جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(إِنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا)
بَيّنَ (عليهِ السَّلام) في هذهِ الحكمةِ عدةَ نقاطٍ مهمةٍ يعوزُنا الالتزامُ بها إذ الكثيرُ يسألُ عمّا وراءَ التكليفِ ، أو يتساهلُ في تنفيذِ أحكامٍ إلهيةٍ بقسميها الآمرِ والناهي.
وهو أمرٌ يشقُّ كثيراً على الموجِّهينَ إذ يُبعِّدُ المسافةَ ويُهيئُ لجوٍّ من التعلُّلاتِ العليلةِ في ذاتِها كعدمِ الاقتناعِ بالأثرِ ، بالأهميّةِ والجَّدوى ، بالسَّببِ ... وهذا ما يُدرِكُهُ المصلحونَ الموجِّهونَ فإنَّهُ يُخرّبُ خُطّةَ الإصلاحِ ومنهاجَ الإرشادِ ويُعطِّلُ القدراتِ المتهيئةَ لذلكَ. وعندئذٍ تنحرِفُ المسيرةُ عن خطِّها الأساسِ إلى فروعٍ جانبيةٍ لا تكتسبُ أهميةً بَل هيَ مِن صوارِفِ الشيطانِ.
فلهذا ونحوهِ دعانا (عليهِ السّلام) للالتزامِ بالتعليمِ والتوجيهاتِ والسّيرِ على منهاجِها، والاهتمامِ بتنفيذِها، وتركِ التّطلُّعِ إلى المزيدِ مِن العملِ؛ لأنّهُ لو كانَ مُناسباً لما أغفلَهُ خالقُ السماواتِ والأرضِ العالِمُ بالسَّرائرِ والخفِيّاتِ الذي لا يُعجِزُهُ شيءٌ.
فأمّا إذ سكتَ عنهُ ولم يُكلِّفْ بهِ فَما هُوَ إلا وِفقَ المصلحةِ والحِكمةِ التي لا تُدرِكُها عقولُ المخلوقينَ مَهما كانتْ قِواها لسببٍ بسيطٍ جداً؛ لأنَّ العقولَ وأصحابَها مخلوقةٌ لهُ، فهو المُوجِدُ لها والمُودِعُ فيها القدرةَ والقابليةَ على التّفكيرِ والإبداعِ فهو – بالطبعِ – أقوى إدراكاً وأنفذُ رأياً وأحزَمُ وأحكَمُ وأعلَمُ ...
فلا مُوجِبَ بعدئذٍ للسؤالِ والاستفسارِ عن أمورٍ متروكةٍ لمصلحةٍ عُليا، وإنما الواجِبُ التّوجُّهُ نحوَ امتثالِ الأوامِرِ، والانزجارُ عن النواهي، وعدمُ التعرُّضِ لما لم يُبَيَّنْ مِن وجهةٍ تشريعيةٍ، فإنَّ التشريعَ القائمَ يُغطي مساحةَ عُمرِ الإنسانِ ووقتَهِ، فقد بُرمِجَ وِفقَ المناسبِ لحالِ كلِّ فردٍ بحَسب اختلافِ جنسِ وزمانِ ومكانِ وفئةِ وحالةِ كلِّ إنسانٍ بما للكلمةِ من شموليةٍ.