المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
الجهاز التناسلي الذكري في الدجاج الجهاز التنفسي للدجاج محاسبة المسؤولية في المصرف (الإدارة اللامركزية والعلاقات الإنسانية ـــ الإدارة اللامركزية في المصرف) أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون المدني أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون الإداري دور التشريعات والسلطات الرقابية في تسعير المنتجات والخدمات المصرفية موضوع الملاحظة في الاستنباط القضائي ملكة الاستنباط القضائي الجهاز الهضمي للدجاج إستراتيجيات تسعير المنتجات والخدمات المصرفية في الاطار الرقابي (انواع المنتجات والخدمات المصرفية) طـرق تـحديـد سعـر الفـائـدة علـى القـروض السـكـنـيـة (العـقاريـة) تـحليـل ربحيـة العميـل من القـروض الاستـهلاكيـة (الشخصيـة) المـقـسطـة الدجاج المحلي العراقي معجزة الدين الاسلامي موضوع الإعجاز

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16365 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (106-108) من سورة المائدة  
  
11625   03:33 مساءً   التاريخ: 20-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة : 106 - 108] .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} [المائدة : 106].

لما قدم الامر بالرجوع إلى ما أنزل ، عقبه بذكر هذا الحكم المنزل فقال {يا أيها الذين آمنوا} أي : يا أيها المؤمنون {شهادة بينكم} قيل : في معنى الشهادة هنا أقوال أحدها : إنها الشهادة التي تقام بها الحقوق عند الحكام ، وقد تقدم ذكر ما قيل في تقدير الآية على هذا المعنى ، وهو قول ابن عباس . وثانيها : إنها بمعنى الحضور ، كما يقال : شهدت وصية فلان ، ومنه قوله {وليشهد عذابهما طائفة} . {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} فيكون تقديره ليشهدكم في سفركم إذا حضركم الموت ، وأردتم الوصية اثنان ذوا عدل منكم أي : وصيان من أهل العدالة ، جعلهما اثنين تأكيدا للأمر في الوصية ، عن ابن الأنباري ، وهو قول سعيد بن جبير وابن زيد والثالث : إنها شهادة إيمان بالله ، إن ارتاب الورثة بالوصيين ، من قول القائل في اللعان : أشهد بالله أني لمن الصادقين ، والأول أقوى وأليق بالآية .

وقال صاحب كتاب نظم القرآن : (شهادة : مصدر بمعنى الشهود ، كما يقال رجل عدل ، ورضا ، ورجلان عدل ورضا ، ثم قدر حذف المضاف ، فيكون المعنى عدد شهود بينكم اثنان ، كقوله : {الحج أشهر معلومات} أي : وقت الحج أشهر) .

وقال ابن جني : ويجوز أن يكون التقدير : تقيموا شهادة بينكم اثنان ، فيكون على هذين القولين حذف المضاف من المبتدأ ، وعلى قول الزجاج ، وأبي علي من الخبر {إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية} أي حضر أسباب الموت من مرض وغيره . وقال الزجاج : معناه إن الشهادة في وقت الوصية هي للموت ليس أن الموت حاضر ، وهو يوصي ، إنما يقول الموصي صحيحا كان أو غير صحيح : إذا حضرني الموت ، وإذا مت فافعلوا واصنعوا .

{اثنان ذوا عدل منكم} أي من أهل دينكم وملتكم {أو آخران من غيركم} أي من غير أهل ملتكم ، عن ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وشريح ، ومجاهد وابن سيرين ، وابن زيد ، وإبراهيم ، وهو المروي عن الباقر ، والصادق عليهما السلام ، فيكون أو هاهنا للتفصيل ، لا للتخيير ، لان المعنى أو آخران من غيركم إن لم تجدوا شاهدين منكم . وقيل : معناه ذوا عدل من عشيرتكم ، أو آخران من غير عشيرتكم ، عن الحسن ، والزهري ، وعكرمة ، والأصم . وقالوا : لأن عشيرة الموصي أعلم بأحواله من غيرهم ، وأجدر أن لا ينسوا ما شهدوا عليه . وقالوا : لا يجوز شهادة كافر في سفر ، ولا حضر ، واختاره الزجاج .

