المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7454 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « اليد »  
  
1891   12:52 مساءاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص277 – 321 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / أمارية اليد - اليد /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-4-2022 2211
التاريخ: 14-5-2022 1630
التاريخ: 18-9-2016 1484
التاريخ: 24-4-2022 1545

ومن القواعد المشهورة التي يتمسك بها في كثير من أبواب الفقه وتدور عليها احكام المعاملات كلها «قاعدة اليد» فبها تدور رحى المعاملات، وبها تنحل عقدها.

ويزيد هذا وضوحا ما ستعرف ان شاء اللّه من ان مرادنا من «اليد» ليس خصوص «يد الملكية» بل نبحث عن «اليد والاستيلاء» بمفهومها العام الشامل ليد المالك، والمستأجر، ومتولي الأوقاف، والمستعير، والودعي، وأشباههم؛ فان كيفية السلطة والاستيلاء على الأموال والمنافع مختلفة، تترتب عليها أحكامها كذلك، فالبحث لا يدور على دلالة اليد على الملك فقط بل يعمها وغيرها، فليكن هذا على ذكر منك.

و إذ قد عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه القاعدة أيضا يقع في مقامات:

المقام الأول- في مدرك القاعدة.

الثاني- في انها من الامارات أو الأصول العملية؟

الثالث- في انه بما ذا تتحقق اليد؟

الرابع- هل هي حجة حتى إذا كان متعلقها مما لا يجوز بيعه الا بمسوغ خاص، كالوقف ؟

الخامس- هل هي حجة ولو حدثت أولا لا بعنوان الملك؟

السادس- هل هي تستقر على المنافع والأعيان كليهما؟

السابع- هل يجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد؟

الثامن- هل هي حجة لصاحبها أيضا؟

التاسع- في عدم حجية يد السارق وشبهه.

العاشر- في حجية اليد في الدعاوي إلا ما يستثني.

1- في مدرك القاعدة وملاك حجيتها :

لا اشكال ولا كلام في حجية اليد ودلالتها على الملك في الجملة، وعليه إجماع علماء الفريقين بل المسلمين جميعا، بل كافة العقلاء من أرباب المذاهب وغيرهم.

و هذا الحكم على إجماله من ضروريات الدين؛ ولكن مع ذلك لا بد لنا من استقصاء الأدلة الدالة عليه لكي نرجع إليها في إزالة الشكوك الواقعة في حدودها، ونستريح إليها فيما وقع الكلام فيه من فروع القاعدة وجزئياتها.

فنقول ومن اللّه نستمد التوفيق والهداية، يدل على هذا الحكم اعنى كون اليد حجة على الملك أمور:

أولها: إجماع علماء الفريقين عليه بل ضرورة الدين كما عرفت.

هذا ولكن في الاستناد إلى الإجماع في هذه المسئلة التي يكون فيها مدارك كثيرة أخرى، الإشكال المعروف؛ من عدم كشفها عن قول المعصوم، بناء على ما اختار المتأخرون من أصحابنا رضوان اللّه عليهم من حجية الإجماع من طريق الحدس والكشف عن قوله عليه السّلام.

ثانيها- السيرة المستمرة من المسلمين في جميع الأعصار والأمصار على معاملة المالكية مع من بيده عين من الأعيان، فلا يتصرف فيها إلا بإذنه، كما انه يكتفى بإذنه في جواز‌ التصرف فيها، والاشتراء والاستيجار؛ وكذلك يمضى جميع تصرفاته فيها من الوصية والهبة وغيرها وتورث بمجرد ذلك، وهذا أمر ظاهر لا سترة عليه.

و لكن الظاهر ان هذه السيرة مأخوذة من بناء العقلاء، فتئول الى ما سنذكره في الدليل الثالث.

ومن هنا يعلم انه لا بد في الاعتماد عليها من ضم عدم ردع الشارع منه؛ فيعتمد عليها في موارد لا يوجد فيها ردع عموما أو خصوصا؛ ولو كانت سيرة المسلمين بما هم مسلمون لم يحتج اليه وهو واضح.

ثالثها- بناء العقلاء جميعا  ، من أرباب الأديان والملل وغيرهم، على ترتيب آثار الملك على اليد، وقد صار هذا الحكم مرتكزا في الأذهان، وراسخا في النفوس، بحيث يكون كالأمور الغريزية؛ بل لعله يوجد شي‌ء من آثار هذه الغريزة عند غير الإنسان من الحيوانات كما لا يخفى على من سبر أحوالها.

و هذا الحكم إنما ينشأ من المبادي الأولية في حصول الملك، فإنه نشأ حينما نشأ من ناحية الحيازة والاستيلاء على الأشياء التي توجد في عالم الطبيعة، وتكون فيها منافع الإنسان، ولا يمكن الحصول عليها في أي زمان ومكان بحيث يكون كثرتها رادعة له عن حيازتها.

فأول ما نشأ الملك في العالم نشأ من ناحية الحيازة والاستيلاء على شي‌ء، وهما يعتمدان على الجارحة المخصوصة اعنى «اليد» فكانت اليد هي الواسطة الأصلية في الملك، والوسيلة الابتدائية له، ثمَّ انه إذا ظفر الحائز عليه وجعلها تحت يده قد ينقلها من يده الى غيره ويجعلها تحت يده باختيار منه، أو بإرث أو نحو ذلك.

و من هنا كل من شاهد عينا بيد غيره؛ ورآه مستوليا عليها، رآه اولى بها.

فلم يكن الملكية في أول أمرها إلا هذه الأولوية الطبيعية التكوينية والاختصاص‌ الخارجي الناشي من الاستيلاء، فالمالك هو المستولي على شي‌ء خارجا.

ثمَّ بعد ذلك جعلت الأولوية الاعتبارية التشريعية التي هي من الأمور الاختيارية مكانها.

و قد أطلق في آيات الكتاب العزيز عنوان «الكاسب» على «اليد» فقال تبارك وتعالى {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] وفي موضع آخر {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41] ومن هنا تعرف نكتة التعبير عن هذه القاعدة بقاعدة «اليد» دون سائر الجوارح، فان الحيازة والاستيلاء، لا سيما بصورتها الابتدائية البسيطة، تكون باليد، فهي ممتازة عن سائر الجوارح في هذا الباب، فيحكم على «اليد» بالملك والضمان، والغصب؛ فيقال يد الملك، يد الضمان، ويد الغصب والاعتداء.

ثمَّ انه من الواضح ان ما يكون بيد الإنسان حقيقة لا يكون دائما بهذه الحالة، بل قد يدعه جانبا من يده، ولكنه يكون في مكان يقدر على أخذه كلما اراده؛ فيطلق «اليد» على هذا المعنى الذي في الحقيقة هو السلطة والاستيلاء فقط؛ فيقال انه تحت يده وهذا المعنى من «اليد» معنى أوسع من معناه الحقيقي أعني الجارحة المخصوصة.

و لا يهمنا البحث عن ان هذا المعنى صار من كثرة الاستعمال معنى حقيقيا لها؛ بحيث يراد من هذه اللفظة بلا قرينة أو معنى كنائي أو مجازي لها بعد، فإنه لو لم يكن من معانيها الحقيقية فلا أقل من كونه كناية واضحة أو مجازا مشهورا مقترنا بقرينة الشهرة وغيرها من القرائن الحالية، فلا ثمرة مهمة في هذا البحث، وقد صرح المحقق النحرير الشيخ محمد حسين الأصفهاني (قدس سره) في رسالته المعمولة في المسئلة انها حقيقة في الأول وكناية في الثاني وذكر في وجه ما اختاره ما لا يخلو عن الاشكال فراجع.

فتحصل من جميع ذلك ان كاشفية اليد عن الملكية أمر يقتضيها طبعها الاولى، ولذا لا يرى في هذا الحكم خلاف بين العقلاء جميعا مع اختلاف آرائهم وتشتت مذاهبهم‌ في غيره؛ واما الغصب والاستيلاء العدواني على شي‌ء فهو في الحقيقة انحراف عن هذه الطبيعة، وخروج عن مقتضى وضعها الاولى.

وسيأتي ان شاء اللّه ان الغصب والسلطة العدوانية مهما كثرت وشاعت لا يقدح في كاشفية اليد عن الملك حتى إذا كانت الأيدي العادية أكثر من الأيدي الامينة، وان الكاشفية في الأمارات- برغم ما ذكره غير واحد من المحققين- لا تدور مدار الغلبة دائما فتدبر.

رابعها- ان اليد لو لم تكن دليلا على الملك لزم العسر الأكيد، والحرج الشديد، واختل النظام   في أمور الدنيا والدين، وبلغ الأمر الى ما لا يكاد يتحمله احد، ولم يستقر حجر على حجر، ولا يحتاج لزوم هذه الأمور إلى مضى برهة طويلة من الدهر أو زمن كثير؛ بل يلزم ذلك من إلغاء حجية اليد ولو ساعة واحدة!.

والى هذا أشار الإمام عليه السّلام في رواية حفص بن غياث الواردة في جواز الشهادة بالملكية بمجرد اليد: «و لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» «1» ومن المعلوم انه إذا لم يقم لهم سوق لم يقم لهم بلد ولا دار، ولا شي‌ء من أمور دينهم ودنياهم، من معاشهم ومعادهم.

هذا ولكن في الاستدلال بالعسر والحرج واختلال النظام الاشكال المعروف، وهو ان لازمه الاكتفاء بما يندفع معه العسر ويرتفع اختلال النظام، لا حجيتها مطلقا، فلا يكفى مجرد ذلك في إثبات دلالة اليد على الملكية في جميع مواردها.

ولا بد  من حمل استشهاد الامام عليه السّلام بهذه القضية على بيان «حكمة» الحكم لا «العلة» له، فاختلال النظام حكمة للحكم بحجية اليد على الإطلاق لا علة لها، و‌إلا دارت مداره.

اللهم الا ان يقال ان «التبعيض» في ذلك بنفسه موجب للعسر واختلال النظام، لأنه لا تفاوت بين الأيدي المختلفة حتى تتبعض في الحجية، ولو كان هناك فرق وتفاوت فإنما هو بأمور لا يمكن جعلها فارقا في المقام؛ كما ان «التخيير» أيضا لا يرفع الغائلة، فلو قيل بان هذا اليد حجة دون اخرى كان أول النزاع والخلاف، وأول المخاصمة واللجاج، وكان فيه من الهرج والمرج ما لا يخفى.

فلا مناص من القول بحجيتها مطلقا، فاستدلال الامام عليه السّلام يكون من قبيل «العلة» للحكم كما هو ظاهره أيضا.

خامسها: السنة :

- وهي روايات كثيرة وردت في مختلف أبواب الفقه، بعضهم يدل عليها بالعموم وبعضها بالخصوص.

منها- رواية «حفص بن غياث» :

المعروف بين الفقهاء، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل أيجوز لي ان اشهد انه له قال عليه السّلام نعم، قال الرجل أشهد انه في يده ولا أشهد انه له، فلعله لغيره، فقال أبو عبد اللّه افيحل الشراء منه؟ قال نعم، قال أبو عبد اللّه فلعله لغيره، فمن اين جاز لك ان تشتريه؟ ويصير ملكا لك ثمَّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه؛ ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق- والرواية وان كانت غير خالية عن ضعف في سندها، الا انها منجبرة بعمل الأصحاب واستنادهم إليها؛ واستفاضا مضمونها (فتأمل).

وهي مشتملة على حجية اليد بأبلغ بيان؛ بل جواز الشهادة بالملكية بمقتضاها وانه كما يجوز ان يحلف الإنسان على كونه مالكا لما في يده، مع انه غالبا مسبوق بيان؟

غيره المحتملة للغصب ونحوه، فكذلك يجوز له الشهادة على ملك غيره بمجرد استقرار يده عليه ، وهذا هو منتهى المقصود في المسئلة.

الا ان «الشهادة» و«الحلف» هنا ليستا على الملكية الواقعية؛ بل على الملكية الظاهرية كما هو ظاهر، وبهذا يندفع ما قد يقال بأنه يعتبر في الشهادة العلم اليقيني المستند إلى أسباب حسية وليس في المقام كذلك.

ومنها- ما رواه يونس بن يعقوب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث :

«من استولى على شي‌ء منه فهو أولى» «2» الواردة في باب حكم اختلاف الزوج والزوجة أو ورثتهما فيما بأيديهم من أثاث البيت، دلت على ان كلا من الرجل والمرأة أحق واولى بمتاع البيت فيما استولى عليه.

والعجب من المحقق النائيني (قدس سره) حيث أسقط كلمة «منه» من الرواية ورواها هكذا «من استولى على شي‌ء فهو اولى» فصارت رواية عامة واعتمد عليها لإثبات هذه الكلية أعني حجية اليد مطلقا، مع انها مختصة بباب معين كما عرفت وقد نقلها المحقق الأصفهاني في رسالته مع لفظة «منه» ومع ذلك جعلها أحسن ما في الباب وهو أيضا عجيب.

اللهم الا ان يقال ان الحديث وان كان واردا في بعض مصاديق القاعدة الا أن إلغاء خصوصية المورد منه قريب جدا؛ ولا سيما بملاحظة ارتكاز الحكم في الذهن ومناسبة التعبير بقوله «من استولى» لعمومية الحكم بملاك الاستيلاء، فإنه من قبيل الوصف الذي علق عليه الحكم وهو دال أو مشعر بالعلية.

ومنها- ما رواه عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث فدك ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال لأبي بكر: اتحكم فينا بخلاف حكم اللّه؟!

قال: لا.

قال: فان كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة؟

قال: إياك كنت اسئل البينة على ما تدعيه على المسلمين.

قال عليه السّلام: فاذا كان في يدي شي‌ء فادعى فيه المسلمون تسئلنى البينة على ما في يدي؟!. الحديث. «3»

وهي ظاهرة بل صريحة في ان الوجه في عدم مطالبة البينة من ذي اليد هو كون اليد دليلا على ملكيته لا غير، وقوله عليه السّلام في الفقرة الأولى: كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه، ظاهره انهم يملكونه بمقتضى ظاهر اليد فليس قوله «يملكونه» زائدا على قوله «في يد المسلمين» بل هو نتيجة له، فهو شاهد آخر على دلالة اليد على الملكية.

ومنه يظهر ان حجية اليد ودلالتها على الملكية كان امرا ظاهرا مرتكزا في أذهان المسلمين وأهل العرف لا يقدر احد على إنكاره، فاحتج الأمير عليه السّلام به على ابى بكر، وإطلاق حكم اللّه عليه في صدر الرواية انما هو من ناحية إمضاء الشارع لهذا الارتكاز؛ وعدم ردعه عنه؛ لا انه حكم أسسه الشارع المقدس.

هذا ولكن الرواية دالة على حجية يد المسلم فقط، ساكتة عن غيرها؛ فلا بد من تكميل دلالتها على المدعى بإلغاء خصوصية المورد ونحوه.

و منها- ما ورد في جواز اشتراء المملوك عن صاحب اليد ، وان ادعى انه حر، مثل رواية حمزة بن حمران ادخل السوق فأريد ان اشترى جارية تقول إني حرة فقال اشترها الا ان تكون لها بينة؛ ومثله غيره. «4»

فان الحكم بجواز اشترائها مع ان الأصل يقتضي حريتها ليس الا بمقتضى اليد لعدم فرض أمارة أخرى على ملكية بائعها.

هذا ولكن التعدي عن موردها إلى سائر الموارد يحتاج إلى إلغاء الخصوصية، والا فهي رواية خاصة وردت في مورد خاص.

ومنها- ما رواه مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله (عليه السّلام) : كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة، أو العبد‌ يكون عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر فبيع، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى تستبين لك غير هذا، أو تقوم به البينة «5».

والوجه في دلالتها ان الحكم بالحلية في ما ذكره عليه السّلام من المثالين الأولين لا يصح الا بظاهر اليد السابق على يده، والا يكون أصالة عدم الملك في مثال الثوب وأصالة الحرية في مثال العبد قاضية بالحرمة بلا اشكال؛ فالحلية مستندة الى يد البائع في المثالين.

وفي دلالة الرواية على قاعدة الحلية المعروفة وتطبيقها على المثالين كلام مشهور في محله ذكره العلامة الأنصاري في ذيل أصالة البراءة وتبعه فيه غيره من المحققين في تعليقاتهم عليه فراجع؛ وعلى كل حال فذاك الكلام والاشكال أجنبي عما نحن فيه.

وكيف كان دلالتها على المقصود من ناحية المثالين، بالقرينة التي ذكرناها، ظاهر للمنصف، هذا وقد يقال في توجيه دلالتها على المدعى ان قوله: «لك» في قوله «كل شي‌ء هو لك حلال» قيد للمبتدإ، لا جزء للخبر، فالمعنى كل شي‌ء يكون لك ويدك ثابتة عليه فهو حلال إلخ، وعليه تكون الرواية دليلا على حجية يده لنفسه عند الشك في ملكيته لما تحت يده.

وفيه من التكلف والتعسف ما لا يكاد يخفى.

وقد تحصل من جميع ما ذكرنا ان العمدة في دليل حجية قاعدة اليد أولا هو ارتكاز أهل العرف وجميع العقلاء من أرباب الديانات وغيرهم، في جميع الأعصار والأمصار عليها، مع إمضاء الشارع لها، لا بمجرد عدم الردع عنها؛ بل بالتصريح بإمضاء هذه السيرة والارتكاز العرفي في غير مورد وترتيب آثارها عليها، وفي التالي لزوم العسر والحرج بل اختلال نظام المعاش والمعاد أيضا، واما غير هذين الدليلين فهو في الحقيقة تأييد وإمضاء لهما.

2- في انها من الامارات أو الأصول العملية؟

قد وقع الكلام بينهم في ان «اليد» حجة كسائر «الأمارات الشرعية والعقلائية» أو انها معتبرة كأصل عملي؟ ثمَّ وقع الكلام في وجه تقديمها على الاستصحاب وسائر «الأصول العملية» على القول بكونها من الأصول.

فذهب كثير من المحققين إلى أنها أمارة عقلائية أمضاها الشارع المقدس، ولكن يظهر من صدر كلام شيخنا العلامة الأنصاري الميل الى كونها أصلا تعبديا معتبرا لحفظ النظام واقامة الأمت والعوج، بينما يظهر من ذيله الميل الى كونها من الامارات، نظرا الى ان اعتبارها عند العقلاء انما هو لكشفها عن الملك غالبا والغلبة انما توجب إلحاق المشكوك بالغالب، فالشارع اعتبرها بهذا الملاك أيضا.

وقال المحقق النائيني بعد ما اختار كونها أمارة: «انه لا ثمرة مهمة في هذا النزاع، لتقدمها على الاستصحاب مطلقا، امارة كانت أو أصلا عمليا».

هذا والحق ان الذي يظهر مما ذكرنا آنفا عند بيان أدلة حجيتها ان العمدة في ملاك حجيتها انها كاشفة عن الملك لا لغلبة الا يدي المالكية على العادية كما ذكر غير واحد منهم، لما سيمر عليك من الإشكال في أمر هذه الغلبة؛ بل لان الملك مقتضى طبعها الأولى؛ فإن الملكية أول ما نشأت كانت كالأمور العينية الخارجية، لا الأمور الاعتبارية والتشريعية التي وعائها الذهن وعالم الاعتبار.

فحقيقة الملكية كانت هي الغلبة والسيطرة الخارجية على شي‌ء، والاختصاص الحاصل منه في عالم الخارج ؛ ومنشأ هذه السيطرة والاستيلاء كانت الحيازة التي تكون‌ باليد غالبا، فكل من اكتسب شيئا من المباحات بيده كان مسلطا عليه، مانعا لغيره من التصرف فيه بأنواع التصرفات، فأخذه بيده دليل على كسبه، وسبب للوصول الى جميع أنحاء التصرف فيه؛ هذه هي المرحلة الاولى من مالكية الإنسان للأشياء الخارجية.

ثمَّ انتقل الأمر من أخذ الإنسان العين الخارجي بيده الى جعله في محل تصل يده اليه كلما شاء؛ ويمنع غيره عنه كلما قصده، وهذه هي المرحلة الثانية لها.

وحيث ان ذلك اعنى جعلها تحت يده وفي حيطة تصرفه الخارجي دائما كان امرا صعبا، لأن الملكية ما زالت تكثر وتزداد وتتنوع، وكان المالك كثيرا ما يغيب عما يملكه ولا يمكنه نقل جميعها معه أينما ذهب، التجأوا إلى أمر أسهل وأوسع منه، وهو جعلها في شكل آخر اعتباري، لا خارجي تكويني، فجعلوا لها صورة قانونية تشريعية لا واقعية تكوينية، ومن هنا نشأت الملكية والسلطة الاعتبارية، والمعبر عنها باليد، وكانت هذه هي المرحلة الأخيرة للملكية.

فكانت اليد في شكلها الاعتباري القانوني دليلا على الملك كما كانت في شكلها التكويني الخارجي دليلا عليه بمقتضى طبيعتها الأولية.

ومن هنا تعرف انه لا يتفاوت الحال في أمر هذه الكاشفية بغلبة الا يدي المالكة على غيرها؛ مع ما في هذه الغلبة من الاشكال، لا لما ذكره المحقق الأصفهاني فقط من ان المسلم انما هو غلبة «اليد غير العادية» (أعم من يد المالكية والوكالة والوصاية وغيرها) لا اليد المالكة.

بل لان غلبة الأيدي غير العادية على العادية أيضا أمر غير معلوم، لا سيما في زماننا هذا، وكثير من الأزمنة السابقة عليه، فمن سبر التاريخ وعلم أحوال كثير من الملوك والخلفاء والأمراء وفوضاهم؟؟ في أموال اللّه وأموال الناس وخضمهم إياها خضم الإبل نبتة الربيع، واقتفاء تابعيهم- وهم الأكثرون ذلك اليوم- لا ثارهم ، ثمَّ انتقال هذه الأموال، لا سيما الضياع والعقار، منهم الى من بعدهم؛ جيلا بعد جيل، يعلم ان دعوى هذه الغلبة أمر مشكل جدا.

وقد كان بعض سادة اساتذتنا يقول في بحثه في غير هذه المسئلة ببعض المناسبات:

«ان كل ما يكون تحت أيدينا من الأرض والدار وشبههما قد جرت عليها من أول يوم إحيائها أيدي أناس كثير لا يعلمهم الا اللّه؛ وهل يظن كون جميع الا يدي الجارية على كل عين منها مالكة امينة غير عادية»؟ ومن الواضح ان واحدة منها في سلسلتها الطولية إذا كانت عادية لم تكن تلك العين مملوكة لمالكها الفعلي واقعا الآن، وان كانت ملكا له ظاهرا.

وأوضح من هذا كله حال أموال الناس وأملاكهم في زماننا هذا، الذي غلب عليه وعلى اهله الجور والاعتداء، يتقلب كل على غيره ويتملك أمواله له يوما بعنوان القهر والظلم، ويوما بعنوان بسط العدل والمساواة، ويوما تحت عنوان اجراء أصول الاشتراكية، ويوما بالربا، ويوما بالغش في المعاملة ويوما بالرشاء وبإشكال كثيرة أخر.

وان أبيت عن جميع ذلك وقلت بغلبة الا يدي الامينة على العادية في جميع ما ذكرنا، فافرض نفسك في صقع من الأصقاع وبلد من البلاد تكون الأيدي المالكة متساوية مع الأيدي الخائنة، فهل ترى من نفسك إسقاط اليد عن دلالتها على الملكية مطلقا وتعامل مع جميع الأموال التي بأيدي الناس هناك معاملة مجهول المالك، وهل يساعدك العقلاء وأهل العرف على ذلك، لو قلت به؟! هذا ولا غر وان يكون هناك امارة لا تدور مدار الغلبة، وان تعجب فعجب قولهم بحجية أصالة الحقيقة وتقديمها على احتمال المجاز، ولو كان الاستعمال المجازي بالنسبة الى بعض الألفاظ أغلب من استعماله الحقيقي، فهل ترى فرقا بينه وبين ما نحن فيه؛ والسر فيه أيضا هو ان دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي انما هي بمقتضى طبعها الاولى، وشرحه في محله.

وهكذا الحال في أصالة السلامة، الدائرة بين العقلاء؛ فإنها ليست من استصحاب الثابت حجيته بمقتضى اخبار لا تنقض، بل هي حجة من باب الظن الحاصل من مقتضى طبع الإنسان، فإنه يقتضي الصحة والسلامة، ولا ينافي ذلك مساواة المرضى والسالمين أحيانا.

بقي هنا أمور:

أحدها- ان التعليل الوارد في رواية حفص بن غياث وهو لزوم اختلال السوق وانحلاله على فرض عدم حجية اليد لا ينافي ما ذكرنا من كونها امارة وطريقا إلى الملكية، وذلك لما عرفت من انه لا منافاة بين الملاكين وان تكون حجيتها مستندة في المرتبة الاولى الى اقتضاء طبع اليد، وفي الثانية إلى لزوم حفظ النظام، والمنع عن الهرج والمرج، واى مانع من ان يكون في شي‌ء واحد ملاكان للحجية؟.

ثانيهما- ان تقديم البينة على اليد، في موارد قيامها، أيضا لا ينافي أماريتها ، كما ان تقديم قرينة المجاز على أصالة الحقيقة؛ ودليل التخصيص على أصالة العموم، وأشباههما، لا ينافي كون هذه الأمور حجة من باب الأمارية والطريقية إلى الواقع، لأن الامارات ليست متساوية الإقدام في كشف الواقع ؛ فرب امارة تكون أقوى من اخرى، فتقدم عليها؛ ولا شك ان البينة العادلة أقوى دلالة على الملكية من اليد، فاليد بطبعها الاولى وان كانت تقتضي الملكية إلا انه إذا كان هناك دليل أقوى يدل على انحرافها عن طبعها واستعمالها في غير محلها، فلا بد من الركون اليه، وهذا نظير تقديم الأظهر على الظاهر في باب الألفاظ.

فإذن لا نحتاج الى ما ذكره شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) من ان تقديم البينة عليها انما هو من جهة ان اليد تكون امارة على الملك عند الجهل بسببها، والبينة مبينة لسبب اليد؛ وبعبارة أخرى: مستند الكشف في اليد هي الغلبة، والغلبة انما توجب إلحاق المشكوك بالأعم الأغلب، اما إذا كان في مورد الشك أمارة معتبرة تزيل الشك تعبدا فلا يبقى مورد للإلحاق (انتهى).

وهذا البيان كما ترى راجع الى توجيه حكومة البينة على اليد، بتصرفها في موضوعها بإزالة الشك تعبدا، وفيه من الاشكال ما لا يخفى، لإمكان معارضته بمثله، والقول بأن حجية البينة انما هي عند الجهل بالملك، واليد تزيل هذا الشك (فتأمل).

ثالثها- ان اليد تقدم على الاستصحاب ولو قلنا بأنها من الأصول العلمية، وان الاستصحاب حجة من باب الامارة، والوجه فيه ما ذكره غير واحد من المحققين من انها اعتبرت في موارد الاستصحاب، وانها أخص أو كالأخص بالنسبة إليه، لأن ما لا يجرى فيه استصحاب عدم الملكية قليل جدا.

فلو لم تكن معتبرة في موارد استصحاب عدم الملكية لزم الوقوع فيما فر منه، وهو عدم بقاء السوق وبطلان الحقوق، واختلال أمر الدنيا والدين.

3- بما ذا تتحقق اليد قد عرفت ان حقيقة اليد هي الاستيلاء والسيطرة على الشي‌ء بحيث يمكن لصاحبها التصرف فيه كيفما شاء، والتغلب فيه كيفما أراد، فهي لا تتكيف بكيفية خاصة، بل تختلف باختلاف الحالات والمقامات؛ فربما يكون نحو من الاستيلاء محققا لليد في مقام ولا يكون كذلك في مقام آخر، أو بالنسبة إلى شي‌ء دون آخر؛ أو حالة دون اخرى؛ والمعيار في جميع ذلك هو العرف.

فقد تتحقق اليد بكون الشي‌ء في يد الإنسان حقيقة، كالفلوس إذا كانت في كفه.

واخرى تكون بالتعلق ببدن الإنسان، كالقميص الذي لبسه، والحذاء في رجله والمنظرة على عينه، والفلوس في كيسه؛ والشي‌ء على عاتقه.

وثالثة تكون بركوبه، كركوب الدابة أو ركوبه في محل خاص كالسائق للسيارة؛ فان استقراره في محله سبب لاستقرار يده عليها، دون غيره من الركاب.

ورابعة بأخذ زمامه كما يأخذ المكاري زمام الناقة وأمثالها، أو المشي في جانبه كما يمشى هو أيضا على جانب القافلة على الوضع الخاص لو كان.

وخامسة بالسكون فيه كسكون الإنسان في الدار وفي الدكان وشبهه.

وسادسة بكون مفتاحه بيده؛ وان لم يكن ساكنا فيه كما في الدور والخانات والدكاكين وغيرها إذا كانت غير مسكونة.

وسابعة بالعمل فيها بالمباشرة أو التسبيب كما في عمل الفلاحين في الأراضي الزراعية بالزرع وانحصاد وغيرهما، إذا لم يكن سبب آخر هناك تحقق سيطرتهم واستيلائهم عليها؛ الى غير ذلك من الأنحاء والاشكال التي يطلع عليها من سيبر موارد الملك بين العقلاء والعرف.

وغير خفي ان التصرف بنحو خاص في بعض الموارد كما في الدار محقق للسلطة والاستيلاء لا انه شرط زائد عليها، فما قد يتوهم من انه يعتبر في تحقق اليد التصرف بنوع خاص في جميع مواردها أو في بعضها مضافا الى السلطة والاستيلاء، توهم فاسد لا دليل عليه أصلا.

بل جميع ما ذكرنا من الأدلة السابقة ولا سيما سيرة العقلاء وأهل العرف دليل على نفى هذا الشرط، وكفاية حصول الاستيلاء على الشي‌ء بنحو يمكنه التصرف فيه كيفما شاء، وان لم يتصرف فيه أصلا، واما كون التصرف في بعض مواردها ومصاديقها محققا لهذا المعنى في الخارج فهو أمر آخر وراء اعتبار «التصرف» كأمر زائد على «الاستيلاء» ثمَّ انه قد يتعارض أنحاء اليد بالنسبة إلى أشخاص مسيطرين على شي‌ء واحد بأنحاء مختلفة، كما إذا تعارض دعوى راكب الدابة والأخذ بزمامها، وكل يدعى كونه مالكا، أو تعارض دعوى المشترى وصاحب الدكان في متاع يكون بيد المشترى في في دكان غيره فالمشتري يدعى انها ملكه اشتراها من غيره، وصاحب الدكان يدعى انها من أمتعته وهما في الدكان فلا يبعد ان يقال يكون كل منها ذات اليد عليه أحدهما من جهة كونه بيده حقيقة والأخر من جهة كونه في حيطة سلطانه واستيلائه ؛ وهذا ناش من تنوع اليد باختلاف المقامات وقد يكون بعض هذه إلا يدي أقوى من بعض وقد تكون متساويين فتتعارض ولحل هذه الدعاوي مقام آخر.

4- هل اليد حجة فيما لا يملك الا بمسوغ خاص العين التي تستقر عليها اليد لا تخلو من أنحاء ثلثة.

أحدها- ما يعلم بأنها قابلة للنقل والانتقال، ولكن يشك في تحقق سببه بالنسبة الى من في يده.

ثانيها- ما يشك في كونها طلقا أو غير طلق.

