المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4512 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الحث على المشاورة والتواضع
2024-04-24
معنى ضرب في الأرض
2024-04-24
معنى الاصعاد
2024-04-24
معنى سلطان
2024-04-24
معنى ربيون
2024-04-24
الإمام علي (علي السلام) وحديث المنزلة
2024-04-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تأويل آياتٍ احتجّ الخصم بظاهرها على‏ وقوع المعصية من الأنبياء  
  
677   11:04 صباحاً   التاريخ: 31-3-2017
المؤلف : شرف الدين مقداد بن عبد اللَّه السيوري الأسدي
الكتاب أو المصدر : اللوامع الالهية
الجزء والصفحة : ص239
القسم : العقائد الاسلامية / النبوة / الانبياء /

وهي في قصص متعدّدة، يجاب عنها، أمّا إجمالًا: فبحمل المعصية والمخالفة على ترك الأوْلى‏، كما قيل: «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين»(1) جمعاً بين أدلّة (العقل على‏ عصمتهم وبين أدلّة) النقل المحتملة، وأيضاً جمعاً بين ما جاء من تعظيمهم في كلامه تعالى‏، والثناء عليهم، ووصفهم بالإصطفاء، والإجتباء، والخلّة، والإخلاص، والخلافة، وغير ذلك من المحامد.

وأمّا تفصيلًا، فنقول:

الأُولى‏: قصّة آدم عليه السلام، وفيها شبهتان:

الأُولى‏: وفيها وجوه:

1- قوله تعالى‏: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} [طه: 121] وهو صريح في المعصية. 2- قوله: {فَغَوَى} [طه: 121] والغواية ذنب.

3- قوله: {فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] والتوبة نَدَمٌ على‏ ذنب.

4- ارتكاب المنهيّ عنه بقوله: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22] وارتكاب المنهيّ عنه‏ ذنب.

5- سمّاه ظالماً، لقوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35] {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23].

6- اعترافه: لولا المغفرة لكان من الخاسرين(2)‏.

7- {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36] «فَأزَلَّهما»: حملهما على الزلّة.

والجواب:

عن (1): أنّ المعصية مخالفة الأمر، وهو شامل للواجب والندب، فلِمَ لا يكون المراد مخالفة الثاني؟

وعن (2): أنّ الغواية هي الخيبة بترك ثواب المندوب.

وعن (3): أنّ التوبة قد تكون عن ذنب لإسقاط عقابه، وتلك توبة العوام، وأمّا الخواص فيتوبون عن غير ذلك، إمّا انقطاعاً إليه تعالى‏، ووجه استحقاق الثواب واللطف، أو عن ترك الأولى‏، أو عن خطور المعصية بالبال، أو عن الإشتغال بغير اللَّه.

وعن (4): أنّ النهي للتنزيه.

وعن (5): أنّ الظلم نقص الثواب، أي: تكونا من ناقصي الثواب بترك الأوْلى‏، و«ظلمنا أنفسنا» أي: نقصناها، بدليل: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33].

وعن (6): أنّ المغفرة السِتْر، أي: إن لم تستر علينا، وترحمنا، وتتفضّل علينا، بما يتم به ما نقصناه من ثوابنا.

وعن (7): أنّ الوسوسة تكون في ترك المندوب، وفعل المكروه.

الثانية: قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى‏ قوله‏ {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] دلّت على‏ وقوع الشرك من آدم وزوجته، ولم يتقدّم من يمكن صرف الكناية إليه غيرهما.

والجواب: أنّ الإجماع منعقد على‏ امتناع الشرك على الأنبياء، فلا يكون مراداً، هذا مع أنّ الضمير في «جعلا» راجع إلى جنسي الذكور والاناث من نسلهما، ويؤيّده قوله: «عمّا يشركون» جمعه نظراً إلى‏ الأفراد، نحو قوله تعالى‏: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] ، وعود الضمير إلى‏ غير مذكور لفظاً جائز كثير شائع، قال اللَّه تعالى‏: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] والضمير للشمس على‏ قول، ومثله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ } [يوسف: 2] والضمير للقرآن.

أو نقول: دلّ قوله: {آتَاهُمَا صَالِحًا } [الأعراف: 190] على‏ ذكر ولد لأنّ صالحاً صفة لا بدّ لها من موصوف، والولد للجنس.

أو نقول: لا نسلّم أنّ النفس الواحدة هي آدم، بل غيره من ولده، وجعل زوجها من جنسها، بدليل قوله: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } [الروم: 21] فلمّا تغشّى‏ كلّ نفس زوجها، حملت حملًا خفيفاً وهو ماء الفحل، فلمّا أثقلت بصيرورة ذلك الماء لحماً ودماً وعظماً، دعا الرجل وزوجته ربّهما: لئن آتيتنا صالحاً أي ذكراً سوياً لنكوننَّ من الشاكرين، وكانت عادتهم الكراهة للبنات، فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما، لأنّهم كانوا يسمّون: عبد العزّى‏، وعبد شمس، وعبد يغوث، ثم رجعت الكناية إلى‏ جميعهم بقوله: «يشركون» فليس- حينئذٍ- الضمير راجعاً إلى‏ آدم وحوّاء.

الثانية: قصّة نوح عليه السلام. وفيها وجهان:

أ- إنّها تتضمّن كذبه عليه السلام، لأنّه قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } [هود: 45] اجيب بقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] وهو تناقض صريح.

ب- إنّ سؤاله كان خطأً، أمّا أوّلًا، فلقوله: {...فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 46، 47]. وأمّا ثانياً: فقوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [هود: 46] بالرفع على‏ قراءة الأكثر، وهي الأوْلى‏، والضمير يجب عوده إلى‏ مذكور حقيقة، وليس هو الابن، لأنّه لا يوصف بالعمل، فيكون هو السؤال، إذ لا ثالث يحتمل عود الضمير إليه.

والجواب :عن (أ): أنّ المراد: ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم، بدليل‏ {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40] فاستثنى‏ سبحانه من أهله من أراد هلاكه‏، فأخبره أنّه منهم، فلا يكون مناقضاً، إذ اتحاد المحمول‏ شرط، وأنّه ليس على‏ دينك، لا نفي أهليّة النسب التي هي مرادة لنوح عليه السلام، والذي على‏ دين الشخص وطريقته يقال: إنّه من أهله، كقوله صلى الله عليه و آله: «سلمان منّا أهل البيت»(3).

وعن (ب): أنّ الأوّل ليس فيه دلالة على‏ محذور، لأنّه جاز أن يكون عليه السلام نُهي عن سؤال ما ليس له به علم وإنْ لم يقع منه، وأنْ يكون قد تعوّذ من ذلك وإنْ لم يقع، كما أنّ نبيّنا صلى الله عليه و آله نهي عن الشرك، لقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] مع امتناع الشرك منه عليه السلام، أو أنّه دعا له بشرط الإيمان والمصلحة، فلمّا تبين له ضدّ ذلك لم يكن ذلك خارجاً عمّا تضمّنه السؤال، وقوله: {إِنِّي أَعِظُكَ} [هود: 46] الوعظ: الدعاء إلى الحسن، والزجر عن القبيح ترغيباً وترهيباً. وأنْ يكون تقدير الكلام: «لئلا يكون منهم» ولا شكّ أنّ وعظه تعالى‏ صارف عن الجهل وزاجر عنه، وقوله:

{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي} [هود: 47] تخشع واستكانة له تعالى‏.

