أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-5-2022
18194
التاريخ: 2023-05-03
1092
التاريخ: 31-5-2022
1851
التاريخ: 26-10-2015
4118
|
إن القائلين (1) بأولوية الإصلاح السياسي، ينطلقون من أن الفراغ الحاصل في الوطن العربي هو جوهر الأزمة التي تمر بها المجتمعات العربية شعوبا وحكومات، ومن تم فإن المشكلة الأساسية في عجز النظم الحاكمة من إدارة مجتمعاتها وقيادتها نحو أهداف الحرية والتنمية، وبسبب هذه الأنظمة انحدر الواقع السياسي لهذه المنطقة إلى مدار التخلف والضياع ، بل تفاقمت فيه الآثار المنتجة لفساد النظم الحاكمة، وعجزها عن تقديم مبرر وجودها واقدام أي أساس لشرعيتها (2) . وعليه فقد شهدت المنطقة العربية تغييرا مهما جاء بعد موجة الثورات الشعبية التي عرفتها جل الدول العربية، تمثل في اكتساب لغة الحكم الديمقراطية ذاتها قيمة رمزية كبيرة كمعيار تقاس في ضوءه العمليات والمؤسسات أو تواجدت حاجة ملحة لمراجعة نظم إدارة الحكم في الدول العربية، واعادة هيكلتها في سبيل تحقيق تنمية انسانية مستدامة وأنظمة ديمقراطية رشيدة (3) . الأنظمة العربية في مجملها لم تصل إلى مفهوم الدولة القانونية والى فلسفة الديمقراطية كأسلوب لسلطة الحكم في قيادة الدولة والمجتمع، مما يفسر عدم ترسيخ الدستورية في المجال السياسي العربي، والحاجة إلى تحقيق نقلة نوعية لانتصار الشرعية الدستورية في الأنظمة السياسية العربية. الاصلاح الدستوري يعني تحقيق مصطلح ''الدستور الديمقراطي" حيث أنه يشترط أن تتوفر الدولة على دستور يحدد حكمها وطبيعة نظامها وينظم علاقات سلطتها، ويضمن حقوق وحريات أفرادها، إلا أن الدستور وحده لا يكفي لاكتساب الدولة المشروعية المطلوبة. بل تصبح هذه الأخيرة حقيقة مقبولة حيث تتعزز وثيقة الدستور بالاحترام، وتحاط بالشروط الكفيلة بضمان صيانتها، أي حين تتحقق الشرعية الدستورية " (4) Légalité constitutionnelle ." إن أهم ما يميز الدستور الديمقراطي " Constitution democratique " ويجعله جديرا بهذه الصفة هو استناده إلى جملة من الصفات التي تضفي صبغة الديمقراطية عليه وتبعده عن الدساتير الموضوعية. الدستور وجد عموما لتقييد السلطات عن التمادي وصيانة الحقوق الأساسية للإنسان، فلا فائدة من دستور إذا قصدت السلطات الحاكمة عدم تطبيقه، كما أنه لا فائدة في وجود من يحسن تطبيقه، إذا كان الدستور الذي يطبقونه ناقصا معيبا (5) ، فوجود دستور متكامل (6) ضروري، كما أن وجود من يحسن تطبيقه ضروري أيضا. إذا كانت بعض الأمم يعيرون القليل من الانتباه إلى ما كتب في دساتيرهم، فلماذا يزعجون أنفسهم بكتابتها أصلا؟، إذ أن الدساتير تحقق العديد من الأدوار فهي تعبر عن المثل الوطنية، وتنظيم هيكلة الحكومة، وتبرر حق الحكومات في الحكم. فهي إذن تنظم الكيان السياسي عموما، وتشكل الهيكل الأساسي له وتعرف المحددات التي من خلالها تمارس السلطة السياسية (7) . ومما تقدم يتضح أن الغاية الأساسية للدستور الديمقراطي هي:
بيان المثل الوطنية: غالبا ما تتضمن ديباجة الدساتير مجموعة من المبادئ والقيم والتطلعات، تجسد المثل الوطنية وأهداف الحكومة، وبهذا الصدد فقد نص الدستور الأمريكي النافذ
سنة 1787 وفي ديباجة على أن الأمة الأمريكية تسعى إلى أهداف عدة أهمها تشكيل وحدة متكاملة، إقامة العدل، الاستقرار الداخلي، صيانة الحرية....إلخ (8) .
هيكلة الحكومة: الدستور إضافة إلى بيانه المثل العليا، هو عبارة عن مخطط، ووصف مكتوب، يعرف السلطة ويحدد صلاحيات كل فرع من فروع السلطة، ويوفر القنوات التي من خلالها يتم حل النزاعات، ووفقا لنظام فصل السلطات، الدستور يوزع السلطات والمسؤوليات بين الفروع المختلفة، ويحدد صلاحيات كل فرع (9) .
إقرار شرعية الحكومة: أي إصباغ الشرعية على الحكومة، وعلى الرغم من أن هذه الوظيفة دون شك رمزية، لكنها عمليا من غير الممكن إنكارها الكثير من الأمم في المجتمع العالمي لا تعترف بالدول الجديدة إلا إذا تبنت دستور مكتوب، فهو رمز الديمقراطية والمسؤولية (10) . فأغلب الدساتير التي تمت كتابتها بعد فترة وجيزة من تغيير النظام، أغراضها كانت تتمثل في إقامة دعم لحق النظام في الحكم. صيانة الحقوق والحريات العامة: إلى جانب تنظيم آليات عمل الحكومة ومسؤوليتها، إن الغاية الأساسية في الدستور الديمقراطي هي صيانة الحقوق والحريات العامة للأفراد، فعلى الرغم من كون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو المنبع الأساسي لهذه الحقوق، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية، نادرا ما نجد دستور يخلو من هذه الحقوق والحريات، بغض النظر عما أشير بصدد قيمتها القانونية، نظ ا لما يتميز به الدستور من مكانة على صعيد القانون الداخلي (11) .