ثالثها- ما يعلم بأنها لم تكن طلقا وقابلة للنقل والانتقال الا بمجوز خاص؛ كالعين الموقوفة التي لا يجوز بيعها ولا شرائها إلا إذا طرء عليها الخراب أو خلف شديد بين أربابها (على المشهور).

لا إشكال في حجية اليد في القسم الأول، المعلوم قابليتها لذلك، لأنه القدر المتيقن منها، وكذا القسم الثاني لشمول إطلاقات الأدلة وبناء العقلاء والإجماعات له ، بل الغالب في موارد اليد هو هذا القسم ظاهرا وإخراجه عن تحت القاعدة يوجب الهرج والمرج واختلال النظام، ولا يبقى معه للمسلمين سوق؛ مع انه لا خلاف في شي‌ء من ذلك واما القسم الثالث فهو الذي وقع الخلاف فيه بين المحققين ممن قارب عصرنا، فاختار بعض عموم الحجية لها، واختار عدمه آخرون.

فممن ذهب الى الأول المحقق الأصفهاني في رسالته المعمولة في المسئلة؛ وممن ذهب الى الثاني المحقق النائيني في رسالته. وهو الأقوى.

وعليه لو شوهد العين الموقوفة في يد واحد بعنوان الملك واحتمل في حقه اشترائه لطرو الخراب عليها أو خلف شديد بين أربابه، لم يجز الاعتماد على مجرد يده في إثبات ذلك، بل كانت أصالة الفساد هنا محكمة.

وذلك لقصور أدلة حجيتها عن شمول مثله، فان عمدتها كما عرفت هي بناء العقلاء والسيرة المستمرة الدائرة بينهم، والاخبار والإجماعات الدالة على إمضاء هذه السيرة من ناحية‌ الشارع المقدس، ولا يشمله شي‌ء منها فان العقلاء من أهل العرف يقفون عن معاملة الملك مع عين موقوفة استولى عليها شخص أو أشخاص بعنوان المالكية، بمجرد احتمال وجود مسوغ في بيعها؛ بل يلزمون أنفسهم على البحث والتحقيق عن ذاك المسوغ، ويظهر ذلك بأدنى مراجعتهم.

واما الإطلاقات الواردة في الشرع، مضافا الى أنها ناظرة إلى إمضاء هذا البناء، بنفسها منصرفة عن مثله، لا أقل من الشك وهو كاف في اجزاء أصالة الفساد.

والسر في جميع ذلك ما عرفت من ان دلالة اليد على الملكية شي‌ء يقتضيها طبعها الاولى وظاهر حال اليد؛ والمفروض ان هذا الطبع قد انقلب في موارد الأعيان الموقوفة وشبهها، لان طبيعة الوقف تقتضي أن تكون محبوسة تترك في أيدي أهلها، لا تباع ولا تورث، فجواز النقل والانتقال انما هو أمر عارضي لها، مخصوص بصور معينة محدودة، وبعبارة أخرى جواز بيع الوقف انما هو في صورة الضرورة والاضطرار لا غير.

ومن المعلوم ان إثبات ذلك الأمر العارضي يحتاج الى دليل خاص ومجرد اليد لا تكفي لإثباته كما عرفت.

وما قد يقال من ان اليد من الامارات، وهي تثبت أسبابها ولوازمها، فهي تثبت ان محلها كانت قابلة للملكية، ممنوع جدا فان ذلك، لو قلنا به، انما هو في موارد يشملها دليل حجيتها، وقد عرفت قصورها، وإثبات توسعة دليلها بذلك يوجب الدور الواضح.

هذا كله فيما يعلم كونه وقفا، واما في موارد الشك فالحق- كما عرفت- حجية اليد فيها فإن الأعيان الخارجية بطبعها الاولى قابلة للنقل والانتقال، واما حبسها وإيقافها فهو أمر عارضي لها يحتاج إثباته إلى دليل، ولكن هذا الأمر العارضي إذا عرض في محل فصار من الأعيان الموقوفة كان عدم الانتقال كالطبيعة الثانية له، فلا يتعدى عنه الا بدليل.

وإذ عرفت ذلك فلنرجع الى دليل المخالف والجواب عنه :

قال المحقق الأصفهاني في رسالة المعمولة في قاعدة اليد بعد اختيار عموم دليل الحجية للمقام ما حاصله : «ان ملاك الحجية وهي غلبة الأيدي المالكية في مقابل غيرها (على مختاره) محفوظ في المقام، وغلبة بقاء الأعيان الموقوفة على حالها، لندرة تحقق المسوغ؛ وان كانت ثابتة لا تنكر؛ ولكنها انما هي في اليد التي ثبتت على الوقف حدوثا إذا شك في بقائها على حالها أو انقلابها يد الملك، واما في مورد البحث المفروض انقطاع اليد السابقة على الوقف فيها وحدوث يد اخرى يشك في انها على الملك أو الوقف، فلا مجال لتوهم بقاء اليد على حالها، فان غلبة كون الأيدي مالكية شاملة له ولا وجه للعدول عنها؛ وإذ قد ثبت ملاك طريقة اليد هنا فلا وجه لمنع شمول الإطلاقات له، وليست الخدشة فيه الا كالخدشة في سائر المقامات».

ثمَّ قال: «بل يمكن ان يقال بناء على كون اليد أصلا ان اليد تتكفل لإثبات أصل الملكية، وحيث انها عن سبب مشكوك الحال من حيث استجماعه لشرط التأثير وهو المسوغ لبيع الوقف فأصالة الصحة في السبب الواقع بين مستولى الوقف وذي اليد تقضى بصحة السبب كما بنينا عليه في أصالة الصحة، فإنها مقدمة على الأصول الموضوعية الجارية في موردها، ومنها أصالة عدم المسوغ» انتهى ملخصا.

أقول- فيه أولا ما عرفت سابقا من ان ملاك حجية اليد ليس غلبة الأيدي المالكية، بل الملاك فيها ظهور حال اليد وهو مقتضى طبعها الاولى، ونظيره في ذلك حجية أصالة الحقيقة، فإنها ليست من باب غلبة الحقيقة على المجاز بل هي حجة- ولو كانت المجازات أكثر- وقد مر توضيحه بما لا مزيد عليه.

وثانيا- ان هذه الغلبة قد انقلبت في الأعيان الموقوفة فإن الغالب في الأيدي الجارية عليها حدوثا أو بقاءا بأي نحو كانت هو عدم المالكية، والفرق بين اليد السابقة والحادثة لا وجه له؛ فان جميعها تجرى على العين الموقوفة، ولحاظ الغلبة انما هو في المجموع من حيث المجموع فإنها تشترك في جريانها على العين الموقوفة.

وثالثا- ما ذكره من تتميم الاستدلال بها، بناء على كونها من الأصول العملية، بأصالة الصحة في البيع الواقع من متولي الوقف وذي اليد، ممنوع؛ لما أشرنا إليه في- المجلد الأول من هذا الكتاب في باب قاعدة الصحة من عدم جريانها في أمثال المقام فراجع.

5- هل اليد حجة ولو حدثت لا بعنوان الملك؟

لا إشكال في حجية اليد ودلالتها على الملك إذا كانت من أول أمرها مشكوكة.

كما انه لا إشكال في حجيتها إذا كانت مسبوقة بالملك ولكن شك في خروجها عنه بقاءا.

اما إذا كانت اليد حادثة لا بعنوان الملك، كما إذا كانت يد إجارة أو عارية أو عدوان ثمَّ شك في انقلابها ملكا؛ ففيه كلام بين الاعلام، والذي اختاره غير واحد من المحققين هو عدم الحجية ، وغاية ما يقال في وجهه أمران :

الأول - ان ملاك حجيتها وهو الغلبة والكاشفية النوعية منتف هنا، فإنها تختص بما إذا لم يعلم حدوثها على غير الملك ؛ واما إذا حدثت على غير الملك فلا تكون لها هذه الكاشفية، بل الغالب في هذه الموارد بقائها على عنوانها الذي كانت عليه، من الإجارة وغيرها، فمع هذه الغلبة الطارية يزول الحكم السابق ؛ ومنه يعلم انصراف الإطلاقات عنه أيضا.

والشاهد على هذا جريان سيرة العقلاء على أخذ السجلات من المستأجرين وغيرهم بقبول الإجارة وغيرها، وليس ذلك إلا لأجل إسقاط أمارية اليد عن الدلالة على الملكية حتى يكون المستأجر محتاجا إلى إقامة الدليل ان ادعى ذلك.

الثاني- انها انما تكون امارة بما أنها مشكوكة الحال؛ ولكن استصحاب الحالة السابقة في المقام يخرجها عن كونها مشكوكة بحكم الشارع المقدس، ويدل على عدم كونها يد ملك؛ فلا تكون امارة.

وبعبارة أخرى: اليد انما تكون امارة مع انحفاظ موضوعها، وهو كونه مشكوك الحال، ومع جريان الاستصحاب ينتفي موضوعها، ولا يبقى مجال للإشكال بأنه كيف يقدم الاستصحاب وهو من الأصول العملية، على اليد وهي من الامارات ؟

فإن تقدم‌ الامارة على الأصل انما هو فيما إذا كانا جاريين في مورد واحد، اما إذا كان الأصل جاريا في موضوع الامارة ومنقحا له فلا إشكال في تقديمه عليها.

أقول- هذا غاية ما يمكن ان يقال في وجه عدم حجية اليد هنا ولكن فيه :

أولا- ان ما ذكر من بناء العقلاء مسلم إذا كان العين موردا للتشاح والتنازع، بان ادعى المالك الأصلي أنه مالكها فعلا، وادعى المستأجر أو المستعير انتقاله اليه ببيع أو نحوه وان يده فعلا يد ملك، فان الاعتماد على يده في قبال المالك الاولى هنا غير معلوم، بل يطالبونه بالدليل على كون يده فعلا يد ملك بعد ما كانت غيره، وما ذكر من جريان سيرة العقلاء، على أخذ السجلات من المستأجرين وغيرهم أيضا ناظر الى هذه الصورة.

واما لو لم يكن هناك منازعة وتشاح؛ بان رأينا المستأجر السابق مستوليا على العين استيلاء المالك على ملكه، يتصرف فيها كيفما شاء؛ يبيعه أو يهبه، فعدم الاعتماد على يده غير معلوم، كيف وليس حاله اسوء مما إذا شاهد ناعينا في يد واحد ثمَّ شاهدناها في يد آخر يعمل فيها عمل المالك في ملكه، فإنه لا ينبغي الشك في الاعتماد، على يده، كيف والغالب في الأيدي سبقها بيد الغير قطعا؛ اما تفصيلا أو إجمالا، فهل يمكن القول بان سبق يد الاستيجار مثلا اسوء حالا من سبق يد الغير؟! نعم لو كان المدعى للملكية متهما في دعواه أمكن الإشكال في الاعتماد على مجرد يده، ولكنه لا يختص بهذا المقام بل يجري في جميع موارد التهمة كما مر نظيره في باب أصالة الصحة وسيجي‌ء في مورد قاعدة اليد أيضا ان حجيتها في الأيدي المتهمة، بما سيذكر لها من المعنى، غير معلومة.

