المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 8824 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الخبّاب بن الأرت  
  
2823   12:45 مساءً   التاريخ: 17-12-2017
المؤلف : السيد محمد بحر العلوم .
الكتاب أو المصدر : بين يَدي الرسُول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
الجزء والصفحة : ص118-131.
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-5-2016 2717
التاريخ: 13-5-2016 2676
التاريخ: 2-4-2017 2770
التاريخ: 7-6-2017 2442


لم يبق من الأمة إلا صبابة - كصبابة الاناء - وهؤلاء طحنهم الزمن، وشتتهم حتى لم يسمع لهم صوت
ان السلسلة واحدة فأبو سفيان هو العصب المحرّك لكل هذه الأحداث والباقون من آله وأحفاده على خطه سائرون إن شرارة هذا البيت الخطير كادت تأتي على الاسلام والمسلمين لولا عناية اللّه بدعوته، وبنبيه والمسلمين.
لقد كان أبو سفيان في بادئ الأمر يدفع أبا جهل وأمثاله الى الحملات القاسية على المستضعفين من المسلمين، واذا ما استحكم الاسلام، وأصبح في منعة من هؤلاء رسم هذا الطاغية مخططاً جديداً بإثارة النعرات الطبقية بين المسلمين.
فلقد التقى مثلاً - ببعض المسلمين الذين دخلوا الاسلام كرهاً وحفظاً لمصالحهم - فقال لهم بكل خبث ومكر: أرأيتم كيف يعمد صاحبكم محمد الى تحطيم معنوياتكم، وتذويب شخصياتكم بحشركم مع الضعفاء والأذلاء والعبيد، أمثال: عمار، وبلال والخباب وغيرهم
وكان لحديثه في نفوسهم استجابة ووقع، فهرعوا الى النبي فوجدوه جالساً مع ضعفاء المسلمين، وطافت الصورة القاتمة التي زرعها في أذهانهم صخر بن حرب فانفجروا مع الرسول قائلين: ان وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب قعوداً مع هذه العبيد، فإذا جئناك، فأقمهم عنا رضخ النبي على مضض وقال: نعم. 
قالوا له: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعا بالصحيفة، ودعا علياً ليكتب ونزل جبرئيل يبلغ النبي الآية الكريمة: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] ، فرمى رسول اللّه بالصحيفة، ودعا هؤلاء الضعفاء من المؤمنين، فقال لهم: السلام عليكم  
فدنوا منه حتى وضعوا ركبهم على ركبته وكان النبي يجلس معهم، برهة من الزمن فيتركهم فأنزل اللّه تعالى الآية: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ .} [الكهف: 28] فكان بعد ذلك لا يفارقهم، حتى يغادروا مجلسه.
ومن هؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآيات الكريمة الخباب بن الارت، أبو عبد اللّه من بني تميم كان قيناً يعمل السيوف في الجاهلية، وكان حليفاً لبني زهرة، أصابه سباء في الجاهلية فبيع بمكة، واشترته أم انمار بنت سباع الخزاعية، وأعتقته بعد زمان.
وفي بادئ أمره بلغ مسمعه نبأ الدعوة، فهشَّ قلبه لها وتصيد أخبارها عن محمد ما جلب قلبه له، وبحث عن موضع لقياه فعرف أنه في دار الأرقم، فانساب اليه سراً ليسمع من الداعي مقالته، وجلس الى رسول اللّه فأعجب بحديثه، ولم يرَ في هذه الشخصية إلا الإنسانية الكاملة، والمنقذ الذي يقصد الناس ليخرجهم من ضلالتهم، ولم يعرف من الآيات الكريمة التي تلاها على أصحابه إلا أنها كانت تجلي قلبه من الظلام الدامس الذي كان يرزح فيه ولم يضع رجليه خارج دار الأرقم إلا ويرى نفسه مشدوداً اليها، لا يستطيع الانفصال عنها، ولا يسأم من روادها حديثهم العذب، وجلستهم المحببة.
ويعاود الزيارة مرة بعد اخرى، وكلما امتد به الوقت، كان يصهره محمد في إيمانه، حتى بات يشعر في نفسه - وهو يقدم على رسول اللّه مسلماً - انه غير الذي كان بالأمس، سمواً لا يطاوله سمو، وروحية دونها كل روحية.
ويكون سادس المسلمين، ويوسِّع من تلك الحلقة المؤمنة بإسلامه أفقاً جديداً يلمع مع تاريخ الانسانية على مر الأيام ويصبح ظلاً للنبي يلاحقه أينما يكون، إلا عند الضرورات.
وتسرَّب الخبر الى الطغمة المناوئة إن الخباب بن الارت صبا الى الدين الجديد وإذا كان من أبناء الذوات من قريش وغيرها في مأمن من غضبها وعذابها، فهؤلاء الضعفاء لم يكن لهم سند يُخشى، وقريب يمنع، وجاه يصد.
وينعقد مجلس من أندية قريش، ويدخله صخر بن حرب متجهم الوجه، على سحنته جبل من همّ، وعلى كاهله ليل من سهاد.
ويتبارى المستفسرون عن وضعه، وماذا ألمَّ به، فجعله كتلة من الألم ويتصنع الغيظ، ويبعثر الكلمات على شدقيه، ويجهد في إخراج القول: لا أستطيع الكلام يا قوم، وخير لي أن أسكت، إذا كانت العرب لا غيرة لها على آلهتها، شاهت الوجوه ذلا
ولم تكن الكلمات النارية الجارحة التي قذفها ابو سفيان في وجوه الجالسين إلا إيذاناً بيوم أسود ينصب على هؤلاء المساكين الذين حملوا الدعوة عقيدة ورسالة في أعناقهم وساد الهرج من كل جانب، وتعالى الصراخ يشق آفاق المجلس: لا تقل هكذا يا أبا سفيان، سوف نسقي سيوفنا من دماء الخارجين على ديننا
ويحاول زعيم الطغمة ان يضرم النار على أشدها، فالتفت اليهم قائلاً - وهو يدفع الحسرة تلو الحسرة، والآهة بعد الآهة - : كفى كفى، فلا فائدة من مقالتكم، وحماستكم فقد انتهى الأمر بالقلة من عبيدنا وخدمنا ان تنحاز الى محمد وهي لا تخشى قوتنا، ولا تهاب سطوتنا .. وا مجداه .
لقد ماتت أيامكم على أقدام يتيم بني هاشم، إذهبوا الى بيوتكم واحتجبوا مع نسائكم، فهو خير لكم من قبول هذا الهوان
وماج القوم، فقد أرعبتهم هذه الكلمات، وأضرمت في نفوسهم العصبية الجاهلية وقفز من جوانب الندوة من طاشت الدنيا في عيونهم، وكان يتقدمهم ابو جهل، وهم يصرخون: اليوم اليوم الساعة الساعة ولنا مع هؤلاء حساب وحساب.
وقرب دار الأرقم، وقفت العصابة تنتظر أول من يخرج عليها من هذه الدار لتصفي حسابها معه وما هي إلا برهة من الوقت، حتى لمحت شخصاً يتسلل منها، واستعد ابو جهل ليطبق عليه، لكنه تراجع خائباً عندما عرف انه مصعب بن عمير، فهو من شخصيات بني عبد الدار، ويخشى أن يثير عليه قبيلته، حتى وإن كان ولدهم الخارج على آلهة قريش ، والتفت الى جلاوزته يأمرهم ان لا يمسه أحد بسوء ومرَّ مصعب بن عمير بسلام، وهو يسخر منهم، ويتهكم عليهم.
ودارت عقارب الوقت سراعاً، وفي أثنائها تسلل آخر منها واستعد ابو جهل للهجوم، وما ان اقترب منه حتى أطبق عليه وعلى ضوء القمر الشاحب عرفه الخباب بن الارت، وكاد يطير من الفرح، إنه بغيته التي يترقبها، وصاح بجلاوزته: إنه هو واللات، جرُّوه من شعره، حليف بني زهرة أمره غير مجهد.
وجرَّ الخباب الى مجلس السمر، وكان ابو سفيان بعد لم يغادره، وبدأ في تعذيبه، يتفنن في ذلك، ويتنوع في أذاه وكان الرجل المؤمن كلما ألحَّ القوم في تعذيبه، ازداد ثباتاً وصموداً ولم تُجْدِ كل هذه الأساليب في قمع الدعوة، ولا أوقف حماس المسلمين عذاب ابي سفيان وطغمته الفاسدة، رغم انه كان قاسياً ومؤلماً، ويكفي ان الخباب يحدثنا عما لقيه، فيقول: واللّه ما أعلم أحداً لقي من البلاء ما لقيت، فقد كويت في بطني سبع كيات مرة واحدة، ولولا أن النبي نهى أن يتمنى أحد الموت، لتمنيته ولم يكن هذا فحسب، فقد أغرى أبو سفيان وأمثاله مولاته أم أغاربه، وكانت تكره أن يجلس اليه رسول اللّه، فكانت تأخذ الحديدة المحماة فتضعها على رأسه. فشكا ذلك للنبي فدعا عليها فقال: اللهم انصر خباباً فاشتكت من رأسها وكانت تعوي مثل الكلاب، فقيل لها اكتوي، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوي بها رأسها.
وكان المشركون يحقدون على الأبطال من الصحابة لصمودهم وعدم تراجعهم عن عقيدتهم، مع كل ما يعانون من أذى وعذاب.
ولقد سأله مرة عمر بن الخطاب عن أشد ما قاساه من المشركين، فكشف عن ظهره، فقال عمر: ما رأيت كاليوم فقال: أوقدت لي نار، وسحبت عليها، فما أطفأها إلا شحم ظهري وترك الخباب بعد أن يأس أبو سفيان من ردعه، وعاد لحبيبه وسيده رسول اللّه قوي القلب، ثابت الجنان، علمته الأيام كيف يشد عزمه على عقيدته، ودللت له الحقيقة مكانته السامية في نفس النبي، وكان هذا ما جعل الخباب يتفانى في سبيل الدعوة.
وأوكل اليه النبي مهمة خطيرة في بدء الدعوة وهي تعليم بعض المسلمين القرآن، ممن لا تساعدهم ظروفهم في الذهاب إلى النبي. وكادت هذه المهمة تنتهي به إلى الموت ولكن الخباب لا يهاب كل شيء في سبيل عقيدته.
ويتحدث المتحدثون أنه كاد يقتل بسيف عمر بسبب مهمته. فقد كان عمر بن الخطاب - في أول أمره، وقبل أن يسلم - شديداً على المسلمين، وفيه من الغلظة والقسوة ما ميزته عن غيره عنفاً، وشدة وقد خرج يوماً متوشحاً سيفه يريد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ورهطاً من أصحابه، وقد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قرابة أربعين نفراً، من رجال ونساء، ممن كان أقام مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بمكة، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد اللّه، من بني عدي - وكان مسلماً يكتم إسلامه خشية من قبيلته -  .
 فقال له: أين تريد يا عمر؟. 
فقال: أريد محمداً هذا الذي فرق أمر قريش، وسفَّه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله وأريح العرب من شره .
فقال نعيم: واللّه لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض، وقد قتلت محمداً! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم .
قال: وأي أهل بيتي؟ .
قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد واللّه أسلما وتابعا محمداً على دينه فعليك بهما .
قال: فرجع عمر عامداً إلى أخته وختنه، وكان عندهما الخباب بن الأرت ومعه صحيفة فيها سورة (طه) يقرئهما - وكان النبي قد كلفه أن يذهب اليهما في كل يوم يقرئهما القرآن - فلما سمعوا صوت عمر، غيبت فاطمة الخباب في مخدع لها، وأخذت الصحيفة فجلعتها تحت فخذها وكان عمر قد سمع - حين دنا من الباب قراءة الخباب عليهما - فلما دخل .
قال: ما هذه الهيمنة (صوت، كلام لا يفهم)؟ .
قالا له: ما سمعت شيئاً .
قال: بلى، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه، ولم يتمكن من ضبط أعصابه، بل أخذ ابن عمه سعيداً وضرب به الارض، فقامت اليه أخته فاطمة لتكفه عن زوجها فضربها فشجها ولما وصل الأمر الى هذا الحد .
قالا له: نعم قد أسلمنا وآمنا باللّه ورسوله، فاصنع ما بدا لك، وأثر في عمر منظر الدم الذي جرى من أخته، وندم ، وقال: اعطوني هذه الصحيفة أنظر ما فيها، فامتنعت أخته من ذلك خشية أن يمزقها، فأعطاها المواثيق، وحلف بآلهته أنه ليردها لها، فخرج اليه الخباب من المخدع، فحملق فيه، ثم عاد الى قراءة الصحيفة فما زال به الخباب يحدثه ويقنعه حتى اقتنع بالاسلام.
وبعد ثلاث عشرة سنة قضاها النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة، وهو يعاني من ظلم المشركين وجورهم ما اضطره الى الانتقال للمدينة ليكون هو وأصحابه في مجنب من هذا الخطر.
كانت السنين الثلاث الاولى للدعوة لا تتعدى الأفراد الذين آمنوا بالرسالة وبصورة خفية، وحتى اذا أطلت السنة الرابعة أعلن الرسول الدعوة، وأخذ يدعو الناس الى الاسلام جهراً واستمر على ذلك عشر سنين يوافي الموسم كل عام، يتبع الحجاج في منازلهم بمنى، والموقف يسأل عن القبائل، ويأتي اليهم يعرض عليهم الاسلام، لا يمنعه عنف القوم ولا يرده أذى قريش.
يروي أحد المشاهدين: انه في الموسم بمنى، وإذا برسول اللّه يقف على منازل القبائل من العرب، فيقول: يا بني فلان، اني رسول اللّه اليكم، يأمركم أن تعبدوا اللّه، ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا وتصدقوا بي وتمنعوني، حتى أبين عن اللّه ما بعثني به.
يقول الراوي: وخلف النبي يتتبع أثره رجل أحول وضيء له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من قوله .
قال ذلك الرجل: يا بني فلان، إن هذا يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم، وتؤمنوا بما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه، ولا تسمعوا منه قولاً.
قال الراوي: فقلت لأبي: يا أبتِ، من هذا الذي يتبعه ويردّ عليه ما يقول؟ 
قال: هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب أبو لهب لكن هذا وأمثال هذا لم يثن النبي عن عزمه في تبليغ رسالته المقدسة فقد استمر، وكلما اجتمع الناس بالموسم أتاهم يدعوهم الى اللّه، وإلى الاسلام، ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من اللّه من الهدى والرحمة، وهو لا يسمع بقادم يصل مكة من العرب، له اسم وشرف إلا تصدى له، ويدعوه الى اللّه والهداية والرحمة ولا يهمه ما يناله من الأذى في سبيل ذلك، حتى قال هو (صلى الله عليه وآله): ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت.
وكان الخباب بن الارت من الأصحاب الذين قلّ ان يفارقوا الرسول، صابراً على كل ما يلاقيه من ضيم، مؤمناً بعقيدته الى درجة الفناء فيها.
ولما تفاقم الأمر، وازداد الضغط على محمد وأصحابه، فقد اضطر النبي أن يطلب من المسلمين ان يهاجروا من مكة الى المدينة وتسلل المؤمنون في ظلام الليل من مكة تاركين البلد الذي قضوا فيه وطراً من حياتهم سلامة على أنفسهم، الى المدينة حيث الأمان، والأمل المشرق.
وكان الخباب من المهاجرين الأوائل، ولم تضق يثرب بهذه الصفوة المنتقلة الى رحابها، فقد كانت القاعدة الوفية للدعوة الاسلامية، وفيها استمد الدين شموخه، ومنها امتد الى الجزيرة وفي ربوعها عاش الصفوة في مأمن وبقي الخباب جندباً الى جنب النبي في كل معركة، ومعلماً وفياً للدين كلما انتدبه النبي لمهمة.
وإذا وفى الخباب لمحمد، فقد كان وفياً لعلي من بعده، بحيث انتقل معه الى الكوفة، ولم يشأ مفارقته، وحتى في معاركه عدا صفين فقد تخلف لمرضه.
وفي عام 37 هجري لبى الصحابي الجليل دعوة الخالق العظيم ويقف علي (عليه السلام) على قبره، وهو في ألم شديد، وتأثر عميق.
وانحدرت الكلمات من أعماق الإمام تؤبن هذه الشخصية الفذة: رحم اللّه خباباً، لقد أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلى في جسمه أحوالاً، ولن يضيع أجر من أحسن عملاً طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف ورضي عن اللّه عز وجل .
وماجت دموع الوفاء في عيني الإمام على هذا الصحابي الذي عانى في سبيل عقيدته من ظلم ابي سفيان وحقد طغمته ما يجزع منه الوصف، وخلد له ذكراً مشرقاً مهما امتدت الأيام بعمرها.

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.






ذوو الطلبة المشاركين بحفل التخرج المركزي يقدمون الشكر للعتبة العباسية المقدسة
العتبة العباسية: نحرص على تصحيح الصورة النمطية التي يسوقها الإعلام عن خريجي الجامعات
العتبة العباسية: الأثر الإيجابي لحفل التخرج المركزي دعانا إلى تكرار التجربة مرتين في السنة
اختتام فقرات الفترة الصباحية من حفل تخرج طلبة الجامعات العراقية الرابع