللغة لفندريس 35.
(3)انظر عيون الأخبار 2/ 162.
(5) انظر اللغة بين المعيارية والوصفية 65.
(6) دور الكلمة في اللغة لأولمان 116.
(7)الخصائص 1/ 247.
(8) الخصائص 2/ 371.
(9) لغات البشر 82، 83.
(10) اللغة لفندريس 316.
(11) اللغة لفندريس 317.
(12) لغات البشر 83.
(13) اللغة لفندريس 315.
(14) انظر: دور الكلمة في اللغة لأولمان 153.


 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع