المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام علي (عليه السلام) صاحب رسول الله ورفيقه في الجنة
2024-05-08
الإمام علي (عليه السلام) قسيم النار والجنة
2024-05-08
معنى نصيبا مفروضا
2024-05-08
{ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا}
2024-05-08
من يتبع غير طريق الهدى
2024-05-08
من أنواع الصدقة
2024-05-08

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


مقدمات الزواج في المنظور الإسلامي  
  
3730   11:44 صباحاً   التاريخ: 20-6-2017
المؤلف : عباس الذهبي
الكتاب أو المصدر : الأسرة في المجتمع الاسلامي
الجزء والصفحة : ص21ـ44
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / مقبلون على الزواج /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2022 1465
التاريخ: 14-1-2016 1749
التاريخ: 13-9-2018 1733
التاريخ: 2024-01-30 387

أولاً : أُسس اختيار الشريك :

لا يخفى بأنّ الإسلام يرشد الزوجين إلى الأُسس السليمة عند الاختيار ، ويكشف عن المواصفات التي يجب مراعاتها ، فهو يحث كلا من الزوجين على بذل الوسع واستنفاذ الجهد بغية التعرف على أوصاف شريك العمر المشورة مع الأقارب وغيرهم لكون القضية حيوية لا تقتصر على سعادتهما بل تنعكس آثارها على النسل.

وكان عباد الله الصالحون يطلبون المدد والعون من الله تعالى لكي يوفقهم لحسن الاختيار ، وأن يهب لهم الزوجة والذرية الصالحة {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان: 74].

وسوف نستعرض بإيجاز المواصفات المثالية التي حددها الإسلام لكلِّ من الزوجين.

1ـ مواصفات الزوجة الصالحة :

... أن الاسلام يقدّم الارشادات المناسبة للزوج أسس اختيار الزوجة في ضوء معايير سليمة.

إنَّ الإسلام يرى أنّ الوقاية خيرٌ من العلاج ، لذلك يُسدي نصائحه بسخاء للزوج يحثه فيها على التثبت والتأني عند الاختيار حتى لا يكون كحاطب ليل لا يدري ما يجمع في حزمته ، وقد كشف له عن خطأ النظرة الأحادية الجانب التي تركّز على الجمال أو المال فحسب ، مؤكدا على النظرة الشمولية التي تتجاوز الظواهر المادية ، بل تغوص نحو العمق لتبحث عن المواصفات المعنوية من دين وأخلاق وما إلى ذلك.

وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : (إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد ، وليس للمرأة خطر ، لا لصالحتهنَّ ولا لطالحتهنَّ : فأما صالحتهنَّ فليس خطرها الذّهب والفضة ، هي خير من الذهب والفضة ، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب ، التراب خير منها) (1).

 وقد أولى الأئمة من عترة المصطفى عليهم السلام عناية خاصة لمسألة اختيار الزوجة ، وكانوا مع سموّ مقامهم ورجاحة عقلهم وكثرة تجاربهم ، يستشيرون الآخرين في هذا الشأن ، ومن الشواهد الدالة على ذلك ، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام : (لما أراد أن يتزوّج قال لأخيه عقيل : (انظر لي امرأة قد أولدتها الفحولة من بني العرب لأتزوَّجها فتلدُ لي غلاماً فارساً ). وفكَّر عقيل قليلاً ثم قال لأخيه : تزوج أمُّ البنين الكلابية ، فإنه ليس في العرب على وجه الإطلاق أشجع من آبائها .. وصار عقيل يُعدِّد أمجاد أعمام وأخوال أمُّ البنين ، فخطبها الإمام وتزوَّجها .. وأنجبت أمُّ البنين من الإمام أربعة ذكور .. هم : العبّاسُ وعبدالله ، وجعفر ، وعثمان) (2).

وكان أهل البيت عليهم السلام يسدون النصيحة المخلصة لكلِّ من استشارهم في هذا الشأن ، فعندما استشار داود الكرخي الإمام الصادق عليه السلام قائلاً له : إنَّ صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج ، قال الإمام عليه السلام : (اُنظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرّك ، وأمانتك فإن كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق) (3).

وما يبدو مثيراً للاهتمام أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليه السلام

يقدمون رؤيتهم المعرفية للشباب التي تكشف النقاب عن طبائع النساء، وسوف نسلط الضوء على هذا المطلب قبل الخوض في تفاصيل مواصفات الزوجة الصالحة :

ـ طبائع النساء :

لقد كشف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ومن خلال أحاديث كثيرة في هذا المجال عن طبائع النساء المختلفة ، وذلك لتنمية وعي الشباب وتعميق خبرتهم لاختيار الأنسب والأفضل منهنَّ.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ألا أُخبركم بخير نسائكم؟ قالوا بلى. قال : إنَّ خير نسائكم الولود الودود الستيرة العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها الحصان عن غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تتبذّل له تبذّل الرجل) (4).

وفي هذا الصدد يقول الإمام الباقر عليه السلام : (النساء أربعة أصناف : فمنهنَّ ربيع مربّع ، ومنهن جامع مجمّع ، ومنهن كرب مقمّع ، ومنهن غلّ قمّل.

فأما الربيع المربّع : فالتي في حجرها ولد وفي بطنها آخر ، والجامع المجمّع : الكثيرة الخير المحصنة ، والكرب المقمّع : السيئة الخلق مع زوجها ، وغلّ قمّل : هي التي عند زوجها كالغل القمل ، وهو غلّ من جلد يقع فيه القمل فيأكله ، فلا يتهيأ أن يحلّ منه شيئاً ، وهو مثل للعرب)(5).

وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: (هنَّ ثلاث : فامرأة ولودٌ ، ودود ، تعين زوجها على دهره، وتساعده على دنياه وآخرته ، ولا تعين الدهر عليه ، وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خُلق ولا تعين زوجها على خير ، وامرأة صخّابة ، ولاّجة ، خرّاجة ، همّازة ، تستقل الكثير ولا تقبل اليسير) (6).

وفي هذا الاطار يلفت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنظارنا إلى قضية جوهرية لابدّ أن تستحضر في الذهن عند الاختيار ، وذلك في قوله عليه السلام : (خيار خصال النساء شرار خصال الرجال : الزهو ، والجبن ، والبخل ، فإذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها ، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها ، وإذا كانت جبانة فرَقت من كلِّ شيءٍ يعرض لها) (7).

وهكذا نجد أنّ أهل البيت عليهم السلام يؤكدون على ضرورة الاختيار الحر والواعي لشريكة العمر، ومن خلال استقراء الآيات والروايات الواردة حول مواصفات الزوجة الصالحة ، وجدنا بالإمكان تصنيفها إلى قسمين رئيسين :

أ ـ مواصفات دينية ومعنوية :

إنَّ من الأهمية بمكان أن تكون الزوجة ذات دين يعصمها عن الخطأ والخطيئة ، ويزرع في وعيها العقيدة الصحيحة والآداب السامية التي ستنقلها بدورها إلى أبنائها ، ولأجل ذلك حرم الإسلام الزواج من المشركات ، قال تعالى :{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ }[البقرة: 221] ولأجل أنّ الدين له مدخلية كبرى في استقامة الزوجة ، أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشباب بأن لا ينظروا بعين الشهوة والطمع لمن يرغبون الاقتران بها كأن يركّزون على جمالها ومالها ، بل عليهم في المقام الأول أن ينظروا إلى دينها وتدينها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (تنكح المرأة على أربع خلال : على مالها، وعلى دينها ، وعلى جمالها ، وعلى حسبها ونسبها ، فعليك بذات الدين)(8).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم موصياً : (من تزوج امرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها لم يرَ فيها ما

يحبّ ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ وكّله الله إليه ، فعليكم بذات الدين) (9).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (لا تتزوجوا النساء لحسنهنَّ ، فعسى حسنهنَّ أن يرديهنَّ ، ولا تتزوجوهنَّ لأموالهن فعسى أموالهنَّ أن تطغيهنَّ ، ولكن تزوجوهنَّ على الدين) (10).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : (إذا تزوج الرّجل المرأة لمالها أو جمالها لم يُرزق ذلك، فإن تزوجها لدينها رزقه الله جمالها ومالها) (11).

ومن المسائل المعنوية التي تتطلب الاشارة في هذا المقام والأخذ بنظر الاعتبار ، هي مسألة النسب والحسب فإنه لا نزاع في أنَّ للنسب دوراً خطيراً في بناء شخصية الإنسان وإرساء دعائمها الأساسية.

إنَّ كثيراً من الصفات المعنوية والجسدية يرثها الإنسان عن آبائه وأخواله وأجداده وهي تتحكم في رسم معالم شخصيته ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (تخيّروا لنطفكم ، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنَّ وأخواتهنَّ) (12).

وفي هذا الصدد قال الإمام الصادق عليه السلام : (تزوَّجوا في الحجز الصالح ، فإنَّ العرق دسّاس) (13).

ممّا تقدّم يتّضح لنا أنّ الاقتران بذات الدين هو قطب الرحى في توجهات القرآن والسُنّة ، وذلك لإرساء أُسس متينة تقوم عليها الحياة الاُسرية ، وبدون ذلك يصبح البناء الاُسري متزلزلاً كالبناء فوق رمال متحركة ، وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : (أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأمره في النكاح ، فقال : نعم انكح ، وعليك بذوات الدين تربت يداك) (14).

