المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16311 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (76-81) من سورة المائدة  
  
5122   06:49 مساءً   التاريخ: 17-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة : 76 - 81] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة : 76-77].

النظر الأول : إنما هو إلى فعله تعالى الجميل ، في نصب الآيات ، وإزاحة العلل . والنظر الثاني إلى أفعالهم القبيحة وتركهم التدبر للآيات ، ثم زاد تعالى في الاحتجاج عليهم فقال {قُلْ} يا محمد {أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} أي : أتوجهون عبادتكم إلى من لا يقدر لكم على النفع والضر ، لان القادر عليهما هو الله ، أو من يمكنه الله تعالى من ذلك ، والمستحق للعبادة إنما هو القادر على أصول النعم ، والنفع ، والضر ، والخلق ، والاحياء ، والرزق ، ولا يقدر على ذلك غير الله ، فلا يستحق العبادة سواه {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لأقوالكم {الْعَلِيمُ} بضمائركم وفي هذا تحذير من الجزاء ، واستدعاء إلى التوبة .

ثم دعاهم إلى ترك الغلو فقال {قُلْ} يا محمد للنصارى فإنهم المخاطبون هنا .

وقال قوم : إنه خطاب لليهود والنصارى ، لان اليهود غلوا أيضا في تكذيب عيسى ومحمد {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} أي : لا تتجاوزوا الحد الذي حده الله لكم إلى الازدياد ، وضده التقصير ، وهو الخروج عن الحد إلى النقصان ، والزيادة في الحد ، والنقصان عنه ، كلاهما فساد . ودين الله الذي أمر به هو بين الغلو والتقصير ، وهو الاقتصار . {غَيْرَ الْحَقِّ} أي : مجاوزين الحق إلى الغلو وإلى التقصير ، فيفوتكم الحق . ومن قال : إن الخطاب لليهود والنصارى ، فغلوا النصارى في عيسى : ادعاؤهم له الإلهية ، وغلو اليهود فيه : تكذيبهم له ، ونسبتهم إياه إلى أنه لغير رشدة {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} قال ابن عباس : كل هوى ضلالة ، يعني بالقوم الذين ضلوا من قبل رؤساء الضلالة من فريقي اليهود والنصارى .

والآية خطاب للذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، نهوا أن يتبعوا أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم ، وأن يقلدوهم فيما هووا . والأهواء ههنا المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجة ، لان الانسان قد يستثقل النظر لما فيه من المشقة ، ويميل طبعه إلى بعض المذاهب ، فيعتقده ، وهو ضلال ، فيهلك به . والاتباع هو سلوك الثاني طريقة الأول على وجه الاقتداء به ، وقد يتبع الثاني الأول في الحق ، وقد يتبعه في الباطل ، وإنما يعلم أحدهما بدليل {وَأَضَلُّوا كَثِيرًا} يعني به هؤلاء الذين ضلوا عن الحق ، أضلوا كثيرا من الخلق أيضا ، ونسب الاضلال إليهم من حيث كان بدعائهم ، وإغوائهم {وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} قيل في معناه قولان أحدهما : إنهم ضلوا بإضلالهم غيرهم ، عن الزجاج والثاني : إنهم ضلوا من قبل ، بكفرهم بعيسى ، وأضلوا غيرهم من بعد ، بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلذلك كرر . ومعنى سواء السبيل : مستقيم الطريق . وقيل له سواء ، لاستمراره على استواء . وقيل : لأنه يستقيم بصاحبه إلى الجنة والخلود في النعيم .

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } [المائدة : 78-80] .

ثم أخبر تعالى عما جرى على أسلافهم فقال : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} قيل في معناه أقوال أحدها : إن معناه لعنوا على لسان داود ، فصاروا قردة ، وعلى لسان عيسى ، فصاروا خنازير ، وإنما خص عيسى وداود ، لأنهما أنبه الأنبياء المبعوثين من بعد موسى ، ولما ذكر داود أغنى عن ذكر سليمان ، لان قولهما واحد ، عن الحسن ، ومجاهد ، وقتادة . وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : " أما داود فإنه لعن أهل أيلة لما اعتدوا في سبتهم ، وكان اعتداؤهم في زمانه ، فقال : اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء ، ومثل المنطقة على الحقوين (2) ، فمسخهم الله قردة فأما عيسى عليه السلام ، فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك " . وثانيها : ما قاله ابن عباس : " إنه يريد في الزبور وفي الإنجيل " ، ومعنى هذا إن الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل ، وفي الإنجيل كذلك ، فلذلك قيل : {عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى} . وثالثها : أن يكون عيسى وداود علما أن محمدا نبي مبعوث ، ولعنا من يكفر به ، عن الزجاج . والأول أصح ، والمراد أن الله أيسهم من المغفرة مع الإقامة على الكفر ، لدعاء الأنبياء عليهم بالعقوبة ، ودعوتهم مستجابة ، وإنما ذكر اللعن على لسانهما ، إزالة للابهام بأن لهم منزلة بولادة الأنبياء ، تنجيهم من العقوبة .