وذهب جماعة إلى أن الآية كانت في شهادة أهل الذمة ، فنسخت ، وقد بين أبو عبيدة هذه الأقاويل ، ثم قال : جل العلماء يتأولونها في أهل الذمة ، ويرونها محكمة ، ويقوي هذا القول تتابع الآثار في سورة المائدة بقلة المنسوخ ، وأنها من محكم القران ، وآخر ما نزل {إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت} ومعناه فأصابكم الموت ، علم الله تعالى أن من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب ، دون المسلمين ، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم ، ويحضره الموت ، فلا يجد من يشهده من المسلمين فقال {أو آخران من غيركم} أي : من غير دينكم ، إن أنتم سافرتم ، فأصابتكم مصيبة الموت ، فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر ، إن أمكن إشهادهما في السفر ، والذميان في السفر خاصة ، إذا لم يوجد غيرهما.

ثم قال {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم} المعنى تحبسونهما من بعد صلاة العصر ، لان الناس كانوا يحلفون بالحجاز بعد صلاة العصر ، لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم . وقيل : هي صلاة الظهر ، أو العصر ، عن الحسن . وقيل : بعد صلاة أهل دينهما : يعني الذميين ، عن ابن عباس ، والسدي ، ومعنى {تحبسونهما} : تقفونهما (2) كما تقول مر بي فلان على فرس فحبس على دابته ، أي : وقفه . وقيل : معناه تصبرونهما على اليمين ، وهو أن يحمل على اليمين ، وهو غير متبرع بها ، إن ارتبتم في شهادتهما ، وشككتم ، وخشيتم أن يكونا قد غيرا ، أو بدلا ، أو كتما وخانا ، والخطاب في {تحبسونهما} للورثة .

ويجوز أن يكون خطابا للقضاة ، ويكون بمعنى الامر أي : فاحبسوهما ، ذكره ابن الأنباري ، وكان يقف على قوله {مصيبة الموت} ويبتدي بقوله {تحبسونهما} ، ويحتمل أن يكون أراد به وصيي الميت إذا ارتاب بهما الورثة ، وادعوا أنهما استبدا بشيء من التركة ، فيصيران مدعى عليهما ، فيحلفان بالله {لا نشتري به ثمنا} أي :
لا نشتري بتحريف الشهادة ثمنا ، والتقدير لا نشتري به ذا ثمن . ألا ترى أن الثمن لا يشترى ، وإنما يشترى المبيع دون ثمنه وقيل : إن الهاء في به يعود إلى القسم بالله .
وقيل : معناه لا نبيعه بعرض من الدنيا ، لان من باع شيئا فقد اشترى ثمنه ، ويريد : لا نحابي في شهادتنا (3) أحدا {ولو كان} المشهود له {ذا قربى} خص ذا القربى بالذكر لميل الناس إلى أقربائهم ، ومن يناسبونه {ولا نكتم شهادة الله} أي :
شهادة لزمنا أداؤها بأمر الله تعالى {إنا إذا لمن الآثمين} أي : إنا إن فعلنا ذلك كنا من الآثمين .

{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة : 107 - 108] .

ثم بين سبحانه الحكم بعد ظهور الخيانة من الوصيين ، أو الشاهدين ، فقال : {فإن عثر} أي : اطلع وظهر {على أنهما} أي : الشاهدين ، عن ابن عباس ، والوصيين عن سعيد بن جبير {استحقا} أي : استوجبا {إثما} أي : ذنبا بأيمانهما الكاذبة ، وخيانتهما ، وقصدهما في شهادتهما إلى غير الاستقامة .

وقيل : معناه استحقا عقوبة إثم من قوله تعالى {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} أي : بعقوبة اثم قتلي وعقوبة معاصيك المتقدمة عن الجبائي . {فآخران يقومان مقامهما} أي : مقام الشاهدين اللذين هما من غيرنا ، وقيل : مقام الوصيين {من الذين استحق عليهم الأوليان} المعنى : ليقم الأوليان بالميت من الذين استحقت عليهم الوصية . أو يكون التقدير : فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله ، يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما . وقد بينا ما قيل فيه ، وفي القراءتين الأخريين ، فيما قبل . ويجوز أن يكون الأوليان بدلا من قوله {آخران} فقد يجوز إبدال المعرفة من النكرة ، ومعنى الأوليين الأقربان إلى الميت . ويجوز أن يكون معناه {الأوليان} باليمين ، وإنما كان أوليين باليمين ، لان الوصيين ادعيا أن الميت باع الاناء فانتقل اليمين إلى الأوليين ، لأنهما صارا مدعى عليهما ، أن مورثهما باع الاناء . وهذا كما لو أقر انسان لآخر بدين . وادعى قضاءه ، حكم برد اليمين إلى الذي ادعى الذين ، لأنه صار مدعى عليه أنه استوفى . وقيل : معناه الأوليان بالشهادة من المسلمين ، عن ابن عباس ، وشريح.

{فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} قيل : إنه على الظاهر أي : شهادتنا ، وقولنا في وصية صاحبنا أحق بالقبول والصدق من شهادتهما ، وقولهما .

وقيل : يريد به فيقولان والله . ليميننا خير من يمينهما ، عن ابن عباس ، وسميت اليمين ها هنا شهادة ، لان اليمين كالشهادة على ما يحلف عليه أنه كذلك . {وما اعتدينا} أي : وما جاوزنا الحق فيما طلبناه من حقنا ، عن ابن عباس . وقيل : فيما قلناه من أن شهادتنا أحق من شهادتهما . {إنا إذا لمن الظالمين} تقديره : إنا إن اعتدينا لمن جملة الظالمين لنفوسنا .

وهذه الآية مع الآية التي قبلها من أعوص آيات القرآن إعرابا ومعنى وحكما ، ولست تجدهما في شيء من مظانهما أوفر فائدة ، وأغزر عائدة ، وأجمع علما ، وأوجز لفظا ومعنى ، مما لخصته لك ، وسقته إليك وبالله التوفيق .

ثم بين سبحانه وجه الحكمة في استحلاف اليهود فقال : {ذلك أدنى} أي ذلك الإحلاف والإقسام ، أو ذلك الحكم أقرب إلى {أن يأتوا بالشهادة على وجهها} أي :

حقها وصدقها ، لا يكتمون شيئا ، ولا يزيدون شيئا ، لان اليمين تردع عن أمور كثيرة لا يرتدع عنها مع عدم اليمين . {أو يخافوا} أي : أقرب إلى أن يخافوا {أن ترد أيمان} إلى أولياء الميت {بعد أيمانهم} فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم ، فيفتضحوا ويغرموا ، فربما لا يحلفون كاذبين ، ويتحفظون في الشهادة مخافة رد اليمين والشهادة إلى المستحق عليهم . {واتقوا الله} أن تحلفوا أيمانا كاذبة ، أو تخونوا أمانة {واسمعوا} الموعظة {والله لا يهدي القوم الفاسقين} إلى ثوابه وجنته .

______________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 439-446 .

2. {وتقيمونهما} .

3. حاباه في البيع : ساهله . القاضي زيدا في الحكم : مال إليه منحرفا عن العدل .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

هذه الآيات الثلاث من آيات الأحكام ، وتدخل في باب الوصية والشهادة ، وفيها الأحكام التالية :

1 – { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ } . يريد جلت عظمته ان من أحس بدنو أجله ، وأراد أن يوصي بما أحب استحضر عدلين من المسلمين ، وأشهدهما على وصيته . .

وتجدر الإشارة إلى أن الوصية مستحبة ، ولا تجب إلا على من كان عليه حقوق للَّه أو للناس ، وظهرت له دلائل الموت ، وخاف ضياعها من بعده .

2 – { أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً ولَوْ كانَ ذا قُرْبى ولا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآثِمِينَ } . قال الشيعة الإمامية والحنابلة :

إذا أوصى رجل مسلم في السفر ، ولم يكن أحد من المسلمين عنده فله أن يشهد اثنين من أهل الكتاب ، على أن يستحلفا بعد الصلاة بين جمع من الناس إنهما ما خانا ، ولا كتما ، ولا اشتريا بشهادتهما ولا بقسمهما ثمنا قليلا ، وعندها تقبل شهادتهما كما تقبل من المسلمين ، وتجب عليهما اليمين مع الشك في صدقهما ، أما الأمين فلا يمين عليه . لقوله تعالى : { إِنِ ارْتَبْتُمْ } .

هذا ما أفتى به الإمامية والحنابلة معتمدين على هذه الآية ، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم بحال ، وأولوا الآية بمعنى آخر ، وقال المالكية والشافعية : لا تقبل شهادة غير المسلمين إطلاقا ، ولو كانت من بعضهم على بعض . ( المغني باب الشهادات ) .

3 – { فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما ومَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ } . جاء في صحاح الشيعة والسنة ان هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر خرجوا في سفر للتجارة ، أحدهم مسلم والآخران من النصارى ، وفي الطريق تمرض المسلم ، وأحس بدنو أجله ، فكتب وصيته وذكر فيها كل ما يحمل معه ، ودسها في بعض متاعه ، دون أن يعلم صاحباه بذلك ، ثم أوصى إليهما أن يدفعا متاعه إلى أهله ، ولما مات أخذا شيئا منه ، ودفعا الباقي إلى أهله .

