بقلم : عباس الكناني
في كُلِّ عامٍ وتحديداً في شَهرِ صَفر، يتوافَدُ العاشِقونَ لرؤيةِ مَعشوقِهِم ليُجَدِّدوا لَهُ الولاءَ والعَزاءَ والحُبَّ والطّاعَةَ ، يَفِدونَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ بقلوبٍ يغمِرُها الاشتياقُ والألَمُ ؛ ليشهَدوا لَهُ بالإمامَةِ، وينالوا مِنْ فَيضِ الكرامَةِ ، يرتَعُونَ مِنْ رياضِ القُربِ والمؤانَسَةِ، ويكرَعُونَ بكأسِ المُلاطَفَةِ، قَد كُشِفَ الغِطاءُ عَن أبصارِهِم ، وَهُم ينظرونَ إلى معشوقِهِم وأيّ مَعشَوقٍ هُوَ، سِبطُ الرَّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) الذي بذَلَ الغالي والنَّفيسَ قرباناً لرسالةِ السَّماء، فحرارةُ حُبّهِ لن تنطفئَ أبداً كما
عَهِدَ رَسولُ اللهِ بذلك.
وما ازديادُ أعدادِ الوالهينِ لزيارة السبطِ الشَّهيدِ وفاءاً وحبّاً إلا دليلٌ على عُمقِ الثَّورَةِ الحُسينيّةِ ورسوخِها؛ لأنَّها وَصَلَتْ الى القُلوبِ النَّقيّةِ الخالِصَةِ، وأحدَثَتْ تَغييراً جَذريّاً في مَفاصِلِ الحَياةِ، مِنْ خِلال التأصيلِ لضرورةِ الوقوفِ بوجهِ الظُّلمِ والاستبدادِ، فأصبحتِ الثورةُ الحُسينيّةُ مدرسةً للأحرارِ وكعبةً للثّوارِ .
فمسيرةُ الأربعين بجموعِها المليونيةِ المُطَّرِدَةِ سنةً بعدَ أُخرى، هِيَ شَوكَةٌ نَجلاء في عيونِ الحاقِدين ، إذ تَرى الناسَ سَواسيَةً كأسنانِ المِشطِ، مِنهُم السَّقيمُ والسَّليمُ والرَّجُلُ والمرأةُ الطفلُ الصغير والكهلُ الكبيرُ، يتوافَدونَ سَيراً على الأقدامِ بلهفةٍ وحُرقَةٍ، يُسابقونَ الزَّمَنِ ويطوونَ المسافاتِ كيما يأنَسُوا بمعشوقِهم وتكتحلُ نواظرُهُم برؤيةِ رَوضَتِهِ المباركةِ.
ومَهما تَعاقَبَتِ الأزمان تَرى الأجيالَ جِيلاً بعدَ جيلٍ يتعاهدونَ هذهِ المسيرةَ الخالدةَ بشَغَفٍ وحُبٍّ كبيرينِ، لا يُبالونَ ببردِها وَ حَرِّها ، لأنًّ هدفَهُم تجديدُ الولاءِ لسيّدِ الشُّهداءِ، فالمشارَكَةُ بهذهِ المسيرَةِ هِيَ بِحَدِّ ذاتِها تَعني النصرةَ والوقوفَ معَ الحقِّ، وصَرخةً بوجهِ الظُّلمِ والفسادِ حتى، وَهِيَ تمهيدٌ لإقامَةِ دولةِ العَدلِ الإلهيِّ.
فأينَما تَجِدُ مَن يقِفُ بوجهِ ظالمٍ فاعلمْ أنَّ الحُسينَ يجري في كِيانِهِ.
فلنرفعْ شعارَ الأملِ، ولنخلعْ أسمالَ اليأسِ والقنوطِ، ولنتوجَّه صوبَ المعشوقِ الذي ما ذَهَبَ اليهِ طالبٌ إلا ظَفَر، ولا مَهمومٌ إلا ابتَهَج، ولا مريضٌ إلا شُفِيَ، ولا حَزينٌ إلا سَعُد، ولا كئيبٌ إلا انشَرَحَ، ولا مُحبَطٌ إلا انتَصَر.
فَهُوَ بابُ اللهِ الذي يتوجَّهُ إليهِ الأولياء.