المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


صلة الرحم في الإسلام  
  
16911   09:12 صباحاً   التاريخ: 25-7-2016
المؤلف : الشيخ حسان محمود عبد الله
الكتاب أو المصدر : مشاكل الاسرة بين الشرع والعرف
الجزء والصفحة : ص297-326
القسم : الاسرة و المجتمع / المجتمع و قضاياه / آداب عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-1-2018 2029
التاريخ: 15/12/2022 688
التاريخ: 6-12-2021 1707
التاريخ: 2024-01-02 457

أمر الإسلام بأن يصل كل مسلم رحمه وشجع على ذلك بعدة مُرغبات لها علاقة بجملة من الجوائز لمن يصل رحمه في الدنيا والمقام الرفيع في الآخرة, والإسلام عندما طلب منا أن نصل رحمنا إنما يفعل ذلك انطلاقا من المنظومة الإسلامية التي تسعى لتأسيس مجتمع متكامل متضامن متكافل مجتمع الأمة الواحدة التي تدعوا الى العمل معا في سبيل خير الإنسانية ,وقد ورد في ذلك قول الله سبحانه وتعالى:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}[الرعد:19ـ 21]. لقد اعتبر الله عز وجل ان أولو الألباب هم الذين يجهدون لصلة ما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يوصل ومن ما أمر الله به أن يوصل هو الرحم , فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله : {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}[الرعد:21] أنه قال:(من ذلك صلة الرحم وغاية تأويلها صلتك إيانا)(1) .

فاعتبر الامام الصادق (عليه السلام) أن ما أمر الله سبحانه وتعالى أن يوصل أمور كثيرة منها صلة الرحم وغايتها العظمى صلة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) .

وفي مجال آخر اعتبر الله سبحانه وتعالى أن من تقوى الله أن نصل رحمنا فربطها فيه وقال في كتابه الكريم:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] .

وقد ورد في تفسير هذه الآية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:(هي أرحام الناس , إن الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها , ألا ترى أنه جعلها معه)(2) .

وكثيرة هي الأحاديث التي حثت على صلة الرحم وليس المجال واسعا للحديث عنها بالتفصيل ولكن يجب أن يعرف كل منا أن صلة الرحم من الأفعال التي يعجل الله سبحانه وتعالى ثوابها في الحياة الدنيا فقد ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) قوله : قال رسول الله(صلى الله عليه واله):(إن أعجل الخير ثوابا صلة الرحم)(3).

ـ من هم الرحم ؟

الرحم هم كل من ارتبط بنا بعلاقة نسبية أصلها الرحم ولذا نسبت إليه, وهم الآباء والأبناء والأجداد والإخوة وأولادهم والأخوات وأولادهم والأعمام وأولادهم والعمات وأولادهم والاخوال وأولادهم والخالات وأولادهم , فكل هؤلاء من الأرحام, وقد ورد في مجمع البحرين ما نصه :

في الحديث :(صلوا أرحامكم , جمع رحم وهم القرابة , ويقال على من يجمع بينك وبينه نسب , وقيل من عرف بنسبه وإن بعد)(4) .

كل هؤلاء يجب صلتهم ولا يجوز قطعهم وهم موضوع الآيات والروايات الواردة في مسألة صلة الرحم أو قطيعته .

ـ صلة الرحم قوة للإنسان :

من المُسَلم به أن صلة الرحم تشكل عنصر قوة وتضامن في داخل العائلة الواحدة , وهذا ما

يساعد على التكامل والتآزر والتعاون يبن أفرادها ما يساهم في قوة المجتمع ككل مقدمة لقوة الامة وتماسكها .

وقد ورد في ذلك ما روي عن امير المؤمنين علي (عليه السلام) حيث قال:(وأكرم عشيرتك  فإنهم جناحك الذي به تطير , وأصلك الذي إليه تصير , ويدك التي بها تصول)(5) .

إن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يدعونا لإكرام عشيرتنا لأنه بهم نحقق غاياتنا ونصل الى أهدافنا , ومن دونهم نضيع ولا نصل الى مكان .

ـ تكبد المشاق لأجل صلة الرحم :

صلة الرحم مثلها مثل كل الواجبات الشرعية التي قد لا يستطيع الإنسان القيام بها إلا من خلال تكبد مشاق وتحمل صعاب , فإذا احتاج قيامنا بأداء واجبنا تجاه أرحامنا أن نسير مسافات طويلة أو السفر الى بلاد بعيدة , فإنه يجب ذلك من الناحية الشرعية , ولا يجوز مع القدوة أن نتذرع بالمشقة غير المحتملة لترك أداء الواجب . فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله : (أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء الى يوم القيامة, أن يصل الرحم وإن كان على مسير سنة , فإن ذلك من الدين)(6) .

فصلة الرحم وصية الرسول إلينا يوم القيامة والتي يجب ان لا نترك ولا نضيع حتى لو احتاج أداؤها الى ان نسير مسافة سنة, وما ذلك إلا لأهميتها عند الله سبحانه وتعالى ولما فيها من مصلحة للمجتمع والامة .

ـ آثار صلة الرحم :

صلة الرحم هي ككل الواجبات التي تتعرض للعلاقات الإنسانية والاجتماعية, تؤدي الى آثار إيجابية على الشخص القائم بها كما المجتمع الذي يعيش فيه, وأهم هذه الآثار الإيجابية هي :

أ‌- صلة الأرحام تزكي الأعمال :

من الامور التي تنعكس ايجابا على من يصل رحمه انها تُساهم في تزكية اعماله فقد ورد عن الامام الباقر(عليه السلام) قوله:(صلة الارحام تزكي الاعمال وتنمي الاموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسىء في الاجل)(7).

ومعنى تزكية الأعمال زيادتها وزيادة أجرها عند الله سبحانه وتعالى. فالزكاة معناها النماء والتزكية التنمية بمعنى الزيادة.

ب‌- صلة الأرحام تنمي الأموال :

بالرجوع الى حديث الإمام الباقر(عليه السلام) نجد أنه قال أيضا:(... وتنمي الاموال..)وعليه فإن صلة الرحم تساعد في تنمية الأموال, فحيث إن الرزق من عند الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدره فإنه يمكن أن يزيد لنا في قدره عند قيامنا ببعض الأعمال, ومن هذه الأعمال التي تساهم في تنمية أعمالنا صلة الرحم, فلو قدر الله سبحانه وتعالى في علمه أن لنا من الرزق الفا ثم قمنا بصلة أحد أرحامنا فإن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يجعل الألف ألفان جراء هذا العمل. وضمن هذه النظرية لا يعود لأحد أن يقول إنني لا أستطيع صلة رحمي لأن ذلك يكلفني مالا ثمنا لهدية آخذها معي, أو أجرة طريق أغرمها لأصل إليه في المكان البعيد الذي هو فيه. بل إن ما تدفعه في هذا السبيل سيعود إليك أضعافا مضافا إليه الأجر العظيم الذي وعد به الله سبحانه وتعالى .