وأمّا الثاني(4)‏: فلم لا يجوز عود الضمير إلى الولد جمعاً بين القراءتين؟ فإنّ الكسائي قرأ: {عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] بصيغة الفعل الماضي، وهو راجع إلى الإبن، ويكون تقدير قراءة الرفع: «أنّه ذو عمل غير صالح» فحذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه، وهو كثير سائغ فصيح.

الثالثة: قصّة إبراهيم عليه السلام، وفيها وجوه:

أ- قوله: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76،77،78] ثلاث مرّات، وهو كلام غير مطابق، فيكون خطأً، مع أنّ فيه اعترافاً بأُلوهيّة الكوكب، وهو كفر بالإجماع.

الجواب: أنّه ذكر على‏ سبيل الفرض ليبطله، كما يقول المجادل لخصمه: «الجسم قديم» ثم يقول: «لو كان قديماً لم يكن متغيّراً». أو أنّه استفهام على‏ سبيل الإنكار، وأُسقط حرف الإستفهام، وهو كثير سائغ. أو القول مضمر فيه، تقديره: «يقولون‏ هذا ربّي».

ب- أنّه قال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 63] وهو كذب، لأنّه هو الذي كسرهم إلّا الصنم الكبير.

والجواب: أنّه عنى‏ نفسه، أو أنّه استهزأ بهم، وإنّما نسبه إليه مجازاً، لآنه السبب الحامل له‏ على‏ ذلك، لشدّة غيظه من تعظيمهم له. أو أنّه مشروط بنطقهم، لقوله: {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63] ونطقهم محال، فالمعلّق عليه محال أيضاً، وقصده‏ بذلك تعنيفهم على‏ عبادة من لا يسمع ولا يقدر.

ج- قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } [الصافات: 88، 89] والنظر في النجوم حرام، وقوله: «إنّي سقيم» كذب.

والجواب: أنّ النظر فيها ليس بحرام مطلقاً، بل اعتقاداً لتأثيرها، وأمّا الاستدلال بها على الصانع فلا، بل ذلك من أعظم الطاعات. أو أنّه كانت به علّة تأتيه في أوقات مخصوصة يعرفها بالنجوم، فلمّا دعوه إلى الخروج نظر إلى النجوم،

ليعرف وقت قربها وعدمه. وعليه يخرج جواب الثاني، وعبّر عن الإشراف على الشي‏ء بحصوله. على‏ أنّا نقول: لمَ لا يجوز أنّه كان سقيماً في الحال.

أو نقول: إنّه كان سقيم القلب حَزَناً وهمّاً لمّا رأى‏ إصرارهم على‏ عبادة الأصنام، عند نظره في النجوم، وإظهاره لهم أنّها مخلوقة مدبّرة.

د- قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258] عقيب قول نمرود: { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] وذلك يدلّ على‏ انقطاعه عن الحجّة.

والجواب: أ نّه انتقال من مثال إلى‏ مثال، لاشتراكهما في الدليل، وهو صدور غير المقدور منه. أو تنزّل في المنع كما يقول المجادل: سلّمنا كذا، فرضاً وتقديراً.

هـ - قوله: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]إلى‏ قوله‏ {لَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]وهو يدلّ على‏ شكّه في الإحياء.

والجواب: أنّه دليل على‏ صدق جبرئيل عليه السلام إنّه ملك لا شيطان، أو كما قال جعفر بن محمّد عليه السلام‏(5) : إنّ اللَّه أوحى‏ إليه: إنّي أتخذ خليلًا، وعلامته أنّي أُحيي الموتى‏ بدعائه وسؤاله، فلمّا ظهر من إبراهيم عليه السلام صنوف الطاعات، وقع في خاطره أ نّه ذلك الخليل، فطلب الإجابة للطمأنينة على‏ ذلك، أو أنّه لتعاضد الأدلّة،  فإنّه عرف ذلك عقلًا، فأراد وقوعه حسّاً.

و- أنّه استغفر لأبيه الكافر، والإستغفار للكافر حرام، لقوله‏ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113].

والجواب: أ نّه لا يلزم من تحريمه عندنا تحريمه في شرعه. أو أنّه رجا إيمانه فلمّا أيس منه تبرّأ منه.

ز- {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: 128] وهو طلب الحاصل.

والجواب: أ نّه تضرّع وانقطاع.

ح- {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82]

والجواب: أنّه محمول على‏ ترك الأوْلى‏.

ط- {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35] ولم يُجب دعاءه في حقّهم.

والجواب: أنّه محمول على البعض، وهم المعصومون، مع أنّا لا نسلّم عدم إجابة الدعاء،  فإنّه جنّبهم بالألطاف المقرّبة، فيكون عامّاً.

الرابعة: قصّة يعقوب عليه السلام، وفيها ثلاثة وجوه:

أ- أنّه رجّح يوسف بالمحبّة على‏ سائر أولاده، حتّى‏ حصلت تلك المفسدة بسبب ذلك.

والجواب: أنّ الميل القلبي غير مقدور، أو أنّه لم يعلم بحصول تلك المفسدة من ذلك الترجيح.

ب- وصفه أولاده بالضلال القديم، كما حكى اللَّه تعالى‏ وقرّره عنهم.

والجواب: الضلال هنا: الذهاب عن الصواب، أي: إنّك لفي ذهابك عن الصواب، في إفراطك في محبّة يوسف، وطمعك في لقائه، ولا يلزم خطأُه بذلك، لأنّه غير مقدور، فليس بذنب قادح في عصمته.

ج- إسرافه في البكاء حتّى‏ ابيضّت عيناه، وشأن الأنبياء الصبر، بل الرضا.

والجواب: إنّ التجلّد على المصيبة مندوب، وليس بواجب، أو أنّه كان يُظهر من حزنه قليلًا، والمخفي أعظم، أو أنّ جزعه غير مقدور له، إذ الإنسان مجبول على‏ محبّة الولد، خصوصاً النجيب، ومن لوازم المحبّة الحزن على الفراق و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]

الخامسة: قصّة يوسف عليه السلام، وفيها وجوه:

أ- صبره على العبوديّة، ولم يشرح للقوم حاله.

والجواب: جاز أنْ يكون ترك الإظهار في تلك الشريعة أوْلى‏، أو يكون الصبر على الرقيّة امتحاناً له، كامتحان إبراهيم بالنار، وإسماعيل بالذبح، أو أنّه شرح لهم حاله، فلم يقبلوا منه، أو خوفاً من إخوته.

