مع قرب حلول زيارة الأربعين وتدفّق ملايين الزائرين الكرام من محبّي وأتباع أهل البيت(عليهم السلام) صوب مدينة التضحية والفداء مدينة كربلاء المقدّسة لإحياء أربعين الإمام الحسين وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، أصدرت المرجعيّة الدينية العُليا في خطبة صلاة الجمعة (7صفر 1437هـ) الموافق لـ(20تشرين الثاني 2015م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف وعلى لسان ممثّلها الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ جملةً من التوصيات والتوجيهات التي ينبغي للزائرين الكرام رعايتها والالتزام بها في هذه المناسبة، حيث بيّن الشيخ الكربلائي قائلاً:
"مع اقتراب موعد زيارة الأربعين التي يزحف فيها الملايين من عشّاق الإمام الحسين(عليه السلام) مشياً على الأقدام نحو مرقده الشريف قاصدين بذلك التعبير عن شدّة ولائهم وقوّة ارتباطهم بالإمام الحسين(عليه السلام)، وتجديد العهد له بمواصلة الدرب على مبادئه الشريفة وقيمه السامية نودّ أن نذكّر المؤمنين ببعض ما ينبغي لهم رعايته في هذه المناسبة:
أوّلاً: إنّ من أهمّ مقاصد هذه الزيارة الحسينية هو الحفاظ على مبادئ الإسلام وأحكامه وتعاليمه المقدّسة التي ضحّى الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه من أجل حمايتها من الضياع والانحراف، ويقتضي ذلك من المؤمنين مزيد التفقّه في الدين والحرص على تطبيق تعالميه بطاعة الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار(عليهم السلام) وأداء الواجبات واجتناب المحرّمات، ويتصدّى في هذه الزيارة كما في التي قبلها مجموعةٌ من فضلاء الحوزة العلمية وطلّابها لبيان الأحكام الشرعية والتعاليم الأخلاقية وإقامة الصلاة جماعةً على طول مسار الطريق الواصل الى كربلاء المقدّسة، فينبغي للزائرين الكرام أن يغتنموا هذه الأيّام ويجعلوا سفرهم الإلهيّ هذا فرصةً لمزيد التفقّه في الأحكام الشرعية والتحلّي بالأخلاق الفاضلة، والحرص على إقامة الصّلاة في أوّل وقتها، وينبغي أن لا يمنع بعضهم الاهتمام بأداء الخدمة لزوّار الإمام الحسين(عليه السلام) وإقامة مراسيم العزاء عن أداء الصلاة في أوّل وقتها، فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) من شدّة عنايته وحرصه على أداء الصلاة لم يمنعه يومَ عاشوراء انشغالُه بالحرب والقتال وهو على أشدّه من أن يؤدّي وأصحابه تلك الفريضة الإلهية في أوّل وقتها، فالله الله في الصلاة فإنّها عمودُ دينكم ومعراجُ المؤمن الى ربّه وأحبّ الأعمال الى الله تعالى وقرّة عين نبيّكم(صلى الله عليه وآله).
ثانياً: ومن المقاصد المهمّة لهذا السفر الإلهي هو تثبيت المبدأ الأساس الذي انطلق منه الإمام الحسين(عليه السلام) في مسيرته من المدينة المنوّرة الى كربلاء المقدّسة وأراد من شيعته ومحبّيه الالتزام به في أحلك الظروف وأقساها، ألا وهو التضحية بالنفس والمال والولد لحماية قيم الإسلام ومبادئه والحفاظ عليها من دون تغيير وتحريف، والإيثار والشجاعة والصبر والصمود والعزيمة الراسخة والإرادة الصلبة في هذا السبيل، ولاشكّ في أنّ المعركة المصيرية في هذه الأيام ضدّ عصابات داعش تتجلّى فيها تلك القيم بأسمى صورها ومعانيها ولاسيّما من أحبّتنا الأبطال المقاتلين بمختلف عناوينهم، الذين يرابطون في الجبهات وقد تركوا الدنيا وما فيها وفارقوا الأهل والولد والأحبّة ليجسّدوا قيم الفداء والتضحية والإيثار بأنفسهم من أجل الحفاظ على هذا البلد ومقدّساته وأعراض مواطنيه، ولعلّ من أجلّ مظاهر الولاء والارتباط بالإمام الحسين(عليه السلام) في هذه الأيّام وسبق التوجّه اليه بالزيارة هو إدامة زخم المعركة ضدّ داعش، وذلك بتعزيز روح الصمود وإرادة القتال ودعم المقاتلين بالمعونات والرجال الأشدّاء أولي البأس والعزم لتطهير أرض العراق كلّها من دنس هذه العصابات، فإنّ الشعب الذي استطاع أن يتحدّى الإرهاب وسيّاراته المفخّخة وأحزمته الناسفة طوال هذه السنوات وحقّق الانتصار في الكثير من المعارك لقادرٌ أن يديم زخم الانتصارات في معركته الحالية ضدّ عصابات داعش لبلوغ النصر النهائيّ إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: المأمول من الزائرين وأصحاب المواكب الحسينية -جزاهم الله تعالى خيراً- أن تكون أعمالهم وخدماتهم مرآةً عاكسةً لأخلاق أهل البيت(عليهم السلام)، وذلك من خلال حرصهم على الحفاظ على الممتلكات العامّة والخاصّة سواءً كانت لدوائر الدولة أو لعموم المواطنين، وعدم مزاحمة مسارات الآليات والسيارات الناقلة للزائرين والحفاظ على نظافة مواقعهم وعدم الإسراف في الطعام، فإنّ هذا العمل المحمود -وهو إطعام الزائرين- قد ينقلب الى فعلٍ مذموم إذا اقترن بالإسراف والتبذير، ونؤكّد أيضاً على حسن المعاشرة بين الزائرين وعدم التزاحم والتنافس فيما لا ينبغي، بل لابُدّ من التعاون بين الجميع لإنجاح هذه الزيارة وخصوصاً التعاون مع القوّات الأمنية لتمكينهم من أداء مهامّهم على أفضل وجه وعدم السماح بوقوع خرقٍ أمنيّ -لا سمح الله تعالى-، ونوصي أخواتنا الزائرات بالاهتمام برعاية أعلى درجات الحشمة والعفاف وتجنّب الاختلاط المذموم ونؤكّد على شبابنا بالاهتمام بإظهار أنفسهم بالمظهر المناسب لقداسة المناسبة والابتعاد عن أيّ تصرّفٍ يخدش ذلك في الملبس أو السلوك".