ولما عثر أهله على وصيته رأوا فيها ذكر الشيء الذي أخذاه ، فسألوهما فأنكرا ، وقالا ما دفعه إلينا دفعناه إليكم ، وحلفا على ذلك . . وبعد حين رأى أهل الميت ذاك الشيء مع ثالث ، فقالوا : من أين لك هذا ؟ قال : اشتريته من فلان وفلان ، أي من المتهمين ، فترافعوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . وقيل : ان المتهمين حين فوجئا بذلك قالا : اشتريناه منه . فنزل قوله تعالى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا } الخ . والمعنى فان ظهرت أمارات تستدعي الريبة بالمتهمين فالواجب حينئذ أن يقوم رجلان من ورثة الميت ، ويحلفا باللَّه انهما أصدق من المتهمين ، وأن يقولا في اليمين : وما اعتدينا انّا إذا لمن الظالمين ، وبعد الحلف يحكم على المتهمين .

وتسأل : لقد طال كلام المفسرين وتضارب حول قوله تعالى : { مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ } حتى نقل عن بعض القدامى انه قال : هذه أشكل جملة في كتاب اللَّه من حيث التركيب ، فما هو القول الصحيح في تفسيرها ؟ .

الجواب : ان الذي أوقع المفسرين في الارتباك هو ان ضمير ( عليهم ) إلى من يعود ؟ والذي نراه انه يعود إلى ورثة الميت ، لأن ما كان مستحقا عليه من الديون ونحوها يصير بعد موته مستحقا على ورثته ، وعليه يكون المعنى يحلف اثنان من الذين وجب عليهم ما كان واجبا على مورثهم ، والسياق يؤكد هذا ، لأن الآخرين اللذين يقومان مقام المتهمين في اليمين لا بد أن يكونا من ورثة الميت باتفاق المفسرين ولا يجوز أن يكونا من غيرهم بحال ، إذن ، يتعين أن يكون ضمير ( عليهم ) عائدا إليهم بالذات .

{ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ } .

ذلك إشارة إلى الحكم السابق ، وقوله : { أَدْنى أَنْ يَأْتُوا . . الخ } بيان لعلة الحكم ، أي ان القصد مما شرعناه أن لا يحرّف الشهود شهادتهم ، ويحلفوا اليمين الكاذبة ، أو يمتنعوا عن اليمين بالمرة خوفا أن ترد - بعد الحلف - على الورثة .

وتسأل : إن اللَّه سبحانه حين بيّن الحكم ثنّى ، وقال : شهادتهما . . ويقسمان .

وحين أشار إلى علة الحكم جمع ، وقال : أن يأتوا بالشهادة ، فما هو الوجه ؟

الجواب : إن الشهود أربعة ، اثنان يشهدان ابتداء ، واثنان يقومان مقامهما إذا ظهر الإثم على الشاهدين الأولين . . هذا ، إلى أن المفروض في علة الحكم أن تكون عامة تشمل المورد المذكور وغيره .

_________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 139-124 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ} إلى آخر الآيتين ، محصل مضمون الآيتين أن أحدهم إذا كان على سفر فأراد أن يوصي فعليه أن يشهد حين الوصية شاهدين عدلين من المسلمين وإن لم يجد فشاهدين آخرين من غير المسلمين من أهل الكتاب فإن ارتاب أولياء الميت في أمر الوصية يحبس الشاهدان بعد الصلاة فيقسمان بالله على صدقهما فيما يشهدان عليه وترفع بذلك الخصومة ، فإن اطلعوا على أن الشاهدين كذبا في شهادتهما أو خانا في الأمر فيوقف شاهدان آخران مقام الشاهدين الأولين فيشهدان على خلافهما ويقسمان بالله على ذلك.

فهذا ما تفيده الآيتان بظاهرهما فقوله : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطاب للمؤمنين والحكم مختص بهم {شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي شهادة بينكم ذوي عدل منكم ففي جانب الخبر مضاف مقدر ، أو شهداء بينكم ذوا عدل منكم ، والمراد أن عدد الشهود اثنان فالمصدر ـ الشهادة ـ بمعنى اسم الفاعل كقولهم : رجل عدل ورجلان عدل .

وحضور الموت كناية عن حضور داعي الوصية فإن الناس بحسب الطبع لا يشتغلون بأمثال هذه الأمور من غير حضور أمر يوجب الظن بالموت ، وهو عادة المرض الشديد الذي يشرف الإنسان به على الموت.

