في فترة القرون الوسطى من التاريخ تعددت القوي في انحاء العالم، وتباينت القواعد العلمية السائدة في كل منها، كما نجدها قد تباينت فيما بينها في درجة تحضرها كما تقطعت بينها لفترات الصلات. وكان لهذا اثره في ظاهرة السياحة والرحلة.

ففي هذه الفترة التي سقطت فيها الإمبراطورية الرومانية تركزت الامبراطورية الرومانية الشرقية والتي ورثتها بيزنطة في القسطنطينية. وسيطرت الكنيسة الكاثوليكية على روما وعلى الامارات المختلفة التي ظهرت في غرب اوربا اما الى الشمال فكانت جماعات متبربرة من الجرمان والصقالية يتبعهم شرقا جماعات البلغار ثم خاقانات وسط آسيا. وفي شمال غرب اوربا كانت جماعات الفايكنج رجال الشمال. وانتشرت العروبة والإسلام على طول السواحل الجنوبية للبحر المتوسط والشام ودخلت الاندلس وصقلية وغيرها من جزر البحر المتوسط وسيطرت على فارس ووصلت الى الهند والتركستان والقوقاز. اما في الشرق الأقصى فكانت الصين سرا مغلقا على العالم الأوربي وكانت جماعات جزر المحيط الهادي تنتشر فوق صفحة المحيط لتعمير الجزر.

وكان لكل من هذه المناطق المتباينة هجراتها وغزواتها وتباينت في مدى الاستقرار والرفاهية والاماني كما كانت لها حياتها الخاصة من الترويح والسياحة والرحلات للكشف والمعرفة. وكان للغزوات والحملات الحربية في تلك الفترة آثارها في تعريف الجماعات ببعضها وفي التعرف على مناطق جديدة وفتح طرق للاستخدام او عرقلة الحركة والانتقال عبرها.

وقد تأثر السفر والرحلة وظاهرات الترويح والسياحة ابان تلك الفترة بعد يد من العوامل المتباينة بعضها محلية خاصة بكل منطقة من المناطق سالفة الذكر وبعضها عام اثرت في هذه الظاهرات بكل او معظم المناطق. وتتمثل هذه العوامل العامة فيما يلي:

1- مدى الرفاهية التي تمتعت بها هذه المناطق.

2- استقرار الأوضاع السياسية.

3- التجانس الحضاري ومدى اتساع المنطقة الحضارية.

4- طرق النقل ووسائله ومدى توفر الامن والتسهيلات لها.

5- اثر العقيدة الدينية.

6- التجارة.

وكانت وسائل النقل المستخدمة التي اعتمدت على القوى الطبيعية والعضلية وكذلك طول مسافات الطرق الطبيعية بين المناطق من العوامل الرئيسية لطول فترات الرحلات. وتتمثل اهم طرق الاتصال بين الشرق والغرب سواء البرية او البحرية في فترة العصور الوسطى في الطرق التالية:

أولا- الطرق البرية:

1- الطريق الشمالي -  وكان يتجه من عاصمة الصين الى كشفر وكانت ملتقى هاما لعدد من الطرق. وبعدها يتجه شمالا بغرب حتى يصل الى بخارى التي كانت ملتقى معظم الطرق التي عبرت أواسط آسيا. وعندها كان الطريق يتفرع الى ثلاث شعب تؤدي في النهاية الى اوربا وهي:

أ - من بخارى الى استانبول عن طريق جنوبي بحر قزوين وعبر آسيا الصغرى.

ب- من بخارى الى السواحل الشامية للبحر المتوسط عبر ايران والعراق.

ج- من بخارى الى السواحل الشمالية للبرح الأسود عبر شمال بحر قزوين ووادي نهر الفولجا.

2- الطريق الأوسط: في ارض الصين وكان يلتقي مع الطريق الأول عند كشفر.

3- الطريق الشمالي وكان يتفرع من الطريق الاوسط ويمر على طشقند ويلتقي بالطرق الأخرى عند سمرقند.

ثانيا- الطرق البحرية:

وشملت طرق البحر المتوسط التي كانت تتجمع اما على سواحل الشام او سواحل مصر. واستخدمت شعبة منها طريق ارض الرافدين الى الخليج العربي. واستخدمت الثانية طريق نهر النيل ثم عبر الصحراء الشرقية الى البحر الأحمر. وكانت تتلاقى بعد استخدامها للمحيط الهندي عند سيلان.

وكان لهذه الطرق أهمية عظيمة منذ القدم حيث انتقلت عن طريقها الجماعات والحضارات والثقافات، وبفضلها تم التبادل التجاري. وقد ظلت مستخدمة دون تغير يذكر طوال فترات التاريخ القديم والوسيط. الا ان الطرق البحرية كانت اكثر امنا من الطرق البرية التي كانت تتعرض لقطاع الطرق ومهاجمة الجماعات المعادية.