{ذَلِكَ} إشارة إلى اللعن المتقدم ذكره {بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} أي : بمعصيتهم واعتدائهم . ثم بين تعالى حالهم ، فقال {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} أي : لم يكن ينهى بعضهم بعضا ، ولا ينتهون أي : لا يكفون عما نهوا عنه .

قال ابن عباس : " كان بنو إسرائيل ثلاث فرق : فرقة اعتدوا في السبت ، وفرقة نهوهم ، ولكن لم يدعوا مجالستهم ولا مؤاكلتهم ، وفرقة لما رأوهم يعتدون ارتحلوا عنهم ، وبقيت الفرقتان المعتدية والناهية المخالطة ، فلعنوا جميعا ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ، ولتأخذن على يد السفيه ، ولتأطرنه على الحق أطرا (3) ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، ويلعنكم كما لعنهم " .

وإنما سمي القبيح منكرا : لأنه ينكره العقل ، من حيث إن العقل يقبل الحسن ، ويعترف به ، ولا يأباه ، وينكر القبيح ويأباه : وما ينكره العقل فهو الباطل ، وما يقر به ، فهو الحق . وقيل : إن المراد بالمنكر هنا : صيدهم السمك يوم السبت .

وقيل : هو أخذهم الرشى في الأحكام . وقيل : أكلهم الربا وأثمان الشحوم . ثم أقسم سبحانه فقال {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} أي : بئس شيئا فعلهم {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ} أي : من اليهود {يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يريد كفار مكة ، عنى بذلك كعب بن الأشرف وأصحابه ، حين استجاشوا المشركين على رسول الله ، وذكرنا ذلك عند قوله {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : " يتولون الملوك الجبار بن ، ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم " .

وفي ، هذا توبيخ لأولئك القوم ، وتنبيه على سوء فعالهم ، وخبث عقائدهم {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} أي : بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أي : سخط الله عليهم {وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} وذهب ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن إلى أن هذه الآية في المنافقين من اليهود ، والكناية في قوله {مِنْهُمْ} عائدة إليهم ، ويؤكده ما بعد هذه الآية .

{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة : 81] .

{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} أي : لو كانوا يصدقون الله {وَالنَّبِيِّ} محمد صلى الله عليه وآله وسلم {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ} من القرآن ، ويعتقدون ذلك على الحقيقة ، كما يظهرونه {مَا اتَّخَذُوهُمْ} يعني الكافرين {أَوْلِيَاءَ} عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد . وقيل : المراد بالنبي موسى ، وبما أنزل إليه التوراة ، فيكون المراد بهم اليهود الذين جاهروا بالعداوة لرسول الله ، والتولي للمشركين ، ويكون معنى الموالاة : التناصر والمعاونة على محاربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعاداته . ويجوز أن يكون يريد الموالاة على الحقيقة {وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وصفهم بالفسق ، وإن كان الكفر أبلغ في باب الذم لأمرين أحدهما : إنهم خارجون عن أمر الله ، وهذا المعنى لا يظهر بأن يصفهم بالكفر والآخر : إن الفاسق في كفره هو المتمرد فيه ، والكلام يدل على أنهم فاسقون في كفرهم أي : خارجون إلى التمرد فيه .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 394-398 .

2 . المنطقة : ما يشد به الوسط . الحقو : معقد الإزار .

3 . أطره : عطفه وثناه .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً واللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . يستعمل القرآن الكريم ( ما ) فيما لا يعقل ، قال تعالى : {وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى} . وفيمن يعقل : {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} .

وفيهما معا : {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ} . ومنه قوله تعالى في هذه الآية {ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً} فإن المراد من ( ما ) كل ما اتخذ معبودا من المخلوقات فيندرج فيه عيسى ومريم والأصنام . . أجل ، ان استعمال ( ما ) فيما لا يعقل أكثر من استعمالها فيمن يعقل . على العكس من استعمال ( من ) .

أما وجه الاحتجاج على النصارى بهذه الآية فلأن الإله المعبود هو الذي يملك لعباده ضرا ونفعا ، أما العاجز فمحال أن يكون إلها . . وقد ذكرت الأناجيل ان عيسى الذي يدعون له الألوهية قد أهين وصلب ودفن بعد أن وضعوا إكليل الشوك على رأسه ، ومن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فبالأولى أن لا يملكهما لغيره . . ومن كان هذا شأنه لا يعبده عاقل ، قال إبراهيم ( عليه السلام ) لأبيه : {يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم - 42] . وكان لأعرابي صنم يقدسه ويعبده ، وجاءه ذات يوم ليسجد له كعادته فرأى ثعلبا بالقرب منه ، فظن ان الثعلب قصده ليتبرك به ، وحين أراد السجود له رأى قذارة الثعلب على رأسه ، فثاب إليه رشده ، وأخذ يحطم الصنم ، ويقول :

ارب يبول الثعلبان برأسه        *        لقد ذل من بالت عليه الثعالب

{ قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ } . هذا الخطاب موجه بظاهره إلى أهل الكتاب ، وفي واقعه يشمل أهل الأديان جميعا . . والمظهر الأصيل المميز للإسلام انه يحصر النفع والضر بيد اللَّه وحده ، ويضع الإنسان أمام خالقه دون وسائط روحية أو مادية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ولا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ولا نَصِيراً} [النساء - 122] .

