جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ)
إنَّ لهذهِ الحكمةِ أهميةً خاصّةً إذْ قدْ نشأَ على حِفظِها الصّغارُ، وشابَ على ذلكَ الكبارُ جاعلينَ لها قانوناً يُتّبعُ، ونصيحةً يُؤخَذُ بها مِن دونِ ما مناقشةٍ وما ذاكَ إلا لأنّهم تأكّدوا مِن سلامةِ فكرتِها وصِحّةِ هدفِها وأحقيّةِ غايتِها بما يجعلُهم مُقتنعينَ بها غايةَ الاقتناعِ ومُرتسمِيها في خُطى الحياةِ، بحيثُ صارَتْ شيئاً مُسلَّماً حتى عندَ مَن لا يُبالي بالتّعاليمِ السّاميةِ.
ولعلَّ مِن أهمِّ أسبابِ ذلكَ أنَّها تكلّفَتْ بتبيانِ خطٍ عامٍّ يضمنُ لسالكِهِ السلامةَ والأمانَ مِنَ الأخطارِ المُحدِقَةِ وذلكَ هو المطلوبُ للجميعِ حتّى صارَتْ مثلاً يُستشهَدُ بهِ في حالاتِ تَلبُّدِ الأجواءِ بالمشاكلِ السّياسيةِ أوِ الأزماتِ المحليّةِ.
وأيضاً مِمّا حقّقَ لها انشدادُ الناسِ وانجذابُهم نفسيّاً أنّ الإمامَ (عليهِ السّلام) قدْ وضّحَ ذلكَ بالمثالِ القريبِ مِن فِهمِ عامّةِ النّاسِ ، فمِنَ المعلومِ أنّ وَلدَ النّاقةِ – وهي أُنثى البَعيرِ – لا تكونُ لهُ مشاركةٌ فعّالةٌ ، وذلكَ لعدمِ احتمالِهِ وضُعفِ بُنيَتِهِ فلا يُستفادُ مِنهُ ركوباً وامتطاءً أو حَملاً ونَقلاً هذا إنْ كانَ الولدُ ذَكراً ، وأمّا لو كانَ أُنثى فالفائدةُ المُتوخّاةُ مِنها هو إدرارُ الّلبنِ فلو كانَتْ بذلكَ العُمرِ فهِيَ بَعدُ لمْ تتأهّلْ إذ لابُدَّ مِن تلقيحِ الفَحلِ حتّى يتكوَّنَ اللَّبنُ.
فإذا عَرفنا هذا عَرفنا أنَّ الإنسانَ إذا أرادَ السّلامةَ لنفسِهِ فلابُدَّ مِن أنْ لا يدخُلَ في متاهاتٍ لا تُؤدّي بهِ إلى نتيجةٍ فعليّةٍ بالابتعادِ حتّى يُحقِّقَ لنفسِهِ الحمايةَ والكفايةَ مِمّا يَحذَرُ.
فالدعوةُ إذنْ إلى التّوقّي والحذرِ مِنَ الدّخولِ في كُلِّ ما يَعْرُضُ للإنسانِ في حياتِهِ العمليّةِ مِن قضايا سياسيةٍ أو خلافاتٍ قَبليّةٍ، عائليةٍ، أُسرِيّةٍ، بينَ الأصدقاءِ، بينَ الشُركاءِ، بينَ الزّملاءِ، وعليهِ أنْ لا يجنحَ وإنّما يتَّخِذُ موقفَ المُحايدِ إنْ لم يتطلّبْ الأمرُ التّدخُلَ، وإلا فعَليهِ أنْ ينصُرَ الحقَّ ويتدخَّلَ إلى جانبِهِ وإلا كانَ معاوناً للباطلِ ومُناصِراً للظُلمِ. فليسَ المرادُ مِنَ الحِكمةِ التّخاذلَ والابتعادَ عنِ المسؤوليةِ، بلْ التّحَفّظُ كيما يتّضِحَ الأمرُ ويَتجلّى الحالُ بما يجعلُهُ مُسدَّداً في اتخاذِ القرارِ المناسبِ لِيَسلمَ مِنَ العواقبِ الوخيمةِ التي تكونُ عادةً بعدَ ارتجالِ المواقفِ أو تصديرِها لحسابِ حالاتِ ضغطٍ فكريٍّ أو ماديٍّ.