وقوله : {حِينَ الْوَصِيَّةِ} ظرف متعلق بالشهادة أي الشهادة حين الوصية ، والمراد بالعدل وهو مصدر ـ الاستقامة في الأمر ، وقرينة المقام تعطي أن المراد به الاستقامة في أمر الدين ، ويتعين بذلك أن المراد بقوله : {مِنْكُمْ} وقوله : {مِنْ غَيْرِكُمْ} المسلمون وغير المسلمين ، دون القرابة والعشيرة فإن الله سبحانه قابل بين قوله : {اثْنانِ} وقوله : {آخَرانِ} ، ثم وصف الأول بقوله {ذَوا عَدْلٍ} وقوله : {مِنْكُمْ} ولم يصف الثاني إلا بقوله : {مِنْ غَيْرِكُمْ} دون أن يصفه بالعدالة ، والاتصاف بالاستقامة في الدين وعدمه إنما يختلف في المسلم وغير المسلم ، ولا موجب لاعتبار العدالة في الشهود إذا كانوا قرابة أو من عشيرة المشهود له وإلغائها إذا كان الشاهد أجنبيا.

وعلى هذا فقوله : {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ترديد على سبيل الترتيب أي إن كان هناك نفر من المسلمين يستشهد اثنان منهم ، وإن لم يكن إلا من غير المسلمين يستشهد باثنين منهم ، كل ذلك بالاستفادة من قرينة المقام.

وهذه القرينة بعينها هي التي توجب أن يكون قوله : {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} قيدا متعلقا بقوله : {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فإن المسلم لما كان بالطبع إنما يعيش في مجتمع المسلمين لا تمس الحاجة في الحضر عادة إلى الاستشهاد بشهيدين من غير المسلمين بخلاف حالة السفر والضرب في الأرض فإنها مظنة وقوع أمثال هذه الوقائع والاضطرار ومسيس الحاجة إلى الانتفاع من غير المسلم بشهادة أو غيرها.

وقرينة المقام أعني المناسبة بين الحكم والموضوع بالذوق المتخذ من كلامه تعالى تدل على أن المراد من غير المسلمين أهل الكتاب خاصة لأن كلامه تعالى لا يشرف المشركين بكرامة.

وقوله تعالى : {تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} أي توقفونهما ، والحبس الإيقاف ، {فَيُقْسِمانِ بِاللهِ} أي الشاهدان {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي شككتم فيما يظهره الوصي من أمر الوصية أو المال الذي تعلقت به الوصية أو في كيفية الوصية ، والمقسم عليه هو قوله : {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} أي لا نشتري بالشهادة للوصي فيما يدعيه ثمنا قليلا ولو كان ذا قربى ، واشتراء الثمن القليل بالشهادة أن ينحرف الشاهد في شهادته عن الحق لغاية دنيوية من مال أو جاه أو عاطفة قرابة فيبذل شهادته بإزاء ثمن دنيوي ، وهو الثمن القليل.

وذكر بعضهم أن الضمير في قوله : {مُصِيبَةُ} إلى اليمين أي لا نشتري بيميننا ثمنا ، ولازمه إجراء اليمين مرتين والآية بمعزل عن الدلالة على ذلك .

وقوله : {وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ} أي بالشهادة على خلاف الواقع {إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} الحاملين للإثم ، والجملة معطوفة على قوله : {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} كعطف التفسير.

وإضافة الشهادة إلى الله في قوله : {شَهادَةَ اللهِ} إما لأن الواقع يشهده الله سبحانه كما شهده الشاهدان فهو شهادته سبحانه كما هو شهادتهما والله أحق بالملك فهو شهادته تعالى حقا وبالأصالة وشهادتهما تبعا ، وقد قال تعالى : {وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} : النساء : 79 وقال تعالى : {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ} [ البقرة : 255] .

وإما لأن الشهادة حق مجعول لله على عباده يجب عليهم أن يقيموها على وجهها من غير تحريف أو كتمان ، وهذا كما يقال : دين الله ، فينسب الدين إليه تعالى مع أن العباد هم المتلبسون به ، قال تعالى : {وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ} [ الطلاق : 3 ] وقال : {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ} [ البقرة : 283].

وقوله : {فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} العثور على الشيء الحصول عليه ووجدانه ، وهذه الآية بيان وتفصيل للحكم في صورة ظهور خيانة الشاهدين وكذبهما في شهادتهما .

والمراد باستحقاق الإثم الاجرام والجناية يقال : استحق الرجل أي أذنب ، واستحق فلان إثما على فلان كناية عن إجرامه وجنايته عليه ولذا عدي بعلى في قوله تعالى ذيلا : {اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ} أي أجرما وجنيا عليهم بالكذب والخيانة ، وأصل معنى قولنا : استحق الرجل طلب أن يحق ويثبت فيه الإثم أو العقوبة فاستعماله الكنائي من قبيل إطلاق الطلب وإرادة المطلوب ووضع الطريق موضع الغاية ، وإنما ذكر الإثم في قوله : {اسْتَحَقَّا إِثْماً} بالبناء على ما تقدم في قوله : {إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ}.

