جاءَ في كتابِ (عقائدِ الإماميةِ) للعلامّةِ الشيخ مُحمّد رضا المُظفَّر
نعتَقِدُ أنَّ الإمامةَ كالنبوَّةِ لا تكونُ إلّا بالنصِّ مِنَ اللهِ تعالى على لسانِ رسولِهِ، أو لسانِ الإمامِ المنصوبِ بالنصِّ إذا أرادَ أنْ ينصَّ على الإمامِ مِن بعدِهِ، وحُكمُها في ذلكَ حُكمُ النبوَّةِ بلا فَرقٍ، فليسَ للناسِ أنْ يتحكّموا في مَن يُعيِّنُهُ اللهُ هادياً ومُرشِداً لعامَّةِ البشرِ، كما ليسَ لَهُم حَقُّ تعيينِهِ أو ترشيحِهِ أو انتخابِهِ؛ لأنَّ الشخصَ الذي لَهُ من نفسهِ القُدسيّةِ استعدادٌ لتَحَمُّلِ أعباءِ الإمامَةِ العامَّةِ، وهدايةِ البشرِ قاطِبةً، يجِبُ أنْ لا يُعرَفْ إلّا بتعريفِ اللهِ ولا يُعيّنْ إلّا بتعيينهِ.
ونعتَقِدُ أنَّ النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ ـ نصَّ على خليفَتِهِ والإمامِ في البَريّةِ مِن بَعدِهِ، فعيَّنَ ابنَ عَمِّهِ عليَّ بنَ أبي طالب أميراً للمؤمنينَ، وأميناً للوَحيّ، وإماماً للخَلقِ، في عِدَّةِ مَواطِنَ، ونَصَّبَهُ وأخذَ البيعةَ لهُ بإمرَةِ المؤمنينَ يومَ الغديرِ، فقالَ: «ألّا مَن كُنتُ مولاهُ فهذا عليٌّ مَولاهُ، اللّهُم والِ مَن والاه، وعَادِ مَن عادَاهُ، وانصُرْ مَن نَصَرَهُ، واخذُلْ مَن خَذَلَهُ، وأَدِرِ الحَقَّ معَهُ كيفَ ما دَار».
ومِنْ أوَّلِ مواطِنِ النَصِّ على إمامَتِهِ قولُهُ حينَما دَعا أقرباءَهُ الأَدنِينَ وعشيرتَهُ الأقرَبِينَ فقالَ : «هذا أخي ووَصييّ وخَليفَتي مِن بَعدي فاسمَعُوا لَهُ وأطيعُوا» وهُوَ يومئذٍ صبيٌّ لم يبلُغِ الحُلُمَ وكرَّرَ قولَهُ لَهُ في عِدَّةِ مرَّاتٍ: «أنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن مُوسى إلّا أنَّهُ لا نبيَّ بعدي» إلى غيرِ ذلكَ مِن رواياتٍ وآياتٍ كريمةٍ دلَّتْ على ثبوتِ الولايَةِ العامَّةِ لَهُ كآيةِ المائدةِ : {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ} ، وقد نزَلَتْ فيهِ عندما تَصدَّقَ بالخاتَمِ وهُوَ راكِعٌ ، ولا يُساعِدُ وضعُ هذهِ الرسالةِ على استقصاءِ كُلِّ ما وردَ في إمامَتِهِ مِنَ الآياتِ والرواياتِ ، ولا بيانِ وجهِ دَلالَتِها.
ثُمَّ إنَّهُ ـ عليهِ السَّلامُ ـ نصَّ على إمامةِ الحسنِ والحُسينِ، والحُسينُ نصَّ على إمامَةِ ولدِهِ عليٍّ زينِ العابدينَ، وهكذا إماماً بعدَ إمامٍ ينُصُّ المُتقدِّمُ مِنهُم على المُتأخِّرِ إلى آخرِهِم.