ب- قوله تعالى‏: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى} [يوسف: 24] قالت الحشويّة: إنّه جلس بين فخذيها مجلس الفجور، فرأى‏ يعقوب عاضّاً على‏ إصبعه، محذِّراً له، فزال عنها(6) ، وأيضاً الهمّ: العزم على الفعل، وإرادة المعصية والعزم عليها معصية.

والجواب: لعن اللَّه الحشويّة الذين ينسبون إلى‏ أنبياء اللَّه ما لا يجوز، وحاشا نبيّ اللَّه الذي قال اللَّه في حقّه: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24] وقال نبيّنا صلى الله عليه و آله الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم‏(7) ، من‏ فعل الخيانة والمعصية القبيحة الشنيعة التي يستنكف من فعلها على‏ ذلك الوجه أراذل الناس. هذا مع أنّ كل من له تعلّق بالواقعة برّأه من المعصية، الأوّل: الحاكم بالمعصية، وهو اللَّه تعالى‏ قال: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} إلى‏ قوله‏ {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف: 23] وفي آية اخرى: { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

الثاني: إبليس، قال: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83] ويوسف كان مخلصاً بشهادة اللَّه، فالحشوي إنْ كان على‏ دين اللَّه وجب قبوله من اللَّه، (وإنْ كان على‏ دين إبليس وجب قبوله منه) لكنّه خالف صديقه، ولم يوافق عدوّه.

الثالث: زوج المرأة، قال: {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [يوسف: 28].

الرابع: الشهود، قال: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } - إلى‏ قوله-  {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 26، 27] وقول النسوة: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يوسف: 51]. الخامس: زليخا نفسها، قالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32] وفي الاخرى‏: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51].

السادس: يوسف عليه السلام، حكى‏ براءته بقوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف: 26] {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] ولو قصد المعصية لخانه.

هذا مع أنّ الآية تحتمل وجوهاً:

1- أنّ قوله‏ {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } [يوسف: 24] أي قصدت مخالطته، وقصد رفعها عن نفسه، ولا بدّ من التقدير، لأنّ الجواهر لا تقصد ذاتها بل تقصد صفة من صفاتها.

2- قوله‏ {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24] جواب لولا محذوف، لدلالة الكلام عليه، أي: لولا برهان ربّه لم يهمّ‏ بدفعها، والبرهان: هو الدليل على‏ تحريم الهمّ بها للزنا، فإنّ كلّ دليل شرعي هو برهان بالنسبة إلى‏ الشارع. وقيل(8)‏: بعدم تقدير الجواب، بل الجواب ظاهر، وهو أنّ المراد: همّ بدفعها عن نفسه لولا ...، وفائدة لولا أن رأى‏ برهان ربّه مع أنّ دفعها عن النفس واجب‏، والبرهان لا يصرف عنه أ نّه‏ جاز لما همّ بدفعها أراه اللَّه برهاناً على‏ أنّه إنْ قدم على‏ ما همّ به أهلكه‏ أهلها وقتلوه، أو أنّها تدّعي عليه المراودة، وتنسبه إلى‏ أنّه دعاها إلى‏ نفسه وضربها لأجل امتناعها منه، فأخبر اللَّه أنّه صرف بالبرهان عنه السوء وهو- القتل والمكروه والفحشاء- وهو ظنّ القبيح واعتقاده فيه.

3- أنْ يكون الضمير واحداً، ويكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: لولا أن رأى‏ برهان ربّه لهمّ بها، فجرى‏ مجرى‏ قولهم: «قد كنت هلكتَ، لولا أن تداركتُك». ويُبطل قولَ الزجاج(9)‏ باستضعاف تقديم الجواب وكونه بغير لام: قوله تعالى‏: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص: 10] ، وفائدة هذا الكلام- مع أنّه لم يحصل هناك همّ- الإخبار عن أنّ ترك الهمّ لم يكن لعدم الرغبة في النساء، بل تَركه مع الرغبة انقياداً لأمر اللَّه.

ج- قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53].

والجواب: أنّها (داعية ومائلة) بالميل الشهواني، لا العزم والميل الإرادي، {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53] ما: موصوفة، أي: إلّا نفساً رحمها ربّي بالعصمة كنفسه عليه السلام وأمثاله، ويكون ذلك انقطاعاً إليه تعالى‏. وقيل: إنّ هذا كلام زليخا(10) فلا يكون فيه حجّة.

د- أنّ حبسه في السجن كان معصية، فلِمَ قال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ } [يوسف: 33]، ومحبة المعصية معصية؟

والجواب: أنّما اختار السجن تخلّصاً من الفاحشة لمّا وقع التعارض بينهما.

هـ - جعله السقاية في رحل أخيه، مع أنّه لا ضرورة إلى‏ هذه الحيلة، وإدخال الغمّ‏ عليهم  بأنّهم سارقون، وحمل المنادي على الكذب عليهم  بأنّهم سارقون.

والجواب: أمّا الجعل فوسيلة إلى‏ مصلحة، والوسائل إلى المصالح جائزة شرعاً، مع أنّه كان بوحي من اللَّه، ونقل أيضاً: أنّه استأذن أخاه في ذلك وأعلمه.

وأمّا إدخال الغمّ عليهم بالتسريق، فيحتمل أنْ لا يكون بأمره، بل إنّما أمر بالجعل لا غير، وإنّما نسبهم إلى السرقة أصحابه، أو أراد أنّهم سرقوه من أبيه وباعوه، إذ ليس في لفظه إشعار بالصواع. كذا قيل(11)‏ ، والأجود: أنّه يكون‏ جزاء الظلم‏، وجزاء الظلم ليس بظلم، أو أنّه استفهام، والهمزة مقدّرة، نحو {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76،77،78].

و- أ نّه كان يتمكّن من إعلام أبيه بحاله، ولم يعلمه حتّى‏ آل الأمر الى‏ غمّه وحزنه.

والجواب: أنّه جاز كون ذلك بأمر اللَّه تشديداً للبلاء على‏ يعقوب، كما قيل:

«يبدأ البلاء بالأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل».

ز- قوله تعالى‏: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] وكيف يجوز له أن يرضى‏ بسجودهم له، وفيه إذلال للأب، مع أنّ السجود لا يكون إلّا للَّه.

والجواب: السجود كان للَّه ‏لأجله‏ شكراً على‏ الاجتماع، وليس ذلك تأويلًا لرؤياه، بل تأويلها بلوغه إلى‏ أرفع المنازل، وقد حصل ذلك.

السادسة: قصّة أيوب عليه السلام، في قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] والعذاب على الذنب.

والجواب: المراد بالعذاب الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلبه، فيستوحش منها، وكيف يجوز حمله على‏ صدور الذنب عنه مع أنّه مدحه في آخر الآية بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]؟

السابعة: قصّة شعيب عليه السلام، في قوله: {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف: 89] وملّتهم باطلة، تدلّ على‏ أنّه كان على‏ مذهب باطل وخلّصه اللَّه منه.

والجواب: جاز أنّها كانت حقّةً، ونسخت بشرعه عليه السلام، ولهذا قال: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: 89] أي: أنْ يشاء استمرار حكمها وعدم نسخها، إذ لو كانت باطلة لزم نسبة مشيئة الكفر إليه تعالى‏، وهو باطل، لا يجوز نسبته إلى‏ الأنبياء إجماعاً.

الثامنة: قصّة موسى‏ عليه السلام، وفيها وجوه:

أ- أنّه قتل القبطيّ، فإمّا أنْ يكون مستحقّاً فلا يكون من عمل الشيطان، ولم يكن موسى‏ ظالماً لنفسه، ولا ضالّاً، لكنّه قال هذا، أو لا يكون مستحقّاً فيكون معصية كبيرة لا يجوز صدورها منه.

والجواب: نختار أنّه كان مستحقّاً، لكن الأفضل تأخّره، فسمّى‏ نفسه ظالماً وضالّاً باعتبار ترك الأوْلى‏. وعمل الشيطان إشارة إلى‏ فعل القبطيّ، والقتل الذي هو مسبب عن فعل المعصية التي هي بإغوائه‏، أو إشارة إلى‏ تقديم ما الأولى‏ تأخيره.

ب- أنّه استعفى‏ من الرسالة الواجب تبليغها، وذلك معصية.

والجواب: المنع من الإستعفاء، بل طَلَب المعين على‏ مهمّات الرسالة.

ج- أنّه أمرهم بإلقاء السحر، وهو معصية لا يجوز الأمر بها.

والجواب: إنّه أمر مشروط بكونهم محقّين، كما في قوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].

د- أنّه أوجس في نفسه خيفة، وهو يقتضي شكّه فيما أتى‏ به.

والجواب: إنّه خاف التلبيس‏ على‏ قومه الذين لم ينعموا النظر، فأمّنه اللَّه منه، وبيّن له إيضاح حجّته.

هـ - أخذه برأس أخيه إن كان حقّاً فهارون مذنب مع أنّه رسول، وإن لم يكن حقّاً فموسى‏ مذنب.

والجواب: إن موسى‏ عليه السلام فعل ذلك حدّةً وغضباً من فعل قومه، لا لخطأ هارون، وقد كان عليه السلام سريع الغضب، والحِدّة غير مذمومة، ولهذا قال نبيّنا صلى الله عليه و آله: «خيار أُمّتي حدادها الذين إذا غضبوا رجعوا»(12) فحملته حدّته على‏ جذب رأس‏ أخيه ليدنيه ويتحقّق منه كيفية الواقعة، فأشفق هارون أن يظنّوا خلاف ذلك فقال: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [طه: 94] لئلّا يظنّ القوم إنّك تريد قتلي وضربي، ولم يعلموا أنّه حدّة وغضب منك عليهم.

و- أنّه قال في قصة الخضر عليه السلام: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74] فإنْ كان كما قال فالخضر مذنب، وإلّا فموسى‏، وكذا في قوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف: 74] ولم تكن زكيّة.

والجواب: عن الأوّل: أنّه نكر ظاهراً، فإنّ من نظر إلى‏ ظاهر الواقعة ولم يعرف حقيقتها أنكرها، أو أنّه أنكرها إنْ كان ظلماً، أو أنّه عَجِب فإنّ من رأى‏ شيئاً عجباً جدّاً يقول: «هذا شي‏ء منكر».

وعن الثاني: إنّه كان على‏ طريق الاستفهام.

وأمّا قتل الخضر للغلام عند خشية الإرهاق، والخشية لا تفيد علماً، بل ظنّاً، فإنّ ذلك في حقّ غير الأنبياء، وأمّا الأنبياء فظنونهم علوم، أو أنّ اللَّه أمره بقتله.

التاسعة: قصّة داود عليه السلام، وهي في تأويل قوله تعالى‏: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21]، إلى‏ آخرها.

قد روي أنّه قال لربّه: «قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت‏ أ نّك أعطيتني مثله، فقال تعالى‏:" إنّي ابتليتهم بما لم أبتلك بمثله، فإن‏ أعطيتك ابتليتك"، فرضي، فقال: ستبلى‏ في يوم كذا وشهر كذا، فلبث دهراً، فتمثّل له إبليس في صورة حمامة من ذهب في غاية الحسن، فوقف في محرابه، فأراد أخذها ليرى‏ بني إسرائيل قدرة اللَّه تعالى‏، فذهبت إلى الكوّة، فقام ليأخذها، فطارت من كوّة المحراب، فنظر فإذا امرأة «اوريا» تغتسل فتعجّب من حسنها، فالتفتت فرأته ، ‏فنفضت شعرها، فغطّى‏ جميع بدنها، فازداد تعجّباً، قال: وكان عمره إذ ذاك سبعين سنة، فأحبّ أن يقتل زوجها ليتزوّجها، وكان مع ابن اخت داود في جيش فأنفذ إليه خاله أن أقدم اوريا أمام التابوت وكان في شرعه أنّ من تقدّم التابوت لا يرجع حتى‏ يفتح على‏ يديه أو يقتل، فتقدّم اوريا ففتح على‏ يديه، فأرسل إليه ثانية أنْ أقدمه إلى‏ جيش كذا- أعظم من الأوّل- ففتح على‏ يده، فأرسل إليه ثالثةً فتقدّم فقتل، فتزوّج داود بامرأته فولدت له سليمان، فأرسل إليه الملكين في صورة الخصمين ليبكتاه‏ خطيئته، ويدلّ على‏ ذلك قوله: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 24، 25]»(13).

والجواب: أنّ هذه القصّة كذب لا محالة لوجوه:

أ- أنّ العقل يستقبح نسبة هذا الفعل إلى‏ بعض أراذل الناس، ممّن لا يؤبه به، فكيف تجوز نسبته إلى‏ أنبياء اللَّه الذين فضّلهم اللَّه وشرّفهم واصطفاهم على العالمين.

ب- ما روي عن علي عليه السلام أنّه قال: من حدّث بحديث داود على‏ ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستّين جلدة، وهي حد الفرية على الأنبياء عليهم السلام(14)‏.

ج- أ نّه تعالى‏ ذكر داود عليه السلام بصفات المدح والثناء قبل هذه الآيات وبعدها، فكيف يليق ذلك بمقام التبكيت والتأنيب، وبيان مدحه من وجوه:

1- قوله: {عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ} [ص: 17] وهي القوّة في الدين، إذ الكفّار اولو قوّةٍ في الدنيا، فلا يكون ذلك مدحاً له، وإذا كان قوياً في دينه، كان معناه شدة العزم على‏ فعل الطاعة، وترك المعصية.

2- {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [ص: 18، 19].

3- {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} [ص: 20] وليس المراد: بالمال، إذ هو من صفات الكفّار.

4- {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20] وهي جامعة للكمالات العلميّة والعمليّة.

5- {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} [ص: 26] والخلافة من أعظم المناصب، خصوصاً عقيب القصّة.

6- {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25].