وقوله تعالى : {فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما} أي إن عثر على أن الشاهدين استحقا بالكذب والخيانة فشاهدان آخران يقومان مقامهما في اليمين على شهادتهما عليهما بالكذب والخيانة.

وقوله : {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ} في موضع الحال أي حال كون هذين الجديدين من الذين استحق عليهم أي أجرم وجنى عليهم الشاهدان الأولان اللذين هما الأوليان الأقربان بالميت من جهة الوصية كما ذكره الرازي في تفسيره ، والمراد بالذين استحق عليهم الأوليان أولياء الميت ، وحاصل المعنى أنه إن عثر على أن الشاهدين أجرما على أولياء الميت بالخيانة والكذب فيقوم شاهدان آخران من أولياء الميت الذين أجرم عليهم الشاهدان الأولان الأوليان بالموت قبل ظهور استحقاقهما الإثم.

هذا على قراءة {اسْتَحَقَّ} بالبناء للفاعل وهو قراءة عاصم على رواية حفص ، وأما على قراءة الجمهور {اسْتَحَقَّ} بضم التاء وكسر الحاء بالبناء للمفعول فظاهر السياق أن يكون الأوليان مبتدأ خبره قوله : {فَآخَرانِ يَقُومانِ} (إلخ} ، قدم عليه لتعلق العناية به ، والمعنى إن عثر على أنهما استحقا إثما فالأوليان بالميت هما آخران يقومان مقامهما من أوليائه المجرم عليهم.

وفي قراءة عاصم من طريق أبي بكر وحمزة وخلف ويعقوب {الأولين} جمع الأول مقابل الآخر ، وهو بظاهره بمعنى الأولياء والمقدمين ، وصف أو بدل من قوله : {الَّذِينَ}.

وقد ذكر المفسرون في تركيب أجزاء الآية وجوها كثيرة جدا لو ضرب بعضها في بعض للحصول على معنى تمام الآية ارتقت إلى مئين من الصور ، وقد ذكر الزجاج فيما نقل عنه : أنها أشكل آية في كتاب الله من حيث التركيب.

والذي أوردناه من المعنى هو الظاهر من سياق اللفظ من غير تعسف في الفهم ، وأضربنا عن استقصاء ما ذكروه من المحتملات لأن تكثيرها لا يزيد اللفظ إلا إبهاما ، ولا الباحث إلا حيرة (2) .

وقد فرع على قوله : {فَآخَرانِ يَقُومانِ) ، إلخ} تفريع الغاية على ذي الغاية قوله : {فَيُقْسِمانِ بِاللهِ} أي الشاهدان الآخران من أولياء الميت {لَشَهادَتُنا} بما يتضمن كذبهما وخيانتهما {أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما} أي من شهادة الشاهدين الأولين بما يدعيان من أمر الوصية {وَمَا اعْتَدَيْنا} عليهما بالشهادة على خلاف ما شهدا عليه {إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.

قوله تعالى : {ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ} الآية في مقام بيان حكمة التشريع وهي أن هذا الحكم على الترتيب الذي قرره الله تعالى أحوط طريق إلى حيازة الواقع في المقام ، وأقرب من أن لا يجور الشاهدان في شهادتهما ويخافا من أن يتغير الأمر عليهما برد شهادتهما بعد قبولها.

فإن الإنسان ذو هوى يدعوه إلى التمتع بكل ما يسعه التمتع به والقبض على كل ما يتهوسه إذا لم يكن هناك مانع يصرفه عنه سواء كان ذلك منه عن حق يستحقه أو جورا ، عدلا أو ظلما وتعديا على غيره بإبطال حقه والغلبة عليه ، وإنما ينصرف الإنسان عن هذا التعدي والتجاوز إما لمانع يمنعه من خارج بسياسة أو عقوبة أو فضيحة ، وإما لرادع يردعه من نفسه ؛ وأقوى رادع نفساني هو الاعتقاد بالله الذي إليه مرجع العباد وحساب الأعمال والقضاء الفصل والجزاء المستوفى .

وإذا كان الواقع من أمر الوصية بحسب فرض المقام مجهولا لا طريق إلى كشفه إلا شهادة من أشهدهما الميت من الشاهدين فأقوى ما يقرب شهادتهما من الصدق أن يؤخذ في ذلك بأيمانهما بالله تعالى وهو اليمين ، وأن يرد اليمين إلى الورثة الأولياء مع يمينهما على تقدير انكشاف كذبهما وخيانتهما عند الورثة ، فهذان أعني يمينهما أولا ثم رد اليمين إلى الورثة أقرب وسيلة إلى صدقهما في شهادتهما وخوفهما فضيحة رد اليمين ، والرادعان أقوى ما يردعهما من الانحراف.

ثم عقب تعالى القول بالموعظة والإنذار فقال : {وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} والمعنى واضح.

___________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 161-165 .

2. وعلى من يريد الاطلاع عليها أن يراجع الجزء السابع من تفسير روح المعاني للألوسي ومجمع البيان وتفسير الرازي وسائر المطولات.

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

من أهم المسائل التي يؤكّدها الإسلام هي مسألة حفظ حقوق الناس وأموالهم وتحقيق العدالة الاجتماعية هذه الآيات تبيّن جانبا من التشريعات الخاصّة بذلك ، فلكيلا تغمط حقوق ورثة الميت وأيتامه الصغار ، يصدر الأمر للمؤمنين قائلا : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ}.

المقصود بالعدل هنا العدالة ، وهي تجنب الذنوب الكبيرة ونظائرها ، ولكن يحتمل من معنى الآية أيضا أنّ يكون المقصود من العدالة : الأمانة في الشؤون المالية ، إلّا إذا ثبت بدلائل أخرى ضرورة توفر شروط أخرى في الشاهد.

و «منكم» تعني من المسلمين بإزاء غير المسلمين ، الذين تأتي الإشارة إليهم في العبارة التّالية من الآية.

لا بدّ من القول بأنّ القضية هنا لا تتعلق بالشهادة العادية المألوفة ، بل هي شهادة مقرونة بالوصاية ، أي أن هذين وصيان وشاهدان في الوقت نفسه ، أمّا الاحتمال القائل باختيار شخص ثالث كوصي بالإضافة إلى الشاهدين هنا ، فإنه خلاف ظاهر الآية ويخالف سبب نزولها ، لأنّنا لاحظنا أنّ ابن أبي مارية لم يكن يرافقه في السفر غير اثنين اختارهما وصيين وشاهدين.

ثمّ تأمر الآية : إذا كنتم في سفر ووافاكم الأجل ولم تجدوا وصيّا وشاهدا من المسلمين فاختاروا اثنين من غير المسلمين : {أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}.

وعلى الرغم من عدم وجود ما يفهم من الآية أنّ اختيار الوصي والشاهد من غير المسلمين مشروط بعدم وجودهما من المسلمين ، فهو واضح ، لأنّ الاستعاضة تكون عند ما لا تجد من المسلمين من توصيه ، كما أنّ ذكر قيد السفر يفيد هذا المعنى أيضا ، وعلى الرغم من أنّ (أو) تفيد «التخيير» عادة ، إلّا أنّها هنا ـ وفي كثير من المواضع الأخرى ـ تفيد «الترتيب» ، أي اخترهما أوّلا من المسلمين ، فإن لم تجد ، فاخترهما من غير المسلمين .

وغني عن القول أنّ المقصود من غير المسلمين هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى طبعا ، لأنّ الإسلام لم يقم وزنا في أية مناسبة للمشركين وعبدة الأصنام مطلقا .

ثمّ تقرر الآية حمل الشاهدين عند الشهادة على القسم بالله بعد الصّلاة ، في حالة الشك والتردد : {تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ}.

ويجب أنّ تكون شهادتهما بما مفاده : إنّنا لسنا على استعداد أن نبيع الحقّ بمنافع مادية ، فنشهد بغير الحقّ حتى وإن كانت الشهادة ضد أقربائنا : {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} وإننا لن نخفي أبدا الشهادة الإلهية ، وإلّا فسنكون من المذنبين : {وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ}.

ولا بدّ أن نلاحظ ما يلي :

أوّلا : إنّ هذه التفاصيل في أداء الشهادة إنّما تكون عند الشك والتردد.

وثانيا : لا فرق بين المسلم وغير المسلم في هذا كما يبدو من ظاهر الآية ، وإنّما هو في الحقيقة ـ وسيلة لإحكام أمر حفظ الأموال في إطار الاتهام ، وليس في هذا ما يناقض القبول بشهادة عدلين بغير تحليف ، لأنّ هذا يكون عند انتفاء الشك في الشاهدين ، لذلك فلا هو ينسخ الآية ولا هو مختص بغير المسلمين (تأمل بدقّة).

ثالثا : الصّلاة بالنسبة لغير المسلمين يقصد بها صلاتهم التي يتوجهون فيها إلى الله ويخشونه ، أمّا بالنسبة للمسلمين فيقول بعض : إنّها خاصّة بصلاة العصر ، وفي بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيت عليهم‌ السلام إشارة إلى ذلك ، إلّا أنّ ظاهر الآية هو الإطلاق ويشمل الصلوات جميعها ، ولعل ذكر صلاة العصر في رواياتنا يعود إلى جانبه الاستحبابي ، إذ أنّ الناس يشتركون أكثر في صلاة العصر ، ثمّ ان وقت العصر كان الوقت المألوف للتحكيم والقضاء بين المسلمين.

رابعا : اختيار وقت الصّلاة للشهادة يعود إلى أنّ المرء في هذا الوقت يعيش آثار الصّلاة التي {تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت ، 45] وأنّه في هذا الظرف الزماني والمكاني يكون أقرب إلى الحقّ ، بل قال بعضهم : إنّ من الأفضل أن تكون الشهادة في «مكّة» عند الكعبة وبين «الركن» و «المقام» باعتباره من أقدس الأمكنة ، وفي المدينة تكون جنب قبر رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

وفي الآية التّالية يدور الكلام على ثبوت خيانة الشاهدين إذا شهدا بغير  الحقّ ، كما جاء في سبب نزول الآية ، فالحكم في مثل هذه الحالة ـ أي عند الاطلاع على أن الشاهدين قد ارتكبا إثمّ العدوان على الحقّ واضاعته ـ هو أن تستعيضوا عنهما باثنين آخرين ممن ظلمهما الشاهدان الأولان (أي ورثة الميت) فيشهدان لإحقاق حقهما : {فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ}.

يذهب العلّامة الطبرسي في «مجمع البيان» إلى أنّ هذه الآية تعتبر من حيث المعنى والإعراب من أعقد الآيات وأصعبها ، ولكن بالالتفات إلى نقطتين نجد أنّها ليست بتلك الصعوبة والتعقيد .

فالنّقطة الاولى : هي أن معنى «استحق» هنا بقرينة كلمة «إثم» هو إثمّ العدوان على حق الآخرين.

والنّقطة الثّانية : هي أنّ «الأوليان» تعني هنا «الأولان» أي الشاهدان اللذان كانا عليهما أنّ يشهدا أوّلا ولكنّهما انحرفا عن طريق الحقّ.

وعليه يكون المعنى : إذا ثبت أنّ الشاهدين الأولين ارتكبا مخالفة ، فيقوم مقامهما اثنان آخران ممن وقع عليهم ظلم الشاهدين الأولين (2) .

ثمّ تبيّن ما ينبغي على هذين الشاهدين أن يفعلاه {فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.

لمّا كان أولياء الميت على علم بالأموال والأمتعة التي أخذها معه عند سفره أو التي يملكها عموما ، فيمكن أن يشهدوا على أنّ الشاهدين الأولين قد خانا وظلما ، وتكون هذه الشهادة حسية مبنية على القرائن ، لا حدسية.

والآية الأخيرة ، في الحقيقة ، بيان لحكمة الأحكام التي جاءت في الآيات السابقة بشأن الشهادة وهي أنّه إذا أجريت الأمور بحسب التعاليم ، أي إذا طلب الشاهدان للشهادة بعد الصّلاة بحضور جمع ، ثمّ ظهرت خيانتهما ، وقام اثنان آخران من الورثة مقامهما للكشف عن الحقّ ، فذلك يحمل الشهود على أن يكونوا أدق في شهادتهم ، خوفا من الله أو خوفا من الناس : {ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ}.

في الواقع سيكون هذا سببا في الخشية من المسؤولية أمام الله وأمام الناس ، فلا ينحرفان عن محجة الصواب.

ولتوكيد الأحكام المذكورة يأمر الناس قائلا : {اتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ}.

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 652-655 .

2. على هذا يكون إعراب «آخران» مبتدأ ، وجملة «يقومان مقامهما» خبر ، و «أوليان» فاعل «استحقا» و «من الذين» أي من ورثة الميت الذين وقع عليهم الظلم ، والجار والمجرور صفة «آخران» «تأمل بدقّة».

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تطلق مسابقة فن التصوير الفوتوغرافي الثانية للهواة ضمن فعاليات أسبوع الإمامة الدولي
لجنة البرامج المركزيّة تختتم فعاليّات الأسبوع الرابع من البرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسيّة
قسم المعارف: عمل مستمر في تحقيق مجموعة من المخطوطات ستسهم بإثراء المكتبة الدينية
متحف الكفيل يشارك في المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآثار بجامعة الكوفة