{ ولا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وأَضَلُّوا كَثِيراً وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ } . المراد بالقوم رؤساء الدين الذين يتاجرون به ، ويحرّفونه كما يشتهون . .

وقد وصفهم جل ثناؤه بالضلال في أنفسهم أولا ، وبإضلال أتباعهم ثانيا ، ثم بيّن نوع الضلال والإضلال بأنه انحراف عن قصد السبيل { وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ } . وسواء السبيل هو الاعتدال وترك الغلو في الدين . . وهذا هو الإسلام في واقعه ، دين قويم ، وصراط مستقيم ، وكيلا يقول المسلمون في محمد ( صلى الله عليه وآله ) ما قاله النصارى في المسيح ( عليه السلام ) أمر اللَّه نبيه أن يقول للمؤمنين به : { قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف - 111] .

ودخل رجل على رسول اللَّه ، فارتجف من هيبته ، فربت على كتفه في حنان وقال : « هوّن عليك ، أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة » .

{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } .

قال المفسرون : نهى داود بني إسرائيل عن صيد الحيتان يوم السبت بوحي من اللَّه ، ولما عتوا عن أمره لعنهم ، ودعا عليهم ، فصاروا قردة . أما عيسى فقد طلب منه خمسة آلاف رجل ان ينزل عليهم مائدة من السماء ، فيأكلوا منها ، ويؤمنوا به ، ولما نزلت أكلوا ونكلوا ، فقال عيسى : اللهم العنهم كما لعنت أصحاب السبت .

ولا شيء في الآية يومئ إلى هذه التفاصيل ، والمعنى الظاهر ان داود وعيسى لعنا من كفر من بني إسرائيل { ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ } . وسكت اللَّه سبحانه عن نوع العصيان والاعتداء ، ولم يسكت عنه جهلا ولا نسيانا ، ونحن نسكت عما سكت اللَّه عنه ، وفي الوقت نفسه نؤمن بأن لعنة اللَّه ونقمته تصيب كل من عصى واعتدى ، سواء أ كان إسرائيليا ، أو هاشميا .

{ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ } . تشعر هذه الآية بأن عمل المنكر لم يكن عملا فرديا في المجتمع اليهودي ، وإنما كان عمل الجماعة كلها ، وان المنكر قد تفشى بينهم ، حتى صار عادة من عاداتهم المألوفة التي اصطلح عليها الكبير والصغير ، ولذا لم يوجد فيهم من يستنكر المنكر ، وينهى عنه .

وعن صحيح مسلم والبخاري ان رسول اللَّه قال : « لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . قالوا يا رسول اللَّه : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ » القذة إحدى ريش السهم .

{ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } . ضمير منهم يعود إلى اليهود ، والمراد بالذين كفروا - هنا - مشركو العرب ، وكان كثير من اليهود يقفون مع المشركين ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويحرضونهم عليه ، بل كانوا أشد منهم عداوة   له ، مع ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يؤمن باللَّه ، وبنبوة موسى ( عليه السلام ) ، وما أنزل إليه من ربه ، والمشركون يعبدون الأوثان ، ولا يؤمنون بموسى ، ولا بكتاب من كتب اللَّه ، فكان الأولى باليهود ، وهذه هي الحال ، أن يقفوا مع المؤمنين ضد الوثنيين ، لا مع الوثنيين ضد المؤمنين .

ولكن اليهود كانوا وما زالوا يعملون على أساس الربح والتجارة ، لا على أساس الدين ، كان يهود المدينة يسيطرون على التجارة الداخلية ، ومشركو العرب يسيطرون على التجارة الخارجية ، فعمل النبي على تحرير الناس من السيطرتين ، فالتقت مصلحة اليهود مع مصلحة المشركين فتكاتفوا معهم وتضامنوا ضد المؤمنين ، تماما كما التقت اليوم مصلحة اليهود مع مصالح أرباب الشركات الاستثمارية من المسيحيين ضد الشعوب والمستعفين . . وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 51 من هذه السورة .

{ لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ } .

هذه نتيجة فسادهم واعتدائهم ، سخطه وعذابه ، وكل امرئ مجزي بما أسلف ، وقادم على ما قدم ، مسلما كان أو مشركان .

{ ولَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ } - موسى - { وما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ } . ذكر سبحانه في الآية السابقة أن اليهود ، أو الكثير منهم كانوا يتولون المشركين ، ويؤلبونهم على المسلمين ، مع ان المسلمين أقرب إليهم دينا من المشركين . ثم بيّن سبحانه في هذه الآية ان أولئك اليهود لم يؤمنوا باللَّه ، ولا بموسى ، ولا بما أنزل في التوراة كما يدعون ، ولو صدقوا في دعواهم ما اتخذوا المشركين أولياء من دون المؤمنين ، لأن ذلك محرم في شريعة التوراة ، { ولكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ } . أي ان المسألة عندهم ليست مسألة دين وعقيدة ، وإنما هي مسألة مصلحة ومنفعة ، كما قدمنا .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 106-109 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } كان الخضوع لأمر الربوبية إنما انتشر بين البشر في أقدم عهوده ، وخاصة بين العامة منهم ـ وعامتهم كانوا يعبدون الأصنام ـ طمعا في أن يدفع الرب عنهم الشر ويوصل إليهم النفع كما يتحصل من الأبحاث التاريخية ، وأما عبادة الله لأنه الله عز اسمه فلم يكن يعدو الخواص منهم كالأنبياء والربانيين من أممهم .

فأمر الله سبحانه رسوله أن يخاطبهم خطاب البشر الساذج الجاري على ما تلهمه فطرته الساذجة في عبادة الله كما خاطب الوثنيين وعباد الأصنام بذلك فيذكرهم أن الذي يضطر الإنسان بعبادة الرب هو أنه يرى أزمة الخير والشر والنفع والضر بيده فيعبده لأنه يملك الضر والنفع طمعا في أن يدفع عنه الضر ويوصل إليه الخير لعبادته له .

وكل ما هو دون الله تعالى لا يملك شيئا من ضر ولا نفع لأنه مملوك لله محضا مسلوب عنه القدرة في نفسه فكيف يسوغ تخصيصه بالعبادة ، وإشراكه مع ربه الذي هو المالك له ولغيره ، وقد كان من الواجب أن يخص هو تعالى بالعبادة ، ولا يتعدى عنه إلى غيره لأنه هو الذي يختص به السمع والإجابة فيسمع ويجيب المضطر إذ دعاه ، وهو الذي يعلم حوائج عباده ولا يغفل عنها ولا يغلط فيها بخلاف غيره تعالى فإنه إنما يملك ما ملكه الله ، ويقوى على ما قواه الله سبحانه .

فقد تبين بهذا البيان : أولا : أن الحجة التي تشتمل عليها هذه الآية غير الحجة التي تشتمل عليها الآية السابقة وإن توقفتا معا على مقدمة مشتركة ، وهي كون المسيح وأمه ممكنين محتاجين ، فالآية السابقة حجتها أن المسيح وأمه كانا بشرين محتاجين عبدين مطيعين لله سبحانه ، ومن كان حاله هذا الحال لم يصح أن يكون إلها معبودا ، وحجة هذه الآية : أن المسيح ممكن محتاج مملوك بنفسه لا يملك ضرا ولا نفعا ، ومن كان حاله هذا الحال لم يستقم ألوهيته وعبادته من دون الله .

وثانيا : أن الحجة مأخوذة مما يدركه الفهم البسيط والعقل الساذج من جهة غرض الإنسان البسيط في عبادته فإنه إنما يتخذ ربا ويعبده ليدفع عنه الضر ويجلب إليه النفع ، وهذا إنما يملكه الله تعالى دون غيره ، فلا غرض يتعلق بعبادة غير الله فمن الواجب أن يرفض عبادته .

وثالثا : أن قوله : {ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} إنما أخذت فيه لفظة {ما} دون لفظة { من } مع المسيح من أولي العقل لأن الحجة بعينها هي التي تقام على الوثنيين وعبدة الأصنام التي لا شعور لها ، ولا دخل في كون المسيح عليه‌ السلام من أولي العقل في تمام الحجة فهي تامة في كل معبود مفروض دون الله سبحانه.

على أن غيره تعالى وإن كان من أولي العقل والشعور لا يملكون شيئا من العقل والشعور من عند أنفسهم كسائر ما ينسب إليهم من شئون وجودهم ؛ قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ } : [الأعراف : 195] .

وكذلك تقديم الضر على النفع في قوله : { ضَرًّا وَلا نَفْعاً } للجري على وفق ما تدركه وتدعوا إليه الفطرة الساذجة كما مر ، فإن الإنسان بحسب الطبع يرى ما تلبس به من النعم الموجودة عنده ما دامت عنده مملوكة لنفسه لا تلتفت نفسه إلى إمكان فقدها ولا تتصور ألمه عند فقدها بخلاف المضار التي يجدها بالفعل ، والنعم التي يفتقدها ويجد ألم فقدها ، فإن الفطرة تنبهها إلى الالتجاء إلى رب يدفع عنها الضر والضير ، ويجلب إليها النعمة المسلوبة كما قال تعالى : { وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ } [يونس : 12] ، وقال تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي } [حم السجدة : 50]  ، وقال تعالى : { وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ } : [حم السجدة : 51] .

فتحصل أن مس الضر أبعث للإنسان إلى الخضوع للرب وعبادته من وجدان النفع ، ولذلك قدم الله سبحانه الضر على النفع في قوله : { ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً } وكذا في سائر الموارد التي تماثله كقوله : { اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً } [الفرقان : 3] .

ورابعا : أن مجموع الآية : { أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ } إلى آخرها حجة على وجوب قصر العبادة في الله سبحانه من دون إشراك غيره معه وهي منحلة إلى حجتين ملخصهما : أن اتخاذ الإله وعبادة الرب إنما هو لغرض دفع الضر وجلب النفع فيجب أن يكون الإله المعبود مالكا لذلك ولا يجوز عبادة من لا يملك شيئا ، والله سبحانه هو السميع المجيب للدعوة العليم بكنه الحاجة من غير جهل دون غيره ؛ فوجب عبادته من غير إشراك غيره .

قوله تعالى : { قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ } خطاب آخر للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله بأمره أن يدعو أهل الكتاب إلى عدم الغلو في دينهم ، وأهل الكتاب وخاصة النصارى مبتلون بذلك ، و ( الغالي ) المتجاوز عن الحد بالإفراط ، ويقابله ( القالي ) في طرف التفريط.

ودين الله الذي يفسره كتبه المنزلة يأمر بالتوحيد ونفي الشريك وينهى عن اتخاذ الشركاء لله سبحانه ، وقد ابتلي بذلك أهل الكتاب عامة اليهود والنصارى ، وإن كان أمر النصارى في ذلك أشنع وأفظع قال تعالى : { وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة : 31] .

والقول بأن عزيرا ابن الله وإن كان غير ظاهر اليوم عند اليهود لكن الآية تشهد بأنهم كانوا يقولون ذلك في عصر النزول .

والظاهر أن ذلك كان لقبا تشريفيا يلقبونه به قبال ما خدمهم وأحسن إليهم في إرجاعهم إلى أورشليم (بيت المقدس) بعد إسارة بابل ، وجمع لهم التوراة ثانيا بعد ضياعه في قصة بخت نصر ، وقد كانوا يعدون بنوة الله لقبا تشريفيا كما يتخذ النصارى اليوم الأبوة كذلك ويسمون الباباوات والبطارقة والقسيسين بالآباء (الباب والبابا : الأب) وقد قال تعالى : { وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة : 18] .

بل الآية الثانية أعني قوله : {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } تدل على ذلك حيث اقتصر فيها على ذكر المسيح عليه‌ السلام ، ولم يذكر عزيرا فدل على دخوله في عموم قوله : {أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ} وأنهم إنما كانوا يسمونه ابن الله كما يسمون أحبارهم أبناء الله ، وقد خصوه بالذكر وحده شكرا لإحسانه إليهم كما تقدمت الإشارة إليه .

وبالجملة وضعهم بعض أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم موضع الربوبية وخضوعهم لهم بما لا يخضع بمثله إلا لله سبحانه غلو منهم في دينهم ينهاهم الله عن ذلك بلسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .

وتقييد الغلو في الدين بغير الحق ـ ولا يكون الغلو إلا كذلك ـ إنما هو للتأكيد وتذكير لازم المعنى مع ملزومه لئلا يذهل عنه السامع وقد ذهل حين غلا أو كان كالذاهل.

وإطلاق الأب على الله سبحانه بتحليل معناه وتجريده عن وسمة نواقص المادة الجسمانية أي من بيده الإيجاد والتربية ، وكذلك الابن بمعناه المجرد التحليلي وإن لم يمنعه العقل لكنه ممنوع شرعا لتوقيفية أسماء الله سبحانه لما في التوسع في إطلاق الأسماء المختلفة عليه تعالى من المفاسد ، وكفى مفسدة في إطلاق الأب والابن ما لقيته الأمتان : اليهود والنصارى وخاصة النصارى من أولياء الكنيسة خلال قرون متمادية ولن يزال الأمر على ذلك.

قوله تعالى : {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} ظاهر السياق أن المراد بهؤلاء القوم الذين نهوا عن اتباع أهوائهم هم المتبوعون المطاعون في آرائهم وأوامرهم فيكون ضلالهم لمكان التزامهم بآرائهم ؛ إضلالهم كثيرا هو اتباع غيرهم لهم ، وضلالهم عن سواء السبيل هو المتحصل لهم من ضلالهم وإضلالهم ، وهو ضلال على ضلال.

وكذلك ظاهر السياق أن المراد بهم هم الوثنية وعبدة الأصنام فإن ظاهر السياق أن الخطاب إنما هو لجميع أهل الكتاب لا للمعاصرين منهم للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله حتى يكون نهيا لمتأخريهم عن اتباع متقدميهم.

ويؤيده بل يدل عليه قوله تعالى : { وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ } [التوبة : 30] .

فيكون ذلك حقيقة تحليلية تاريخية أشار إليها القرآن الكريم هي أن القول بالأبوة والبنوة مما تسرب إلى أهل الكتاب من قبل من تقدمهم من الوثنية ، وقد تقدم في الكلام على قصص المسيح عليه‌ السلام في سورة آل عمران في الجزء الثالث من الكتاب أن هذا القول في جملة من الأقوال والآراء موجود عند الوثنية البرهمنية والبوذية في الهند والصين ، وكذلك مصر القديم وغيرهم ، وإنما أخذ بالتسرب في الملة الكتابية بيد دعاتها ، فظهر في زي الدين وكان الاسم لدين التوحيد والمسمى للوثنية .

قوله تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى آخر الآيتين إخبار بأن الكافرين منهم ملعونون بلسان أنبيائهم ، وفيه تعريض لهؤلاء الذين كفرهم الله في هذه الآيات من اليهود ملعونين بدعوة أنبيائهم أنفسهم ، وذلك بسبب عصيانهم لأنبيائهم ، وهم كانوا مستمرين على الاعتداء وقوله : { كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ } ( إلخ) بيان لقوله : {وَكانُوا يَعْتَدُونَ}.

قوله تعالى : { تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } (إلخ) ، وهذا من قبيل الاستشهاد بالحس على كونهم معتدين فإنهم لو قدروا دينهم حق قدره لزموه ولم يعتدوه ، ولازم ذلك أن يتولوا أهل التوحيد ويتبرؤوا من الذين كفروا لأن أعداء ما يقدسه قوم أعداء لذلك القوم ، فإذا تحابوا وتوالوا دل ذلك على إعراض ذلك القوم وتركهم ما كانوا يقدسونه ويحترمونه ، وصديق العدو عدو ، ثم ذمهم الله تعالى بقوله : { لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ } وهو ولاية الكفار عن هوى النفس ، وكان جزاؤه ووباله { أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ } ، ففي الآية وضع جزاء العمل وعاقبته موضع العمل كأن أنفسهم قدمت لهم جزاء العمل بتقديم نفس العمل.

قوله تعالى : { وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ } أي ولو كان أهل الكتاب هؤلاء يؤمنون بالله والنبي محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله وما أنزل إليه ، أو نبي أنفسهم كموسى مثلا وما أنزل إليه كالتوراة مثلا ما اتخذوا أولئك الكفار أولياء لأن الإيمان يجب سائر الأسباب ، ولكن كثيرا منهم فاسقون متمردون عن الإيمان .

وفي الآية وجه آخر احتملوه ، وهو أن يرجع ضمائر قوله : { كانُوا } و { يُؤْمِنُونَ } و { اتَّخَذُوهُمْ } في قوله : { مَا اتَّخَذُوهُمْ } راجعة إلى الذين كفروا ، والمعنى : ولو كان الذين كفروا أولئك الكفار الذين يتولاهم أهل الكتاب يؤمنون بالله والنبي والقرآن ما اتخذتهم أهل الكتاب أولياء ، وإنما تولوهم لمكان كفرهم ، وهذا وجه لا بأس به غير أن الإضراب في قوله : { وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ } لا يلائمه .

________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 62-67 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } [المائدة : 76-77].

لكي يكمل الاستدلال السابق تستنكر الآية عبادتهم المسيح مع أنّهم يعلمون أن له احتياجات بشرية ، وإنّه لا قدرة له على دفع الضرر عن نفسه أو نفعها ، فكيف يتسنى له دفع الضرر عن الغير أو نفعهم ؟ {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} ؟

فكثيرا ما تعرّض هو وأتباعه للأذى على أيدي أعدائهم ، ولو لا أنّ الله شمله بلطفه لما استطاع أن يخطو خطوة واحدة .

وفي النهاية يحذرهم من أن يظنوا أنّ الله لا يسمع ما يتقولونه أو لا يعلم ما يكنونه : {وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

ممّا يلفت النظر أنّ مسألة كون المسيح عليه ‌السلام بشرا ذا حاجات مادية جسمانية ـ وهي ما يستند إليها  القرآن في هذه الآية وفي آيات أخرى ـ كانت من أكبر المعضلات بوجه المسيحيين الذين يدعون ألوهيته ، فسعوا إلى تبرير ذلك بشتى الأساليب ، حتى أنّهم اضطروا أحيانا إلى القول بثنائية المسيح : اللاهوت والناسوت ، فهو من حيث لاهوتيته ابن الله ، بل هو الله نفسه ومن حيث ناسوتيته فهو جسم ومخلوق من مخلوقات الله ، وأمثال ذلك من التبريرات التي هي خير دلالة على ضعف منطقهم وخطله .

لا بدّ من الالتفات ـ أيضا ـ أنّ الآية استعملت «ما» بمكان «من» والتي تشير عادة إلى غير العاقل ، ولعل ذلك يفيد الشمول بالنسبة للمعبودات والأصنام المصنوعة من الحجر أو الخشب ، فيكون المقصود هو أنّه إذا جاز أن يعبد الناس مخلوقا ، جازت كذلك عبادتهم الأصنام ، لأنّ هذه المعبودات تتساوى من حيث كونها جميعا مخلوقات ، وأنّ تأليه المسيح عليه ‌السلام ضرب من عبادة الأصنام ، لا عبادة  الإله.

الآية التّالية تأمر رسول الله عليه ‌السلام ، بعد اتضاح خطأ أهل الكتاب في الغلو أن يدعوهم بالأدلة الجلية إلى الرجوع عن السير في هذا الطريق : {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ} (2) .

إنّ غلو النصارى معروف ، إلّا أنّ غلو اليهود ، الذي يشملهم تعبير (يا أَهْلَ الْكِتابِ) قد يكون إشارة إلى ما كانوا يقولونه عن العزير وقد  اعتبروه ابن الله ، ولما كان الغلو ينشأ ـ أكثر ما ينشأ ـ عن إتباع الضالين  أهواءهم ، لذلك يقول الله سبحانه {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ}.

وفي هذا إشارة ـ أيضا ـ إلى ما انعكس في التّأريخ المسيحي ، إذ أنّ موضوع التثليث والغلو في أمر المسيح عليه‌ السلام لم يكن له وجود خلال القرون الأولى من المسيحية ، ولكن  عند ما اعتنق بعض الهنود وأمثالهم من عبدة الأصنام المسيحية أدخلوا فيها شيئا من دينهم السابق ، كالتثليث والشرك.

إنّ الثالوث الهندي (الإيمان بالآلهة الثلاثة : برهما ، وفيشنو ، وسيغا) ، كان تاريخيا أسبق من التثليث المسيحي الذي لا شك أنّه انعكاس لذاك ، ففي الآية الثلاثين من سورة التوبة وبعد ذكر غلو اليهود والنصارى في مسألة العزير والمسيح عليه ‌السلام يقول سبحانه {يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ}.

وقد وردت كلمة «ضلوا» في هذه الآية مرّتين بالنسبة للكفار الذين اقتبس منهم أهل الكتاب الغلو ، ولعل هذا التكرار من باب التوكيد ، إذ أنّهم كانوا قبل ذلك من الضّالين ، ثمّ لمّا أضلّوا لآخرين بدعواهم وقعوا في ضلال آخر ، ومن يسعى لتضليل الآخرين يكون أضلّ منهم في الواقع ، لأنّه يكون قد استهلك قواه لدفع نفسه ودفع الآخرين إلى طريق التعاسة ولحمل آثام الآخرين ـ أيضا ـ على كاهله ، وهل يرتضي المرء السائر على الطريق المستقيم أن يضيف إلى آثامه آثام غيره أيضا؟

قال تعالى : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } [المائدة : 77-80] .

تشير هذه الآيات إلى المصير المشؤوم الذي انتهى إليه الكافرون السابقون ، لكي يعتبر به أهل الكتاب فلا يتبعونهم اتباعا أعمى ، فيقول : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}.

أمّا لماذا ورد اسما هذين النّبيين دون غيرهما ، فللمفسّرين في ذلك أقوال ، فمن قائل : إنّ السبب هو أنّهما كانا أشهر الأنبياء بعد موسى عليه ‌السلام ، وقيل : إنّ السبب هو أنّ كثيرا من أهل الكتاب كانوا  يفخرون بأنّهم من نسل داود.

وتذكر الآية أوّلا أنّ داود كان يلعن السائرين على طريق الكفر والطغيان .

ويقول بعض : إنّ في الآية إشارة إلى حادثتين تأريخيتين أثارتا غضب هذين النّبيين ، فلعنا جمعا من بني إسرائيل ، فداود قد لعن سكان مدينة (أيلة) الساحلية المعروفين باسم (أصحاب السبت) ، وسيأتي تفصيل تأريخهم في سورة الأعراف ، وعيسى عليه ‌السلام لعن جمعا من اتباعه ممن أصروا على اتباع طريق الإنكار  والمعارضة حتى  بعد نزول المائدة من السماء.

على كل حال ، فالآية تشير إلى أنّ مجرّد كون الإنسان من بني إسرائيل ، أو من أتباع المسيح دون أن ينسجم مع خط سيرهما ، لا يكون مدعاة لنجاته ، بل أنّ هذين النّبيين قد لعنا من كان على هذه الشاكلة من الناس .