7- أنّه قد قيل في الآية والقصة غير ذلك، ممّا يوافق المعنى‏ والمقام، فلا يجوز العدول عنه إلى‏ خلافه ممّا يمنعه الدليل، فإنّ قول الملائكة: {خَصْمَانِ } [ص: 22] كذب، وقوله: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } [ص: 23] كذب أيضاً، وحمل النعاج على النساء عدول عن الظاهر.

وأمّا ما قيل في القصة، فقيل: إنّ أهل ذلك الزمان إعتادوا أن ينزل بعضهم لبعض عن امرأته إذا أعجبته، فاتّفق أنّ عين داود وقعت على‏ امراة اوريا فأعجبته فسأله النزول عنها، فاستحيا أن يردّه ففعل، فتزوّجها، فقيل له: إنّك مع جلالة منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلًا ليس له إلّا امرأة واحدة النزول عنها. وقيل: خطبها اوريا، ثم خطبها داود، فآثره أهلها، وقيل: إنّ الخصومة كانت على الحقيقة بين شخصين من الإنس، وفيها وجهان:

أحدهما: إنّ الخصومة كانت في الغنم.

وثانيهما: إنّ أحدهما كان موسراً وله نساء كثيرة سراري ومهاير، والآخر معسر ليس له إلّا امرأة واحدة، فاستنزله الموسر عنها. وأمّا فزعه: فلدخولهما عليه في غير وقت الحكومة، وخاف أنْ يكونا مغتالين له ليقتلاه، وبه فسّر بعضهم الآية، وهو أنّهم تسوّروا قاصدين قتله ظنّاً منهم أنّه غافل، فلمّا رآهم فزع لما تقرّر في العرف أنّ أحداً لا يتسوّر دار غيره إلّا لقصد الإساءة خصوصاً إذا كان صاحب‏ المنزل معظّماً، فلمّا رأوه مستيقظاً اخترعوا حكومة [و] أنّهم‏ قصدوه لأجلها، والفرض عدمها.

وأمّا استغفاره: فجاز أن يكون لغيره، إذ ليس فيها إشعار بكونه لنفسه، وذلك كاستغفار الأنبياء لأممهم، والملائكة للمؤمنين. سلّمنا: لكن جاز أنْ يكون على‏ وجه الانقطاع إلى‏ اللَّه تعالى‏ والتذلّل، {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أي: ساجداً على‏ وجه الشكر، وإنابته هي رجوعه إلى‏ عبادة ربّه، لأنّهم دخلوا عليه في وقت العبادة، فشغلوه عنها، وقوله: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 25] أي: لأجله على الوجه الأوّل، وعلى الثاني، أي: قبلنا استغفاره، وسمّى القبول غفراناً تسمية للشي‏ء بمقابله، كقوله تعالى‏: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] وقول الشاعر:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا             فنجهل فوق جهل الجاهلينا

العاشرة: قصّة سليمان عليه السلام، وهي وجوه:

أ- أ نّه ترك الصلاة حتّى‏ توارت الشمس، أي غابت، بسبب اشتغاله بحبّ الخيل‏، وهي من امور الدنيا(15) ، حتى‏ قال بعض الحشويّة: إنّه أمر بردّها وتقطيع سوقها وأعناقها والصدقة بها كفّارة لخطيئته‏(16).

والجواب: أنّا نفسّر الآية، ونبيّن عود الضمير فيها على الوجه المطابق، ثم نبيّن خطأ القائل:

أمّا الأوّل:  بأنّه عليه السلام لمّا جلس لعرض الخيل عليه، قال: إنّي أحببت حبّ الخير مبالغة في حبّه، فإنّ الشخص قد يحبّ شيئاً ولا يحبّ أن يحبّه، وأمّا إذا أحبّه، وأحبّ أن يحبّه، فذلك مبالغة في حبّه، فقال: إنّ ذلك عن ذكر ربّي، أي: هذه المحبّة بسبب ذكر ربّي، وعن أمره، لا عن هوى النفس، فإنّ رباط الخيل مندوب إليه شرعاً، كما في شرعنا، ثم أمر بإركاضها حتّى‏ غابت عنه، رياضة لها، ثمّ أمر بردّها وجعل يمسح سوقها وأعناقها تشريفاً لها، أو إظهاراً لمحبّته لها وشفقته، لأنّها أعظم الأعوان في دفع العدو، أو لاهتمامه بمصالح الدين والدنيا، فعلى‏ هذا يكون الضميران عائدين إلى الخيل، ويكون الكلام بعضه آخذاً بحجزة بعض.

وأمّا الثاني- وهو عود الضمير إلى الشمس الذي هو مبنى الشبهة-: فغير صحيح، أمّا أوّلًا:  فلأنّه عود إلى‏ غير مذكور، وهو خلاف الأصل. وأمّا ثانياً: فلأنّ ذلك يقتضي عود الضمير في‏ {رُدُّوهَا} [النساء: 86] إلى الشمس أيضاً، ليكون الكلام مرتبطاً بعضه ببعض، وذلك باطل، لقوله‏ «ردّوها» وظاهره خطاب للعارضين للخيل، وهم لا قدرة لهم على‏ رد الشمس، وخطاب اللَّه به غير لائق بخطاب الأنبياء له تعالى‏.

ب- قوله تعالى‏: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا } [ص: 34] قيل: إنّ جنّياً اسمه صخر تمثّل على‏ صورته وجلس على‏ سريره، وأخذ خاتمه الذي فيه النبوة وألقاه في البحر، فذهبت نبوّته، وأنكره قومه حتّى‏ عاد إليه من بطن السمكة(17).

والجواب: أمّا الآية، ففيها وجوه:

1- أنّ المراد بالفتنة الابتلاء، والامتحان، بأن أمرضه مرضاً شديداً وألقى‏ جسده على‏ كرسيّه من شدة المرض، فصار كالميّت، كما يقال: «لحم على وضم»، وجسد بلا روح على‏ معنى‏ شدّة الضعف، وحذف الهاء مبالغة.

2- قيل: إنّ سليمان عليه السلام، قال: لأطوفنّ الليلة على‏ مائة امرأة فتلد كلّ امرأة غلاماً يقاتل في سبيل اللَّه، ولم يقل إنْ شاء اللَّه، فطاف، فلم تحبل إلّا امرأة واحدة، جاءت بولد نصف غلام، فجاءت به القابلة وألقته على‏ كرسيّه، فكان الابتلاء بترك الاستثناء(18).

3- قيل: إنّه عليه السلام، وُلد له غلام، فخاف عليه الشيطان، فأمر السحاب فحملته، وأمر الريح أنْ تحمل إليه غذاءه، فمات الولد، والقي ميّتاً على‏ كرسيّه(19)‏.

وأمّا الحكاية الخبيثة: فكتاب اللَّه ونبيّه مبرّآن عنها، لأنّ النبوة لا تكون في خاتم، ولا يسلبها اللَّه عن أهلها، ولا يجوز أيضاً تمكين الجنّي من التشبّه بصورة سليمان، والتلبيس على‏ قومه.