ولا يتوهم ان ركون العقلاء على اليد فيما ذكرنا انما هو من باب أصالة الصحة في الأفعال الصادرة عن الغير، فان ما ذكرنا ثابت ولو لم يكن هناك فعل يحمل على الصحة فتدبر.

وثانيا- ان ما ذكر من جواز التمسك باستصحاب الحالة السابقة وانه رافع لموضوع اليد؛ ممنوع أشد المنع، لان الاستصحاب لا يرفع الشك عن حال اليد؛ والمفروض ان‌ ظاهر اليد أولا وبالذات هو اليد المالكة، وهذا الظهور من قبيل الامارات فكيف يمكن صرف النظر عنه بمجرد استصحاب بقاء اليد على وضعها السابق، والانصاف ان مثل هذا عن المحقق النائيني (قدس سره) عجيب.

هذا ولكن لا يبعد تخصيص ما ذكرنا من جواز الاعتماد على اليد هنا بما إذا لم يكن مسبوقا بيد العدوان، فإنها من الأيدي المتهمة التي لا يمكن الركون إليها، وان ادعى صاحبها انقلابها الى يد الملك كما أشرنا إليه آنفا وسيجي‌ء مزيد توضيح له عن قريب ان شاء اللّه.

6- هل اليد تعم المنافع والأعيان؟

لا إشكال في تعلق اليد بالأعيان، ودلالتها على الملكية لها، انما الكلام في تعلقها بالمنافع، المحكى عن الفاضل المحقق النراقي قده اختصاصها بالأعيان وعدم تعلقها بالمنافع، واختار غير واحد من أكابر المتأخرين إمكان تعلقها بالمنافع أيضا.

ومحل النزاع الذي يترتب عليه الثمرة ما إذا تعلق اليد بها استقلالا لا تبعا للعين، بحيث تكون المنافع- مع قطع النظر عن العين- تحت اليد، أو إذا كانت تبعا للعين ولكن كان هناك دليل على عدم مالكية العين، فتظهر الثمرة في دلالة الاستيلاء التبعي للمنافع على ملكيتها وعدمها.

ففي هاتين الصورتين يتصور الثمرة العملية لهذا النزاع.

وإذا قد عرفت ذلك فاعلم ان تعلق اليد بالمنافع مستقلا أمر غير معقول وان مال اليه أو اختاره بعض المحققين كما حكى، لعدم إمكان الاستيلاء الخارجي عليها؛ من غير طريق الاستيلاء على نفس الأعيان، فإنها في نفسها من الأمور العرضية، ولا استقلال لها في الوجود، فلا استقلال لها في وقوعها تحت اليد، وكيف يستولي عليها استقلالا مع انها في ذاتها مما لا يوجد مستقلا؟.

وما يحكى من التمثيل لها بالمزارع الموقوفة التي تكون بأيد المتولين، فتصرف منافعها في حق الموقوف عليهم وتعطى ثمراتها بايدهم ، فلهم اليد على منافعها دون أعيانها، واضح الفساد- كما افاده المحقق الأصفهاني (قدس سره) في رسالته- فان مثل هذه المنافع من الأعيان، خارجة على محل الكلام. والكلام في المنافع المقابلة للعين.

وكذلك ما قد يقال بإمكان تصويرها في الاستيلاء على حق الاختصاص بمكان من المسجد ونحوه من المدارس والخانات الموقوفة، ففي هذه الموارد لا تكون المسجد وغيره تحت اليد، بل الذي يكون تحتها هو نفس حق الاختصاص.

وفساد هذا أيضا بين، فان حق الاختصاص ليس من المنافع ولا يقع تحت اليد، بل هو أمر اعتباري نظير الملكية ومرتبة نازلة من السلطنة على العين، فهو من آثار اليد على العين بنحو خاص، لا متعلقا لها واقعا تحتها، والحاصل ان الاستيلاء في هذه المقامات انما هو على نفس المسجد والمدرسة والخان وشبهها ولكنه بنحو يكون مؤثرا في وجود نوع خاص من الحق وكاشفا عنه، لا الملكية، لعدم قابلية المورد.

والانصاف ان عدم إمكان تعلق اليد بالمنافع مستقلا أوضح من ان يحتاج الى أكثر من هذا البيان.

فيبقى الكلام في إمكان وقوعها تحت اليد بتبع الأعيان حقيقة، بأن تكون اليد على العين من قبيل الواسطة في الثبوت، لا من قبيل الواسطة في العروض، حتى يكون من باب المجاز والمسامحة؛ ثمَّ بعد إمكان ذلك ثبوتا يقع الكلام في قيام الأدلة عليه ودلالتها على حجية مثل هذا اليد إثباتا.

وتنقيحه يحتاج الى توضيح حقيقة المنفعة المقابلة للعين، فقد يتوهم انها نفس صرف الشي‌ء، في الطرق المقصودة التي لها أثر في شأن من شئون الحياة، وبناء عليه هي من الأمور التدريجية توجد شيئا فشيئا ولا تقع تحت اليد إلا باستيفائها، واستيفائها مساوقة لإعدامها، فما لم تستوف لم تقع تحت اليد وإذا استوفيت انعدمت، فلا فائدة ولا أثر في البحث عن وقوعها تحت اليد تبعا.

هذا ولكنه توهم فاسد لان ذلك هو «الانتفاع» وهو قائم بأمرين: العين؛ ومن يستوفي منها، واما المنفعة التي هي مقابلة للعين، قائمة بالعين فقط، استوفيت أم لا، ويقع عليها المعاوضة في باب الإجارة وأمثالها هي نفس قابلية العين لصرفها في مصارف خاصة، فإن هذا هو الذي يمكن تمليكها في باب الإجارة ويمكن قبضها وإقباضها ولو بتبع العين.

ومن الواضح ان هذا المعنى من المنفعة من الأمور القارة الثابتة خارجا استوفيت‌ أم لا؛ وبناء عليه تقع تحت اليد ولو بتبع العين، فالاستيلاء على الشي‌ء يمكن ان يكون استيلاء على منافعة حقيقة وبالذات، على نحو الواسطة في الثبوت لا مجازا وبالعرض على نحو الواسطة في العروض.

وإذ قد فرغنا عن تصوير ذلك ثبوتا فالحق انه لا مانع من شمول أدلة حجية اليد لها، لما قد عرفت من ان عمدتها بناء العقلاء؛ ومن الواضح ان ملاكه عندهم أعم من العين ومنافعها.

تظهر الثمرة فيما إذا علم من الخارج ان استيلاء الشخص الفلاني على عين خاص ليس استيلاء مالكيا فتسقط يده عن الدلالة على الملك، ولكن تبقى يده على المنافع دليلا على ملكه لها.

هذا ولكن يمكن ان يقال: بان استقرار اليد على عين له أنحاء مختلفة :

فقد يكون الاستيلاء عليها استيلاء ملك، وقد يكون استيلاء اجارة، وقد يكون استيلاء عارية، أو استيلاء تولية كما في الأوقاف، الى غير ذلك.

فاليد في جميع ذلك تعلقت بنفس العين لا غير، ولكنها ذات أنحاء مختلفة، واليد أولا وبالذات لو لا قرينة على خلافها دليل على الملك فاذا سقطت عن الدلالة عليه بقرينة خارجية في مورد خاص لا مانع من دلالتها على انها بنحو آخر من أنحاء الأيادي الامينة وانها ليست بيد عدوان.

ففي مورد البحث إذا سقطت اليد عن الحجية على الملك يبقى ظهورها في دلالتها على انها استيلاء إجارة أو نحوها فما يقتضي «ملك المنافع» محفوظة.

ثمَّ انه لو قامت قرينة خاصة على انها ليست كذلك أيضا يبقى ظهورها في دلالتها على انها استيلاء يقتضي «ملك الانتفاع» محفوظة.

و الحاصل ان المستند في جميع ذلك هو ظهور اليد المتعلقة بالعين وحجيتها، لا حجية اليد المتعلقة بالمنافع، فاذن لا حاجة الى إثبات إمكان تعلق اليد بالمنافع لا استقلالا ولا تبعا للعين ولا يبقى للنزاع هنا ثمرة عملية واللّه العالم.

7- هل تجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد؟

قد وقع الخلاف بينهم في كتاب الشهادات في جواز الشهادة على الملكية بمشاهدة اليد ولو لم توجب علما، بعد الاتفاق على كفايتها في الدلالة على الملك- وذلك من جهة اعتبار العلم اليقيني الحسي في موضوع الشهادة، بمقتضى ما ورد في محله من عدم جوازها الا ان يراه مثل الشمس كما روى عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم، أو يعرف كما يعرف الكف كما روى عن الصادق (عليه السّلام) الى غير ذلك ومن المعلوم ان اليد بمجردها لا توجب علما.

هذا ولكن المشهور، جواز ذلك، بل قد يدعى الإجماع عليه كما حكاه في الجواهر، واولى منه ما إذا انضم الى اليد التصرفات الحاكية عن الملك؛ كالتصرف بالبناء والهدم والإجارة وغير ذلك مع عدم وجود منازع، فان الحكم بكفايتها، بل كفاية نفس هذه التصرفات في جواز الشهادة بالملك، أشهر.

واولى منهما ما إذا انضم إليهما الاستفاضة (اى استفاضة استناد الملك الى المتصرف الذي بيده المال) فقد وقع في جملة من عبارات القوم الإجماع على جواز الشهادة بالملك مع اجتماع «الثلاثة» وانه أقصى الممكن في الشهادة عليه.

والبحث هنا يكون من ناحيتين: من ناحية الأدلة العامة الكلية، ومن ناحية الأدلة الخاصة الواردة في خصوص محل البحث.

اما الأول فحاصله انه هل يمكن الحكم بقيام الامارات- ومنها اليد وشبهها- مقام العلم المأخوذ في الموضوع بمجرد دليل اعتبارها أم لا؟

والانصاف عدم كفاية نفس أدلة حجيتها في ذلك، لا من جهة لزوم اجتماع اللحاظين واستحالته إذا كانت أدلة الحجية ناظرة إلى تنزيل مؤدى الأمارة منزلة الواقع، وتنزيل نفسها منزلة العلم.

لما ذكرنا في محله من عدم استحالة ذلك أصلا.

بل من جهة ظهور أدلتها في تنزيل المؤدى فقط وانصراف إطلاقاتها اليه وعدم النظر الى تنزيل نفسها منزلة العلم.

وما قد يقال من الفرق بين العلم المأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية، والمأخوذ فيه على وجه الطريقية؛ بجواز ذلك في الثاني دون الأول، كما قد يستظهر من عبارات شيخنا العلامة الأنصاري في باب القطع من الرسائل (و ان حكى عنه في بعض تحقيقاته فيما كتبه في القضاء عدم جواز ذلك من دون تفصيل) فهو مما لا محصل له ولا دليل على هذه التفرقة بل يرد عليه:

أولا- ان أخذ العلم في الموضوع على نحو الصفتية مجرد فرض لا يظن وقوعه في شي‌ء من الأدلة الشرعية، فإن النظر الى العلم دائما تكون من ناحية ارائته للواقع، ولا ينظر اليه بما هو صفة من صفات صاحبه.

وبعبارة اخرى انما يؤخذ العلم في الموضوع بملاك انه نور لغيره (و كونه نورا لصاحبه مستندا الى ذلك) فكلما أخذ في الموضوع كان بهذا الملاك، وان كان فرض أخذه بما انه صفة خاصة لصاحبه غير مستحيل ولكنه كما عرفت مجرد فرض.

وثانيا- ان أخذه في الموضوع على نحو الطريقية دليل على ان هذه المرتبة من اراءة الواقع يقوم بها الملاك ولذا لا يكتفى بما دونه من المراتب من الظن وغيره حتى الظن القوي الا ان يبلغ حد الاطمئنان الذي يسمى علما عرفا.

نعم لو قام دليل على اعتبار شي‌ء من الظنون وتنزيله منزلة العلم من جهة الاثار المترتبة على نفس العلم والظن، كان حاكما على تلك الأدلة الدالة على أخذ العلم في موضوع حكم، ولما كانت أدلة حجية الظنون ظاهرة في تنزيل نفس المؤدى فقط لم يجز الركون إليه في ذلك.

وقد يقال: ان كثرة إطلاق العلم والمعرفة على الأمارات الظنية سندا ودلالة ؛ دليل على انها منزل منزلة «العلم» عند الشارع المقدس، مثل ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة:

من روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا إلخ وقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (يعنى حتى تعلموا) مع ان مجرد الرجوع الى أهل العلم لا يفيد بما هو الا الظن، الى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع .

وفيه أيضا: ان إطلاق العلم والمعرفة في هذه الايات أو الروايات على الظن غير معلوم، والحاقه به في بعض الموارد لعله من باب كشف الملاك وإلغاء الخصوصية عرفا.

هذا مضافا الى انه لو سلم ذلك في غير المقام ففي المقام ممنوع، لعدم مقاومته هذا الظهور الضعيف لمثل قوله عليه السّلام حتى تعرفها كما تعرف كفك وقوله (صلى الله عليه واله) هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع! فتأمل.

وقد يقال في تصحيح قيام الامارات فيما نحن فيه مقام العلم: بأن الملكية ليست من الموضوعات الواقعية بل هو أمر انتزاعي من جواز جميع التصرفات (كما اختاره شيخنا العلامة الأنصاري قده) أو أمر اعتباري عقلائي كما اختاره بعض آخر؛ وعلى اى حال يحصل العلم الوجداني بها بمجرد «اليد»، لأن الاحكام التي تنزع منها الملكية حاصلة بسبب اليد، كما ان الاعتبار الشرعي أو العقلائي حاصل بمجردها، فبذلك تتحقق واقع الملكية فإنها ليست الا هذه الأمور وقد تحققت.

وهذا القول أيضا ممنوع، وذلك لان الملكية سواء جعلناها من الأمور الانتزاعية أو الاعتبارية، لها واقع وظاهر، فاذا كانت أسبابها الواقعية موجودة فالملك ملك واقعي والا كان ظاهريا فعليا، نظير سائر الأحكام الظاهرية، ومن الواضح ان ظاهر أدلة الشهادة اعتبار العلم الوجداني بالواقع، لا بمجرد الحكم الظاهري؛ فالعلم الوجداني بالملكية الظاهرية بحكم اليد أو البينة وسائر الأمارات غير كافية فيها.

فتحصل من جميع ما ذكرنا عدم إمكان تصحيح جواز الركون على اليد في الشهادة على الملك بمقتضى الأدلة العامة.

واما الأدلة الخاصة فعمدتها رواية حفص بن غياث السابقة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا رأيت شيئا في يدي رجل ا يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال نعم، قال الرجل:

انه في يده ولا أشهد انه له، فلعله لغيره؛ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فيحل الشراء منه؟ قال نعم، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فلعله لغيره؛ من اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثمَّ تقول بعد ذلك الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك؟

ثمَّ قال الصادق عليه السّلام: لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق.

وهذه الرواية وان كانت ضعيفة السند الا ان الشهرة والإجماعات المنقولة جابرة لها كما عرفت؛ لان الظاهر ان مستند المشهور في هذا الفتوى هو هذه.

واما المصحح المروي عن على بن إبراهيم في تفسيره في حديث فدك: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال لأبي بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّه تعالى في المسلمين؟ قال لا. قال فان كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادعيت انا فيه، من تسئل البينة؟ قال إياك اسئل البينة على ما تدعيه على المسلمين. قال: فاذا كان في يدي شي‌ء فادعى فيه المسلمون تسئلنى البينة على ما في يدي وقد ملكته في حيات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وبعده، ولم تسئل المؤمنين البينة على ما ادعوه على كما سئلتنى البينة على ما ادعيته عليهم؟ (الحديث) فهو أجنبي عن المقصود لأنه دليل على حجية «اليد»، وعدم حاجة صاحبه إلى البينة وكونه منكرا في مقام الدعوى، ومخالفه مدعيا، واما جواز الشهادة على الملك بمجردها فليس فيه منه عين ولا اثر.

وكذلك الروايات الواردة في حكم تعارض البينات وتقديم بينة ذي اليد أو تقديم بينة الخارج على غيرها أجنبية عما نحن بصدده.

فاذن يكون العمدة في هذا الفتوى ما عرفت من رواية حفص.

هذا وقد قام بعض من خالف المشهور، أو توقف في المسئلة بنقد الرواية والإيراد‌ عليها عقلا، وتضعيفها سندا، وصرف فتاوى المشهور عنها، منهم الشيخ الأجل صاحب الجواهر (قدس سره) فقد بالغ فيه حتى جعل هذا الحكم غير قابل لمجي‌ء الخبر به عقلا لرجوعه الى جواز التدليس والكذب في أخذ أموال الناس!.

هذا ونحن بعون اللّه، نبدء بتفسير الرواية وكشف مغزاها أولا؛ ثمَّ نرجع الى ما أورده صاحب الجواهر وغيره وما يمكن ان يقال في دفعها انتصار المذهب المشهور ثانيا.

اما الأول فحاصله انه عليه السّلام استدل بجواز شراء ما في اليد على جواز الشهادة تملك ما في اليد لصاحبها، وهذا الاستدلال عند بادي النظر مما لا يمكن المساعدة عليه لوضوح الفرق بين المسئلتين، فان جواز الشهادة ليس من آثار الملكية، بل من آثار نفس العلم بها؛ ومن المعلوم ان اليد بمجردها لا تعطى علما فكيف يجوز حمل أحدهما على الأخر؟

ولكن التأمل الصادق يشهد بأنه عليه السّلام لم يستدل بمجرد جواز الشراء بل استدل بجوازه مع ترتيب آثار الملك عليه، حتى في مقام الدعوى يدعى انه ملكه ويحلف على الملكية في مقابل خصمه، واى فرق بين بينة المدعى وحلف المنكر؟ فكما ان الشهادة على الملكية من آثار العلم كذلك الحلف عليها يكون من آثاره، فلو لم يجز أحدهما لم يجز الأخر، ولنعم ما قال عليه السّلام في هذا المعنى: «من اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثمَّ تقول بعد ذلك: هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك؟».

ولو قيل انه لا يجوز للمالك إذا كان الحال هذا؛ الحلف على نفس الملك بل عليه ان يحلف على السبب وهو شرائه من ذي اليد المحكوم ظاهر بالملك فلا يجوز الاستدلال بالحلف، على جواز الشهادة.

قلنا الظاهر ان هذا هو الذي أجاب عنه عليه السّلام في ذيل كلامه بقوله: لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق، وحاصله- واللّه ورسوله وأوليائه اعلم- انه لو لم يجز الاعتماد على اليد في إثبات الملكية والحلف عليها لم يقم للمسلمين سوق فان الغالب في الاملاك كونها مسبوقة بيد الغير فغاية ما يمكن الحلف عليه هو الحلف على وقوع السبب مثل‌ البيع، ومن المعلوم ان مجرد وقوع البيع على ما بيد الغير لا يوجب علما بانتقال المال اليه قطعا بعد عدم العلم بكون البائع نفسه مالكا وعدم دليل عليه الا اليد التي لا تفيد علما.

فالشهادة والحلف على الملك الواقعي القطعي غير ممكن إلا في موارد شاذة، فلو قلنا بحصرهما على خصوص هذه الموارد ما قام للمسلمين سوق، وأمكن ادعاء كل احد على غيره ولم يمكن له إثبات حقه لا من طريق إقامة البينة ولا من طريق الحلف (كل في مورده) ومقتضى ذلك اختلال النظام وعدم قيام السوق على أساسه ففي الحقيقة الشهادة والحلف لا تكونان الا على الملك الظاهري القطعي الثابت بمقتضى اليد ولا يعتبر هنا أزيد من ذلك.

ومن الواضح انه لا يلزم الكذب والتدليس وابطال الحقوق من الشهادة على الملك بمجرد اليد هنا، بعد قيام هذه القرينة العامة الظاهرة عليها فتدبر جيدا.

فهذا الحديث الشريف اللائح منه آثار الصدق دليل على المطلوب مع برهان عقلي متين أورده الإمام عليه السّلام في خلاله.

ولعله الى ذلك يشير ما عن كاشف اللثام من «تشبيه الشهادة بمقتضى الطرق الشرعية بالشهادة على الأسباب الشرعية فإنها أيضا محتملة للفساد كما يحتمل الطرق التخلف» وان استغربه في الجواهر وأورد عليه بالفرق بينهما، ولكن يندفع الاشكال عنه بما أشرنا إليه في تفسير «الحديث»، فكأنه (قدس سره) في هذا الاستدلال اقتبس من نوره، واقتفى أثره، فأورده منازل الصدق والحق.

وإذ قد عرفت ذلك تعرف ان جميع ما أورد على هذا الحكم من الإيرادات كلها قابلة للذب وهي أمور:

منها: ما افاده المحقق (قدس سره) في الشرائع من ان اليد لو أوجبت الملك (واقعا) لم تسمع دعوى من يقول: الدار التي في يد هذا لي، كما لا تسمع لو قال ملك هذا لي» انتهى.

وفيه ان جواز الشهادة بالملك بمجرد اليد لا يلازم كون الملك في موردها ملكا واقعيا كما عرفت، فقول المدعى: «الدار التي في يد هذا لي» صحيح مسموع إذا أمكنه إثباته بموازين شرعية، ترجح على اليد، فلا تناقض في دعواه، بخلاف قوله «ملك هذا لي» فإنه تناقض ظاهر.

ومنها: ان مراد حاكى الإجماع في المسئلة هو الإجماع على دلالة اليد على- الملكية لا الإجماع على جواز الشهادة بمجردها، ومن المعلوم عدم كفاية في المسئلة، بل إذا أمكن حمل الشهرة الجابرة لها عليه أيضا كان من حسن الظن المأمور به، ضرورة ان المعنى المزبور (اى الاكتفاء باليد في الشهادة على الملك) غير قابل لمجي‌ء الرواية به لرجوعه الى جواز التدليس والكذب في أخذ أموال الناس، إذ قد ذكر في محله ان بينه الملك تقدم على بينة التصرف أو اليد؛ لأن الأولى بمنزلة النص والثانية بمنزلة الظاهر فلا يعارض النص، فلو فرض فيما نحن فيه ان للخصم بينة الملك وللآخر بينة التصرف أو اليد جاز لبينة الآخر ان تشهد بالملك والمفروض انه لا علم لها الا بالتصرف أو اليد فتسقط بينة الأول، وهو تدليس محض وكذب واضح، وتطرق لأخذ أموال الناس بغير الطرق الشرعية ومثله لا يقبل فيه خبر الواحد (هذا محصل ما يستفاد من كلام الجواهر بتوضيح منا).

و فيه: انك قد عرفت ان الرواية لا تتضمن الا برهانا متينا عقليا يلوح منه آثار- الصدق والحق؛ وما ذكره من لزوم التدليس والكذب في أخذ أموال الناس ممنوع، لان بينة الملك أيضا مستندة الى اليد في مباديها السابقة غالبا ولو فرض حصول العلم بالملك بحيث لا يحتاج الى الاعتماد على اليد أصلا في موارد شاذة فعلى الشهود ذكر السبب وان الملك كان ملكا واقعيا كي لا يلزم أخذ أموال الناس بغير حق، كما ذكروا أشباهه في أبواب الشهادة.

و ليس لبينة الملك في بدء النظر ظهور في الملك الواقعي اليقيني حتى يلزم التدليس‌ وحمل كلام المشهور على مجرد حجية اليد بعيد جدا ليس من حسن الظن المأمور به بل لعل حمله على خلاف حسن الظن، لا بيان الحكم المزبور بهذه العبارة أشبه شي‌ء بالتدليس.

والحاصل ان الاعتماد على الرواية قوي جدا موافق للاعتبار، وكلمات الأصحاب، ولا يرد عليه شي‌ء مما ذكروه ولعله لذلك كله ذكر صاحب الجواهر في آخر كلامه في المسئلة: «انه إذا تحقق بمقتضى الأسباب والطرق الشرعية ما يتحقق بها النسبة العرفية أي كونه مالا له وملكا من أملاكه عرفا جازت الشهادة واليمين بالملك» (انتهى ملخصا) وما افاده لا محصل له لو لم يرجع الى ما ذكرنا اقتباسا من الرواية.

هذا غاية ما يخطر بالبال في هذه المسئلة عاجلا وتمام الكلام موكول الى محله.

ومنه تعرف عدم الحاجة الى «الاستفاضة» اى استفاضة إسناد الملك اليه، وكذا «التصرف» في صحة الشهادة على الملك بعد حصول اليد.

8- هل اليد حجة لصاحبها أيضا؟

قد عرفت ان يد الغير حجة ودليل على الملكية مطلقا (الا فيما نستثنيه) فهل هي حجة لصاحب اليد نفسه أيضا إذا شك في ملكية بعض ما في يده أولا؟

الظاهر هو ذلك، لعدم الفرق فيما هو ملاك حجيتها بين يد الغير ويد الإنسان نفسه، سواء قلنا بان ملاكها هو اقتضاء طبيعة الاستيلاء واليد ذلك- كما هو المختار بما مر له من البيان- أم قلنا بان ملاكها الغلبة- كما قيل- أم غير ذلك فان جميعها مشتركة بين يد الغير ويد الإنسان نفسه.

وقد جرت سيرة العقلاء أيضا عليه؛ فلو شك الإنسان في بعض ما في يده؛ انه ملكه أو أمانة للغير أو شبهها فلا شك في إجراء حكم الملك عليه عندهم ما لم تقم قرينة على كونه ملكا للغير.

ولم يظهر ردع من الشارع المقدس بالنسبة إليه، لو لم نقل بشمول بعض الإطلاقات الواردة في إمضاء حكم اليد له أيضا.

بل يظهر من بعض الروايات الخاصة الواردة في باب اللقطة أيضا ذلك، مثل مصححة جميل بن صالح: قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل وجد في منزله دينارا؟ قال يدخل منزله غيره؟ قلت نعم كثير. قال: هذه لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا؟ قال يدخل احد يده في صندوقه غيره، أو يضع فيه شيئا؟ قلت؛ لا قال فهو له «6» والظاهر ان المراد من قوله يدخل في منزله غيره ليس صرف وجود دخول الغير‌ بل كون داره معدا لدخول افراد مختلفة، ولو لا ذلك لم يكن هناك مورد للسؤال لعلمه عادة بأنه له.

فحاصل الرواية ان يده على الأموال التي في حيطة سلطانه حجة له عند الشك، الا ان يكون هناك ما يسقطه عن الحجية؛ مثل كون داره معدا لورود اشخاص مختلفة فيجري عليه حكم اللقطة لسقوط يده عن الحجية بذلك، فان ملاك حجيتها أياما كان مفقود هنا كما هو ظاهر.

ولا يقصر ذيلها عن الصدر في الظهور فيما نحن بصدده فان إدخال غيره يده في صندوقه أو وضع شي‌ء فيه دليل على استيلاء كل منهم على الصندوق فيكون من قبيل الأيدي المشتركة على شي‌ء واحد فلا يكون يد واحد منهم دليل على ملكيته بخصوصه، نعم لو كان الصندوق بيده فقط فيده حجة على ملكية ما في الصندوق وان احتمل ان يكون الدينار أمانة أو عارية لغيره أو غير ذلك من الاحتمالات، اللهم الا ان يكون الصندوق معدا لوضع أموال الناس وأماناتهم مع أموال نفسه فإن حجية يده حينئذ على ما فيه مشكل أيضا.

ومما ذكرنا يظهر انه لا تهافت بين صدر الرواية وذيلها كما توهم وانهما يعطيان حقيقة واحدة، ومعنى واحدا، كما يظهر انه ليس فيها حكما تعبديا على خلاف الموازين المعمولة بين العقلاء في الأموال التي تحت أيديهم.

فهذا الحديث أيضا ناظرا إلى إمضاء ما عند العقلاء في أمثال المقام.

وقد يستدل له أيضا بقوله عليه السّلام في ذيل رواية حفص بن غياث: «لو لا ذلك ما قام للمسلمين سوق» نظرا الى تطرق مثل هذا الاحتمال في الأموال التي بأيدي الناس غالبا.

وفيه انه ان كان المراد غلبة احتمال كون بعضها من أموال غيرهم وقع في أيديهم بعنوان الأمانة أو العارية أو مثلها مع نسيان أسبابها، فهو ممنوع لان احتماله ليس غالبيا في أموال الناس كما هو ظاهر، وان كان المراد غلبة نسيان سبب الملك تفصيلا وان كان أصله معلوما إجمالا فهو غير قادح في إجراء أحكام الملك عليه.

9- عدم حجية يد السارق وشبهه :

ومما ذكرنا في الأمر الثامن يظهر لك عدم حجية أيدي السراق والا يدي المتهمة التي تكون بمنزلتها، على الأموال التي بأيديهم وان احتمل انتقالها إليهم بسبب صحيح مشروع، لان ملاك الحجية مفقود فيها أيضا لانقلاب طبع اليد بالنسبة إليهم، وكذلك الغلبة لو كانت هي الملاك في حجيتها مفقودة هناك.

ولذا لا يرى من العقلاء الملتزمين بحفظ حقوق الناس وعدم الخيانة في أموالهم ترتيب آثار الملكية على ما بأيدي هؤلاء ولا يعاملون معهم معاملة غيرهم ويلومون من عامل معهم كذلك، واما ما يرى من بعض من لا مبالاة له في أمور الدين والدنيا من عدم التفرقة بين هؤلاء وغيرهم فهو غير قادح فيما نحن بصدده كما هو واضح.

ويؤيده ما ورد في بعض أبواب كتاب اللقطة عن حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أو دعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم هل يرد عليه؟، فقال لا يرده فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل، والا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها عليه وإلا تصدق بها» الحديث «7».

و الاستدلال بها متوقف على كون السؤال عن الدراهم أو المتاع المشكوكة التي يحتمل كونها له كما ربما يشير اليه قوله: «و اللص مسلم» فإنه لو كان المال من أموال الناس قطعا لم يكن فرق بين اللص المسلم وغيره فافهم- واجراء حكم اللقطة عليه دليل على سقوط اليد عن الحجية وكون المال بمنزلة الأموال التي توجد في الطريق.

ولكن قد ينافيه قوله: «يرده على أصحابه» وقوله «فإن أصاب صاحبها» الظاهر في معلومية كون المال لغيره قطعا فيخرج عن محل البحث فتأمل.

ويلحق بها (من هذه الجهة) أيدي الامناء الذين يرجع إليهم في حفظ الودائع والأمانات؛ مثل القاضي وغيره، إذا غلب على أموالهم ذلك وانقلبت طبيعة أيديهم، فإن ترتيب آثار الملك على ما بأيديهم أيضا مشكل ما لم ينضم اليه قولهم، فان انضم اليه ذلك كان حجة لا من باب حجية اليد بل من باب حجية قول ذي اليد وتصديق قول الأمين ...

وهذا بخلاف أيدي السراق فان ضم قولهم وشهادتهم أيضا غير كاف في إثبات الملك لهم كما هو ظاهر.

والحاصل ان ملاك حجية اليد وبناء العقلاء مفقود في جميع هذه الموارد.

ويلحق بها أيضا يد الدلال ومن أشبهه، وكذلك أيدي مراجع الحقوق الشرعية من الزكوات والأخماس والمظالم؛ وكذا الوكلاء، ومتولي الأوقاف إذا كان الغالب في أيديهم بحسب العادة من غير أموالهم بل إذا كان مقدارا كثيرا وان لم يكن غالبيا فان ملاك حجية اليد كبناء العقلاء مفقودة في جميع ذلك الا ان ينضم إليها قولهم وشهادتهم (فتأمل).

10- حجية اليد في الدعاوي وما يستثنى منها :

لا إشكال في حجية اليد ولو علم كونها مسبوقة بغيرها، إذا احتمل انتقال المال بوجه صحيح شرعي، بل الغالب في الأيدي ذلك، ولا فرق فيه بين ان يعلم ذلك من الخارج أو يقر صاحب اليد نفسه به، بان يقول ان هذا المتاع كان لزيد فاشتريته منه بكذا وكذا.

هذا كله في غير مقام الدعوى وكذلك في مقام الدعوى، فالقول قول صاحب اليد، فلو أقر بكون المتاع سابقا لثالث لا يكون طرفا للدعوى؛ لم يضر بكونه صاحب اليد وكونه منكرا لا يحتاج الى بينة، بل المحتاج إلى البينة خصمه لكونه مدعيا.

واما ان أقر صاحب اليد الفعلي لخصمه في مقام الدعوى بذلك، بان قال: ان هذا المال كان لك سابقا فالمحكي عن المشهور انقلاب الدعوى وصيرورة صاحب اليد الفعلي مدعيا، لأنه يدعي انتقاله له اليه بسبب من الأسباب الشرعية، فعليه إثبات ذلك، فتسقط اليد هنا عن الحجية بسبب هذا الإقرار.

وينبغي توضيح كلام المشهور وتفسيره بما يندفع عنه ما استشكل عليه أو يمكن ان يستشكل عليه فنقول: ان دعوى صاحب اليد الفعلي كونه مالكا بعد اعترافه بكون المال لخصمه سابقا لا معنى له الا اشترائه منه أو انتقاله اليه بناقل آخر شرعي، فقوله «هذا ملكي فعلا وقد كان ملك خصمي قبل ذلك» في قوة قوله «كان هذا ملكه فاشتريته منه أو انتقل الى بناقل آخر».

وليس هذا المعنى من اللوازم الخارجة عن مصب الدعوى حتى يقال بأنه لا عبرة باللوازم إذا كانت خارجة عنه، بل هو في الواقع مئال كلامه؛ ومعناه العرفي المقصود منه من قبيل دلالة الاقتضاء؛ والحاصل انه لو انفك هذا اللازم عن ملزومه لم يكن للكلام مفهوم صحيح.

فالاعتراف بسبق يد المدعى يوجب انقلاب نفس الدعوى ويجعل صاحب اليد الفعلي مدعيا ومقابله منكرا؛ لا انه يوجب طرح دعوى آخر بين المتخاصمين غير ما هما فيه، كما توهم.

فصاحب اليد هنا يكون مدعيا سواء قلنا بان المقياس في تشخيص المدعى عن المنكر في أبواب الدعاوي هو العرف- كما اختاره غير واحد من الأكابر- أم قلنا بان المدعى هو الذي يدعى أمرا على خلاف الأصل كما اختاره آخرون منهم.

اما الأول فلصدق المدعى عرفا على صاحب اليد الفعلي، الذي يدعى انتقاله اليه بناقل شرعي ولو بلازم كلامه الذي لا مفهوم له بدونه، وصدق المنكر على خصمه؛ الذي يدعى بقاء الملك على ما كان عليه وعدم بيعه فتدبر.

واما الثاني فلان مقتضى الاستصحاب بقائه على ملك الخصم وعدم انتقاله الى صاحب اليد فعلا، فصاحب اليد مدع، لمخالفة قوله للأصل ومقابله منكر.

لا يقال- كيف يكون ذلك وهو معتمد على اليد، وقد مرانها حاكمة على- الاستصحابات التي في مواردها؟

فقوله موافق للأصل؛ بمعناه الأعم من الأصول العملية والظواهر المعتبرة، والقواعد الثابتة شرعا، كما هو المراد منه في المقام قطعا.

لأنا نقول- لعل الوجه فيه ان دعوى الانتقال اليه انما تتعلق بزمان لم يكن له عليه يد، لا في الوقت الحاضر، فالمدعى انتقاله اليه من يد خصمه في زمان لم يكن تحت يده، فالمرجع بالنسبة إلى ذاك الوقت ليس الاستصحاب (فتأمل).

هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه كلام المشهور وقد يتصوران سقوط اليد عن الحجية هنا من جهة قصور أدلتها وعدم شمول إطلاقاتها للمقام، وفيه انه لا وجه له يعتد به.

ومما ذكرنا تعرف وجه النظر فيما افاده المحقق الأصفهاني في رسالته المعمولة في‌ قاعدة اليد حيث قال: ان لازم دعوى الملكية الفعلية بمقتضى يده وإقراره بأن العين كانت للمدعي سابقا، هو الاخبار بالانتقال منه اليه بالالتزام، الا انه ليس كل دلالة التزامية يوجب طرح دعوى آخر على اللازم بل لا بد من وقوعه في مصب الدعوى، فان الدعوى من الدعاء وطلب الشي‌ء وما لم يطلب لا دعوى منه- الى ان قال:

ففيما نحن فيه يدعى ذو اليد انه ملكه، ساكتا عن دعوى الانتقال منه اليه وسببه، فهو مدع للملكية، الموافقة ليده، فيكون منكرا ولا يدعى الانتقال حتى يكون مدعيا وكون لازم مجموع الكلامين هو «الانتقال» غير كون لازمهما «دعوى الانتقال» (انتهى) ويرد عليه :

أولا- انه ليس البحث في تشكيل دعوى آخر غير الدعوى الأصلي، بل البحث في انقلابها الى دعوى آخر بعد هذا الإقرار.

وثانيا- قد عرفت ان هذا اللازم ليس من اللوازم المغفول عنها من قبيل دلالة الإشارة، بل هو من قبيل دلالة الاقتضاء التي يتوقف صدق الكلام عليه، فالمفهوم عرفا من هذا الكلام ليس الا دعوى الانتقال منه اليه.

وقال في كلام آخر له في المقام ما حاصله: «المعروف في اليد انها من الامارات، والامارة على المسبب امارة على سببه، فكما ان اليد حجة على الملكية لذي اليد حجة على سببه الناقل، فكما انه يكون منكرا في دعوى الملكية لموافقة دعواه للحجة، كذلك في دعوى الانتقال اليه بسبب شرعي لموافقته أيضا للحجة، وهي اليد، لان المفروض ان الحجة على المسبب حجة على السبب».

وفيه- ما عرفت سابقا من ان حجية مثبتات الامارات على إطلاقها ممنوع جدا فراجع وتدبر.

وقد ذكر المحقق النائيني (قدس سره) في بعض ابحاثه في المقام على ما في تقريرات بعض أعاظم تلامذته- ما نصه‌ «تسقط أمارية اليد على الملكية بالإقرار الملازم لدعوى الانتقال، فيكون قول مدعى بقاء الملكية السابقة بعد سقوط اليد على طبق الأصل» انتهى.

وفيه انه لم يعلم وجه صحيح لسقوط أمارية اليد بسبب الإقرار بملكيته السابقة وانما تسقط أماريتها لو أقر بملكيته للخصم فعلا؛ والحق في توجيه مخالفة قول ذي اليد هنا للأصل ما عرفت آنفا.

وبعد ذلك كله ففي النفس من كلام المشهور هنا شي‌ء وتمام الكلام في محله.

بقي شي‌ء وهو ان ما ذكره المشهور من انقلاب الدعوى بالإقرار انما هو في فرض الإقرار لخصمه، واما لو أقر لثالث فلا اثر له في انقلاب الدعوى كما عرفت؛ وان كان الخصم ممن ينتفع بهذا الإقرار بأن كان وصيا أو وارثا للثالث أو شبههما.

ومنه يعلم ان هذا الفتوى لا ينافي ما في رواية الاحتجاج من اعتراض أمير المؤمنين عليه السّلام على ابى بكر عند غصب فدك لمّا طالب الصديقة سلام اللّه عليها البينة لإثبات دعواها بقوله:

«تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال لا. قال عليه السّلام فان كان في يد- المسلمين شي‌ء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وبعده، ولم تسأل المؤمنين على ما ادعوا على كما سألتني البينة على ما ادعيت عليهم (الحديث).

فإن الإقرار هنا انما هو لثالث وهو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم نعم لو كان فدك باقيا على ملكه صلّى اللّه عليه وآله وسلم انتفع بها المسلمون وانتقل إليهم بمقتضى الحديث المجعول «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» ولكن مجرد ذلك لا اثر له في انقلاب الدعوى.

الى هنا نختم الكلام في قاعدة اليد، وما يلحق بها من الاحكام، وقد بقي هنا أمور أخر من قبيل حجية قول ذي اليد، وحكم يد المسلم على الذبيحة، أو اليد على الطفل، وأشباه ذلك، تعرض بعضهم لها هنا ولكنا أعرضنا عنها لأنا عقدنا لبعضها قاعدة خاصة (مثل حجية قول ذي اليد) وبعضها خارج عن القواعد الفقهية أصلا وتشترك الجميع في خروجها عن قاعدة اليد المعروفة الدالة على الملكية فإلحاقها بها لا ملزم له.

_________________

(1) رواه في الوسائل في باب وجوب الحكم بملكية صاحب اليد، من أبواب كيفية الحكم، من كتاب القضاء.

(2) رواه في الوسائل في باب اختلاف الزوجين أو ورثتهما في متاع البيت، من أبواب ميراث الأزواج.

(3) رواه في الوسائل في باب وجوب الحكم بملكية صاحب اليد من أبواب كتاب القضاء.

(4) رواه في الوسائل في باب جواز شراء الرقيق من الأسواق من أبواب بيع الحيوان.

(5) رواه في الوسائل في الباب الرابع من أبواب ما يكتسب به.

(6) رواه في الوسائل في باب من وجد في منزله شيئا من أبواب كتاب اللقطة .

(7) رواه في الوسائل في باب ما يؤخذ من اللصوص من أبواب كتاب اللقطة.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


قسم التربية والتعليم يقيم حفل ختام المسابقة المركزية لبرنامج (الأذن الواعية)
جامعة تكريت: حفل التخرج المركزي لطلبة الجامعات جمع الطيف العراقي في المدينة المقدسة
جامعة واسط: حفل التخرج المركزي حمل رسائل متعددة للطلبة وأهاليهم وملاكاتهم التدريسية
المجمع العلمي يطلق برنامجًا في المفاهيم القرآنية لطلبته في قضاء الهندية