أهم ما يجب أن يدقق فيه من يريد لنفسه دوام الصحة هو مسألة التغذي فإن عليها مدار الحياة والخطأ في وجوهها الطبيعية يؤدي الإنسان الى أشنع الأمراض المسببة لأشد الآلام.

وقد اطلعنا على بحث جليل لأحد أطباء الأنجليز نشرته إحدى الجرائد نقلها عنها المقطم فرأينا أن ننقله لقرّاء كتابنا هذا فإن فيه فوائد جليلة وقواعد قيمة قال (المقطم) في عدد 8389 الصادر في 19 أكتوبر سنة 1916 ما يأتي.

(وقد طالعنا مقالة لأحد أطباء أوروبا يتبين منها أن الذين اعتادوا أكل اللحم والبيض وما يدخل في حكمهما من الأطعمة يفرطون في الأكثار منها فيؤذون أنفسهم أذى كبيراً من حيث لا يدرون.

استهلّ الطبيب الكاتب مقالته بهذا السؤال وهو: كم يحتاج الجسم البشري من البروتين (الألبومن) لكي يؤدي وظائفه حق الأداء؟ والبروتين اسم جنس للأطعمة النتروجينية أو الالبومنية وهو العنصر الجوهري في اللحم الهبر والبيض واللبن والأجزاء الالبومنية في بعض البقول.

والموضوع من أهم مواضيع حفظ الصحة فإنّ الأمراض الناشئة عن الافراط في أكل البروتين كثيرة والوفيات بها تزيد على الوفيات بسواها فان أمراض القلب والكليتين والكبد ناشئة عن سوء تمثيل البروتين.

فمعرفة ما يجب أكله من اللحم والبيض واللبن ونحوها من الأمور التي تعد أساساً لحفظ الصحة وإطالة العمر.

ثمّ إن أعم الأطباء مجمعون على أن بعض الأمراض الاخرى العضالة كالسرطان ناشئة عن الخطأ في تعيين مقدار (البروتين) في الطعام وحسبنا هذا وذاك دليلاً على وجوب افراغ العناية في هذا البحث.

وأول من بحث في هذا الموضوع الدكتور (هندهيد) الدنماركي فظهر له من أبحاثه أن (25) غراماً من البروتين في اليوم تكفي الشخص العادي وتحفظ صحته.

وكان المظنون قبلاً أن المقدار اللازم يبلغ أربعة أضعاف هذا القدر.

وقد قال هذا الطبيب: إن زيادة هذا المقدار في الطعام مضرّ بالجسم).

ولا يخفى أن أطعمة البروتين كاللحم والبيض هي أغلى الأطعمة وأن الفقراء والمتوسطين يتعبون كثيراً في تدبير أثمانها ولكن متى ثبت لنا أن الناس يدفعون الأثمان الغالية لشراء الضرر والأذى وقصر العمر غلب علينا الضحك لولا أن المسألة من المبكيات.

وقد دقق الدكتور هندهيد في تجاربه توصلاً الى النتيجة التي استنتجها فكان يختار رجالاً من الذين يعملون الأعمال اليدوية العنيفة ويكيل لهم الأطعمة ويزنها ويدقق في وزن مفرزات أجسامهم ويفحص قوّتهم وأعضاءهم.

وبين التجارب التي جرّبها إنه جاء برجلين اقتصر في اطعامهما عاماً كاملاً على البطاطس والمرجرين (الزبدة النباتية) وكان يجنس الطعام يومياً بحيث يكون أقل ما يصيب الواحد منهما كل يوم مالا يقل عن (20) غراماً الى (25) غراماً من الألبومن بدلاً من (81) غراماً وهو المقدار الذي عين من قبل بالتجارب العلمية.

والمعلوم أن البروتين قليل جداً في البطاطس.

فاستخلاص المقدار المطلوب من الالبومن في البطاطس يقتضي ثلاثة أرطال منه فكان الطبيب الدنماركي يطعم كلاً من هذين الرجلين هذا المقدار من البطاطس كلّ يوم مع ست أوراق (54) درهماً من المرجرين ويمنعهما من أكل اللحم والبيض واللبن فكانت صحتهما في آخر العام من أجود ما يكون وحاضر أحدهما مع العدائين فقطع (264) ميلاً في (99) ساعة أي في أقل من الوقت المفروض.

وهذا بعض ما استنتجه الدكتور هندهيد من أبحاثه وتجاربه:

1ـ إن الألبومن الموجود في الأطعمة النباتية يغني في الجسم عن الألبومن الموجود في الأطعمة الحيوانية كاللحم والبيض واللبن وأن مقدار الألبومن الذي يحتاج الجسم اليه أقل من المقدار الذي كان يظن لازماً له.

2- إن الأطعمة التي يقل الألبومن فيها تزيد قوة الجسم على احتمال المشقة والتعب فقد قال الطبيب المذكور: لا اعرف واحداً من الذين يكثرون من أكل اللحم أحرز قصب السبق في محاضرة طويلة.

3- إن عدد الوفيات بأمراض الكبد والكليتين والأمعاء يبلغ بين سكان المدن المترفين نحو أربعة أضعاف ما يبلغه بين الفلاحين الذين معظم طعامهم من الخبز والبطاطس والأدهان (الزيوت).

وقال:(إن العرب الذين يأكلون الخبز والتمر فيهم من صلابة العود وشدّة الصبر على التعب ما يدهش الأوربيين وأن جراية جنود السيخ الهنود وهم من أشد جنود الدنيا عبارة عن كأسين من اللبن 25 أوقية من الخبز وأوقيتين من الزبد وأربع أواق من الفاصوليا وخمس أواق ونصف أوقية من البطاطس وهم لا يأكلون اللحم إلا مرّتين أو ثلاثة في الشهر ونعم ما يفعلون).

ويلخص استنتاج الدكتور هندهيد بقولنا أن قيمة الألبومن النباتي أفضل من قيمة الألبومن الحيواني ولكن يجب الاعتدال جداً في استعماله وبكميات معينة وإنه يجدر بالناس أن يقلوا من أكل اللحم وأن لا يكون أكله مع القلة مستمراً بل أن يؤكل في فترات متباعدة.

ومما يبعث على الاستغراب في هذه التجارب أن نتائجها كانت متماثلة في لاعبي الألعاب الرياضية وفي الذين يعيشون عيشة ساكنة هادئة فإن قوتهم ازدادت بإنقاص ما يأكلون من اللحم والبيض عما ألفوه قياساً على ما تطلبه قابليتهم...

الى أن قال:(ولكن الأمر المهم في مسألة الطعام هي عدم الافراط في شيء منه ولكن الخطر كلّ الخطر ناشئ عن الافراط في أطعمة البروتين أي اللحم والبيض واللبن).

ويجب ملاحظة الفرق بين الآكلين فالذي يعمل أعمالاً بدنية عنيفة يجب أن يعطى من الطعام أكثر مما يطعم من كان قليل الحركة أو كان شغله من الأشغال العقلية.

وختم الطبيب مقالته ببعض الوصايا العامّة التي يجدر بالمرء مراعاتها في طعامه وهي:

1ـ الإعتدال في الأكل من جميع أنواع الطعام التي تقدّم على المائدة ولا تأكل من طعام واحد مرّتين.

2- أترك المائدة وأنت شاعر بأنك تستطيع أن تأكل زيادة عمّا أكلت.

3- زِن جسمك مرة بعد مرة وقابل بين أوزانه وعدّل طعامك بحسب ما ترى من نقص الوزن أو زيادته فأن لم تهتم هذا الاهتمام القليل وتعن هذه العناية اليسيرة بجسمك فلا يحق لك أن تشكو إذا

اعتلّت صحتك ولا ينتظر أن تكون من طويلي العمر..)(1).

____________

1ـ انظر الجواهر في تفسير القرآن: 18 / 122 ـ 133.