ولابدّ من التنويه على أنّ المراد من كون الزوجة ذات دين بإطلاقه ، قد يشمل بإطلاقه الكتابية فقد (اتفقت مذاهب السُنّة الأربعة على صحة الزواج من الكتابية ، واختلف فقهاء الشيعة فيما بينهم ، فقال أكثرهم: لا يجوز للمسلم أن يتزوج اليهودية والنصرانية ، وقال جماعة من كبارهم، منهم الشيخ محمد حسن في الجواهر ، والشهيد الثاني في المسالك ، والسيد أبو الحسن في الوسيلة بالجواز) (15).

ومهما يكن الأمر ، فإن الذي لاشكّ فيه هو تفضيل الزوجة المسلمة ؛ لأنّ الإسلام هو أكمل الأديان ، ويحصن المرأة عقائدياً وسلوكياً ، ويؤهلها للدخول إلى عش الزوجية ، ويوجب عليها طاعة زوجها وعدم خيانته في عرضه وماله ، فعن أبي عبدالله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله) (16).

ومن المؤكد أنّ مجرد الإسلام لا يكفي بدون الصلاح ، فكثير من المسلمات غير الملتزمات يضربن بتعاليم الإسلام السمحة عرض الحائط عند عدم انسجامها مع رغباتهن الجامحة أو عند تصادمها مع مصالحهن. وعليه فمن الأهمية بمكان اختيار الزوجة المسلمة الصالحة فهي التي تصنع للزوج اكليل سعادته.

ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (من سعادة المرء الزوجة الصالحة) (17).

وصفوة القول إنّ الإسلام يرشد الشاب أن يتبع ميزاناً معيارياً يرجّح فيه الصفات المعنوية كالدين والصلاح عند اختيار الزوجة ، قال تعالى : {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32].

ب ـ مواصفات جسمية وعقلية :         

فمن الحقائق الموضوعية أنَّ سلامة جسم المرأة وعقلها له دور فعّال في تربية الأطفال وتقويم شخصيتهم ، ليكونوا أفراداً صالحين يسهمون في بناء المجتمع وتطويره.

ولم يغفل الدين الإسلامي عن هذه الحقيقة ، لذا نبّه على ضرورة مراعاة عوامل السلامة من العيوب الجسمية والعقلية لكلا الزوجين ، وجعل منهما الخيار في فسخ العقد ، فيما إذا ما تبين أنّ أحدهما كان مصاباً بعيب جسماني أو خلل عقلي ، وحول هذه المسألة قال الإمام الصادق عليه السلام : (إنّما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) (18).

وبالإضافة إلى وجوب التأكد من سلامة الزوجة من العيوب الجسدية الموجبة لفسخ العقد ، لابدّ من التركيز على سلامتها العقلية حتى لا تكون مجنونة أو حمقاء تسيء التصرف ولا تضع الشيء مواضعه ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محذراً الشباب من العواقب الاجتماعية والتربوية الوخيمة : (إيّاكم وتزوّج الحمقاء ، فإنَّ صحبتها ضياع ، وولدها ضباع) (19).

وينبغي الإشارة هنا إلى أن الإسلام ( يجوّز ـ للرجل ـ أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها ، وإن لم يستأذنها ، ويختص الجواز بوجهها وكفيها. وله أن يكرر النظر إليها ، وأن ينظرها قائمة وماشية. وروي : جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب) (20).

ومن يستقرىَ النصوص الواردة في هذا الخصوص ، يجد أنها تزوّد الشاب برؤية كاملة عن المواصفات الجسمية المطلوبة ، ومن خلال قراءتنا الفاحصة يمكن تصنيفها إلى الفقرات التالية:

أولاً ـ مواصفات جسمية عامة: تتناول اللّون والقامة والسِّن وغيرها منها ما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تتزوجنَّ شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة ولا هيدرة ولا لفوتاً)(21).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : (تزوّج عيناء سمراء عجزاء مربوعة ، فإن كرهتها فعليَّ الصداق) (22).

وعنه عليه السلام قال : (من أراد الباءة فليتزوج بامرأة قريبة من الأرض ، بعيدة ما بين المنكبين ، سمراء اللّون ، فإن لم يحظ بها فعليَّ مهرها) (23).

وهكذا نجد أنَّ هذه الأحاديث وغيرها كثيراً تلفت نظر الشاب وتوقفه على المواصفات الجمالية في المرأة حتى يتمكن من انتخاب الزوجة التي تتناسب مع ذوقه وتحقق رغبته وحتى تقر عينه ولا يتطلع إلى أعراض الآخرين ، زد على ذلك يُحيطه علماً بأنّ لبعض المواصفات الجسمية للمرأة مدخلية في الانجاب لذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم موصياً : (تخيّروا لنطفكم ، وانتخبوا المناكح ، وعليكم بذات الأوراك ، فإنَّهنَّ أنجب) (24).

ثانياً ـ الوجه الحسن : يفضل أن تكون المرأة حسناء ذات وجه صبوح ، تدخل السرور والبهجة على نفس زوجها عندما يقع نظره عليها ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً ، وأقلهنَّ مهراً) (25).

وفي الوقت الذي فضّل فيه أن تكون المرأة حسناء ، فقد حذّر ـ بشدّة ـ من اختيار المرأة الحسناء التي نشأت وترعرعت في بيئة فاسدة أو وسط اجتماعي منحرف ، وقد (قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فقال : (أيُّها الناس ، إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء) (26).

كما حذّر صلى الله عليه وآله وسلم من اختيار الحسناء غير الولود قائلاً : (ذروا الحسناء العقيم، وعليكم بالسوداء الولود ، فإني مكاثر بكم الاُمم حتى بالسقط ) (27).

وعليه يفضل اختيار الحسناء بشرط أن تكون خيّرةً ولوداً نشأت في تربة صالحة وبيئة ، قال الإمام الصادق عليه السلام : (الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا ، هنَّ أجمل من الحور العين)(28).

ثالثاً ـ جمال الشعر : قال علي بن الحسين عليه السلام : (إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ، فإنَّ الشعر أحد الجمالين) (29).

رابعاً ـ طيب الريح : فلاشكّ أنّ له مدخلية في المواصفات الجسمية المثالية ، فالمرأة الطيبة الريح تجذب قلب زوجها كما يجذب شذا الأزهار النحل، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (تزوّجوا الابكار ، فانهنَّ أطيب شيء أفواهاً..) (30)، وعن علي ابن الحسين عليه السلام قال: (خير نسائكم الطيبة الريح ..) (31). وهكذا نجد أنّ الرسول وأهل بيته عليهم السلام يقدمون للشباب المواصفات الجمالية الكاملة ليضعوها نصب أعينهم عند اختيار شريكة العمر.

2 ـ مواصفات الزّوج المثالي :

لقد كفل الإسلام للمرأة حق اختيار شريك العمر وأرشدها إلى جملة من المواصفات التي يفضّل أن يتصف بها الشريك الصالح ، ونظرا لكون المرأة بطبعها عاطفية ورقيقة الحسّ ويغلب عليها الحياء ، فقد جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها ، وشرّك بينهما في عملية الاختيار التي تلعب دوراً مهماً في تحديد مصير البنت ومستقبلها.

وأبرز المواصفات التي يجب توفرها في الزّوج المثالي هي :

أ ـ أن يكون متديناً وذا خُلق حسن : وهما من أهم مرتكزات البناء الزوجي النموذجي ، فالرجل الذي لا يرتبط بدين ولا يتقيد بخُلق ، سوف يجعل حياة الزوجة جحيما لا يطاق ، وبالمقابل فإن الزوج المتدين الذي يتحسس المسؤولية في الحياة ، ويشعر برقابة الله الدائمة ، ويعلم بعاقبة أعماله في الآخرة سوف يوفّر لها سبل السعادة والنجاح في الحياة الزوجية.

وقد نقل لنا القرآن الكريم سابقة في هذا السياق ، متمثلة في احدى بنات شعيب عليه السلام التي أدركت ببصيرتها الإيمانية وتجربتها القصيرة مع موسى عليه السلام أنّه تتجسد فيه المواصفات الجسمية والخُلقية معاً فقد كان قوياً وأميناً:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ}[القصص: 26، 27]. (يا أبتِ استأجره لرعي ماشيتنا ، ليكفينا مؤنة هذا العمل ، فهو قوي وأمين ، وكأنّ النبي قد فطن إلى المراد ، فأسرع إلى تحقيق رغبة ابنته ، وطلب إلى موسى أن يخدمه فيرعى غنمه ثماني سنوات لقاء أن يزوجه بإحداهما .. فقبل موسى طلب شعيب عليه السلام) (32).

فهذه سابقة قرآنية تجعل من ابنة شعيب عليه السلام قدوة حسنة لكلِّ امرأة تبحث عن الزوج المثالي.

وروي عن الحسين بن بشار قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام في رجل خطب إليَّ فكتب : (من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته ، كائناً من كان فزوجوه ، ( إلاّ تفعلُوهُ تكُن فِتنةٌ في الأرضِ وَفسَادٌ كَبِيرٌ ) ) (33).

وكان آل البيت عليهم السلام يمارسون مع أولياء أمور النساء حواراً إقناعياً ، يستند إلى القرآن، أو إلى المعطيات الواقعية ، ولا يكتفون بإسداء النصائح المجرّدة ، ومن الشواهد الدالة على هذا التوجه : ( جاء رجل إلى الإمام الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته ، فقال : (زوّجها من رجل تقي ، فإنّه إن أحبّها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها) (34).

ولاشكّ أن هذه النصائح إذا دُعمت بالمعطيات وعزّزت بالحقائق والشواهد ، فسوف ترسخ

قناعة الآباء بها ، ويأخذونها على محمل الجد ويتصرفون في ضوئها.

وفي موقف آخر أسدى الإمام الرّضا عليه السلام نصيحته المخلصة إلى ولي أمر إحدى الفتيات مدعمة بالدليل القرآني ، ليزيل غشاوة الشك من قلبه ، قال له : (إذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه ، ولا يمنعك فقره وفاقته ، قال الله تعالى :{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}[النساء: 130] وقال :{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور: 32](35).

وينبغي الإشارة في نهاية هذه الفقرة إلى أن الشرف لا ينحصر مصداقه في الحسب والنسب فحسب ، كما كان الحال في عهد الجاهلية ، يل يتجسد مصداقه الأعلى في الانتساب إلى الإسلام واعتناق مبادئه السامية ، والتحلّي بفضائله العالية ، هذا هو معيار التفاضل الكامل بين الناس ، ويجب أن يكون مقياساً أساسياً لانتخاب الزوج المثالي ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (انكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، وانكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب ، ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام) (36).

ب ـ أن لا يكون شارباً للخمر : لو صرفنا النظر عن الآثار الضارة التي يتركها الخمر على الوراثة ، فإن له آثاراً اجتماعية مأساوية على الزوجة ، فانشغال الزوج المدمن على الخمر بشؤونه الخاصة وحرصه الدائم على إرواء غليله من الشراب ، يجعله لا يهتم بزوجته وأطفاله، وقد يمتنع عن دفع المصاريف اللازمة لإعالتهم ، الأمر الذي يؤدي إلى جملة مساوىَ اجتماعية أقلّها انفصام عُرى العلاقة الزوجية وتفكك الروابط الاُسرية ناهيك عن انحراف الاطفال وتسيبهم.

قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (من شرب الخمر بعدما حرَّمها الله ، فليس بأهل أن يتزوّج إذا خطب) (37).

وقال الإمام الصادق عليه السلام محذراً : (من زوّج كريمته من شارب خمر ، فقد قطع رحمها)(38).

جـ ـ أن لا يكون معروفاً بالزنا : فكما حذّر آل البيت عليهم السلام من الاقتران بالمرأة التي تخلع ثوب العفاف والفضيلة ، كذلك حذّروا من الرّجل الذي يخلع ثوب الحياء ويجاهر بالزنا ، وليس أدلُّ على ذلك ممّا ورد عن الحلبي قال : قال الإمام الصادق عليه السلام : (لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا ، ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزنا ، إلاّ أن تعرفوا منهما التوبة) (39).

ومن جميع ما تقدم نجد أنّ الإسلام يُرشد الفتاة وأولياء أمرها إلى جملة من المواصفات المثالية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار عند اختيار شريك العمر، كما حذر الإسلام من القرار الارتجالي غير المدروس أو المرتكز على أسس مصلحية ، فانه يضع الفتاة رهينة بيد الرجل الذي له حق القيمومة عليها وملك زمام أمرها.

ـ دور العاطفة في الاختيار :

وينبغي التطرق هنا إلى نقطة جوهرية تتعلق بالزوجين معاً ، أن لا يكون اختيار أحدهما للآخر قائماً ـ من حيث الأساس ـ على العواطف فحسب ، لأنّ هذا الاختيار قد يسقط من الحساب سائر المواصفات الكمالية المطلوبة ، يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (.. حبّك للشيء يعمي ويصمُّ ..) (40) .. وصاحب الهوى ـ على الأغلب ـ ينساق لعاطفته المتأججة ، فيغض الطرف عن عيوب المحبوب ، ويسد منافذ سمعه عن نصائح الآخرين ولو كانت صادقة ومخلصة ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : (عين المحبّ عمية عن معايب المحبوب ، وأذنه صمّاء عن قبح مساويه) (41).

صحيح أنّ العاطفة والود أو الانسجام النفسي من العوامل المساعدة على إدامة واستمرار الرابطة الزوجية ، وأن الإسلام قد أعطى الشاب الحق في انتخاب المرأة التي يميل إليها ، فعن ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه السلام ، قال : قلتُ إني أردت أن أتزوج امرأة وإن أبويّ أرادا غيرها ، قال : (تزوج (التي) هويت ، ودع التي هوى أبواك) (42).

ولكن الصحيح أيضاً أنّ تجاهل المواصفات والنصائح التي عرضها الشرع أو التي أسسها العقل سوف يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها في المستقبل وخصوصاً بعد أن تنقشع غشاوة العواطف العمياء عن القلوب أو تبرد حرارتها عندها تظهر العيوب بادية للعيان ، وعليه فيجب أن لا تكون عاصفة الهوى هي محور الاختيار دون النظر والتعقّل في توفّر المواصفات المطلوبة في المحبوب.

الأمر الآخر الذي يجب التنويه به هو ضرورة تمسك الزوجين بمبادئ الإسلام وقيمه الأخلاقية قبل الاقتران ، فتدين الرجل أو المرأة يجنبهما الخوض في مغامرات عاطفية قد تعصف بعشّ الزوجية ، ويتأكد هذا الأمر في المرأة ذات الطبيعة العاطفية التي قد تتعرض لعوامل الاغراء فتقع في الشباك التي ينصبها لها الفسّاق.

ثانياً : الكفاءة بين الزوجين :

لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بصورة صريحة ، قال عزّ من قائل :{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}[النور: 26]. وهذه الرؤية القرآنية نجد تأكيداً عليها في السيرة النبوية المطهّرة ، خصوصاً وأنّ المساواة بين غير المتكافئين ظلم وإجحاف لا يقرّه الشرع ولا ينسجم مع منطق العقل.

قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (وانكحوا الأكفاء ، وانكحوا فيهم ، واختاروا لنطفكم) (43).

وفي هذا السياق يُحدد الإمام الصادق عليه السلام الخطوط العامّة للكفاءة الزوجية بقوله : (الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار) (44) وعند التمعن في هذا الحديث نجد أنّ الإمام عليه السلام يركّز على أهمية توفّر شرطين أساسيين في الكفاءة يتوقف عليهما نجاح الحياة الزوجية وضمان استمرارها ، وهما الشرط الأخلاقي المتمثل بالعفة ، والشرط الاقتصادي المتمثل باليسار.

وبتعبير آخر أنّه يرى أنّ الكفاءة التامة تتحقق بتوفر البعدين المعنوي والمادي معاً ، فميزان الكفاءة الحقّة ـ إذن ـ يجب أن يقوم في إحدى كفتيه على الأخلاق والفضيلة ، وعلى التمكن من الانفاق في الكفة الاُخرى ، هذه هي النظرة الواقعية للكفاءة ، فالإسلام لا يريد من الرجل أن يكون راهباً يقبع في أحد زوايا الدار أو المسجد للعبادة والنسك ويترك زوجته وأطفالها عرضة لعوامل الفقر والفاقة ، كما لا يرتضي أن يكون غنياً في غاية الثراء ولكن لا رصيد له من الفضيلة والعفة.

كان أمير المؤمنين علي عليه السلام لما خطب فاطمة عليها السلام فقيراً حتى إنّ نساء قريش قد عيّرنها بفقره ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (أما ترضين يا فاطمة أن زوجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، إن الله تعالى أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فجعله نبياً، وأطلع إليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصياً ، وأوحى الله إليَّ أن أنكحك إياه ..) فضحكت فاطمة عليها السلام واستبشرت .. (45).

هذا الموقف الذي سجّله التاريخ بسطور من نور ، يُعطي الشباب درساً في الاختيار السليم لكي

يضعوا نصب أعينهم الكفاءة المعنوية ويمنحوها الأولوية.

وما تقدم شاهد عملي من السُنّة على أهمية مراعاة الكفاءة بين الزوجين وليست الكفاءة منوطة بزخرف الحياة المادية بقدر ما تتحقق بالتماثل والتشابه من السجايا والطباع ، وقد (أعربت عن ذلك زوجة معاوية ، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء ، وحنّت إلى فتى أحلامها كان خلواً من كلِّ ذلك ـ فقد كانت مطلّقة وتزوّجت من معاوية ، فلم تذق معه طعم السعادة ولم ترضَ عن أخلاقه ـ فأنشدت :

لبيت تخفق الأرواح فيه

                   أحبُّ إليَّ من قصـر منيف

ولبس عباءة وتقر عيني

                   أحبُّ إليَّ من لبس الشفوف

وخرق من بني عمـي نجيب

                   أحبُّ إليَّ من علج عنيف (46)

إذن من الأهمية بمكان أن توجد حالة من التكافؤ بين الزوجين ، وعلى الخصوص في الجانب الإيماني والاخلاقي والعلمي، وقد أشار الفقهاء إلى هذه المسألة المهمة ، يقول المحقق الحلي قدس سره: (الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان ، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام ، وإن تأكّد استحباب الإيمان ، وهو في طرف الزوجة أتمّ ؛ لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها .. ) (47).

ثالثاً : نظافة القصد وسلامة النيّة :

الإسلام يريد للعلاقة الزوجية أن تبتني على أسس معنوية سليمة ، فهو يريد لها نظافة القصد وطهارة الغاية وسلامة النية ، كونها علاقة تترتب عليها أهداف سامية تتمثل بإدامة التناسل وتنشئة الأجيال ، ومن هنا ورد عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال : (من تزوّج لله عزَّ وجل ولصلة الرحم توّجه الله تاج الملوك) (48) وعليه فالقصد السليم يؤدي إلى التكريم من قبل الله تعالى ، فهو العالم بدخائل النفوس وخوالج القلوب ، وقد هددّ الذين يتخذون من رابطة الزواج المقدسة مادة للتفاخر والرياء ووسيلة لإيقاع الأذى أو الحصول على المنافع والمطامع غير المشروعة ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (من نكح امرأة حلالاً بمال حلال غير أنّه أراد بها فخراً ورياء لم يزده الله عزَّوجلَّ بذلك إلاّ ذلاًّ وهواناً وأقامه الله بقدر ما استمتع منها على شفير جهنم ثمَّ يهوي فيها سبعين خريفاً) (49).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : (إذا تزوّج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك فإن تزوّجها لدينها رزقه الله عزَّوجلَّ مالها وجمالها) (50).

وهكذا يظهر لنا جلياً أنّ الإسلام يريد من الزواج الذي هو أحب بناء إلى الله تعالى أن يبتني على هدف نبيل وقصد سليم ، وعليه فهو يُكرم أصحاب القلوب السليمة ، ويُنذر ذوي النوايا السيئة بسوء العذاب.

رابعاً : البساطة في المهر والصداق :

ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.

والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل بإعطائه لها على الوجه الأكمل ، وفق قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] (51) ، فإنّه يحث النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلى عدم التعسف عند استيفائه.

إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرَّغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ..)(52). وقال أيضاً : (أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً) (53).

وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : (الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها ...).

وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : (من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها) (54).

ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة) (55).

جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب على المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالإجحاف والتعسف ، فيُبيّتن نية السوء لإلحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (تياسروا في الصداق، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة) (56).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : (لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة) (57).

وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلى أن الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : ( إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، وأوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام) (58).

والظاهر أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها السلام ، فعن جابر الانصاري قال : (لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه) (59).

وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهى المرونة إذ إنّه لم يجعل مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها السلام واجباً على الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما على الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحث على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.

خامساً : مراسيم الزّواج :

نظراً لأهمية وقدسية الزوّاج فقد وضعت له مراسيم خاصة تنسجم مع مبادىَ الإسلام ورؤيته السليمة ، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الاسراف والتكلف ، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.

وتبدأ هذه المراسيم العبادية ـ الاجتماعية منذ أن يقرر الشاب الزواج بأن يصلي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء ، فقد روي أنَّ الإمام الباقر عليه السلام سأل أبا بصير ، قائلاً له : (إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ فقال : لا أدري عليه السلام : إذا همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل : ( اللهمَّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً ، وأعفّهن فرجاً ، وأحفظهنَّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهن رزقاً ، وأعظمهن بركة ، وأقضِ لي منها ولداً طيباً ، تجعله لي خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي ) ) (60).

بعد ذلك ينتخب الزوجة الصالحة ، وفق المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك بإحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلى أهل المرأة ، ويستحب أن يلقي الخطيب أو من ينوب عنه خطبةً يستهلها بآيٍ من القرآن الكريم والحديث الشريف ، ثم يفضى إلى ذكر الغرض ، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلى ذلك ، وفي السيرة النبوية وتراث الأئمة المعصومين عليهم السلام كثير من الخُطب المأثورة عنهم عليهم السلام في الزواج ، منها خطبة الإمام الرضا عليه السلام لنفسه في زواجه من أم حبيبة ، وخطبة ولده الإمام الجواد عليه السلام لنفسه في زواجه من أم الفضل ، وغيرهما.

ويستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه ، وإيقاعه ليلاً الإمام الصادق عليه السلام : (زفّوا عرائسكم ليلاً ، وأطعموا ضُحى) (61).

ويستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو يومين ، وأن يُدعى لها المؤمنون.

واتضح من خلال هذه المراسيم أن السمة الغالبة عليها هي عبادية فضلاً عن كونها اجتماعية ، توجّه الزوجين للارتباط بالله تعالى واستمداد العون والتوفيق منه ، ثم يتخللها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والاطعام الذي يُذكر فيه ـ عادة ـ الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.

ثم تأتي مراسيم الزفاف ، ومما يدل على أهميتها أنه (لما كانت ليلة الزفاف ـ لفاطمة على الإمام عليّ عليهما السلام ـ أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببغلته الشهباء ، وثنى عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : (اركبي) ، وأمر سلمان رضي الله عنه أن يقودها ، والنبي… صلى الله عليه وآله وسلم يسوقها، وكبّر صلى الله عليه وآله وسلم فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة)(62). وهكذا تتم هذه المراسيم العالية في أجواء من الطهر والفضيلة ، تتفجر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة ، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلى الله تعالى لكي يبارك للعروسين حياتهما الجديدة.

_____________

1ـ وسائل الشيعة 14 : 17 كتاب النكاح.

2- العباس بن علي ـ سلسلة عظماء الإسلام ، محمد كامل المحامي : 20 ـ 23 منشورات المكتب العالمي للطباعة ـ بيروت 1980 م ط3.

3- من لا يحضره الفقيه 3 : 244 باب اصناف النساء.

4- مكارم الأخلاق : 200.

5- مكارم الأخلاق : 198. ومن لا يحضره الفقيه 3 : 244.

6- من لا يحضره الفقيه 3 : 244 باب أصناف النساء.

7- نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 509 / الحكمة 234.

8- كنز العمال 16 : 303 / 44602.

9- روضة الواعضين ، للفتال النيسابوري : 374 منشورات الرضي ـ قم.

10- كنز العمال 16 : 292 / 44537.

11- من لا يحضره الفقيه 3 : 248 باب الوصية بالنساء.

12- كنز العمال 16 : 295 / 44557.

13- مكارم الاخلاق : 197.

14- وسائل الشيعة 14 : 21 باب استحباب اختيار الزوجة الصالحة.

15- التفسير الكاشف / الشيخ محمد جواد مغنية 1 : 334.

16- وسائل الشيعة 14 : 23 باب استحباب اختيار الزوجة الصالحة.

17- وسائل الشيعة 14 : 23.

18- وسائل الشيعة 14 : 594 أبواب العيوب والتدليس.

19- نوادر الراوندي : 13 ، وبحار الأنوار 103 : 237.

20- شرائع الإسلام 2 : 495 كتاب النكاح ـ مسائل النظر إلى الاجنبية.

21- معاني الأخبار : 318 دار المعرفة ـ بيروت 1979 م ، والشهبرة : الزرقاء البذيّة ، واللهبرة : الطّويلة المهزولة ، والنّهبرة : القصيرة الذّميمة ، والهيدرة : العجوز المدبرة ، واللفوت : ذات الولد من غيرك.

22- مكارم الأخلاق : 199.

23- مكارم الأخلاق : 201.

24- كنز العمال 16 : 302 / 44594.

25- مكارم الأخلاق : 198.

26- مكارم الأخلاق : 203.

وإنّما جعلها خضراء الدِّمن تشبيهاً بالشجرة الناضرة في دمنة البقرة ، وأصل الدِّمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها ، فربّما ينبت فيها النبات الحسن وأصله في دمنة ، يقول : فمنظرها حسن أنيق ، ومنبتها فاسد. معاني الأخبار : 316.

27- مكارم الأخلاق : 202.

28- مكارم الأخلاق : 200.

29- مكارم الأخلاق : 200.

30- روضة الواعظين : 375.

31- مكارم الأخلاق : 200.

32- مع الأنبياء في القرآن / عفيف عبدالفتاح طبّارة : 224 دار العلم للملايين ط16.

33- من لا يحضره الفقيه 3 : 248 كتاب النكاح ـ باب الاكفاء.

34- مكارم الأخلاق : 204.

35- فقه الرضا : 31 ، وبحار الأنوار 103 : 372.

36- مكارم الأخلاق : 238 ، وكنز العمال 1 : 78 / 313. 

37- مكارم الاخلاق : 204.

38- مكارم الأخلاق : 238.

39- مكارم الأخلاق : 204.

40- بحار الأنوار 77 : 165.

41- غرر الحكم ح 6314.

42- مكارم الأخلاق : 237.

43- وسائل الشيعة 14 : 29 باب استحباب اختيار الزوجة.

44- من لا يحضره الفقيه 3 : 249 باب الاكفاء.

45- الارشاد / الشيخ المفيد : 24.

46- أخلاق أهل البيت عليهم السلام / السيد مهدي الصدر : 453 ـ 454 دار الكتاب الاسلامي.

47- شرائع الإسلام / المحقق الحلي 2 : 525 كتاب النكاح.

48- مكارم الأخلاق : 198.

49- عقاب الأعمال / الصدوق : 333 باب يجمع عقوبات الاعمال.

50- مكارم الأخلاق : 203.

51- وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدل على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وان كان كبيراً ، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتبة على غصب مهور النساء ، منه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة : قتل البهيمة ، وحبس مهر المرأة ، ومنع الأجير أجره وقوله عليه السلام : من تزوج امرأة ولم ينوِ أن يوفيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق : 207 و 237.

52- كنز العمال 16 : 322 / 44721.

53- مكارم الأخلاق : 198.

54- مكارم الأخلاق : 198.

55- المصدر السابق : 237.

56- كنز العمال 16 : 324 / 44731.

57- مكارم الأخلاق : 237.

58- في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 1 : 162 ـ 163 دار التعارف ط 1400 هـ.

59- مكارم الأخلاق : 208.

60- مكارم الأخلاق : 205.

 61- مكارم الأخلاق : 208.

62- مكارم الأخلاق : 208.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






جامعة الزهراء (عليها السلام) تكرم قسم الشؤون الفكرية بمناسبة اليوم العالمي للكتاب
قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول جهود علماء البصرة في نشر الحديث
قسم الشؤون الفكرية يختتم برنامجاً ثقافياً لوفدٍ من جامعة البصرة
جامعة الكفيل تعقد ورشة عمل عن إجراءات عمل اللجان الامتحانيّة