ج- صلة الرحم تدفع البلوى :

بالرجوع الى حديث الإمام الباقر (عليه السلام) نجد أنه قال أيضا:(... وتدفع البلوى ...) ومن المعروف أن هناك أعمالا كثيرة تؤدي الى رفع بلاء مقدر على عبد نتيجة قيامه بعمل جيد طلبه الله سبحانه وتعالى من مثل الصدقة مثلا التي ورد أنها تطفئ غضب الرب وأنه تدفع البلوى فكذلك فإن صلة الرحم إذا ما قمنا بها قربة الى الله سبحانه وتعالى وبينة مخلصة تؤدي الى دفع البلاء المقدر والمحتوم علينا, ونحن ننصح في حالات البلاء أن يقوم الإنسان المبتلى بزيارة أرحامه فلعل ذلك يكون سببا إما الى رفع البلاء, أو على الأقل الى اللطف فيه .

د ـ صلة الأرحام تيسر الحساب :

بالرجوع الى الحديث الإمام الباقر (عليه السلام) نجد أنه قال أيضا:(... وتيسر الحساب..) ومن المعروف ان أصعب ما يمر على الإنسان في يوم القيامة هو الحساب الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }[الحج: 1، 2] . إن هكذا وضع وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه مزلزل يحتاج الى ما يساعد على تخطيه, أو يساهم في تيسيره علينا, وصلة الرحم من الأمور التي تساهم في تيسير الحساب علينا لذا يجب أن لا نتهاون في أداء هذا الواجب حتى لو كان أثره فقط هذا الامر لكفى في بذل كل الجهد لتحصيله فكيف وهو واحد من أمور كثيرة .

هـ - صلة الأرحام تنسئ في الأجل :

بالرجوع الى حديث الإمام الباقر (عليه السلام) نجد أنه قال أيضا:(... وتنسئ في الأجل ..) فبدل أن يكون عمرك خمسون سنة مثلا فإنك من خلال المواظبة على صلة الرحم فإن ذلك سيؤدي الى أن يمن الله عليك الأجل وبمعنى آخر زيادة العمر . وقد ورد في ذلك قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله):(إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين , فيصيرها الله عز وجل ثلاثين سنة , ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها الله ثلاث سنين ثم تلا:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد: 39](8) .

وهذا الحديث عن الرسول (صلى الله عليه واله)دليل واضح على ان الله يُطيل عمر واصل رحمه وقد أبرم حتفه , في حين أن ينقص من عمر قاطع رحمه وقد كان قد أبرم أنه ما زال له بقية من عمر كانت له لو أنه كان واصلا لرحمه قائما بواجبه .

ومن المعروف من الناحية الشرعية أن الأجل كما الرزق مكتوب أيضا عند الله سبحانه وتعالى وفي علمه ليس للإنسان دخالة في تطويل مدة عيشه , أو تقصيرها وقد نص القرآن الكريم على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[يونس: 49]. فحيث إن الأجل بيد الله سبحانه وتعالى وهو وعد بأن يطيل عمر من يقوم بواجب صلة الرحم فعلينا أن لا نتوانى عن ذلك كي لا نفوت هذا الأجر علينا .

و- صلة الرحم تهون سكرات الموت :

من الأمور التي تحدثت عنها الروايات مشعرة بصعوبتها وقسوة معاناتها ما ورد في العذاب الذي يحصل للإنسان عندما يواجه الموت, أو ما اصطلح على تسميته بسكرات الموت, فإن هذه الساعة عصيبة جدا لان المحتضر يكون في حالة مواجهة مستقبل مجهول لا يعرف عنه شيء ويخاف أن يكون مصيره جهنم والعذاب, وهو في نفس الوقت يعاني من تركه للدنيا ولكل ما أحب وعاش معه طويل وعندما يواجه ملك الموت سيعاني من حالة رعب وخوف شديدين ومهما حاولت أن أصف فلن أستطيع أن أصف تلك اللحظات المسماة بسكرات الموت أعاننا الله

سبحانه وتعالى على مواجهتها بقلب ونفس مطمئنين .

المهم أن هذه الحالة الصعبة ممكن أن تكون هينة على البعض, أو تسهل عليه بعض الشيء ويكون ذلك من خلال قيامه ببعض الأعمال الواجبة أو المستحبة, ومن الأعمال التي تساعد في تخفيف سكرات الموت صلة الرحم وقد ورد في ذلك ما رواه الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال:(فيما كلم الله تعالى به موسى (عليه السلام) , قال موسى : إلهي فما جزاء من وصل رحمه  ؟ قال : يا موسى أنسئ له أجله وأهون عليه سكرات الموت, ويناديه خزنة الجنة : هلم إلينا فادخل من أي أبوابها شئت)(9) .

إن الأهوال التي نجا منها من وصل رحمه كبيرة ومهولة ومع ذلك لم يقف الأمر عند هذا الحد  بل إن الله سبحانه وتعالى قال له : إنه يستطيع الدخول من أي باب من أبواب الجنة يريد وهذا في حد ذاته مكافأة عظيمة وأجر كبير يستأهل أن يسعى له الإنسان المؤمن .

ز- صلة الأرحام تقي ميتة السوء :

كما أن سكرات الموت صعبة جدا فكذلك هناك انواع من الميتات تكون صعبة ومُذلة, فمن الناس من يموت ميتة لا يعاني فيها أبدا وتكون في حالة مشرفة في حين أن البعض يموت في حالة صعبة وبعد نزاع قاس ومع ذلك تكون الميتة غير شريفة وسيئة كمن يموت مثلا في مكان سيئ , أو ترمى جثته حتى تتعفن من دون أن تدفن, أو أي نوع من أنواع السوء في ظروف وحيثيات الموت المحيطة, في حين أن واصل رحمه كما تبين الأحاديث ينجو من ميتة السوء فقد ورد عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) انه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) :(صلة الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء)(10).

ـ كيف نصل ارحامنا :

بعد كل ما تحدثنا به  حول موضوع صلة الرحم والأجر المترتب عليها يتبادر الى الذهن سؤال طبيعي وهو : ما هي الحدود التي يكون معها الإنسان واصلا لرحمه ولا يكون قاطعا لها ؟ والجواب ان صلة الرحم تكون بكل ما يؤدي الى إرضاء الرحم وعدم انزعاجه من قطيعته بحسب المتعارف أو ما اعتاد عليه .

وللتفسير نقول إنه قد يكون هناك طريقة اعتاد عليها الرحم مع رحمه كان يزوره مرة في الأسبوع على سبيل المثال, فيصبح التخلف عن هذه العادة إذا ما أزعج الآخر ولم يكن هناك مانع يمنعه من ذلك يعتبر بمثابة العادة إذا لم يكن هناك طريقة من التواصل اعتاد عليه الطرفان  فإن المطلوب لصلة الرحم أن يصله ولو باتصال هاتفي إذا كان ذلك يرضيه ولا يسيء إليه وإن كان يصله بشكل مقبول ولكنه لا يرضيه فهل يعتبر قاطعا ؟ الجواب إن العبرة هي في العرف القائم بحيث يصدق عليه عرفا أنه واصل لرحمه , وإن كان الأحوط يستحب أن يصل رحمه بشكل يرضيه ولا يؤذيه وإن اعتبر في العرف واصلا .

وقد ورد في تحديد الحد الأدنى لصلة الرحم أحاديث كثيرة منها ما اعتبر أن مجرد حسن الكلام ورد الجواب يعتبر كافيا فيها كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) انه قال:(إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب, فصلوا أرحامكم وبروا إخوانكم ولو بحسن الكلام ورد الجواب)(11) .

ومنها روايات تعتبر ان المطلوب هو صلة الرحم ولو بتقديم شربة ماء للرحم إرواء لظمئه ومن استطاع ان يقدم أكثر من ذلك كأن يقدم مالا لمن كان من أرحامه محتاجا إليه, فمن لم يكن يملك مالا فعلى الأقل أن لا يؤذي رحمه فمجرد كف الأذى يعتبر من موارد الحد الأدنى من صلة الرحم كما ورد في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله:(صل رحمكم ولو بشربة من ماء يوصل به الرحم كف الأذى عنها)(12) .

ـ قطع الرحم :

من المحرمات التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها بشكل كبير قطيعة الرحم فقد ورد في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[الرعد: 25].وقد قدمنا في بداية البحث أن صلة الرحم هي مما أمر الله سبحانه وتعالى به وأن يوصل وبالتالي فإن من يقطعها قال عنه الله عز وجل إنه عليه اللعنة وله سوء الدار .

ومن الملفت ربط قطيعة الرحم في أكثر من مورد بالإفساد في الأرض وكأنها من نسخها  وهذا طبيعي, فإن الله عندما خلقنا أرادنا أن نتعارف ونتآلف فقطع الرحم هو على خلاف الإرادة الإلهية ويؤدي حتما الى إفساد المجتمع وتفكيكه بعد أن أراد الله سبحانه وتعالى منا توحيده وصهره في بوتقة إنسانية واحدة لا يميز فيها أحدنا عن الآخر إلا التقوى . فقد ورد في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13] . وفي نفس المورد وهو ربط قطيعة الرحم بالإفساد في الأرض ورد قول الله سبحانه وتعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }[محمد: 22].

وهذا ما يؤكد الحرمة الكبيرة لقطيعة الرحم كونها من أكبر الآثام الشرعية التي يمكن أن يرتكبها إنسان فقد أوردها الله سبحانه وتعالى مقارنة للإفساد في الأرض مشعرا بعظم الجرم المرتكب بواسطتها, وهي على ما في بعض الأحاديث من أقبح المعاصي, فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله:(أقبح المعاصي قطيعة الرحم والعقوق)(13) .

ـ متى يجوز قطع الرحم في الأصل ؟ :

في الأصل لا يجوز بحال قطع رحمنا إلا في موارد محدودة ولطروء عناوين ثانوية وهذا ما سنتعرض له إجمالا فيما يلي :

أ‌- مقاطعة من يخالفنا :

في بعض الأحيان تنشأ بين الأرحام خلافات كبيرة ذات منطلقات مختلفة, فقد نختلف بسبب أمور مادية, وقد يكون ذلك بسبب خلافات سياسية, أو فكرية, أو حتى مذهبية. فإذا بهم يقاطعون بعضهم البعض ويتعادون معاداة لا يشفع لهم فيها كونهم أرحاما ينتسبون الى عائلة واحدة, بل قد يكونوا إخوة وأخوات .

أن تكون على خلاف فكري, أو مادي, أو مذهبي مع رحمك فإن ذلك لا يبرر لك مقاطعته،  والإسلام منع شرعاً من القطيعة بهذا السبب, فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) فيما رواه عنه الجهم بن حميد أنه قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):(يكون لي القرابة على غير أمري ألهم علي حق ؟ قال : نعم, حق الرحم لا يقطعه شيء, وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقان : حق الرحم, وحق الإسلام)(14) .

فالإسلام قسم القرابة الى قسمين : إما إخوة لك في الدين فلهم عليك حقان حق الرحم وحق

الإسلام, وإما على غير ديننا أو مذهبنا فلهم علينا حق الرحم والقرابة الذي على حسب الرواية لا يقطعه شيء .

ب‌- مقاطعة من أساء الينا :

في بعض الأحيان نتعامل مع أرحامنا لا على مقياس الإسلام الذي يتجاوز فيه المسلم المؤمن عن أخطاء الاخرين ويتعامل معهم على أساس إيمانه لا على أساس تصرفاتهم معه فلو شتموه يشتمهم في حين أن المطلوب منهم أن يتجاوزوا عن أخطاء غيره معه ويسامحهم انطلاقا من مفهوم الدين السمح الذي يتجاوز عن اخطاء الاخرين, ومن ذلك ترى ان بعض الاشخاص يقاطع رحمه وهو مؤمن فاذا سالته لماذا تفعل ذلك وهو غير جائز ومحرم ؟ يقول لك : إنهم يؤذونني ويشتمونني ويسيئون إلي ولا يعاملونني معاملة حسنة لا يحترمونني فلماذا أصلهم وهم يتصرفون معي هكذا ؟ .

في حين أن الإسلام يدعوه للتسامح والصفح عنهم والتجاوز عن اخطائهم فلعلهم بذلك يلتفتون الى ما يفعلون ويعودون الى رشدهم , وإن لم يفعلوا ذلك فله من الله سبحانه وتعالى الأجر جزاء ما تحمل في سبيل الحفاظ على أحكام الله عز وجل. وقد ورد في ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال:(إن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه واله) فقال : يا رسول الله  أهل بيتي أبوا إلا توثبا علي وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم ؟ قال : إذا يرفضكم الله جميعا , قال : فكيف أصنع ؟ قال تصل من قطعك, وتعطي من حرمك, وتعفو عممن ظلمك, فإنك إذا فعلت ذلك, كان لك من الله عليهم ظهيرا)(15) .

فالنبي (صلى الله عليه واله)عندما جاءه هذا الشخص سائلا عن جواز أن يقاطع رحمه ويرفضهم أجابه بانه لا يجوز له ذلك وأن تكليفه أن يصل رحمه وإلا فإن الله سبحانه وتعالى سيقطعهما معا ويرفضهما معا لأنهم تصرفوا على خلاف أحكام الشرع فأساؤوا وشتموا وقطعوا رحمهم وهو أيضا تصرف على خلاف الشرع فقطع رحمه تعصبا لشخصه وتأثرا بعصبيته من دون ملاحظة أحاكم الشرع الداعي الى الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع .

وهنا لا بد من الإشارة الى مسألة مهمة ألا وهي ان النبي (صلى الله عليه واله) عندما قال:(إذا يرفضكم الله جميعا..) ومع كون أحد الطرفين على حق والثاني على باطل في القضية التي اختلفوا عليها إلا أن هذا لا يبرر القطيعة للرحم التي لو حصلت فإن كلا الطرفين بغض النظر عن أحقية موقفه في القضية موضع النزاع يكون مأثوما من الناحية الشرعية.

وعندما استغرب السائل ذلك وسأله إذاً ماذا أفعل ؟ طلب منه النبي (صلى الله عليه واله) أن يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه فهذه هي أخلاق الإسلام وهذا ما دعانا الله سبحانه وتعالى إليه. حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34]. فإن الهدف الذي يدعو اليه الإسلام في العلاقات الاجتماعية هو التحابب والتجاوز عن الاخطاء للحفاظ على متانة العقد الاجتماعي بين المسلمين ولبناء مجتمع إسلامي متماسك وهذا هو أحد اهم أهداف التركيز على وجوب صلة الرحم .

ج- مقاطعة من يقاطعنا :

في بعض الأحيان نحب أن نعامل الآخرين بالمثل كما تعامل الدول بعضها البعض, فإذا زارونا نزورهم وإن قاطعونا نقاطعهم, ولأن كرامتنا الشخصية تمنعنا أن نكون متهالكين على صلة أناس لا يرغبون بصلتنا أو لا يهتمون بنا. فكثيرا ما نرى أشخاصا لا يزورون ارحامهم وإذا سألتهم لماذا تفعلون ذلك؟ يجيبونك: إننا قاطعناهم لأنه يقاطعوننا. مع العلم أن الإسلام يحث على عدم مقاطعة المقاطع من أرحامنا فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : (لا تقطع رحمك وإن قطعك)(16) .

فالرسول (صلى الله عليه واله) أمرنا أن لا نقطع رحمنا وإن قاطعونا, ونحن عندما ننفذ حكما شرعيا يكون لنا أجرا أعظم إن كان تنفيذنا لهذا الحكم صعب علينا ومسيئ لنا فإن العار كما يقول الإمام الحسين(عليه السلام) أولى من دخول النار وقد ورد في الترغيب على صلة من قطعنا من أرحامنا ما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) حيث قال:(ما من خطوة أحب الى الله عز وجل من خطوتين : خطوة يسد بها المؤمن صفا في الله, وخطوة الى ذي رحم قاطع)(17) فقد اعتبر الله سبحانه وتعالى أن كل خطوة تخطوها الى صلة رحمك الذي يقطعك لك فيها من الأجر الكثير وهي عند الله عز وجل من أحب الخطوات, كل هذا يهدف الى المحافظة على هذا التكليف صونا للمجتمع وخاصة العائلة الواحدة عن الفرقة والاختلاف .

د ـ مقاطعة أعدائنا :

لو كان أرحامنا في صف أعداء الأمة وأعداء الدين ممن يقومون بترصد أي ثغرة فينا للانقضاض علينا فهل يجب علينا أن نصلهم ؟ وهل لا يجوز لنا ان نقاطعهم ؟ هذه الحالات موجودة في هذه الأيام فبعض المسلمين انتقل الى صف الصهاينة أعداء الأمة والدين وحملوا سلاحا معهم يريدون قتالنا ويتحينون الفرص للقضاء علينا, فلو كان بعضهم من أرحامنا فهل يجوز لنا أن نودهم وذلك صلة لرحمنا ؟ هذه الحالة حصلت في أيام الإسلام الأولى عندما هاجر بعض المسلمين من مكة المكرمة الى يثرب وأراد الرسول (صلى الله عليه واله) ان يفتح مكة وأراد أحد المسلمين أن يبلغ من بقي من رحمه في مكة المكرمة بنية الرسول (صلى الله عليه واله) لأنه يريد أن يود أهله أو رحمه فتدخل الله عز وجل وفضح الموضوع ونزلت الآية الكريمة التي تقول:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }[الممتحنة: 1] . فالله عز وجل نهى عن اتخاذ عدوه وليّاً نلقي إليه بالمودة فلو كان أحد أرحامنا في صف أعدائنا فهو الذي انتهك رحمه وبالتالي لا رحم بيننا, لان رحم الإسلام أشد وأقوى وليس قطعا للرحم أن نقطع أعداءنا ولو كانوا قريبين إلينا أشد القرب حتى لو كانوا أبناءنا وإخواننا وهذا ما قاله الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22]. فإن الله سبحانه وتعالى نهى عن ود من حاد الله ورسوله حتى لو كان أبي, أو أبني ومن المعلوم أن صلة الأب لها حرمة أكبر من غيره من الارحام ومع ذلك لا ود له إذا كان في صف الأعداء والمحاربين للإسلام والمسلمين .

هـ - مقاطعة من لا نأمن على انفسنا منه :

في بعض الحالات يكون رحمنا قد بلغ في عداوته الشخصية لنا أن يهددنها بالقتل, أو أن يضرنا ضررا معتبرا لا يقتصر على مجرد الإهانة الشخصية, بل يتعداه للإيذاء, ففي هذه الحالة لا يجوز ان نعرض انفسنا للخطر أو الضرر من أجل أن نصل من يريد أذيتنا وهذا واضح قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[البقرة: 173] .

فمن الواضح ان هناك في الشرع الحنيف قاعدة عامة مفادها أن المحرم في أصل الشرع كأكل

لحم الميتة مثلا قد يصبح مباحا بل واجبا في بعض الحالات إذا توقف حفظ الحياة على تناوله  وكذلك فإن قطع الرحم الذي هو حرام شرعا لكن لو أدت صلته الى تعريض حياتنا للخطر, أو للإيذاء, أو الضرر غير المحتمل ,بل المهانة غير المحتملة ففي هذه الحالة لا يحرم علينا قطع هذا الرحم .

ـ جزاء من قطع رحمه :

كثيرة هي الروايات التي تحدثت عن جزاء من يقطع رحمه ولكنني رعاية للاختصار قدر الإمكان سأعرض لنماذج منها تشكل عينة عن ما فرضه الله سبحانه وتعالى لقطاع الرحم وهي على الشكل التالي :

أ‌- لا يدخل الجنة :

أكبر ما يمكن أن يعاقب الله سبحانه وتعالى الإنسان على ذنب ارتكبه هو ان يدخله جهنم ويحرمه من دخول الجنة, وفي موضوع قطيعة الرحم فإن الله سبحانه وتعالى حرم الجنة على أشخاص منهم قاطع الرحم فقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه واله) قوله:(ثلاثة لا يدخلون الجنة, مدمن خمر, ومؤمن سحر, وقاطع رحم)(18)، ويكفي أن تكون جهنم جزاء للفعل ليتحرز المؤمن عن القيام به, بل حتى الاقتراب منه.

ب‌- تعجل الفناء :

لا يقف الامر عند حدود الآخر بل أن له انعكاسا على الدنيا لأن قطع الرحم يؤدي الى نقصان العمر وتعجيل الفناء, وحيث إن الأعمار كما قلنا بيد الله عز وجل فهو الذي يقدرها فيمدها ويقصرها بأحد الأسباب الموجبة لذلك, فإن من قطع رحمه فإنه يعجل موته ويقصر عمره فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:(الذنوب التي تعجل الفناء قطعية الرحم)(19) فحتى الذي قد لا يخيفه ما بعد الموت فإن تعجيل الموت يكفي لأن يخيفه فيبادر الى صلة رحمه وعدم قطعها كي لا يعجل في فنائه.

ج- منع نزول رحمة الله سبحانه وتعالى :

من الأمور التي يوجبها قطع الرحم مسألة أن يقطع الله سبحانه وتعالى رحمته عمن يفعل ذلك  بل إن الأمر قد يعم قومه إذا ما تركوه يقطع رحمه ولم ينهوه عن ذلك يأمروه بأن يصل رحمه ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم) (20) ، ولعل المقصود من ذلك أكثر من مسألة التدخل المباشر لله عز جل في الموضوع بأن يكون الامر من خلال إن صلة الرحم لا تكون إلا من قوم رحماء في حين أن قاطعها إنسان لا رحمة في قلبه, ونفس القطيعة سببها البغضاء ما يؤدي الى كون المجتمع الذي فيه قاطع الرحم أن يكون مجتمع التشاحن والبغضاء .هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن العداوة عندما تكون في الدائرة الرحمية أي ألصق دائرة للإنسان فكيف ستكون في الدائرة الأوسع مع الغرباء, إن المجتمعات القديمة والبسيطة والبدوية كانت تقيم وزنا للعائلة بل للعشيرة مهما اتسعت, فمن يقوم بمعاداة ومقاطعة رحمه هو إنسان لم تصل الحضارة إليه وعليه وبسبب هذه الظروف مجتمعه سيكون هذا المجتمع مجتمع قتال وخصام وهذا معنى أن الرحمة لا تنزل عليه, بما ظلموا أنفسهم لا بظلم من الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله .

نفقة الأرحام هل هي واجبة ؟ :

في هذا المجال يطرح موضوع النفقة على الأرحام والتي يصطلح عليها بنفقة الأقارب, وهنا لا إشكال كما بينا سابقا بوجوب النفقة على الوالدين والولد وأنه يجبر على هذه النفقة من تجب عليه ولكن وقع الكلام في النفقة على غيرهم من الأقارب حيث ورد أنه لا يجبر الإنسان على نفقة هؤلاء سوى من قدمنا وقد ورد في ذلك ما رواه حريز عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال:(قلت له : من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته ؟ قال : الوالدان والولد والزوجة)(21) ، ومن خلال هذا الحديث يتضح أنه لا يجب على الإنسان ان ينفق على رحمه غير أبويه وأولاده ولا يجبر على ذلك. نعم يستحب له أن ينفق عليهم فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله :(من عال ابنتين أو أختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار بإذن الله)(22) .

وهذا ما يؤكد الاستحباب المؤكد وعدم الوجوب, ولكن يتبادر الى الذهن هنا سؤال ماذا لو لم يكن هذا الرحم قادرا على الإنفاق على نفسه وكان محتجا وكنت قادرا على مساعدته من دون ترتب ضرر عليك هل يجوز لك أن تتمسك بالحكم الاولي ولا تسد له حاجته ؟

من الناحية الشرعية لا يجوز ذلك لأنه مع انحصار المساعدة بك فإنه تجب عليك وأيضا فإن مساعدته هي مصداق عملي من مصاديق صلة الرحم التي لا تنحصر بمجرد السلام والكلام بل إنها في واقع الأمر ممارسة عملية , فمن كان قادرا على مساعدة رحمه بالمال ليسد له حاجته وحاجة عياله ولم يفعل هو عند الله سبحانه وتعالى قاطع لرحمه، وقد حرر هذا المعنى الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه في مسلك الأفهام بقوله:(وإنما يستحب عطية الرحم حيث لا يكون محتاجا إليها, بحيث لا يندفع حاجته بدونها, وإلا وجبت عيناً, لأن صلة الأرحام واجبة عينا على رحمه, وليس المراد منها مجرد الاجتماع البدني, بل ما يصدق معه الصلة عرفا, وقد يتوقف ذلك على المعونة بالمال حيث يكون الرحم محتاجا والآخر غنيا لا يضره بذل ذلك القدر الموصول به, بل قد يحقق الصلة بذلك وإن لم يسع إليه بنفسه, كما أن السعي الى زيارته بنفسه غير كاف مع الحاجة الى الوجه المذكور)(23) .

إن هذا التوجيه الرائع لصلة الرحم من قبل الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه, قد أصاب به عين الحقيقة لأنه كيف يكون واصلا من منع رحمه من مال محتاج إليه ؟ وما حاجة هذا الرحم للزيارة التي ستخسره ضيافة الزائر طالما أنها ستزيد دينه وحاجته؟ لذلك كان الرحم المرسل للمال غير الزائر واصلاً واكان الزائر القادر على دفع المال ويمنعه قاطعاً،  وهذا نظر الى فهم حقيقي لمفاهيم الآيات والروايات .

وهنا لا بد من تحديد أدق للموضوع فنقول إن الرحم إن احتاج للمال لا يلزم رحمه بإعطائه المال إن أمكنه تأمين المال من خلال مساعدات اجتماعية فإن لم يتوفر له ذلك ولم يتأمن باذل للمال يستطيع إعطاءه من الحقوق الشرعية المتوجبة عليه من الخمس والزكاة, فان لم يكن لديه من هذا المال وانحصر بالمال التبرعي منه وجب عليه ذلك .

وفي موضوع إعطاء الرحم من الحقوق الشرعية المتوجب على الرحم القادر ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: قال: (في الزكاة يعطى منها الأخ والاخت, والعم والعمة, والخال والخالة, ولا يعطى الجد والجدة)(24) .

طبعا عدم إعطاء الجد والجدة كونهما من الآباء إذ إن نفقتهما واجبة حيث تجب النفقة على الأبوين وإن علا فتشمل الأجداد وعلى الأبناء وإن نزلوا فتشمل الاحفاد .

نعم ورد وجوب شرعي في نفقة الأقارب في مورد أن يكون هذا القريب يحق له أن يرث من الرحم لعدم وجود وارث آخر فساعتئذ يجب على هذا الرحم الوارث أن ينفق على هذا الرحم المقطوع فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:(أتي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بيتيم فقال: خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه)(25)، فإن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) أوجب على من يفترض أن يرثه لو مات أي الطبقة الأقرب والألصق من طبقات الميراث ان يتولى أمر هذا اليتيم وينفق عليه, بالتالي يتحصل معنا أن نفقة الأرحام هي أبرز مصاديق صلة الرحم سواء على سبيل الاستحباب أو الوجوب كما قدمنا .

ـ مشاكل اجتماعية سببها قطع الرحم :

كثيرة هي المشاكل التي كنا نتعرض لها وسببها قطع الرحم وعدم صلتهم ,ويمكن لي أن أدعي أن السمة الغالبة للمجتمعات التي نعيش فيها في أيامنا هذه هي قطيعة الرحم ولأسباب مختلفة ومتنوعة, ولا ينحصر الأمر في بلد معين, بل نتيجة لمطالعاتي وجدت أن الأمر حالة عامة في كل بلاد المسلمين, بل للأسف حتى في المغتربات هذه الحالة موجودة وسببها تأثر أهلنا هناك بعادات تلك البلاد أن يؤثروا هم فيهم ويرشدونهم للأفضل, وقد عالجت بعضها الكثير أثناء معالجتي لهذه المشاكل وأحب أن أذكر بعض الموارد فلا استطيع حصرها كلها علها تفيد خاصة من يقع في مثلها وهي على الشكل التالي :

أ‌- عدم وجود وقت :

البعض ومع اعتقادهم الجازم بوجوب صلة الرحم يعتبر أنه لا يمتلك الوقت الكافي لإجراء هذا الأمر, فمشاغل الحياة وصعوباتها تفرض علينا اهمامنا بأولادنا ونفقاتهم ولا وقت لدينا للقيام بزيارات لصلة الرحم . والبعض يعطي شرعية لهذا الأمر من خلال قاعدة التزاحم حيث إنه في كل مورد تزاحم فيه الواجب المهم مع الاهم قدم الأخير, وما يقولونه في المبدأ صحيح ولكن في التطبيقات غير صحيح إذ لا يحتاج تنفيذ صلة الرحم الى الزيارة دائما, بل قد يكتفي كما قلنا بمجرد السلام, فيمكن لك أن تتصل برحمك لتبلغه أشواقك ومحبتك وأنك منهمك بعمل معاشي ضروري وستتحين الفرصة لزيارته عما قريب, فإن هذا الاتصال يعتبر صلة لرحمك وكاف ويمكن التوصل لهذه الصلة بأساليب مختلفة تختلف باختلاف الحالات والمقامات ولا تنحصر بالزيارة كما قلنا, وكما ورد معنا فان إرسالك مبلغا من المال لرحم محتاج يعتبر هو الصلة الحقيقية حتى لو لم تزره ولا تعتبر الزيار كذلك مع منع المساعدة المادية .

ب‌- كونهم على غير ديننا :

يتحجج البعض لعدم صلة أرحامهم بأنه على غير ديننا وبالتالي لا يجوز لنا زيارتهم وصلتهم  والحقيقة أن من أهم دواعي صلة الرحم هو أن تري رحمك سماحة الإسلام وكيف يحافظ هذا الدين على العلاقات الرحمية, فيكون ذلك منك نوعا من انواع الدعوة لدين الله سبحانه وتعالى  وبالتالي لا يجوز التحجج بعدم توافقنا في الدين لترك صلة الرحم, بل إنه يصبح أوجب خاصة مع إمكانية الاستفادة من هذا الأمر بدعوة الرحم الى دين الحق. المهم ان لا يكونوا هؤلاء أعداء للأمة يسعون لحربها ففي هذا المجال لا يجوز أن نودهم كما تقدم معنا .

ج- كونهم على غير مذهبنا :

من المؤسف انه نتيجة للتربية المذهبية الضيقة وبُعد الناس عن حقيقة التشيع يقوم بعض المؤمنين السطحيين بمقاطعة من هم على غير مذهبهم من أرحامهم بحجة انهم لا حرمة لهم  أو لا حق لهم علينا, وهذا خاطئ مطلقا, فالتشيع مذهب يدعو للوحدة بين المسلمين, ولا يسعى الى شق عصا الأمة, وهذا ما علمنا إياه أئمتنا(عليهم السلام) ودعونا إليه منذ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الى الحجة المنتظر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, وقد تقدم معنا في حديث سابق أن الرحم إن كان على مذهبنا فلها علينا حقان في حين أنه إن كان مخالفا لنا فيبقى له علينا حق الرحم .

ومما ادبنا به أئمتنا(عليهم السلام) , أن نصلي صلاتهم ونحضر جنائزهم فقد ورد عن الإمام

الصادق(عليه السلام) فيما رواه زيد الشحام عنه حيث قال:(يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلوا في مساجدهم, وعودوا مرضاهم, واشهدوا جنائزهم, وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا, فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفر ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه, وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه)(26) .

وهذا الحديث يتعرض لمن خالنا بغض النظر عن أية علاقة أخرى أو حق آخر له علينا فإذا وجد هكذا حق فإن الأمر سيصبح أشد وأكد, فرحمنا الذي هو على المذهب يخالفنا له علينا حق القرابة وفي نفسه هناك حق أهم وأوجب علينا وهو انتماؤنا للمذهب الذي يفرض علينا أن لا نقاطع من يخالفنا المذهب .

د ـ كونهم غير متدينين :

في هذه الحالة يحاول قاطعوا الرحم أن يتحججوا لفعلهم هذا بأن رحمهم أشخاص غير متدينين وإذا ما ذهبوا الى بيتهم فإنهم قد يتعرضون لإشكالات شرعية, أو حتى نفسية لوجودهم في بيئة لا ينسجموا معها, وإذا عرضنا لبعض التفاصيل التوضيحية فإنك ستجد الكثير من الأمثلة منها أنك ستحرج كرجل مثلا فيما لو أرادت الانثى من رحمك كابنة عمك أن تصافحك عند استقبالك وهذا محرم شرعا, وكذلك فالعكس صحيح فيما لو كانت أنثى متدينة تريد أن تزور أقارب لها وأراد الرجال مصافحتها, ومنها ما لو خاضوا في حديث غير شرعي فيه غيبة, أو نميمة, أو بهتان, أو لو كنت عندهم ثم أداروا جهاز التلفاز وكان هناك برنامج فيه أمور لا يجوز النظر إليها أو استماعها .

كثيرة هي الموارد التي قد يستعرضها الإنسان من أجل أن يبرر لنفسه ترك صلة الرحم, ولكن مع ذلك لا يجوز هذا الأمر لأنه كما قلنا سابقا إن الرحم لا يقطعه شيء, وبالتالي فإن واجبنا هو البحث عن الوسيلة التي لا توقعنا في المحاذير التي تتحدثون عنها, فيمكن لنا أن لا نصافح ونعتذر بأسلوب مناسب لا يجرح وإذا ما قاموا بالخوض في حديث لا يجوز ننصحهم ونعظهم ونحاول تغيير أجواء الحديث فان أصروا نغادر ونكون قد قمنا بالزيارة ضمن الحد الأدنى المطلوب منها فإن الصلة تحصل بالسلام في بعض الأحيان .

هذا من جهة, ولكن من الجهة الأهم فإن كون رحمنا من غير المتدينين لا يؤدي الى إعطائنا مبررا لترك العلاقة بهم بغض النظر عن وجوب صلة الرحم, بل يفرض علينا الاتصال بهم وأمرهم  بالمعروف ونهيهم عن المنكر حتى لو كانوا أناس لا علاقة نسبية لنا بهم, فإذا كانوا أرحامنا فإن الواجب يصبح آكد وأكثر أهمية لان الأقربون أولى بالمعروف كما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ولأن ترك هداهم يعتبر من المحرمات التي يعاقب الله سبحانه وتعالى عقابا كبيرا .

هـ - وجود خلافات مادية :

يعتبر المال سببا لكثير من المشاكل بين الناس ,وكثيرا ما وصل العداء بين الأهل بسبب المال الى حالات قطيعة تستمر حتى  الممات, ولعل هذا من الأسباب التي أوجبت أن يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال: 28].

فحب المال يودي بصاحبه الى النار إذا لم يراع في تحصيله وصرفه حق الله عز وجل ومن ذلك

ان يصبح سببا للخلافات بين الأهل لقطع الرحم .

إذا في بعض الأحيان يقع خلاف مالي بين شخص ما ورحمه بسبب مال, أو عقار, أو حتى موقع دنيوي, أو لعله ديني, يقومان معا أو أحدهم بمقاطعة  بعضهما البعض, وهذا من ناحية شرعية أم غير جائز وعلى المؤمنين في حالة وقوع خلافات من اي نوع كانت اللجوء الى القضاء الشرعي , ثم الالتزام بالحكم الشرعي المترتب على ذلك, والتسليم به وجعل الموضوع وراء ظهره والمضي في علاقة طيبة مع رحمه فهو إن كان مظلوما وفعل ذلك أخذ من الاجر الكثير مرة لالتزامه بالحكم الشرعي حتى لو كان ظالما بحقه, وثانيا لأنه التزم بتطبيق ما أوجبه الشرع الحنيف عليه من صلة الرحم مع قناعته أن رحمه هذا ظلمه وغصبه حقه. ولعل هذا الغاصب إذا ما رأى هذا التصرف من رحمه يعود الى رشده من خلال الصدمة الحاصلة من رد الفعل الأخلاقي لرحمه فيعيد حساباته ويتخذ قراره بإعادة حقه إليه, وهذا حصل في كثير من الحالات التي عرفت وتابعت .

و- الحرص على المال :

يعتبر البخل آفة كبيرة توقع الكثير ممن ابتلي بها بمحرمات كثيرة, فالغني الذي يجب عليه الخمس يتركه بسبب بخله, واذا ما جاء أحدنا سائلا يسأل حاجته فإن البخيل منا يمتنع عن دفع شيء له خوفا على ماله .

وهنا أيضا فان صلة الرحم قد تقتضي في بعض الأحيان أن يدفع الواصل لرحمه هدايا أو حتى مساعدات مالية لرحمه المحتاج , فيقوم هذا الشخص الحريص على المال أكثر من حرصه على أداء واجبه الشرعي بالهروب من رحمه وعدم صلته كي لا يدفع المال الذي تعلق به بشكل أودى بدينه وضَيّع كل ما يقوم به من صلاة وصوم وأحكام التزم بها .

إننا نعاني في مجتمعاتنا من هذه النماذج الحريصة على الدنيا مالا وجاها ومناصب فيتركون القيام بواجباتهم بسببها .

ـ مشاكل ناتجة عن التعصب للأرحام :

بسبب الفهم المغلوط للعلاقات الرحمية يقوم البعض بالتعصب الأعمى لأرحامهم نتيجة للإلفة والمحبة بينهم, فإذا وقع إشكال بين أحد أرحامهم وبين شخص آخر وكان هذا الآخر على حق فإنهم مع كونهم متدينين يتعصبون لرحمهم, بل ما يزعج ويؤذي هو اصطفافهم الى جانب ارحامهم أمام القضاء الشرعي وهو يعرف أنه يزور بمعنى أنه يشهد شهادة زور يهدف من وراء ذلك أن يساعد رحمه ولو على حساب الدين وهو بذلك يرتكب حرمة شرعية كبيرة لأنه جعل محبته لرحم أهم عنده من محبته لله وخوفه منه, وهذا ما حذر منه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حيث قال:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }[التوبة: 24]. فإن الآية الكريمة تحذر من يكون أهله وأرحامه أحب إليه من الله سبحانه وتعالى ورسوله أن مصيره هو عقاب الله عز وجل في الآخرة وتطلب منه التربص الى ذلك الوقت ووصفه بالفاسق الذي لا يهديه الله .

فيجب علينا التنبه لعواطفنا وأن يكون ارتباطنا بالدين أقوى من ارتباطنا بالعشيرة والأهل فنستحق ان نكون بذلك مؤمنين حقيقيين. ويجب أن نتذكر دائما أن هذه الأنساب مؤقتة بالحياة الدنيا, أما يوم القيامة فلا أنساب بيننا ولا يتعرف من تعصبنا له وخالفنا الشرع لأجله علينا في ذلك اليوم المشهود وهذا ما عبر عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون: 101]. فيوم القيامة لن يتعرف أحد على أحد, بل كل منا مشغول بنفسه يسأل الله عز وجل أن ينجيه ولا يمتلك في تلك اللحظة الحرجة أن يتعرف على أحد، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الصلة لأرحامنا تكون بنهيهم عن المنكر الذي يرتكبون لا بتشجيعهم عليه لأنك إن شجعته دفعته للنار في حين أنك بنهيك إياه ترشده الى طريق الجنة .

وقد أفرد الله سبحانه وتعالى سورة خاصة لمن يود رحمه على حساب أمته ودينه هي سورة الممتحنة التي يصور فيها الله عز وجل قضية حاطب بن بلتعة الذي أراد ان يبلغ أهله في مكة بنية الرسول(صلى الله عليه واله)غزوها حبا لهم وخوفا عليهم فضيع بذلك دينه وقال الله سبحانه وتعالى عن ذلك أنه لن تنفع هذا الشخص أرحامه فقال:{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الممتحنة: 3].ونحن لا نمنع هنا من أن يحب أهله فهذا الأمر مطلوب ومحبوب من الله سبحانه وتعالى, ولكن الذي نمنع عنه هو التعصب الأعمى ومشاركتهم بالظلم, فقد ورد أن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) سئل عن العصبية فأجاب:(العصبية التي يأثم عليها صاحبها ان يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين, وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه, ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم)(27) .

باختصار تعتبر صلة الرحم من الأحكام الشرعية التي فرضها الله سبحانه وتعالى لتأمين مجتمع إسلامي متماسك يساعد بعضه البعض ويهتم بعضه بالبعض فإذا ما قام كل أفراد المجتمع الإسلامي بهذا الواجب فإن هذا المجتمع سيكون مجتمعا قويا لا يستطيع الأعداء ان يهزموه, أو أن يوقعوا الفرقة بين صفوفه .

ولصلة الرحم انعكاسات إيجابية على الصعيد الفردي كما لها على الصعيد العام, إذ تؤدي صلة الرحم الى إطالة العمر وتأجيل الأجل وكذلك الى زيادة الرزق وتخفيف وطأة الموت وكثير من المسائل المشابهة .

ولا يجوز من الناحية الشرعية التذرع بأي شيء لقطع الرحم لأن الرحم كما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام):لا يقطعه شيء فيجب صلة رحمنا حتى الذي يخالفنا في الرأي والمذهب بل والدين, وكذلك من يكون منهم غير متدين, ولعل صلتنا لهم تساعد في هدايتهم الى دين الحق ومذهب الحق وجماعة الحق .

وقد حذر الشرع الكريم من الوقوع في قطيعة الرحم لما لها من تأثيرات سلبية على المجتمع أولا إذ نكون سببا في ضعفه وتفككه ما يؤدي الى سهولة ضربه والسيطرة عليه وعلى الصعيد الفردي فإن قاطع رحمه يبتلى بقلة الرزق وتقريب الأجل وقطع الرحمة عن القوم والمجتمع الذي يوجد فيه من يقطع رحمه .

ويجب الالتفات أخيرا الى أنه كما امرنا الله سبحانه وتعالى بصلة رحمنا ونهانا عن قطعها أمرنا أن نحافظ على الدين وأحكامه بحيث لو تعارض أي تصرف مع حكم من أحكام الشرع الحنيف فإن الأولوية دائما ستكون للدين لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعليه يجب الالتفات الى ان نمتنع عن التعصب لأرحامنا في ظلمهم والمحرمات التي يرتكبونها. وأن نفهم أن الصلة الحقيقية لهم تكون في دعوتهم للسلوك الحق القويم والانتهاء عن الظلم والعصيان .

______________

1ـ بحار الأنوار الجزء 23 ص 268 .

2- بحار الأنوار الجزء 71 ص 97 .

3- بحار الأنوار الجزء 71 ص 121 .

4- مجمع البحرين الجزء 2 ص 160 .

5- بحار الأنوار الجزء 71 ص 105 .

6- بحار الأنوار الجزء 71 ص 105 .

7- بحار الأنوار الجزء 71 ص111 .

8- بحار الأنوار الجزء 71 ص 93 .

9- بحار الانوار الجزء 66 ص 383 .

10- بحار الأنوار الجزء 71 ص 94 .

11-  بحار الانوار الجزء 71 ص 131 .

12- بحار الأنوار الجزء 71 ص 103 .

13- عيون الحكم و المواعظ ص 122 .

14- بحار الأنوار 71  ص 131 .

15- بحار الانوار الجزء 71 ص 113 .

16- بحار الأنوار الجزء 71 ص 137 .

17- بحار الأنوار الجزء 71 ص 89 – 90 .

18- بحار الأنوار الجزء 71 ص 90 .

19- بحار الأنوار الجزء 71 ص 94 .

20- كنز العمال 3 ص 367 .

21- وسائل الشيعة الجزء 15 ص 237 .

22- وسائل الشيعة الجزء 15 ص 238 .

23- مسالك الأفهام الجزء 6 ص 45 .

24- وسائل الشيعة الجزء 6 ص 166 .

25- وسائل الشيعة الجزء 15 ص 237 .

26- من لا يحضره الفقيه الجزء 1 ص 383 .

27- الكافي الجزء 2 ص 308 – 309 .

 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات