قد يتساءل البعض : اما زالت لهذا الادب الشعبي مكانته في التسعينيات من هذا القرن؟ وهل من الممكن ان يكون له مستقبل؟ كنت اتصور ان هذا الادب الشعبي منجم لأدب الاطفال، لكنني تنبهت بعد حين الى ان المنجم يمكن ان ينضب، لذلك بدأت انظر لهذا الادب على انه اشبه بطبقات من الارض، كل طبقة تحوي كنزها الخاص بها... لذلك لم اجد غرابة في ان تصدر قصة (الولد اليتيم) من الادب الشعبي لقبائل الماساي التي تعيش ما بين كينيا وتانزانيا، وكتبها (تولو لوا موليل (Tololwa moiiel) وهو احد ابناء هذه القبائل، يعيش في مزارع البن التي يمتلكها ابوه في تانزانيا في قرية تبعد نحو ساعة بالسيارة من قمة جبال (كلمنجارو) الشهيرة، وكان يشتغل مع جده، ويسمع حكاياته في ساعات الفراغ من المدرسة، وكم ساعدت هذه الحكاية كما يقول على حسن ادائه لعمله، وهو يرى ان الكتابة – كالعمل في المزرعة مع جده- نوع من المتعة .. وهو يعيش الان في كندا، وفيها ايضا يعيش الفنان الذي رسم الكتاب، وهو (يول مورين Paul mprain) الذي درس الفنون في (انتاريو) وسافر الى امريكا وأوربا وافريقية كثيراً، وجعل من الكتاب تحفة فنية بجانب انه تحفة ادبية...

تقول الحكاية : ان الرجل العجوز في كل مساء يتطلع الى السماء ويرقب ذلك النجم الذي اسمه (كيليكين Kileken) الذي تسميه قبائل الماسياي : (الولد اليتيم) وفوجئ العجوز  ذات ليلة بان هذا النجم قد اختفى.. وهو يحب النجوم كأنها اطفاله.. مع الصباح فوجئ العجوز بولد صغير يتقدم اليه ليسأله المأوى والعمل، كان الولد يحسن جلب الماء من الابار، وترتيب البيت، ورعاية الماشية والابقار، وبالفعل بدا العمل.. الا ان مفاجأة قاسية وقعت بعد قليل ـ وهي كثيرا ما تقع في افريقية - نعني بها الجفاف، وبدا الناس والابقار والماشية يتساقطون.. لكن ابقار الرجل العجوز التي يرعاها هذا الولد كانت ترجع وقد امتلأت ضروعها باللبن، واصبحت اكثر سمنة وحيوية، الامر الذي اذهل العجوز، وسال الولد عن سببه، فلم يحظ بالرد، اذ هو سر لابد ان يحتفظ به الصغير.. يصبر العجوز بعض الوقت، غير ان حب الاستطلاع يستبد به، فيمضي وراء الراعي الصغير الى الخلاء، ويراه قد وقف فوق صخرة ورفع ذراعيه الى السماء ودعا بكلمات خاصة، واذا بالأرض تخضر، وبحيرة ماء عذب صافي تظهر وجاءت التفاتة من الولد فاذا به يجد العجوز وقد رأى كل شيء، وكما ظهرت الخضرة والبحيرة اختفت، وحل الجفاف بالمكان.. وطلب الصغير من العجوز ان يعود بالأبقار الى البيت، وسوف يلحق به مضى العجوز حزينا منكس الراس.. ضاع كل شيء. ولم يعد الولد حتى بعد ان حل الليل، وتطلع العجوز الى السماء ليجد نجم (الولد اليتيم) وقد عاد الى مكانه..

ان امريكا وكندا وأوربا ما زالت تخضع الكتابات الافريقية الى اطفالها، تثري وجدانهم، وتفتح عقولهم وتجعلهم اقدر على مواجهة الحياة ومشاكلها.. وفي تقديرنا ان ذلك سوف يستمر طويلا، ولن يلحق الجفاف بهذه الاعمال التي تصاغ بشكل فني رائع، وتصاحبها رسوم بالغة الجمال تجعل الاطفال يقبلون عليها في لهفة..

وقصة الولد اليتيم صدرت عام 1990م ويعد المؤلف قراءه الصغار بزيارات الى افريقية والعودة منها بحكايات جديدة لهم.. وهذا يعني ان هذا الكنز الثري لن ينضب ابدا.. وهو يؤكد ما قاله (ريتشارد بيرتون) عن ربع مليون حكاية شعبية سرقت من افريقية: تبدو صادقة كل الصدق، وتناول مثل هذه العدد الكبير بالكتابة والرسم سوف يجعلها نهرا دافقا يجدد دنيا الحكايات ، ويجعلها خضراء بشكل دائما.. ولعلها مفاجأة للكثيرين ـ وليست كذلك بالنسبة الينا- ان اغلب الاعمال الفائزة بالجائزة الشرفية تدور في تلك الحكايات الشعبية..

وهناك مجموعة من 42 حكاية بعنوان (تك تك الساعة تدق) تستغرق قراءة الواحد منها سبع دقائق ـ وهي صياغة بلغة (افريكانز) لحكايات مثل : (نامبيلينا، ومزار هاملين، والضفدعة العطشى هو باهويا الخ) .. والكاتبة هي (لندا رود) وهي من كاتبات الاطفال في جنوب افريقية قدمت 130 كتابا باللغة المحلية، اغلبها مأخوذ عن الانجليزية والالمانية، وكانت معلمة، لكنها اعطت من حياتها 23 عاما لأدب الاطفال، ولها العديد من الاعمال الروائية الناجحة، مثل (الناي الذهبي) و (السلام على الارض) و(حكايات من جنوب الشمس(.

وهناك مجموعة اخرى من سلوفاكيا بعنوان (صلوات صغيرة) للكاتب (ميلان روفيوس) الذي درس الفلسفة، وبدأ عمله للأطفال مترجما، وتعتمد اغلب اعماله على الحكايات الشعبية .. وهو من مواليد 1928م ، وفي عام 1968م منح اكبر جائزة في بلاده على مجموعة اعماله.. والصلوات هذه تحاول ان تعيد الاطفال الى ساحة الصلاة والدعاء للجد والاب والام.. الخ، ومن ثم تحاول ان تعيد اليهم الامان والسلام.

وهناك مجموعة شعرية روسية للشاعر (روبرت ميليولين) تنتمي للحكايات الشعبية، وهي مليئة بالمرح والفكاهة. وهو خريج جامعة (قازان) ويكتب بلغة (التاتار)، وان كانت اعماله قد ترجمت الى لغات الاتحاد السوفيتي سابقاً، ومن رواياته (اجازات الطفولة) و (حديقة حيوانات القرية)

تأثر الشكل والقالب الفني الف ليلة، وراية الحكايات.   

لا شك ان كتاب الاطفال مهتمون بالشكل الادبي، والقالب الفني الذي يصنعون فيه اعمالهم وكتاباتهم، ولعل الحكى والرواية والسرد مازالت لها الكلمة العليا، بل هم يعترفون بان اثر الف ليلة عليهم قائم، وتقليدها مستمر.. وكتاب (حكايات لفردناند نير) الصادر في الارجنتين خير مثال ونموذج..

بطل القصة ولد صغير وقعت له حادثة، وقال الاطباء : انه اذا نام فلن يصحو الى الابد، لذلك راح الراوي يحكي له قصص مثيرة يحول بينه وبين النوم، ونلمح في الحكايات ذاتها نكهة الف ليلة التي لن تزول، انها السمة ذاتها التي تتصف بها قصة برازيلية تحمل عنوان : (ديفينا صاحبة الجلالة) وهي ملكة تريد ان تختار لنفسها زوجاً، ورأت ان تختبر من يتقدمون لخطبتها بطرح الغاز عليهم ان يجدوا لها حلولا، كما تتلقى منهم الغازا تجيب عنها.

وهناك قصة (مو) من (كوستاريكا) التي تروي حكاية (طبيب ساحر)، وهي مهنة مرموقة بين الهنود الحمر، يشتغل بها، له فتاة تتطلع الى ان ترثه، لكن المهنة قاصرة على الرجال. ماذا فعلت الفتاة لكي تحقق هذا الامل الذي تطمع في؟

وهناك ثمان قصص من كولمبيا بعنوان : (معرض القراصنة) والخارجين الامريكيين على القانون، وهي حكايات مغامرات تذكرنا بحكايات (الشطار) العربية القديمة...

ويجيء كتاب (بيت مليء بالحكايات) من هولندا ليحكي عن طفل يهوى الحكايات، ويسعى اليها اينما كانت، وحيثما وجدت، من اجل ذلك يمضي الى لقاء كاتب للأطفال ليعرف منه كيف يؤلفها لهم، وخلال رحلته اليه، والتي لا تتم، يلتقي مع عدة شخصيات يراها صالحة لتكون ابطالا لحكاياته، فيعود لكي يكتبها ويحكيها..

وهناك قصة من استراليا عن قرية تصاب بالجفاف، اذ كفت المياه عن التدفق من فوق الجبل، ولا بد من بطل يصعد للقمة ليبحث عن السر، وهو خلال ذلك يقابل وحوشا خرافية، وحيوانات اسطورية، ويستطيع ان ينتصر عليها، ليعيد المياه الى مجاريها ، وتخضر القرية من جديد..

وتحكي روسيا حكاية الفتاة الطائرة القادرة على التحدث الى الطبيعة والحيوان، وذلك في 12 قصة متفرقة يربطها خيط انساني غاية في الرقة والروعة..

وهناك اعمال كثيرة تدور حول العفاريت والاشباح، وتحكي قصصا شعبية تشكيلية عن 7 مناطق في (بوهيميا) في كل منهما الجن الخاص بها، والارواح التي تظهر للأحياء...

وهناك حكاية فرنسية بعنوان (آخر عفريت في الدنيا) تقول للأطفال : ان العفاريت قد قضى عليها تماما، وما عاد لها وجود بفضل العلم..

وتحكي قصة برازيلية عن (الرجل العجوز الذي يأتي بالليل) انه يجيء به، وبالظلام والمخاوف والخزعبلات التي ترعب الاطفال، ولكنهم ينتصرون عليه، ويبيدون كل مظاهر الخوف من حياتهم..

وفي (حكاية ليلية) الهولندية صراع عنيف ما بين جني وشخصية خرافية، وما بين صاحبة بيت تخاف الموت والوحدة، فتخلق لنفسها حياة اسرية وزوجا واطفالا من الخيال تستعين بهم على الاشباح والمخاوف.

وهناك قصة من كولمبيا بعنوان (السيدة مفاجأة) فيها طفلان ينتظران هدايا السيدة (مفاجأة) وهي ـ أي الهدايا، يطلبها اصحابها من خلال رسالة يتركونها فوق سطح منازلهم، فتطيرها الرياح للسيدة مفاجأة.

وهناك حكاية هولندية عن (ميكانين) وهي مخلوقات ليلية تجتمع في كوخ مظلم تخيف الاطفال، لكنهم يقضون عليها.