بقلم : حسن الجوادي
تاهَ الخَلقُ في وادي الجَّهلِ والضَّلالِ والعَمى، فبعثَ اللهُ سبحانَهُ حبيبَهُ محمّد، ليكونَ مُبشِّراً ومُنذِراً ومُخَلِّصاً لهُم مِن براثنِ الشِّركِ والظُّلمِ والفَسادِ.
فأنزلَ اللهُ كلمتَهُ التامَّةَ ونورَهُ الأبلجَ ليُضِيءَ سماءَ عقولِ النّاسِ، فاستغرقَ القُرآنُ قلوبَهُم بعدَ أَنْ خرقَ أسماعَهُم، فمِنُهم مَن خَشَعَ وطَاع، ومِنهُم مَن هَزأَ فضَاع.
كانَ فيهم كأحدِهِم تواضُعاً معَ أَنَّ نورَهُ يكشِفُ ما حولَهُ ويجذِبُ مَن يراهُ، فكانَتْ تترشَّحُ منهُ نسائمُ الوحيِ الإلهيِّ شَهْداً وعَبيراً خالصاً لكُلِّ مَن وَطَّنَ نفسَهُ طاعةً ومَحبَّةً للهِ تعالى ولرسولهِ الكريمِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ).
لقد عاشَ الإنسانُ العربيُّ عُزلَةً عَنِ الحضارةِ والوعيِّ والفِكرِ، وانشغَلَ بالشِّعرِ والجَهلِ والشِّركِ، فكانتْ رسالةُ الخاتِمِ بِما حملَ مِن قِيَمٍ مُحرِّرَةٍ للإنسانِ مِن كُلِّ قيودِ الوَهمِ والكَسَلِ رافعةً للهمَّةِ كاسِرَةً لليأسِ بانِيَةً للتألُّقِ دافعةً للكمالِ.
تركَ نبيُّنا الأعظمُ رسالتينِ وهُما أعظَمُ ما تركَهُ، كتابَ اللِه تعالى الذي تتمثَّلُ فيهِ قِيَمُ الحَقِّ تعالى وأحكامُهُ ونُظُمُهُ، وأهلَ بيتِهِ الذينَ يحفَظونَ سِرَّهُ، ويواصلونَ نشرَ دعوتِهِ وهَديِهِ، ويكملونَ طريقَهُ الذي خَطَّهُ وصراطَهُ القويم.
كانَ يومَ رحيلِهِ مِن أشَدِّ الأيّامِ مَرارةً ولوعةً على المسلمينَ، فنورُهُم قد ذَهَبَ وارتحَلَ الى الرفيقِ الأعلى، ذهبَ الى مَن كانَ يُناجيهِ ويستعينُ بهِ على عَذابِ وقساوَةِ القَومِ، فأثبَتَ دعوتَهُ وأرادَ أَنْ ينقُلَ الناسَ جميعاً مِنَ الظَّلامِ والفَسادِ الى العَدلِ والإحسانِ والخيرِ والصَّلاحِ.
رحلَ رائعَةُ الخُلُقِ يومَ الثامِنِ والعِشرينَ مِن صَفر سنةَ إحدى عَشرَةَ للهجرةِ، مُوصِياً وصيَّتَهُ ومُبَلِّغاً رسالةَ اللهِ تعالى على أَتَمِّ وَجْهٍ ، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ) عَن رحيلِ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ) : ((بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالانْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّماءِ، خَصَصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ، وَعَمَمْتَ حَتّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَواءً، وَلَوْ لاَ أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ، لأنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤُونِ، وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً، وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً، وَقَلَّا لَكَ، وَلكِنَّهُ مَا لاَ يُمْلَكُ رَدُّهُ، وَلاَ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ)).