وفي آخر الآية توكيد لهذا الأمر وبيان للسبب : {ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ} .

الآية التّالية تؤكّد أنّ هؤلاء لم يعترفوا أبدا بأنّ عليهم يتحملوا أية مسئولية اجتماعية ، ولا هم كانوا يتناهون عن المنكر ، بل أنّ بعضا من صلحائهم كانوا بسكوتهم وممالاتهم يشجعون العصاة عمليا {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} لذلك فقد كانت أعمالهم سيئة وقبيحة : {لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ}.

هنالك في تفسير هذه الآية روايات منقولة عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وعن أهل البيت عليهم ‌السلام ذات دلالات تعليمية.

ففي حديث عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أنّه قال : «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر  ولتأخذون على يد السفيه ولتأطرنه على الحقّ اطرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم» (3).

وفي حديث آخر عن الإمام الصّادق عليه ‌السلام في تفسير {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} أنّه قال : «أمّا أنّهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم ولا  يجلسون مجالسهم ، ولكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وأنسوا بهم» (4).

الآية الثّالثة تشير إلى معصية أخرى من معاصيهم : {تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.

من البديهي أنّ صداقتهم لأولئك لم تكن صداقة عادية ، بل كانت ممتزجة بأنواع المعاصي ، وكانوا يشجعون الأعمال والأفكار الخاطئة ، لذلك أدانت الآية في عباراتها الأخيرة الأعمال التي قدموها ليوم المعاد ، تلك الأعمال التي استوجبت غضب الله وعذابه الدائم : {لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ}.

أمّا من هم المقصودون بتعبير {الَّذِينَ كَفَرُوا} فإنّ بعضا يقول : إنّهم كانوا مشركي مكّة الذين صادقوا  اليهود.

ويرى بعض أنّهم الجبارون والظالمون الذين كان اليهود قديما يمدون إليهم يد الصداقة ، وهذا الرأي يؤكّده الحديث المنقول عن الإمام الباقر عليه ‌السلام إذ قال : «يتولون الملوك الجبارين ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم» (5) .

وليس ثمّة ما يمنع أن تشمل الآية كلا المعنيين ، بل وتكون أعم منهما أيضا .

قال تعالى : {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة : 81] .

هذه الآية تبيّن لهم طريق النجاة من نهجهم الخاطئ ، وهو أنّهم لو كانوا حقا يؤمنون بالله وبرسوله وبما أنزل عليه ، لما عقدوا أواصر الصداقة مع أعداء الله ولا اعتمدوهم أبدا : {وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ}ولكن الذي يؤسف له هو أنّ الذين يطيعون أوامر الله قلّة  ، ومعظمهم خارجون عن نطاق إطاعته وسائرون على طريق الفسق {وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ}.

من الواضح أنّ كلمة «النّبي» هنا تعني «رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم» وذلك لأنّ هذه الكلمة قد استعملت في القرآن المجيد في آيات متعددة بهذا المعنى ، وهذا الموضوع يتكرر في عشرات الآيات.

ثمّة احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، هو أنّ الضمير في «كانوا» يعود على المشركين وعبدة الأصنام ، أي لو أنّ هؤلاء المشركين الذين يعتمدهم اليهود ويثقون بهم ، قد آمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ، لما اختارهم اليهود أصدقاء لهم ، وهذا دليل بيّن على ، على ضلال هؤلاء وفسقهم ، وذلك لأنّهم ـ على الرغم من زعمهم أنّهم يتبعون الكتب السماوية ـ يتخذون عبدة الأصنام أصدقاء لهم ما دام هؤلاء مشركين ، ولكنّهم يبتعدون عنهم إذا توجهوا إلى الله والكتب السماوية .

بيد أنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى ظاهر الآيات ، حيث الضمائر كلّها تعود إلى مرجع واحد هو اليهود .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 601-607 .

2. «لا تغلو» من مادة «الغلو» وهي بمعنى تجاوز الحدّ ، إلّا أنّها تستعمل للإشارة تجاوز الحدّ بالنسبة لمقام شخص من الأشخاص ومنزلته ، وبالنسبة للأسعار وتستعمل كلمة «الغلاء» و «غلو» السهم على وزنه «دلو» ارتفاعه وتجاوزه مداه ، وفي الماء يقال «غليان» و «الغلواء» جموح في الحيوان ، وهي جميعا من أصل واحد ، ويرى بعضهم أن الغلو يعني الإفراط والتفريط معا ، ويحصر بعضهم معناه بالتفريط فقط ، ويقابله التقصير .

3. تفسير (مجمع البيان) لهذه الآية ، وفي تفسير القرطبي ، ج ٤ ، ص ٢٢٥٠ حديث مشابه منقول عن الترمذي .

4. تفسير البرهان : ج ١ ، ص ٤٩٢ ، وتفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٦٦١.

5. (مجمع البيان) في تفسير الآية المذكورة .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء