المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
علي مع الحق والحق مع علي
2024-04-23
صفات المتقين / لا يشمت بالمصائب
2024-04-23
الخلاص من الأخلاق السيئة
2024-04-23
معنى التمحيص
2024-04-23
معنى المداولة
2024-04-23
الطلاق / الطلاق الضروري
2024-04-23

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


شروط الناقد الأدبي  
  
50893   01:51 مساءً   التاريخ: 4-6-2017
المؤلف : مصطفى عبد الرحمن إبراهيم
الكتاب أو المصدر : في النقد الأدبي القديم عند العرب
الجزء والصفحة : ص10-26
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-1-2020 987
التاريخ: 18-1-2020 1020
التاريخ: 4-6-2017 61418
التاريخ: 1-04-2015 4345

يشترط النقاد في الناقد الأدبي عدة شروط نذكرها بإيجاز ثم نفصل القول في كل واحد منها على حدة، وهذه الشروط هي :

1- الذوق

2- الثقافة

3- تمرس الناقد بالنقد وخبرته، أو دربته وممارسته

4- ضمير الناقد الأدبي.

أولاً : الذوق :

من الشروط التي يتحتم أن تتحقق في الناقد الذوق، لأنه الأساس في كل حكم، والفيصل في كل نقد، والموجة في كل تقديم.

والذوق هو " ملكة لا غنى عنها للناقد تمكنه من التعرف على مواطن الجمال أو القبح فيما يعرض له من النصوص " (1) وقيل : "إنه استعداد فطري مكتسب نقدر به على تقدير الجمال والاستمتاع به ومحاكاته " (2).

وإذا كان الذوق استعداد فطرياً فهذا أمر بديهي، لأن الأثر الأدبي ذاته يفيض من ينبوع فطري قريب من الإلهام، وفهم هذا الأثر فهما دقيقا يحتاج الى مثل هذا النبع، حتى تكشف أسرار الكلام، وإلا كان شأننا شأن من يعطي الأمي كلاماً مكتوباً، ويطالبه بقراءته وفهم ما فيه (3).

وللذوق مصادر يتكون منها ويتربى عليها، وأهم هذه المصادر مخالطة الصفوة المختارة من رجل الأدب، ومطالعة الروائع العالمية لعباقرة الفن، وقراءة الأمثلة الرفيعة من البيان الخالد، والاطلاع على اتجاهات النقاد وأذواقهم وممارساتهم وتطبيقاتهم (4).

والمصدر الثاني – ولا يقل خطورة عن سابقه – إنما هو العقل المتزن الذي يحكم في التناسب والقصد والترتيب والعلائق المشتركة بين السبب والنتيجة، وبين الطريقة والغاية، ولا ريب في أن هذه الأمور من ضرورات النقد، ومن أسباب إدراك الجمال، على أن للعقل دوراً مهما في إيضاح الحقائق، والاقناع بحجج الناقد استحسانا او رفضا.

والمصدر الثالث – وهو في درجة سابقيه خطورة – هو العاطفة، وهي الشعور الواقع على النفس مباشرة من طريق الحواس (5).

وإذا كان المصدر الثاني وهو العقل يجعل الناقد في مأمن من الزيع، ويعصمه من الانزلاق وراء الأهواء – فإن المصدر الثالث وهو العاطفة يعصم الناقد من أن يبتعد عن مجال الأدب والنقد في جنوحه الى التجريد العقلي.

ومن هنا نرى أن الذوق السليم القائم على التدليل والتعليل لا يرجع الى العاطفة وحدها، وإنما يشارك فيه الفكر، ويؤازره المنطق، ويساعد العقل ويغدو الذوق عندئذ مركباً من العاطفة والفكر والحس، وتغدو أحكاماً أقرب الى الصواب وأدنى الى الحق والعدل.

وبهذا يكون الذوق عماد الناقد في كل حكم، وموجهه وقائده في تقرير، وهو الأداة التي يرتكز عليها، به يدرك الجمال، وتتلمس مواطنه، وان الأدب الرفيع، والفن السامي شعاع يتوهج، ولمحات تتألق والذوق المرهف الذي صقلته المعرفة، وجلته الدربة هو الحاسة الفنية التي تحس بما في الأساليب من حسن وقبح – وما في الأنغام من اتساق ونشاز، وما في العاطفة من صدق وزيف (6).

والذوق الذي هو عدة الناقد وأداته اختلف فيه أفطري هو أم مكتسب؟ يذهب البعض الى أنه موهبة واستعداد لدى الناقد، وشأنه في ذلك شأن اي موهبة اخرى كالنحت والرسم والتصوير ... ويذهب الآخرون الى أنه ليس فطرياً بل هو مكتسب يحرزه الإنسان من شتى معارف الحياة وثقافتها وبأي لون من ألوان التلقي وأي طريق من طرق الثقيف (7).

والحق أن الذوق مزاج من الفطرة والاكتساب، فهو ملكة موهوبة يمنحها الله من يشاء، بمعنى أنه فطرة في النفس فطر عليها صاحبها، تهديه الى التذوق والتفسير وتعينه على التقدير والتقويم، وأن هذه الملكة التي طبع عليها الناقد في حاجة الى المعارف التي تغذيها والخبرة التي تصقلها والثقافة التي تنميها (8).

والذوق نوعان : ذوق عام وذوق خاص.

فالذوق العام : ما كان شائعاً بين أبناء الجيل الواحد في البيئة الواحدة وفي البلد الواحد، حيث يتأثرون بظروف واحدة مشتركة، وقد يمتد هذا الذوق الى خارج بيئته فيشترك مع الذوق العام في بيئة أخرى وبلد آخر بمقدار ما بينهما من التشابه والتوافق.

والذوق الخاص : هو ما كان مظهراً ومرآة صادقة لصاحبه لا تعكس سواه، فهو يتأثر بالشخصية الفردية ويتأثر بالذوق العام (9).

والحياة الفنية مزاج من هذين الذوقين، فيه الوفاق حيناً، وفيه الصراع حيناً آخر، وإنما كانت الحياة الفنية مزاجاً منهما لأن الذوق العام هو الذي يعطي الحياة الفنية حظاً من الموضوعية، على حين يعطيها الذوق الخاص حظاً من الذاتية (10).

والذوق الأدبي ليس صورة واحدة لا تختلف من ناقد إلى ناقد، بل إنه يختلف بين الناس لعوامل متعددة، بعضها يرجع الى أصل الاستعداد والموهبة، والبعض الآخر يرجع الى العوامل المحيطة من بيئة وثقافة، وهذا الاختلاف هوا لذي يجعلنا لا نضيق ذرعاً بتعدد الآراء التي تقابلنا في التفسير الأدبي، وأن نتقبل بصدر رحب ما يستنبط من النصوص على اختلاف في الرأي، إذ إن كل متذوق يقترب من النص على قدر حظه من صفاء الروح وشفافية النفس، وتعوقد الذهن، وكم من آراء نظنها فصل الخطاب، ويتبين لنا بعد حين غير ما بدا لنا في سابق العهد وما آمن به العقل من قبل؟

لكن هل يصل بنا الاختلاف الى الانفصام وان يسير كل على هواه في فهم ما يقرأ؟ أو إلى أن ترى الشيء الواحد جميلا وغير جميل في آن واحد؟ لا, ليس الأمر كذلك، فإن هناك أموراً رأى النقاد ضرورة توافرها في المتذوق المفسر وهذه الأمور عندما تراعى تضيق من دائرة الاختلاف بين المتذوقين، وما كثر الخلاف إلا لكثرة الأدعياء الدخلاء في ميدان الذوق الأدبي، ثم يبقى وراء هذه الأمور امتداد الفكر وانفساح مجال التأمل والاستنباط أمام المتذوق الحاذق الذي صفا ذهنه، وزادت شفافيته، هنا ترى الحجة المعقولة، والبرهان المقبول، حتى مع الاختلاف، إذ إن كل ناظر نظر من خلال زاوية لم ينظر منها الى الآخر، وتلقى إشعاعاً قد يتسع وميضه أو يضيق على بصيرة نظيرة وانعكس عليها (11).

والخلاصة ان الذوق المعتد به والجدير بالاعتبار هو ذوق العالم الذي استطاع ان يكبح جماع هواه الخاص الخبير بالأدب الذي راضه ومارسه، وتخصص في فهمه ودرس أساليب الأدباء، ومنح القدرة على فهم أسرارهم، والنفوذ إلى دخائلهم، وإدراك مشاعرهم، وساير عواطفهم فهمه العميق، وحسه المرهف، وكثرة تجاربه الأدبية، وتمتع الى جانب ذلك بخط كبير من المعرفة والثقافة والبصر الثاقب الذي يعينه على إصدار الحكم الصائب (12).

ثانياً : الثقافة

من الشروط الهامة للناقد قبل أن يتصدى لمزاولة النقد، ويخوض غمراته، ويقف نفسه موقف الحكم الذي ترضى حكومته، والقاضي العادل الذي يصدر أحكاماً فيما يعرض عليه من قضايا أن يكون مزوداً بأوفر قسط من الثقافة، وأوفى حظ من المعرفة.

يقول الدكتور أحمد أمين : (من اللازم أن يكون لناقد الأدب كما لناقد الفن تثقيف خاص، ونعني بالتثقيف تحصيل المعرفة وتهذيب العقل معا، فالناقد يحتاج الى المعرفة لتعطيه سعة النظرة ولتكون أساساً صالحا لحكمه وهو يحتاج الى تهذيب العقل ليجعل هذه المعرفة قابلة لأن ينتفع بها، وإن مقدار صلاحيته كمفسر وحاكم ليتناسب مع معرفته وتهذيبه، فإذا لم توجد المعرفة والتهذيب، فإن آراءه مهما تكن لذيذة وموحية فإنها تكون تافهة القيمة (13).

وقد حدد الدكتور السوافيري ثقافة الناقد الأدبي في ثلاثة مجالات من المعرفة : الأول المجال اللغوي، الثاني المجال الأدبي، الثالث المجال العام (14) وإليك الحديث عن هذه المجالات بشيء من التفصيل.

المجال اللغوي : المراد بثقافة الناقد اللغوية معرفته بعلوم اللغة صرفها ونحوها وبلاغتها وعروض الشعر وقوافيه، فيعرف الحال ومقتضاه والتقديم والتأخير، والإضمار والحذف والذكر، والإيجاز والإطناب والمساواة وبلاغة التشبيه واللمحة العابرة، والرمز والإيماء والكناية والتعريض ويعتبر موجز المقاييس البلاغية التي حددها علماء البلاغة لجودة الأسلوب، وفصاحته.

ومن هنا نرى ان للنقد صلة وثيقة بعلوم اللغة، فهو يستعين بها في دلالته وتركيباته، كما أن الأدب وهو موضوع النقد مادته الكلمات بما لها من دلالة وجرس، والجمل بما فيها من كلمات وما تستلزمه من ترتيب خاص، او تدل عليه من معان مختلفة، وما ترسم من صور تبعاً لهذا الترتيب، كما يستعين النقد بعلوم الأصوات والدلالة في معناها الحديث وبعلوم التركيب والأسلوب الحديثين وبالنحو والتصريف كما هو في القديم (15).

وبهذا لابد أن يكون ناقد الأدب على معرفة بهذه العلوم حتى يمكنه الإفادة منها في عمله وهو تفسير النص الأدبي وتحليله وتقويمه، ومنذ عصر الجاهلية ظهر ما نسميه بالنقد اللغوي، كما ظهر النقد النحوي بعد ان دونت أصول النحو ووضعت قواعده بمعنى ان النقد قد استمد من هذه الفروع كلها ما أعانه ويعينه على أداء الغاية الأساسية منه.

وأما ثقافة الناقد الأدبية فالمراد بها أن يعرف الناقد عصور الأدب معرفة كاملة، وخصائص كل عصر، وأدب أعلامه البارزين من الشعراء والكتاب والأجناس الأدبية التي شاعت فيه, والفنون التي سادت وانتشرت والتي تقلصت وضمرت وأسباب الازدهار أو الضمور، وأن يعرف أثر الزمان والمكان والثقافة في كل شاعر او كاتب، ونشأة كل فن أدبي، وتطوره على مر العصور، فالجاحظ مثلا حذق الثقافات المختلفة في عصره، ومزجها وخلط بين عناصرها، وقدم لنا في مصنفاته عصارة تلك الثقافات المتعددة العربية والفارسية واليونانية.

وأما ثقافة الناقد العامة فالمراد بها إلمامه ببعض العلوم والمعارف التي لا غنى عنها لباحث متعمق ودارس جاد مثل علم المنطق حتى يعرف المقدمات وما تؤدي إليه من نتائج، والقياس وطرقه وأن يعرف شيئا عن الجمال، ويعرف الكثير عن التاريخ العربي والإسلامي والعصر الحديث ويعرف مبادئ علم الاجتماع (16).

وقد أورد النقاد العرب لنا الكثير من جوانب معرفتهم بالنواحي الاجتماعية والنفسية حين تحدثوا عن دواعي الشعر والأوقات التي يسرع فيها أتيه، وينقاد عصيه، وعن أسباب لين شعر بعض الشعراء ووعورة شعر البعض الآخر، وأثر البداوة والحضارة في السهولة والصعوبة، وفي اللين والتوعر.

يقول ابن قتيبة : " وللشعر دواع تحت البطئ وتبعث المتكفل منها الطمع، ومنها الشوق، ومنها الشراب، ومنها الطرب، ومنها الغضب " وقال عبد الملك بن مروان لأرطاة بن سهية : هل تقول الآن شعراً؟ فقال : (كيف أقول وأنا) ما أشرب ولا أطرب ولا أغضب ن وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه (17).

ونجد القاضي الجرجاني حيث يتحدث عن الطبائع والغرائز النفسية وأثرها في الأدب يقول : وقد كان القوم يختلفون في ذلك، وتتباين فيه أحوالهم، فيرق شعر أحدهم، ويصلب شعر الآخر، ويسهل لفظ أحدهم، ويتوعر منطق غيره، وإنما ذلك بحسب اختلاف الطبائع، وتركيب الخلق، فان سلامة اللفظ تتبع سلامة الطبع ودماثة الكلام بقدر دماثة الخلقة وأنت تجد ذلك ظاهراً في أهل عصرك وأبناء زمانك، وترى الجافي الجلف منهم كز الألفاظ وعر الخطاب (18).

والحق ان الناقد البصير لابد ان يتزود من الثقافات السابقة بقدر كبير حتى يمكنه التعرف على السمات الفنية في العمل الأدبي وربطها بأصولها الكامنة في ذات الأدب، لتحقيق الصلة – على وجه ما – بين الأدب والأديب، إذا بغير هذه الصلة لا يتأتى للناقد ان يتأكد من اصالة الفن وصدقه، فهي سبيلة في الاقناع والاقناع، وخاصة حينما يشرع في الشرح والتعليل (19).

ثالثاً : تمرس الناقد بالنقد وخبرته، أو دربته وممارسته :

من الشروط الهامة للناقد تمرس الناقد بالنقد، وخبرته أو دربته وممارسته، وهذه الدرية إنما تأتي من القراءات الكثيرة للنصوص والأجناس الأدبية المختلفة من شعر ومقالة وخطبة وقصة ومسرحية وبها يميز الناقد بين أسلوب وأسلوب، ومعجم شاعر ومعجم شاعر آخر، ويوازن بين خيال وخيال، وصورة و صورة، فثقافة الناقد واتساع معارفه، وتنوع جوانب هذه الثقافة، ومزاولته لمهمته، ودراسته المتواصلة هي التي تؤدي الى صحة الحكم على النصوص والكشف عما فيها من جوانب قوة وعوامل ضعف، وتجعله صرفيا في التمييز بين الحسن والقبيح، كالصيرفي في النقود الذي يعرف الصحيح من الزائف (20).

وقد فطن نقادنا القدامى الى عملية الدربة وأثرها في العملية النقدية، ولهذا نجد ابن سلام يشترط في الناقد ان يكون ذا بصر بالشعر، خبيراً به، وهو لا يعتد بالنقد الذوقي التأثري إلا إذا استوفى الناقد شرطه من الدربة والممارسة والخبرة الفنية، يقول ابن سلام : " وللشعر صناعة وثقافة يعرفها اهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات : منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، منها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان، ومن ذلك اللؤلؤ والياقوت، لا تعرفه بصفة ولا وزن، دون المعاينة ممن يبصره، ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم، ولا تعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز ولا وسم ولا صفة، ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بهرجها وزائفها وستوقها ومفرغها ...) وأخذ يضرب الأمثلة بالنخيل والرقيق إلى ان وصل به الحديث عن القراءة والغناء فقال : " ويقال للرجل والمرأة في القراءة والغناء : إنه لندى الحلق، طل الصوت، طويل النفس، مصيب اللحن – ويوصف الآخر بهذه الصفة، وبينهما بون بعيد، يعرف ذلك العلماء عند المعاينة والاستماع له، بلا صفة ينتهي إليها ولا علم يوقف عليه، وإن كثرة المدارسة لتعدى على العلم به فكذلك الشعر يعلمه أهل العلم به (21).

فمضمون كلام ابن سلام أنه وضع معياراً أساسياً لنقد الشعر فقرر أن الشعر صناعة يعرفها أهل العلم، الذين كونوا بخبرتهم وممارستهم له ذوقا أدبيا يعطيهم القدرة على تذوقه ونقده، والشعر في هذا كسائر الصناعات لا يتهيأ العلم بها إلا عن خبرة وبصر وممارسة وتجريب ودربة ومرانة، ولتقريب الأمر وتقريره ضرب بن سلام عدة مثل من الخبرة بالجواهر والنقود والنخيل والمتاع وغيرها .... فإذا تقرر ان الشعر صناعة فلنتركه للخبير المتمرس به، ينقده ويفسره ويصنفه ويحلله ويقومه بقيمته – وهي هنا قيمة معنوية – ويميز جيده من رديئه (22).

وأما الآمدي فيرد إلى الدربة تلك القوة الغامضة التي يتميز بها الناقد عمن سواه، والمادة الأدبية هي مجال هذه الدربة، ودوام النظر في هذه المادة لا خارجها هو المحك الحقيقي في تكوين الناقد.

يقول الآمدي :

(.... ويبقى ما لا يمكن اخراجه الى البيان، ولا إظهاره الى الاحتجاج، وهي علة ما لا يعرف إلا بالدربة ودائم التجربة وطول الملابسة، وبهذا يفضل أهل الحذاقة بكل علم وصناعة من سواهم ممن نقصت قريحته، وقلت دربته، بعد أن يكون هناك طبع فيه تقبل لتلك الطباع وامتزاج بها، وإلا فلا يتم ذلك (23).

إن خصوصية الطاقة النقدية خصوصية كاملة، واكتسابها لا يحدث بالتلقين ولا التعلم، إنما تكتسب هذه الطاقة متى توافرت شروطها الذاتية، وهي لفرض خصوصيتها تعطي لصاحبها الحق – عند الآمدي – في نوع من " السلطة النقدية " التي توجب – في نظره – على الآخرين الأخذ عنه دون التمسك بتقديم الحجج، تلك الحجج التي يبدو تقديمها غير ممكن في بعض الحالات، لأنها تحس أكثر مما يمكن التعبير عنها، وكل ذلك يؤكد " نقدية " النقد، كما يؤكد " أدبية " الأدب، ذلك لأنه يقم صرح النقد على أساس التمرس الأدبي الذي يجعل من النقد ذاتاً فريدة، ينهض تفردها على البصر بالمادة الأولية التي يتعامل معها وهي الأدب الإبداعي (24).

أما القاضي الجرجاني فنجده يضع الدربة ضمن عملية الخلق الفني فيقول عند تحليله لموهبة الشعر : " ان الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والرواية والذكاء، ثم تكون الدربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه، فمن اجتمعت له هذه الخصال فهو المحسن المبرز، وبقدر نصيبه منها تكون مرتبة من الإحسان " (25).

فمضمون كلام الجرجاني ان الدربة شرط هام للموهبة الشعرية لأنها تكسب صاحبها خبرة عملية وبصراً بمضايق الشعر وطرائق الأداء وعن طريق الدربة والمران يستطيع الأديب – وبخاصة الناشئ – أن يصل الى الغاية التي يرجوها من الجودة والإتقان (26).

والحق ان الدربة والتمرس من أهم الشروط التي يجب على الناقد أن يأخذ بهما قبل إصدار الأحكام  النقدية، حتى تأتي تلك الأحكام قوية هادفة مستنيرة فيما تصدره من أحكام بتمرسها ودربتها، وبهذا تصل الى الغاية المرجوة من إصدار تلك الاحكام النقدية، حتى تأتي تلك الأحكام قوية هادفة مستنيرة فيما تصدره من أحكام بتمرسها ودربتها، وبهذا تصل الى الغاية.

المرجوة من إصدار تلك الأحكام وتقوية الأعمال الفنية تقويماً يستند الى الموضوعية السديدة.

4 – ضمير الناقد الأدبي

ونعني به أن يتوخى الناقد في نقده وجه الحق، ويتجه لما يرى أنه الصواب، ويتحرى العدل في أحكامه، ويبتعد عن التأثر بالهوى، ويحاول قدر الطاقة أن يبرأ من الغرض فلا يجامل الأصدقاء والأنصار، ولا يتحامل على الأعداء والخصوم، وإنما يقضي بالعدل.

وضمير الناقد، وتوخيه العدل، وابتعاده عن المؤثرات الشخصية أهم الأركان في النقد، وأهم الشروط في الناقد إذ بدونه لا تجدي المعرفة ولا تنفع التجربة، ولا يصح الحكم، ولا يعتدل الميزان.

وضمير الناقد الأدبي ظهر واضحا عند نقادنا العرب فنجد منهم من آثر العدل في حكومته والحيدة في رأيه، واحتكم الى الذوق السليم الذي لم تفسده حمى التعصب، وذلك كما فعل الآمدي في موازنته، وكما فعل القاضي الجرجاني في وساطته، التي اتصف فيها المتنبي في خصومه وقاس الشعر فيها بمقياس دقيق بعيد عن روح التعصب، وكما فعل ابن قتيبة الذي احتكم الى الروح العلمية السديدة التي ترفض التعصب وتحتم العدل والحيدة يقول ابن قتيبة : " ولم أسلك, فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختاراً له سبيل من قلد، أو استحسن باستحسان غيره، ولا نظرت الى المتقدم منهم بعين الجلال لتقدمه، والى المتأخر (منهم) بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين، وأعطيت كلا حظه، ووفرت عليه حقه (27) "

وكثيراً ما اختلت الموازين، وفسدت الأحكام في النقد الذي يميل به الناقد عن الحق والعدل، وعما يرفع الفن ويسمو به الى ارضاء شخص، والانحياز الى أديب الى أديب او اغضابه والتحامل عليه.

وينحرف الناقد عن غايته اذا طفق يطرى آثار الأصدقاء، ويضفي عليها ألوان الثناء، وآيات الإعجاب والتقدير إرضاء لهم، وتزلفا إليهم مع أن هذه الآثار هابطة منحدرة من الناحية الفنية.

كما ينحرف أيضاً اذا اخذ يتحامل على آثار الخصوم والأعداء، ويختلق لها المثالب والمعايب، ويشن عليها الحملات الظالمة وهي جيدة من الناحية الفنية ولا عيب فيها إلا أن الناقد عدو لأصحابها وهدفه ان يغض من أقدارهم، ويحط من منازلهم.

وفي تاريخ النقد العربي نجد ما يدل على ان بعض النقاد قد استسلم لنوازع نفسه، وانقاد لهواه، وشط في التعصب الى شاعر بعينه او التعصب عليه، فجاءت أحكام غير موضوعية، تعوزها الدقة في كثير من الأحيان، وذلك مثل ما فعل الصولي في كتابه – أخبار أبي تمام (28)، حيث أسرف في تعصبه لأبي تمام إسرافاً بينا وكذلك الحاتمي في – الرسالة الحاتمية في مأخذ المتنبي المعيبة – وقد كان فيها شديد التحامل على المتنبي حقداً عليه وغيره منه (29) ومما يتصل بهذا التحامل الشديد – رسالة في الكشف عن مساوئ المتنبي – للصاحب بن عباد (المتوفى 375 هـ) – وفيها تبدو روح التعصب على المتنبي بينة، حيث تناول الصاحب نقد المتنبي في كثير من شعره، بأسلوب تهكمي ساخر، بلغ درجة الفحش أحياناً، مما جعل نقده شخصيا أكثر منه نقدا موضوعياً (30).

وبهذا نعلم أنه كم من أدب رفيع، وشعر جيد رصين، وأثر فني سام تعرض لحملات نقدية ظالمة، وهجمات حاقدة، للحط من شانه، والغض من قدره فمحا الزمن ذلك النقد الجائر، وظل الأدب سامق البناء رفيع العماد تتغنى به الأمم، وتردده الحقب، وشعر المتنبي خير شاهد على ذلك.

وحقيقة لابد من تقريرها هنا وهي أن اي نص أدبي، وأي أثر فني في القديم والحديث لا يخلو من محاسن وعيوب، ومن جوانب قوة وضعف، والكمال لله وحده، ومن فتش عن عيب وجده، وضمير الناقد ومسئوليته ونزاهته كل ذلك يجعله ينأى عن التحيز للأنصار، والتحامل على الخصوم، ويحتم عليه ان يذكر المحاسن قبل المساوئ ويوضح جوانب القوة قبل ان يتناول جوانب الضعف، ويبرز اللمحات المشرقة، والموضات المشعة، قبل أن يشير الى ما شاب النص من عيوب (31).

والحق ان ضمير الناقد الأدبي هو مقياس احترامه والثقة به، والاعتداد بآرائه والاطمئنان الى سلامته حيث يوليه قراؤه الثقة إذا لمسوا نزاهته وحيوية ضميره، واحساسه بمسئوليته، وعدالة أحكامه، ويهملونه ويعرضون عنه إذا انحرف عن الجادة، وأصبح أسيراً لأهوائه ونزعاته، وتجافى عن الحق ونأى عن العدل.

شروط أخرى

أوضحنا فيما سبق أن هناك شروطا ينبغي ان تتوافر في الناقد، وتناولنا منها الشروط الأربعة : ذوقه المرهف، وثقافته الشاملة، وتجربته الكاملة، وضميره النقدي، ونتناول هنا بإيجاز بعض الشروط الأخرى لأهميتها في العملية النقدية وهذه الشروط هي (32) :

1- أن لا يتأثر الناقد بالأحكام النقدية التي تسود بيئة النقاد، فلا يقلدهم فيها ما لم يؤمن بها ويعتقد سلامتها، ذلك لأن النظرة المتحررة هي التي يجب ان يتحلى بها الناقد، وهي الطريق لإثراء النقد بأفكار وآراء جديدة، تفتح الباب للمناقشة، حتى تصوب الأحكام التي يثبت خطؤها، وبغير هذه النظرة تتوارث الأحكام، ويأخذها الخلف عن السلب، وكثيرا ما تغطي على إحسان محسن، أو تداري على إساءة مسيء، فيحتل مكانة ليس جديراً بها.

2- أن يكون الناقد حذراً في أحكامه النقدية، فلا تكون عبارته موحية بأن ما يقوله هو القول الفصل الذي لا معقب وراءه، بل يدع الباب مفتوحاً أمام غيره للإدلاء برأيه، ويكون سبيله في ذلك التواضع، إذ إن ادعاء الاحاطة بالصواب وتخطئة الآخرين على الاطلاق، امر لا يليق بخلق الناقد، والنقاد الكبار يتجنبون مثل هذا الانزلاق الخطر في الأحكام.

3- على الناقد أن يتحرى الصواب في احكامه والسبيل الى ذلك ان يتجنب خداع النظرة الأولى، فإنها لا تتجاوز السطح ولا تسبر الأعماق، والنقد المتأني المدروس هو النقد الخالد والأثر الباقي، أما غيره فهو الزبد يذهب جفاء ولا يمكث في الأرض.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. تاريخ النقد الأدبي والبلاغة ص 14 د/ محمد زغلول سلام.
  2. النقد الأدبي ص 9 د/ سعد ظلام.
  3. في ميزان النقد الأدبي بتصرف ص 5 د/ طه مصطفى أبو كريشة ط المليجي.
  4. الذوق الأدبي د/ عبد الفتاح علي عفيفي من 9 ط مطبعة الأمانة.
  5. نفس المرجع ص 9 ، 10، وانظر أيضاً دفاع عن البلاغة للزيات ص 73 وما بعدها ط الثالث – عالم الكتب.

6)  دراسات في النقد الأدبي د/ كامل السوافيري ص 135 ط الأولى – مكتبة الوعي العربي.

  1. النقد الأدبي ص9 د/ سعد ظلام.
  2. النقد الأدبي في أطوار تكوينه عند العرب ص 31 د / محروس منشاوي الحالي.

9) حافظ وشوقي ص 31 د / طه حسين ط وزارة التربية والتعليم، ويرجع أيضاً أصول النقد الأدبي للأستاذ أحمد الشايب ص 124 ، 135 ط مكتبة النهضة المصرية، ويرجع أيضاً النقد الأدبي في أطوار تكوينه د / محروس منشاوي ص 32، 33.

10) حافظ وشوقي ص 32.

11) في ميزان النقد الأدبي د / طه أبو كريشة ص 7.

12) دراسات في نقد الأدبي العربي، د بدوري طبانه ص 38 ط مكتبة الأنجلو المصرية.

13) النقد الأدبي لأحمد أمين 1 / 197 الرابعة.

14) دراسات في النقد الأدبي د / كامل السوافيري بتصرف ص 125 ، 126.

15) النقد الأدبي الحديث د / محمد غنيمي هلال بتصرف، ص 15 ط دار العودة بيروت

16) دراسات في النقد الأدبي د / كامل السوافيري ص 126.

17) الشعر والشعراء لابن قتيبة تحقيق أحمد محمد شاكر 1 / 84 ، 86 ط الثالثة 1977   .

18) الوساطة للقاضي الجرجاني تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ومحمد علي البجاوي ص 17 ، 18 ط عيسى الحلبي

19) معالم النقد الأدبي د / عبد الرحمن عثمان ص 43 ط مطبعة المدني.

20) دراسات في النقد الأدبي د / كامل السوافيري ص 127، 128.

21) طبقات فحول الشعراء لابن سلام تحقيق محمود محمد شاكر جـ 1 ص5 ، 6 ، 7 الجهبذة بالدينار والدرهم الخبرة بهما، والبهرج : الودئ، والزائف : المغشوش، والمستوق : الزائف، والمفرغ: المصمت فلا يسح لرنينه حس ندى الحلق : غير جافي الحلق، طري الحلق، فهو أرفع لصوته، وطل الصوت : حسنه عذبة ناعمة، بهيج النغمة كأنه طل يهمي.

22) نصوص نقدية لأستاذنا الدكتور / محمد السعدي فرهود ص 10 ط دار الطباعة المحمدية.

23) الموازنة للآمدي تحقيق الشيخ محمد محي الدين عبدالحميد، ص 372، 373 ط دار الباز للطباعة.

24) نصوص من النقد العربي القديم د / محمود الربيعي ص 18 ط مطابع سجل العرب

25) الوساطة للقاضي الجرجاني تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم ومحمد علي البجاري ص 15 ط عيسى الحلبي.

26) القاضي الجرجاني وكتابه الوساطة د / صلاح الدين محمد عبد التواب، ص68 ط دار الطباعة المحمدية.

27) الشعر والشعراء : لابن قتيبة 1 / 68.

28) النقد المنهجي عند العرب : د. محمد مندور ص 94، ط دار نهضة مصر.

29) انظر تاريخ النقد الأدبي والبلاغة : د. محمد زغلول سلام ص 273 وما بعدها.

30) المرجع السابق ص 276 وما بعدها.

31) دراسات في النقد الأدبي : د. كامل السوافيري ص 138.

32) انظر في ميزان النقد الأدبي د. طه مصطفى أبو جريشة ص 14-15.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.


العتبة العباسية تختتم فعاليات حفل سنّ التكليف الشرعي المركزي لطالبات المدارس في كربلاء
العتبة العباسية تكرم المساهمين بنجاح حفل التكليف الشرعي للطالبات
ضمن فعاليات حفل التكليف الشرعي.. السيد الصافي يلتقط صورة جماعية مع الفتيات المكلفات
حفل الورود الفاطمية يشهد عرضًا مسرحيًّا حول أهمية التكليف