جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
( الحَذرَ الحَذرَ فَو اللهِ لَقدْ سَتَرَ حَتَّى كأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ )
قَد يتصوّرُ الإنسانُ في بعضِ حالاتِ طيشِهِ وغرورِهِ بما لديهِ مِن إقبالِ الدنيا عليهِ وازدهارِها إليه أنَّهُ على صوابٍ وأنَّ مسلكَهُ في الحياةِ هُوَ الصحيحُ المَرضِيُّ، ولو لم يَكُنْ كذلكَ لما بَقيَ ولما تَمّتْ واستقامَتْ لهُ الأمورُ، بينَما يجِدُ حالَهُ أحسنَ مِن حالِ غيرهِ مِن الذينَ استقامُوا وأحسَنُوا.
إلا أنَّ هذا مُجرَدُ خيالٍ لا أساسَ لهُ من الصِّحةِ إطلاقاً؛ لأنَّ المُجرَّبَ الثابتَ أنَّ اللهَ تعالى يُمهِلُ عبدَهُ العاصي لكنّهُ لا يُهمِلُهُ ولا يتركُهُ بالمرّةِ، بَلْ يُعطيهِ فُرَصاً للتراجعِ والتوبةِ فإذا لم يستفدْ مِن ذلكَ فيأخذُهُ أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ، إنْ في عاجلِ الدنيا أو في آجلِ الآخرةِ.
فالدعوةُ إلى عدمِ اقترافِ الذنوبِ ، وأن لا يتجاوزَ الانسانُ حدودَهُ ، فالله تعالى مُطَّلعٌ على سرائرَ عبادِهِ وإسرافِهم على أنفسِهم ، وإنَّما يُسامحُهم تكرماً منهُ ، وستراً عليهم، لئلا يفضحَهم بينَ الخلائقِ ، فهو لا يعني أنَّهُ سبحانَهُ يُقِرُّ تجاوزَهم ، بَلْ يُثيبُ على الحسناتِ ويعاقبُ على السيّئاتِ ، فعلى العبدِ أنْ يَعْتَبِرَ بحِلْمِ اللهِ تعالى عنهُ ، معَ قدرتِهِ سبحانَهُ على أنْ يُعاقبَ مِن أولِ مرةٍ ، فإغضاؤهُ رأفةً بعبدِهِ ، وستراً عليهِ ، فيَلزَمُ العَبدُ مراعاةَ ذلكَ ، وعدمَ التمادي في ارتكابِ الذنوبِ ، إذ يُستشفُّ من تكرارِ التحذيرِ بقولِهِ (عليهِ السَّلام) : (الحذرَ الحذرَ) أنَّ العاقبةَ وخيمةٌ لمن لم يَتعظْ ، حيثُ لا يعني سَترُهُ تعالى في الدنيا ، أنّهُ عفا عن المذنبِ ، بَلْ سترَ عليهِ كأنَّهُ غفرَ لهُ ، لكنّهُ سيحاسبُهُ وقتَ المساءلةِ والجزاءِ في الاخرةِ ؛ لأنَّ الدُّنيا دارُ عملٍ ولا جزاءَ ، والاخرةَ دارُ جزاءٍ ولا عملَ ، فاستعمالُ أداةِ التشبيهِ (كأنَّ)، للدلالةِ على حصولِ المشابهةِ ظاهراً لا واقعاً ، وإلا لانتقضَ قانونُ الثوابِ والعقابِ ، مع أنَّهُ لا ينتقضُ.