الدستور الديمقراطي يضع أسس الدولة الحديثة وخصائص النظام السياسي الديمقراطي الجديد من حيث المرجعية العليا ومن حيث مؤسسات الحكم والدولة وطبيعة العلاقات بين هذه المؤسسات ومن حيث تفعيل قنوات المشاركة في الحياة السياسية من أحزاب ونقابات وراي عام.
يعتبر الفقيه ''جيوفاني سارتوري''هذه الوظيفة الركن الركين للدساتير بالنظر إلى أن الدساتير التي تصدر من دون وثيقة للحريات تظل دساتير بشكل آخر، أما الدساتير التي تأتي بغير الأطر السياسية والدستورية للنظام السياسي، فلا يمكن اعتبارها دساتير من الأساس (12) كما أن الدستور الديمقراطي يتضمن آليات وضمانات، يجب أن تتخذها الدولة لاحتارم هذه الحقوق اولحريات العامة للأغلبية والأقلية على قدم المساواة. التقريب بين القوى المجتمعية واستخدام كل الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية لتحقيق الاندماج الاجتماعي واعادة بناء هوية وطنية.
لعل من الأمور ذات الأهمية في دولنا العربية هي معالجة الانقسامات التي تسببت فيها أنظمة الحكم الشمولي، التي لعبت في أحيان كثيرة على تعميق الانقسامات الدينية والمذهبية ضمن استراتجيتها للبقاء كالانقسامات التي أدت إلى أزمات هوية جادة في بعض الأحيان كملامح طائفية، كما في السودان اليمن العراق مصر .. الخ، أو بملامح عرقية وثقافية كما الحال مع البدو النوبيين في مصر وأهل دارفور بالسودان، والأمازيغ في أكثر من بلد مغاربي (13) .
وفي جل الحالات العربية تعاني المجتمعات من أزمة هوية حادة جراء تبعيتها للخارج سياسيا واقتصاديا وفكريا وتعليميا، الأمر الذي أضعف ايمان الشعوب بمقومات هويتها الوطنية وقدتهم على بناء نهضة حقيقية في ظل عالم تسوده قيم العولمة وهيمنة الحضارة الغربية (14) . لهذا كله يتطلب الدستور الديمقراطي في الدول العربية بذل كل الجهد الممكن لإيجاد مؤسسات وآليات محددة لتحييد الولاءات المذهبية والطائفية، فلا يمكن أن يكون الدستور ديمقراطيا، إذا لم يخلق حالة جديدة من الولاء الوطني العام لدى كافة مكونات المجتمع كبديل لهذه الانتماءات العنيفة. وهذا أمر يتم من داخل الدستور ذاته وذلك بوضع مواد دستورية محددة تضمن هذا الولاء الوطني الجامع، وبتفعيل هياكل وآليات تستكمل هذه الهوية الوطنية كأن تنشأ هيئة وطنية لمكافحة التمييز، والتأكد من تطبيق مبدأ المواطنة، وهيئة وطنية لضمان العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الأجور، وهيئة أخرى لضمان الحفاظ على اللغة العربية ومقومات الثقافة العربية وغيرها (15) . بناء على ما تقدم من تحليل وظائف الدستور الديمقراطي، يتضح أن لا يكفي أن يتضمن الدستور المبادئ والأسس الديمقراطية فقط، كي يوصف بأنه ديمقراطي، وانما بناء على الوظائف المحورية التي يقوم بها الدستور من أجل إصباغ الصفة الديمقراطية عليه، والتي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها أثناء عملية التعديل الدستوري.
__________________
1- محمد فهيم درويش، مرتكزات الحكم الديمقراطي وقواعد الحكم الرشيد، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010 ، ص 177
2- محمود فهيم درويش، المرجع نفسه، ص 177
3- محمد عابد الجابري، اشكاليات الفكر العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999 ، ص 190
4- محمد المالكي حول الدستور الديمقراطي : ''الديمقراطية والتحركات الراهنة للشارع العربي''، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007 ، ص 44
5- عطا بكري، الدستور وحقوق الانسان، مطبعة الرابطة، بغداد، 1993 ، ص5
6- سرهنك حميد البرزنجي، مقومات الدستور الديمقراطي وآليات الدفاع عنه، دار دجلة للنشر، العراق، الطبعة الاولى، 2009 ، ص 35
7- محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الانسان، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، 1995 ، ص 191
8- كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، منشورات جامعة دمشق، د.س.ط، ص 118
9-عبد الفتاح ساير داير، مبادئ القانون الدستوري، مكتبة سيد عبد الله وهبة، القاهرة ، د.س.ط، ص 260
10- سعد عصفور، المبادئ الاساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية، منشأة المعارف الاسكندرية، 1990 ، ص
12
11- عبد الفتاح ساير داير، المرجع نفسه ، ص 19
12-عبد الفتاح ماضي، الديمقراطية الآن والتنافس غذا، جريدة البديل، القاهرة،18/4/2008 .
13- عبد الفتاح ماضي، التحول الديمقراطي و بناء الدساتير الديمقراطية في الدول العربية، مداخلة ألقيت في الملتقى السابق ذكره، جامعة الشلف.
14- محمد فهيم درويش، المرجع السابق، ص 59
15- عطا البكري، المرجع السابق، ص 169
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|