جاءَ مِن جُملَةِ كلامِ الإمامِ الحُسينِ في خُطبتهِ الثانيةِ يومَ عَاشوراء:
«ألَا وإنّ الدَعِيَّ ابنَ الدَعِيِّ ـ يَعني ابنَ زِيادٍ ـ قدْ رَكَزَ بينَ اثنَتَينِ: بينَ السِّلَّةِ والذِّلَّةِ، وهيهاتَ منّا الذِّلَّةُ، يأبَى اللهُ لَنَا ذلكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنونَ، وحُجورٌ طابَتْ وطَهُرتْ، وأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، ونُفُوسٌ أبِيَّةٌ، مِنْ أنْ نؤْثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ على مصارِعِ الكِرَامِ. ألَا وَقَدْ أَعْذَرْتُ وأَنْذَرْتُ، ألَا وإنِّي زاحِفٌ بهذِهِ الأُسرةِ على قلَّةِ العَدَدِ، وكَثرةِ العدُوِّ، وخِذلانِ النّاصِرِ»
لقَد قَدَّمَ الإمامُ الحُسينُ نفسَهُ الزكيّةَ الطاهِرَةَ المُطهَّرَةَ ومعَهُ خيرةُ رجالِ أهلِ بيتِهِ وأصحابِهِ في سبيلِ الثَّباتِ على المبدأِ، ولم يخضَعْ لأعداءِ الدّينِ والإنسانيةِ، وفي هذا درسٌ كبيرٌ للمؤمنينَ نوجِزُهُ في هذهِ النُّقاط:
قَد يَمُرُّ المؤمِنُ بمحنَةٍ يجعَلُهُ أعداؤهُ بينَ أنْ يتنازَلَ عَن قِيَمِهِ ومبادِئِهِ ويرضَخَ لمطالبِهِم الشخصيّةِ الدَّنيَّةِ، وما بينَ أنْ يُصيبوهُ بالضُرِّ والأذى، وهُنا عليهِ أنْ يلتَزِمَ طريقَ المبادئِ ولا يَرضخَ إلا أنْ يكونَ هُناكَ طريقٌ آخَرَ لمُعالجَةِ الموقِفِ دونَ الوقوعِ في الذُّلِّ؛ لأنَّ اللهَ أعطى للمؤمِنِ حُرّيَّةَ خياراتِهِ إلّا أنْ يَذِلَّ نفسَهُ.
إنَّ السُّكوتَ عَنِ الظُّلمِ والانصياعَ لأوامرِ الظّالمينَ يجعَلُ موقِفَ أهلِ الحَقِّ ضعيفاً وعَددَهُم قليلاً، والواجِبُ على أصحابِ المبادئِ والقِيَمِ هُوَ دَعمُهُم للحَقِّ، والتآزُرُ فيما بينَهُم لأجلِ تقويةِ شوكَتِهِم مَهما كَلَّفَ ذلك.
إنَّ التأريخَ يكتُبُ الحوادِثَ، والنّاسُ لا تنسى المواقِفَ، والعاقِبةُ الحَسَنةُ الطيّبةُ هيَ للمُتّقينَ الصابرينَ لا للفاسدينَ الظالمينَ، فَها هُوَ الإمامُ الحُسينُ تعَمَّقَتْ مكانَتُهُ في قلوبِ النّاسِ معَ اختلافِ عقائدِهِم وأينَ يزيد؟ وأينَ ابنُ سَعد؟ لا يُذكَرونَ إلّا بالذَّمِّ واللَّعن.