جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(عَجِبْتُ لِـمَن يقنطُ ومعَهُ الاستغفارُ)
الدعوةُ إلى عدمِ اليأسِ ومحاولةِ البدايةِ الجديدةِ معَ اللهِ تعالى، فإنَّ طَلَبَ المغفرةِ والتماسَ السّماحِ والتّكفيرِ عنِ الذّنبِ والخطأِ كفيلٌ بفتحِ سِجِلٍّ جديدٍ قدْ أُبعِدَتْ عنهُ كلَّ الصفحاتِ السّودِ السّابقةِ بما يُعطي حافزاً نحوَ العطاءِ والمواصَلَةِ بما ينفَعُ المجتمعَ ويُنمّي فيهِ القابلياتِ، ويدعمُ مسيرةَ التّوحيدِ ليظهرَ العدلُ الإلهيُّ واللّطفُ الرّبانيُّ اللَّذينِ أدركا الإنسانَ العاصي فأنقذاهُ مِنَ الجهالةِ والانحرافِ إلى حيثُ الانفتاحِ على دُنياً جديدةٍ وعالَمٍ جديدٍ بما يزيدُ عددَ المُنفتحينَ على اللهِ تعالى والمبتعدينَ عنِ الضّلالةِ والخطيئةِ.
فالحِكمةُ تستقطِبُ أُولئكَ العُصاةَ القانِطينَ الآيسينَ مِن بلوغِهم إلى ساحَةِ عفوِ اللهِ ومغفرتِهِ، وسِعَةِ رحمتِهِ وتجاوزِهِ عنِ العاصينَ.
ولكنْ مِنَ المعلومِ لكُلِّ أحدٍ أنَّ الاستغفارَ عِلاجٌ نافعٌ بشرطِ الصّدقِ وعدمِ العودةِ إلى الماضي والتّخلصِ مِن كُلِّ ما يُذكِّرُ بهِ أو يتّصلُ بالسابقِ ليخلوَ الإنسانُ ويَخلُصَ مِنَ الآثارِ تماماً، فتكونُ توبتُهُ صادقةً ناصِحةً ناصِعةً نابِعةً مِنَ القلبِ والشّعورِ بالتقصيرِ وإرادةِ العودةِ حيثُ رحابِ اللهِ تعالى.
فعندَها يكونُ الاستغفارُ علاجاً نافعاً للمذنبينَ، وإلا فلو كانَ مجاراةً لحالةٍ عائمةٍ مِن مظاهرٍ خدّاعةٍ، او استجابةً لإلحاحٍ مِن دونِ ما اقتناعِ بضرورةِ الاستغفارِ والإنابةِ إلى اللهِ تعالى فلا ينفعُ بلْ يُعاقَبُ على حالةِ التّجرّي واقتحامِ السّاحةِ مِن دونِ ما اقتناعٍ بالأهمّيةِ والأفضليةِ، فليسَ الاستغفارُ مجرّدَ قولٍ نُردّدُهُ بلْ هو إيمانٌ ويقينٌ باللهِ تعالى، وتوجُّهٌ وانقطاعٌ إليهِ، ومعرفةٌ مُخلِصةٌ تامةٌ بأنّ الاستغفارَ الطريقُ الوحيدُ للإنقاذِ، فعندَما تُفتحُ للعبدِ أبوابُ القبولِ ، ليدخلَ عالَماً جديداً يُحتفى بهِ بمقدارِ ما يُقدّمُهُ مِن عطاءٍ وانتاجٍ بما يخدمُ المسلمينَ ويُعلّي صرحَ الدِّينِ ويُبقِي كلمةَ لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ عاليةً على كلِّ الكلماتِ.