ج- قول سليمان عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] وهذا فيه إشعار بالحسد.

والجواب من وجوه:

1- أنّه طلبه ليكون معجزة له في ذلك الزمان وأهله،  فإنّهم كانوا يتنافسون بالملك والمال والجاه، ومعجزة كلّ نبيّ من جنس ما يعجز به‏ أهل زمانه، أي: أعطني ملكاً لا ينبغي وصوله‏ لأحدٍ من أهل زماني.

2- أنّه ليس في الآية إشعار بملك الدنيا، فجاز أنْ يكون ملك الآخرة، أي: ملكاً لا ينتقل عنّي، لما علم عند مرضه أنّ ملكه ينتقل عنه إلى‏ غيره، فلمّا رجع إلى الصحّة سأل ذلك.

3- أنّه لما تقرّر عند أكثر الناس أنّ الإشتغال بالملك يلهي عن الطاعة والإقبال عليها، فسأل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، ويكون مع‏ ذلك غير مشتغل‏ عن الطاعة.

الحادية عشر [ة]: قصّة يونس عليه السلام، وهي وجوه:

أ- قوله تعالى‏: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء: 87] والغضب إمّا على اللَّه أو على‏ قوم امر بدعائهم إلى الإيمان، وكلاهما ذنب عظيم.

والجواب: لعلّ غضبه على‏ قوم من الكفّار لم يقبلوا قوله.

ب- قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } [الأنبياء: 87] والشكّ في قدرة اللَّه تعالى‏ كفر.

والجواب: إنّه أراد: أن لن يضيق عليه، كما في قوله‏ {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16] و {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26].

ج- قوله: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] وذلك اعتراف بالظلم‏

والجواب: أي، في ترك الأفضل.

د- قوله: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48] نهى‏ نبيّنا صلى الله عليه و آله عن مثل فعله، فدلّ على‏ أن فعله ذنب.

والجواب: المعنى‏، لا تكن كهو في ترك صبره الذي هو أفضل من عدمه.

الثانية عشر [ة]: قصّة لوط عليه السلام. وهي قوله: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] [وقوله‏]: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [الحجر: 71] عرض بناته للفاحشة وهو كبيرة.

والجواب: المراد بناتي لي، بحكم المتابعة في الدين، إذ الإضافة تصدق بأدنى سبب، ككوكب الخرقاء. على‏ أنّا نمنع تعريضهن للفجور، بل رجّح النساء على الغلمان.

الثالثة عشر[ة]: قصة زكريّا عليه السلام. وهي أنّه تضرّع في طلب الولد، فلمّا بُشّر به شرع يتعجّب‏ في إمكانه حال كبره وعقم زوجته، وهو شك في قدرة اللَّه.

والجواب: أنّه بُشّر حال انقطاع رجائه، ففرح وزاد فرحه، فسأل عن الكيفية والكميّة، ليسمع البشارة مرّة اخرى‏، فيزداد سروره.

الرابعة عشر [ة]: قصّة عيسى‏ عليه السلام، وهي وجوه:

أ- قوله‏ { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ } [المائدة: 116] إن كان قد قال ذلك فذلك ذنب عظيم، وإن لم يقل، فالسؤال عبث منه تعالى‏.

والجواب: إنّه لم يقع منه‏، ونمنع العبثيّة، بل ذلك تقريع لمن قال ذلك من النصارى‏، كما قيل: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».

ب- قوله‏ {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]والنفس هي الجسد، فقد أوهم إطلاق الجسميّة عليه تعالى‏، وأيضاً كلمة «في» للظرفيّة، وهي لا تعقل إلّا للأجساد.

والجواب: المراد الذات، والظرفيّة مجاز.

ج- قوله: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} [المائدة: 118] والغفران للكافر غير جائز.

والجواب: المراد من هذا تفويض الأمر إليه تعالى‏ بالكليّة.

الخامسة عشر [ة]: قصّة سيد الأنبياء محمّد، عليه وعلى‏ آله الصلاة والسلام، وهي وجوه:

أ- قوله تعالى‏: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7].

والجواب: إنّه معارض بقوله: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] فيجب تأويل الأوّل بوجوه:

1- وجدك ضالّاً في أمر الدنيا، وتصرّف المعاش فيها، ومخالطة الخلق.

2- وجدك غافلًا عن وصول مقام النبوّة إليك، لقوله: { وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3] {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} [الشورى: 52] والضلال يستعمل في ذلك، لقوله تعالى‏: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } [البقرة: 282].

3- ضالّاً في طريق مكّة عند الهجرة.

4- ضالّاً في شعاب مكّة أيّام جدّك عبد المطلب حين خرجت عنه فردّك إليه عدوّك أبو جهل، وهذه نعمة يمنّ‏ بها.

5- وجدك ضالّاً حين خرجت مع عمّك أبي طالب إلى الشام في ليلةٍ ظلماء فأخذ إبليس بزمام ناقتك، وعدل بك عن الطريق، فجاءه جبرئيل، فنفخه نفخةً وقع منها إلى الحبشة، وردّك إلى‏ عمّك.

ب- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } [الحج: 52] ورد أنّ سببها أنّ النبي صلى الله عليه و آله تمنّى التقرّب إلى‏ قومه بما يسرّهم، فلمّا قرأ في النجم: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19، 20] ألقى الشيطان في قراءته: «تلك الغرانيق العلى‏، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى‏» فسرّت بذلك قريش، وقالت ذكر آلهتنا بأحسن الذكر، فلمّا وصل إلى السجدة، سجد هو والمسلمون، وتبعهم المشركون أيضاً، لسرورهم، فجاء جبرائيل عليه السلام فأخبره بذلك، فحزن، فانزلت الآية في الحج، تسليةً له، وذلك صريح في تمنّي الضلال‏ الذي هو بصدد خلافه.

والجواب: إنّ نسبة هذه الحكاية وضع شنيع، خصوصاً مع وقوع الاتفاق على‏ وجوب العصمة في تبليغ الرسالة، ولو سهواً، وهذا من جزئيّاته، فيكون ذلك الكلام الذي وقع، إمّا منه كذباً، أو منه تعالى‏ كذلك، والقسمان باطلان اتّفاقاً، ويحتاج في تتمّة الجواب إلى‏ أمرين:

الأوّل: بيان حال آية النجم، فنقول:

قد تقرّر في الاصول أنّ خبر الواحد إذا اقتضى‏ علماً، وفي الأدلّة القطعيّة مخالفته، يجب‏ ردّه، وإلّا لكان تكليفاً بالمحال، وهذا الوارد من هذا القسم، لمخالفته الأدلّة القاطعة بعصمة الأنبياء عليهم السلام، فيجب ردّه.

مع أنّا على‏ تقدير تسليم الخبر نمنع أنّه صلى الله عليه و آله هو القائل لذلك، لجواز أن يكون القائل بعض المشركين القريبين من مكانه، فاشتبه بقوله صلى الله عليه و آله، وذلك أنّه لمّا قرأ أوّل الآية، وذكر آلهتهم، توهّموا أنّه يذكرها بعد ذلك بما يسوؤهم لما جرت عادته به، فقال ذلك معارضاً له صلى الله عليه و آله، أو أنّ القائل هو الشيطان.

سلّمنا أنّه القائل، لكنّ الغرانيق هي الملائكة، ولذلك قيل: إنّه كان قرآناً فلمّا توهّم المشركون قصد آلهتهم به نسخ تلاوته، والغرانيق: جمع غرنوق وهو الحسن الجميل.

الثاني: أنّ آية الحج ليس فيها دلالة على التسلية، لأنّ التمنّي يحتمل وجهين:

1- التلاوة، قال حسان:

تمنّى‏ كتاب اللَّه أوّل ليله‏           وآخره لاقى‏ حمام المقابر

فعلى‏ هذا: يكون المراد: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} أي: تلا ما يؤدّيه إلى‏ قومه حرّفوه وبدّلوه، وزادوا ونقصوا، كما فعلت اليهود بالتوراة، ونسبته‏ إلى الشيطان بإظهار حجته‏ وبيّناته على‏ ألسنة رسله، وليس ذلك صريحاً في التسلية.

2- تمنّي النفس، وحينئذٍ يكون المراد أنّ فطرة الأنبياء والرسل ليست خارجة عن فطرة الانسان الذي له قوى‏ كثيرة، منها المتخيّلة التي من شأنها التركيب للصور والمعاني فتحملها تارة كليّة، وتارةً في المواد الجزئية، ثم تنتقل إلى الحس المشترك، ومنه إلى الحواس الظاهرة، ثم أن تلك الصورة قد تحصل من جوهر شريف كجبرائيل، وقد تحصل من الطبيعة بسبب الإدراكات الحسيّة المعبّر عنها بالشيطان، أو تحصل من الشيطان نفسه في حق الأنبياء من غير إذعان منهم لذلك، ولا جزم به، فينسخ ذلك بالوحي والإرشاد إلى‏ مخالفته.

وليس فيه أيضاً صريح التسلية، بل ولا نسبة له إلى‏ نبيّنا صلى الله عليه و آله على الوجهين.

ج- قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ...} [الأحزاب: 37] الآية.

وجه الاعتراض: إنّهم قالوا إنّه تعالى‏ عاتبه على‏ إضمار شي‏ء كان ينبغي‏ إظهاره، وأ نّه راقب من لا ينبغي مراقبته، وذلك لا يكون إلّا عن ذنب، وأيضاً: نقل عن بعضهم أنّه صلى الله عليه و آله نظر إلى‏ زينب امرأة زيد فهواها وأخفى‏ ذلك(20)‏ ، فمنهم من قال: حرمت بذلك على‏ زيد، وقيل: بل وجب عليه تطليقها ابتلاءً له.

والجواب عن الأوّل: بالمنع من دلالة الآية على العتاب على‏ ذنب، لأنّ ما يوهم ذلك وهو قوله‏ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} [الأحزاب: 37] إخبار محض  بأنّه صلى الله عليه و آله أخفى‏ شيئاً، وأ نّه تعالى‏ أبداه، وذلك ليس صريحاً ولا ظاهراً في الذنب، وكذا قوله‏ {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } [الأحزاب: 37] إخبار أيضاً  بأنّه صلى الله عليه و آله يخشى الناس، واللَّه أحقّ بالخشية، وفي قوله «أحقّ» دلالة على‏ حقيّة خشية الناس، وأ نّها ليست أمراً باطلًا، لأنّ أفعل التفضيل يقتضي ذلك، ولم يخبر أنّه صلى الله عليه و آله لم يفعل ما هو الأحق، وأ نّه عدل عنه إلى‏ غيره، حتّى‏ يكون عتاباً، مع أنّه يحتمل أن يكون المراد ليس خشية التقوى‏، لأ نّه صلى الله عليه و آله كان يتّقي اللَّه حق تقاته، بل المراد خشية الحياء، لأنّ الحياء كان غالباً عليه، كما قال‏ {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} [الأحزاب: 53].

وعن الثاني: بالمنع من القصّة،  فإنّه أمر شنيع، لا يقوله في حقّه صلى الله عليه و آله إلّا أعداؤه الذين يريدون التنفير عن متابعته كاليهود، مع أنّه صلى الله عليه و آله منزّه عن الصفات المنفّرة- كما يجي‏ء- التي من جملتها هذه الحالة.

وقولهم  بأنّها حرمت على‏ زيد بمجرّد ذلك يلزم منه أنْ يكون أمره له بالإمساك أمراً بالزنا.

هذا مع أنّه قيل في الآية والقصة وجوه:

1- أنّه تعالى‏ أراد نسخ تحريم أزواج الأدعياء، كما هو عادة الجاهلية، فأوحى‏ إليه أن زيداً يطلّق زوجته، فإذا طلّقها تزوّج بها أنت، فلمّا حضر زيد ليطلّقها أشفق صلى الله عليه و آله من أنّه لو طلّقها لزمه نكاحها فيطعن المنافقون عليه، فأمره بالإمساك ظاهراً وأخفى‏ عزمه على‏ نكاحها، وهذا مطابق لقوله تعالى‏ {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37].

2- أنّ زيداً خاصم زوجته وهي بنت عمة رسول اللَّه، وأشرف على‏ تطليقها، فهمّ صلى الله عليه و آله على التزويج بها إذا طلّقها ليضمّ قرابته إليه صلة لها،  فإنّها لمكان شرفها لحقها عار من أهل الدنيا بسبب زواجها بزيد- وهو مولى‏- فأراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جبرها بنكاحه لها، وأخفى‏ ذلك اتقاءً من المنافقين، فعاتبه اللَّه على‏ ذلك.

3- أنّ زينب في أوّل أمرها رغبت في نكاح رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلمّا خطبها لزيد شقّ عليها وعلى‏ أهلها، فأنزل للَّه ‏تعالى‏ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا...} [الأحزاب: 36] الآية فأجابوا على‏ كراهة، فلمّا دخل بها زيد نشزت عنه، لاستحكام طمعها في الرسول صلى الله عليه و آله واستحقار زيد، فشكاها إليه صلى الله عليه و آله فأمره بإمساكها، وأخفى‏ استحكام طمعها فيه، لأنّه لو أظهره لنغّصت عليه تلك النعمة.

د- قوله تعالى‏ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} إلى‏ قوله {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68] ‏ قالوا: نزلت هذه عتاباً له في أخذ الفداء من اسراء بدر، وأنّه لم يثخن في الحرب، ولولا الذنب لما عوتب.

والجواب: إنّ العتاب على‏ ترك الأفضل، وهو الإثخان، وترك أخذ الفداء ولولا ذلك لما استشار أصحابه- كما نقل(21)‏ - وقوله‏ «لولا كتاب ... الخ» أي لولا كتاب (من اللَّه) سبق في تحليل الغنائم، لمسّكم عذاب بأخذها، والخطاب في ذلك وفي قوله‏ «تريدون» لأصحابه، لوروده بلفظ الجمع، لا له.

ه- قوله تعالى‏: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] والعفو لا يكون إلّا عن ذنب.

والجواب: أنّ ذلك تلطّف في الخطاب، كما يقال: «أرايت رحمك اللَّه لو كان كذا لا يمكن إلّا منك» لأنّه تعالى‏ عفا، ثم عاتب، وذلك غير مستحسن، بل غير جائز، هذا مع أنّ ترك الإذن كان أفضل، وهو عتاب على‏ ترك الأفضل.

و- قوله: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } [الشرح: 2، 3] والوزر الذنب.

والجواب: إن صحّ أنّ معناه الذنب فهو ترك الأفضل، على‏ أنّا نقول: الوزر هو الثقل، كما قال سبحانه: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] فهو حقيقة فيه، والذنب إنّما سمّي وزراً لثقله على‏ فاعله، وحينئذٍ يكون المراد ما كان فيه من الغمّ الشديد لإصرار قومه على الشرك، لقوله تعالى‏ {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] أو لاستضعاف قومه لقلّتهم، فلمّا أعلى‏ اللَّه كلمته زال ذلك، بدليل قوله تعالى‏: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 4، 5].

ز- قوله‏ {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2].

والجواب من وجوه:

1- حمله على‏ ترك الأفضل.

2- ذنبك، ذنب امّتك.

3- أنّ الذنب مصدر يضاف تارةً إلى الفاعل واخرى‏ إلى المفعول، وها هنا إضافة إلى المفعول، أي: ذنبهم في حقّك، أي: يغفر لأجلك وببركتك‏ ذنبهم المتقدّم والمتأخّر.

ويقرب منه: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } [الأنفال: 33].

ح- قوله‏ {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس: 1، 2] والمراد هو صلى الله عليه و آله لقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس: 3].

والجواب: الحقّ أنّ الضمير لغيره صلى الله عليه و آله، في حقّ ابن ام مكتوم، لاستحالة العبوس منه والتصدّي للأغنياء، والإعراض عن الفقراء والتلهّي عنهم منه صلى الله عليه و آله، مع وصفه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4] وكيف يصحّ‏ {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس: 7] مع أنّه مبعوث للدعاء إلى اللَّه.

ط- قوله‏ « {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ...} [التوبة: 117] الآية والتوبة لا تكون إلّا عن ذنب، وكذا قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19].

والجواب: حمله على‏ ترك الأفضل.

ي- قوله‏ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65].

والجواب من وجهين:

1- أنّ الخطاب لُامته، كإيّاك أعني واسمعي يا جارة.

2- أنّ استلزام الشرك للإحباط لا يستلزم وقوعه، لأنّ صدق الشرطية بصدق الاتصال، لا بصدق الطرفين ووقوعهما، فقد يتركّب من محالين.

يا- قوله‏ {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ } إلى‏ قوله‏ {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [يونس: 94] وقوله‏ {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } [الأعلى: 6، 7] ، وهذا يدلّ على‏ وقوع الشك والنسيان منه صلى الله عليه و آله.

والجواب: عن الأوّل: بالمنع من وقوع الشكّ منه، فإنّ الشرطيّة لا تستلزم وقوع الطرفين كما تقدّم من أنّها تتركب من محالين، كقولنا: «إن كان زيد حجراً فهو جماد» وفائدة رجوعه إلى‏ اهل الكتاب أنّه مذكور عندهم بصفاته وعلاماته، فأمره بسؤالهم، ليقف عليها ويزداد يقينه، ويلزم المنكرين منهم‏ بها، أو ليقف على‏ سيرة الأنبياء السابقين عليه، وهذا خرج مخرج التسلية على‏ ما ناله من الغمّ باختلاف الناس فيه وفيما جاء به فإنّ الاختلاف لم يزل في امم الأنبياء، وله بهم اسوة.

وعن الثاني: بأنّ النهي عن الشي‏ء لا يستلزم وقوعه.

وعن الثالث: أنّ المراد الترك، لقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]أو أنّ المراد النسخ، أو أنّ المراد نفي النسيان رأساً، كقولهم: «أنت سهيمي في ما أملك إلّا ما شاء اللَّه».

يب- قوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1].

والجواب: أنّه توجّع له في تحمّل المشقّة لرضا الزوجات بالمباحات، مع أنّ تحريم الحلال ليس معصية، وإلّا لكان الطلاق معصية، هذا خلف.

_____________

(1) الظاهر أنّ هذه العبارة ليست بحديث، وقد وجدناها في مواضع من البحار، منها ما ذكره المجلسي ضمن بيانٍ لرواية. راجع بحار الأنوار 73: 315.

(2) إشارة إلى‏ الآية 23 من سورة الأعراف:« وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين».

(3) بحار الأنوار 20: 189.

(4) هذا جواب للمناقشة الثانية التي أشار إليها في الصفحة السابقة: بقوله وأما ثانياً ....

(5) لم نعثر عليه بعينه ولكن روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام بهذا المضمون، انظر نور الثقلين 1: 276.

(6) جامع البيان في تفسير القرآن 12: 109، والتفسير الكبير 18: 120.

(7) الدر المنثور 4: 4.

(8) راجع التفسير الكبير 18: 117.

(9) راجع التفسير الكبير 18: 117.

(10) نقله السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء: 51، ونسبه إلى أبي الجبائي وغيره، وكذا الطبرسي في مجمع البيان 3: 241.

(11) راجع التبيان 6: 170- 171، والتفسير الكبير 18: 179.

(12) كنز العمال 3: 127، الحديث 5805، إلّاأ نّه فيه بدل حدادها: أحدّاؤهم.

(13) نقلت هذه القصة مع اختلاف يسير في الدر المنثور 5: 301- 302، وكذا نقلها الصدوق رحمه الله مع الرد عليها وتزييفها من قبل الإمام الرضا عليه السلام. راجع عيون أخبار الرضا 1: 193.

(14) لم نعثر على‏ هذه الرواية في الجوامع الحديثية حسب فحصنا بل عثرنا عليها في كتاب الإيضاح: 34 لفضل بن شاذان، وتفسير الكشّاف 4: 81، لكن فيه: من حدّثكم، وتفسير الصافي 4: 296، ولكن ليس فيه كلمة« جلدة».

(15) والقصة مذكورة في سورة ص: 33- 34« فقال إنّي أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي حتّى‏ توارت بالحجاب* ردّوها عليّ فَطَفِقَ مسحاً بالسوق والأعناق».

(16) لم نعثر عليه بعينه، انظر التفسير الكبير 26: 205.

(17،18) تنزيه الأنبياء: 95.

(19) راجع تفسير البيضاوي 2: 310.

(20) راجع تنزيه الأنبياء: 111.

(21) الأمالي للشيخ الطوسي: 267، المجلس العاشر، الحديث: 33.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.

جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع