المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الاتجاهات الفقهية في إثبات طرائق الدفاع  
  
3896   10:55 صباحاً   التاريخ: 22-3-2016
المؤلف : رائد احمد محمد
الكتاب أو المصدر : البراءة في القانون الجنائي
الجزء والصفحة : ص236-246
القسم : القانون / القانون العام / المجموعة الجنائية / قانون العقوبات / قانون العقوبات العام /

إزاء صمت التشريع الجنائي حول عبء إثبات طرائق الدفاع، حاول الفقه الجنائي ايجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة، فاختلف الرأي إلى مذهبين، يؤيد الأول تطبيق القاعدة المدنية في اثبات طرائق الدفاع، بينما يؤكد الثاني تطبيق القاعدة الجنائية ( قرينة البراءة ). عليه نبين الاتجاه الفقهي في إثبات طرائق الدفاع على الوجه الآتي:

الفرع الأول / مذهب تطبيق القاعدة المدنية ( المدعى عليه مدعياً عند الدفع ).

الفرع الثاني / مذهب تطبيق القاعدة الجنائية ( قرينة البراءة ).

الفرع الأول / مذهب تطبيق القاعدة المدنية ( المدعي عليه مدعياً عند الدفع )

ينادي هذا الرأي بتطبيق مبدأ ( إنقلاب المدعي عليه إلى مدع في حالة إثارته دفعاً، ومن ثم يجب عليه الإثبات استناداً للقاعدة العامة البينة على المدعي(1). فإذا ما دفع المتهم بوجود سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية أو موانع العقاب، فإن إثبات صحة هذا الدفع يقع على عاتقه لأنه يصبح مدعياً، واذا عجز عن ذلك عد الدفع غير صحيح ويتعين رفضه، من دون إلزام الاتهام بإقامة الدليل على بطلانه(2). فلا يكون على الادعاء العام سوى توافر عناصر الجريمة المرفوعة عنها الدعوى وانطباق النصوص التجريمية عليها. فلما كان الأصل في الإنسان انه مسؤول عن أفعاله فإن نفي هذا الأصل يقع على من يدعي به؛ ولذلك إذا دفع المتهم بانه قام لديه مانع من موانع المسؤولية فعليه ان يثبت ذلك، وكذلك الحال إذا قام لديه سبب خاص من أسباب الإباحة أو مانع من موانع العقاب فعليه وحده تقع تبعة إثبات صحة هذا الدفع(3). ويستند أنصار هذا المذهب إلى حجج عدة ابرزها يتمثل في ان مبدأ تحول المدعى عليه إلى مدع في حالة إثارته دفعاً، إنما هي قاعدة لا يقتصر تطبيقها على المواد المدنية وحدها، بل هي قاعدة عامة النطاق، تسري على الفروع الأخرى للقانون كافة. كما ان الدفوع التي يثيرها المتهم لها طابع استثنائي، فهي ليست من العناصر الأساسية التي يتعين على الاتهام اثباتها، ويتصل بذلك القول بأن هذه الدفوع لا تدخل في التعريف القانوني للجريمة، لذلك فمن المنطقي ألا يكلف الادعاء العام بإثباتها(4). فضلاً عن ان المتهم يعد متمتعاً بحرية الإرادة وبالسلامة العقلية، فإذا دفع بالعكس فعليه وحده عبء اثبات صحة ما يدعيه، وان كل ما يعد استثناء يتعين على المتهم إثباته(5). ومع ذلك فإن رأي الأغلبية من أنصار القاعدة المدنية يذهب إلى ان هذه القاعدة يجب ألا يكون لها في المواد الجنائية سوى تطبيق مقيد، فلا يكون تطبيقها على النحو الذي تطبق به في الدعوى المدنية. ويستند هذا الرأي إلى الدور الايجابي للقاضي الجنائي، والى مركز الادعاء العام من ناحية أخرى(6). وتبرير ذلك ان الأصل في الإنسان البراءة حتى يقوم الدليل على ادانته، ومن ثم مجرد توجيه الاتهام لشخص، لا يلزمه ان يقيم الدليل على براءته، ما دام الادعاء العام لم يقدم من جانبه دليل الإثبات، فإذا دفع المتهم ما أسند اليه، بقيام سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية أو العقاب، كان على القاضي بحث صحة هذا الدفع، ثم يبني حكمه على ما يطمئن اليه ضميره، سواء ارتأى تحقيق الدفع أو بان له ان الغرض منه هو المماطلة في نظر الدعوى. ومجرد تقديم الادعاء العام لما يعتقده دليلاً على مقارفة المتهم للجرم لا يوجب حتماً القضاء بالإدانة، وان لم يقدم المتهم ما يدفع عنه التهمة؛ إذ يجب على القاضي ان يتحرى الحقيقة من أي سبيل كان، فلا يكون موقفه سلبياً، وإنما يتخذ موقفاً ايجابياً يعينه على الاهتداء لوجه الحق(7). ومن جهة أخرى بات من المسلم به ان الادعاء العام لا يعد خصماً حقيقياً للمتهم. بل هو خصم شكلي أو ما يصطلح عليه بأنه خصم نزيه للمتهم، لأنه غير ملزم بطلب ادانة المتهم دائماً، وانما له أيضا ان يطلب براءته ونفي التهمة عنه. ذلك ان المركز القانوني للادعاء العام في الدعوى العامة انما ينوب عن الهيئة الاجتماعية التي خولته الحضور امام القضاء وتمثيلها أمامه في سبيل الوصول إلى كشف الجريمة وتحقيق العدالة(8). فالادعاء العام ليس خصماً لأحد، ليس فقط لأنه ينوب عن المجتمع في مباشرة الدعوى العمومية المملوكة للجميع، وإنما لأنه يستهدف كذلك غرضاً عاماً، وهو التطبيق الصحيح لأحكام قانون العقوبات، دون ان يكون في حالة نزاع فعلي مع احد، ولا تتعارض مصالحه مع أحد، حتى ولو كان المتهم، لأن مصلحة الادعاء العام هي على الدوام في التطبيق الصحيح لأحكام قانون العقوبات، سواء أدى الامر إلى إدانة المتهم أو براءته(9). فضلاً عن ان السلطات المقررة للادعاء العام، ليست امتيازاً خاصاً له، بقدر ما هي وسائل يستعين بها على اداء تلك الوظيفة، وكل ذلك يوجب عليه ان يساعد المتهم في إثبات صحة ما يدعيه لأنه مما يكمل رسالته(10). فالخصوم في الدعوى الجنائية هم المتهم والمدعي المدني والمسؤول عن الحقوق المدنية، اما الادعاء العام فليس خصماً بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هو خصم من نوع خاص، لا يعبر عن صالح خاص وإنما عن صالح عام، قد يتفق وصالح المتهم في إثبات براءته، إذ ان مهمته ليست قاصرة على إثبات التهمة فحسب، بل إثبات الحقيقة بجميع صورها(11) .ولذلك قيل ان طبيعة وظيفة الادعاء العام يفرض عليه التحرر في عمله من التحيز ضد المتهم أو لمصلحته، فلا يجوز له ان يعتبر رسالته الحصول على أحكام إدانة تقرر أشد العقوبات، وإنما رسالته هي التطبيق السليم للقانون على عناصر واقعية، سواء بعد ذلك ان تكون نتيجة هذا التطبيق ضد مصلحة المتهم أو في مصلحته(12).

الفرع الثاني / مذهب تطبيق القاعدة الجنائية ( قرينة البراءة )

للوقوف على مذهب تطبيق قرينة البراءة لاثبات طرائق الدفاع، نبحث أولا نقد تطبيق القاعدة المدنية، ثم نتناول ما يترتب على تطبيق القاعدة الجنائية.

أولا  / نقد تطبيق القاعدة المدنية

معظم الفقه الجنائي يذهب – فيما يتعلق باثبات وسائل دفع الجريمة أو المسؤولية الجنائية أو العقوبة أو تخفيفها – إلى عدم تطبيق القاعدة المدنية القائلة " على المدعي عليه ان يلتزم باثبات الدفع الذي يتمسك به". وفي تبرير ذلك قيلت أسباب عدة(13)، إلا إنها تدور في معناها حول عدم توافق هذه القاعدة المدنية مع طبيعة الدعوى الجنائية، سواء ما تعلق منها بالاثبات أو بمراكز الخصوم، أو على وفق قرينة البراءة، ويمكن إيجاز ذلك بالنقاط الآتية:

أ-يؤكد كثير من الفقه بأنه لا مجال لهذه القاعدة في إطار الإثبات الجنائي، إذ يفترض في المتهم البراءة، إذ ان إدانة المتهم تعني إنهيار هذا الأصل، بينما لا ينحصر هذا الأصل فيما يتعلق بالوقائع المكونة للركن المادي للجريمة فقط؛ بل يتعلق أيضا بسائر اركانها وغير ذلك من الأسباب التي تحول دون إدانة المتهم ومعاقبته. فالإدانة مع العقوبة تتطلب توافر الركنين المادي والمعنوي، فضلاً عن عدم وجود سبب من أسباب الإباحة أو موانع المسؤولية أو أسباب انقضاء الدعوى الجنائية، إذ يقتضي إثبات الإدانة تقديم الدليل الكامل من توافر الركنين المادي والمعنوي للجريمة مع نفي كل هذه الاسباب(14). وبعبارة أخرى إذا كان المتهم تتحرك ضده الدعوى الجنائية يعد بريئاً حتى تثبت ادانته بحكم بات، فإن مناط التزام الادعاء العام هو إثبات إدانته، وهذا الالتزام لا يشمل أركان الجريمة وظروفها، والعناصر الأخرى اللازمة لقياس المسؤولية الجنائية فقط، ولكن أيضا إثبات عدم صحة أية واقعة أو عنصر قد يكون من شأنه ان يؤثر في هذه المسؤولية، من حيث نفيها أو تخفيفها(15). فعلى الاتهام يقع إثبات إنتفاء أسباب الإباحة، لأن إثبات ذلك ما هو إلا إثبات لتوافر الركن الشرعي للجريمة، فيدخل اساساً في نطاق التزام الاتهام بإثبات توافر أركان الجريمة كافة(16). ومثل ذلك يقال في إثبات موانع المسؤولية الجنائية، بعدِّها إثبات للركن المعنوي للجريمة(17).

ب- ومن جهة أخرى، فإن هذا الاتجاه يضع في الحسبان الفروق التي توجد بين الدعوى الجنائية والدعوى المدنية، خاصة فيما يتعلق بمركز كل خصم من الخصوم فيها، ذلك أن أطراف الدعوى المدنية يتواجدون في مراكز متساوية من حيث طرائق الإثبات، فمن الطبيعي والمنطقي حينئذ ان يقع على عاتق كل منهما إثبات ما يدعيه. وعلى العكس من ذلك، فإنه لا يمكن القول بأن أطراف الدعوى الجنائية يقفون على قدم المساواة؛(18). فالرغبة في التوصل إلى كشف حقيقة الجريمة، تفرض على عاتق سلطة الادعاء وايضا على القاضي إثبات عناصر الواقعة الإجرامية كافة، ولذلك كان لزاماً ان يرخص لهما القانون بمكنات خاصة تفوق بالتأكيد تلك التي تتوافر للمتهم في مجال البحث والتحري للوصول إلى أي دليل، والتي تتمثل في الترخيص بكثير من الإجراءات المسيسة بحرية المتهم، ومن ثم تجعله حتما في وضع غير متساو مع سلطة الادعاء ابتداء من استدعائه وانتهاء بجواز توقيفه، فضلاً عن جواز مراقبته وكشف اسراره والتصنت على كل مكنونات حياته، مما يخلق نوعاً من عدم التساوي بين مركز كل من الادعاء والمتهم(19). فضلاً عن ان عبء الإثبات في الدعوى الجنائية تتسم بسمات خاصة، تتجسد بجلاء في ذلك التعاون الكامل بين كل من الادعاء والقاضي في إظهار الحقيقة، مما ينفي تماماً وجود أية حدود شكلية خاصة على عاتق سلطات الاتهام، كما يستبعد ذلك التقسيم الشكلي لعبء الإثبات، حيث يتسع دور الادعاء العام(20). وذلك ما دفع معظم الفقه الجنائي إلى الإقرار بأن عبء إثبات التهمة، وكذلك عدم وجود سبب يحول دون توقيع العقوبة، يجب ان يقع على عاتق الادعاء في الأحوال جميعها وبغير استثناء(21).

جـ-   قد يكون مفهوماً ادخال قاعدة قانونية في مجال قانوني آخر في حالة وجود فراغ تشريعي – مع ضرورة ان تكون تلك القاعدة لا تتعارض مع روح أو فلسفة المجال القانوني الذي يراد تطبيقها فيه – فإنه من الصحيح والأصوب الاستناد إلى الدستور – وهو أعلى القوانين في الدولة – وتطبيق المادة (20/أ ) وما يتفرع عنها من نتائج وآثار، لسد ذلك الفراغ التشريعي لاسيما في مجال توزيع عبء الإثبات(22). كما ان القول بأن المتهم ملزم بإثبات دفعه، لا يجد له سند صحيح في القانون، بعدِّ الخصومة الجنائية ما هي إلا إجراءات لتقرير ما إذا كان يحق للدولة عقاب شخص ما – هو المتهم – دون إجحاف أو تعسف، ومن ثم فإن المبدأ القائل بأن عبء الإثبات لا يقع إطلاقاً على عاتق المتهم، لم ينشأ لمحاباة المتهمين أو شفقة بهم، وإنما نشأ بعدِّه نتيجة طبيعة لتبرير حق الدولة في العقاب(23).

د-  إلا إننا نؤيد الرأي القائل بأن قرينة البراءة تكفي بذاتها لتبرير عبء إثبات الدفوع التي قد يدفع بها المتهم، اما ما يذكره الفقه من اعتبارات أخرى كالاستناد إلى تفوق مركز الادعاء العام على مركز المتهم، أو إلى الدور الايجابي للقاضي الجنائي في توفير الدليل والبحث عن الحقيقة، أو بسبب مبدأ الاقتناع القضائي، وما قد يعنيه ذلك من خطر اقتناع القاضي بالإدانة، إذا التزم المتهم موقفاً سلبياً محضاً؛ فلا تعدو ان تكون اعتبارات ثانوية أو معززة للسند الاساسي، وهو قرينة البراءة. لأن هذه القرينة تنتج في الواقع أثرين، أولهما سلبي، يتمثل في إعفاء المتهم من عبء إقامة الدليل على براءته، وثانيهما ايجابي يتجسد في تحميل هذا العبء كلية على عاتق جهة الاتهام(24). ومن جهة أخرى إذا كان دفع المدعى عليه في الدعوى المدنية، غالباً ما يعد ادعاء خلاف الأصل أو الثابت أو الظاهر، لذا يجب عليه إثباته لأنه ينقلب مدعياً في هذه الحالة؛ فإننا نرى ان دفع المتهم في الدعوى الجنائية لا يمكن عدّه إدعاء بقدر ما يعد دفاعاً ضد ادعاء، باحتساب دفعه ما هو إلا تمسك بالأصل أو الثابت أو الظاهر، كما ان دفاعه هو حق مشروع له ضد ادعاء ممكن ان ينهي حياته أو يسلب أو يقيد حريته أو ينصب على ماله، وعليه صح القول ان دفوع المتهم ما هي إلا دفاع قبل ان تكون ادعاء، اما تطبيق القاعدة المدنية عليها والنظر اليها على انها استثناء من قاعدة أو ادعاء خلاف الأصل، بحيث يقع على المتهم اثباتها، فهو قياس خاطئ ولا يمكن مسايرته في مجال الإجراءات الجنائية. ومن ثم يجب الإقرار بأن أعمال القاعدة المدنية القائلة بإلزام المدعى عليه ( المتهم )، إثبات ما يدعيه من دفوع لا يتفق مع الشرعية الإجرائية الجنائية متمثلة في قرينة براءة المتهم(25).

ثانيا  / أثر تطبيق القاعدة الجنائية ( قرينة البراءة )

يمكن ايجاز أثر تطبيق قرينة البراءة في إثبات وسائل دفع الجريمة أو المسؤولية الجنائية أو العقوبة عن المتهم – سواء ما تعلق منها بالادعاء أو المحكمة أو المتهم – في ضرورة الاحتكام إلى قرينة البراءة لكي تحكم توزيع عبء الإثبات في الدعوى الجنائية بصفة عامة، وإثبات كل ما يحول دون تطبيق العقوبة بصفة خاصة. ومؤدى تطبيق هذه القرينة – فيما يتعلق بوسائل الدفع والدفاع – أنه لا يتعين على الادعاء العام ان يثبت أركان الجريمة وعناصرها الأخرى التي تدخل في النموذج القانوني لها فحسب، وإنما أيضا إثبات عدم وجود أو عدم صحة أي سبب أو عنصر قد يكون من شأنه نفي أحد أركان الجريمة أو امتناع مسؤولية المتهم أو اعفائه من العقاب أو تخفيفه. ولكن هل يعني ذلك ان المتهم لا يلتزم بأي دور في سبيل إثبات دفعه؟ وهل للمحكمة أي دور في هذا السبيل؟. معظم الرأي لدى الفقه الجنائي يقرر بكفاية دفع المتهم والتمسك به، دون الزامه بأثبات ذلك الدفع، حيث يقع عبء إثباته على عاتق الادعاء العام وعلى المحكمة ان تساهم في التحقق من صحة هذا الدفع(26). بل ان مهمة المحكمة والوظيفة القضائية التي تضطلع بها، تلقى عليها مسؤولية التثبت من وجود سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية أو عذر قانوني معف من العقوبة أو مخفف لها – في الفعل الذي اقترفه المتهم – حتى إذا لم يدفع المتهم، بأي من تلك الأسباب، لأن المتهم إذا اساء الدفاع عن نفسه وأنكر اقتراف الفعل المنسوب اليه ولم يدفع بالسبب الذي يحول دون عقوبته – رغم وجوده – فإن مهمة القضاء الجنائي، وواجب المحكمة في إنزال حكم القانون على الواقعة التي تجري التحقيق القضائي فيها، ان تحكم بما يتبين لها من حكم القانون – من تلقاء نفسها – حتى ولو لم يدفع به المتهم(27). ذلك لأن مثل هذه الدفوع، أشبه بإثبات وجود القانون نفسه، وهذا يدخل ضمن وظيفة الادعاء والقاضي. فالرد عليها واثبات عدم صحتها هو دعامة الادعاء في دعواه، وعلى القاضي ان يحققها من تلقاء نفسه، ولو لم يدفع بها المتهم، ويجب عليه ذلك – من باب اولى – ان دفع بشيء منها(28). إلا ان هناك بعض من الفقه يستثني إثبات موانع المسؤولية من تطبيق قرينة البراءة، بقولهم انه إذا كان الأصل تطبيق قاعدة البراءة وتكليف الادعاء إثبات فساد دفع المتهم بتوافر مانع مسؤولية كالجنون أو السكر غير الاختياري؛ فإنه يحد من تطبيق القاعدة في هذا المجال اعتبار منطقي؛ ذلك ان دفع المتهم هو إدعاء بما يخالف الأصل، إذ "الأصل في الإنسان التمييز والحرية"، ومن ثم كان الادنى إلى المنطق ان يلتزم المتهم بإثبات دفعه(29). وخلاف هذا الرأي يرى البعض الآخر من الفقه بأنه إذا دفع المتهم بالجنون فلا يجوز للمحكمة ان تستند في إثبات عدم جنونه إلى انه لم يقدم دليلاً عليه، بل ان من واجبها هي ان تتثبت من انه لم يكن مجنوناً وقت ارتكاب الحادث، ولا تطالبه هو بإقامة الدليل على دعواه، ويكفيه في ذلك التمسك بالدفع(30). بحيث يمكن الإقرار فعلاً ان المتهم بدوره لا يعفى من أي التزام، وإنما أقل ما يمكن عليه، أن يتمسك بالدفع، أي يتحمل ما يطلق عليه البعض عبء الادعاء، أما عبء إثبات عدم صحة هذا الدفع فيقع على كاهل الادعاء العام(31). ومع ذلك ينبغي ان يلاحظ، ان المتهم – وعلى المستوى الواقعي – لا يستطيع ان يتخذ من الاتهام الموجه اليه موقفاً سلبياً محضاً، فمثل هذا الموقف ان أمكنه اتخاذه فيما يتعلق بالبحث عن الأدلة، فلا يمكن – منطقياً – ان يتخذه في مرحلة تقدير الأدلة. ففي هذه المرحلة حيث يبني القاضي حكمه على العقيدة التي تكونت لديه قد يكون لصمت المتهم أو لسلبيته أثر سيء على تكوين القاضي لعقيدته في غير صالحه، ومن هنا فإن المتهم يكون مضطراً حتماً لاتخاذ موقف بين العبء القانوني للأثبات والعبء الفعال للإثبات(32).  إذ نتيجة لمبدأ الاقتناع للقاضي، فإنه يكون للمتهم مصلحة حقيقية في ان يقيم – إذا استطاع – الدليل على براءته، أو على وجود سبب من أسباب موانع المسؤولية أو الاعفاء من العقاب، لأنه من الممكن ان يستنبط القضاة من سكوته ومن رفض الاجابة، قرينة في غير صالحه(33). نتيجة ذلك ظهر رأي يقول بالتوسط بين الرأيين، دون ان يضع عبء الإثبات – فيما يتعلق بالدفوع – جميعه على جهة واحدة، ومن ثم فهو يقترح حلاً وسطاً، فيقول بتكليف المدعى عليه بالأثبات، دون ان تفرض عليه القواعد الدقيقة، ودون ان يطلب منه الدليل القاطع، وفي حال احتمال وجود سبب أو عذر وجب على القاضي الأخذ به، لأن الشك يفسر لصالح المتهم، اما الادعاء فعليه ان يدلي بما يقيض هذا الدفع ويبطله بالاستناد إلى الدعوى وظروفها(34). ومع ذلك لا يتطلب القاضي من المتهم إثباتاً كاملاً لدفعه(35). بل ان طلب الإثبات منه، لا يرد على سبيل القطع أو اليقين، بل يكتفي في ذلك بما يشبه أو يؤدي إلى الشك حتى يمكن تفسير ذلك لصالحه، وفي المقابل، إذا لم يتمكن الادعاء من تفنيد دفاعه، فعلى القضاء التمسك بالأصل الثابت وهو براءة المتهم من أي إدعاء(36). ولكن يجب ان يؤخذ بالحسبان ان المتهم عندما يمارس مهمة الإثبات – سواء لإثبات براءته أو تخفيف ذنبه – فإنه يقوم بذلك من منطلق حقه في الدفاع عن النفس، وذلك ليس باعتبار ان القانون اجاز للمتهم الحق في إثبات براءته أو تخفيف عقوبته، فمكنه من أن يدافع عن نفسه بطرائق الإثبات كافة وان يتمسك بالأدلة التي يستطيع من خلالها إقناع قاضي الموضوع بصحة دفعه، أو إضعاف أدلة الاتهام المقدمة ضده فحسب؛ بل لأن الإثبات هو حق للمتهم ولا يجوز ان يكون واجباً عليه، مهما كانت الأسباب، استناداً إلى حقه العام والثابت في اصل البراءة(37). ____________________

1- محمد محي الدين عوض، "الإثبات بين الازدواج والوحدة"، المرجع السابق، ص50.

2- سعيد حسب الله عبدالله، "شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية"، المرجع السابق، ص371.

- حسين جميل، "حقوق الإنسان والقانون الجنائي"، المرجع السابق، ص209.

3- انظر في ذلك:

- Lewis ( J. R), "Civil and Criminal Procedure", Sweet and Maxwell, London, 1968, P.161.

4- وعلى هذا الأساس يقول الفقيه الجنائي ( دون ديه فابر – Done de Vebres ) ان الادعاء ليس ملزماً بالبحث عن أوجه الدفع، بل عليه فقط إثبات دلائل الإدانة، ولا يكون الدفع بتوافر أسباب الإباحة أو الاعذار المعفية من العقوبة – في سبيل عدم توقيع الجزاء – إلا على المتهم.

انظر: محمد محدة، " ضمانات المتهم أثناء التحقيق"، ج3، المرجع السابق، ص242.

5- كما يذهب البعض أيضا – دفاعاً عن هذا الرأي – إلى انه إذا كان الإثبات في المواد الجنائية فيما يتعلق بالوقائع الايجابية صعباً، فإنه – بلا شك – سوف يكون أكثر صعوبة في شأن الوقائع السلبية ( أي دفوع المتهم)، فكيف يمكن اثبات ان المتهم كان مدركاً تماماً ومتمتعاً بحرية الاختيار وقت التصرف الإجرامي ومن ثم فهو لا يستفيد من أي عذر؟

 انظر في تلك الحجج: السيد محمد حسن شريف، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، المرجع السابق، ص603، 604.

6- انظر في هذا الرأي:

- محمود محمود مصطفى، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص422.

- محمود نجيب حسني، "الاختصاص والاثبات في قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص76.

- عمر السعيد رمضان، "أصول المحاكمات الجزائية في التشريع اللبناني"، المرجع السابق، ص480.

- السيد محمد حسن الشريف، المرجع السابق، ص605.

7- حسن صادق المرصفاوي، "أصول الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص748.

8- انظر في ذلك: غسان جميل الوسواسي، "الادعاء العام"، المرجع السابق، ص29.

9- محمد زكي ابو عامر، " الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص322.

10- السيد محمد حسن، " النظرية العامة للاثبات الجنائي"، المرجع السابق، ص607.

11- محمد عيد الغريب، "حرية القاضي الجنائي في الاقتناع اليقيني"، المرجع السابق، ص16.

12- مما دفع الفقه الجنائي للاقرار بأن عمل الادعاء العام يغلب عليه الطابع القضائي، باعتبار ما يلتزم به من موضوعية ومن استهداف التطبيق الصحيح للقانون.

انظر: محمود نجيب حسني، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص81-83.

13- احمد فتحي سرور، "الحماية الدستورية للحقوق والحريات"، المرجع السابق، ص607.

14- يرى الفقيه "جارو" بأن المتهم ينبغي ألا يكلف مبدئياً بإثبات أوجه الدفع التي يقدمها للاسباب التالية:-

1.لأن الادعاء ملزم بإثبات الشروط اللازمة لوجود الجريمة ومسؤولية فاعلها، ومن ثم عدم وجود شيء من أسباب الإباحة أو أسباب عدم المسؤولية أو الاعذار القانونية أو غير ذلك.

2.لأن الصفة الاجتماعية للدعوى تلزم القاضي بأن يأخذ من تلقاء نفسه بأوجه الدفع التي يراها في مصلحة المتهم ولو لم يتمسك بها.

3.لأن نظام الإثبات في المواد الجنائية يقضي بأن يكون اقتناع القاضي اساساً لحكمه.

4.لأن الشك يجب ان يؤول لمصلحة المتهم.

انظر: جندي عبدالملك، "الموسوعة الجنائية"، ج1، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1976، ص105.

15- انظر في ذلك:

- محمد محي الدين عوض، "الإثبات بين الازدواج والوحدة"، المرجع السابق، ص51.

- محمد زكي ابو عامر، "الإثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص89.

16- محمود نجيب حسني، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص419.

17- فلا يقوم الركن المعنوي للجريمة الا بتوافر عنصريه الأهلية الجنائية والخطيئة الجنائية، فوجود أحد موانع المسؤولية يؤدي إلى إنعدام الاهلية الجنائية ونم ثم الركن المعنوي للجريمة.

انظر في هذا المعنى:

- مصطفى العوجي، "المسؤولية الجنائية في القانون اللبناني"، المرجع السابق، ص110، 111.

- اكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص235.

18- مصطفى فهمي الجوهري، "الشرعية والإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص69.

19- احمد ضياء الدين محمد خليل، "قواعد الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص260.

20- المرجع السابق، ص258 في الهامش.

21- انظر في ذلك:

- محمود محمود مصطفى، "تطور قانون الإجراءات الجنائية في مصر وغيرها من الدول العربية"، ط2، جامعة القاهرة، القاهرة، 1985، ص24.

22- انظر في هذا لمعنى: السيد محمد حسن شريف، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، المرجع السابق، ص616.

23- انظر في هذا المعنى: احمد ادريس احمد، "افتراض براءة المتهم"، المرجع السابق، ص899، ص905.

24- انظر:

- محمد زكي ابو عامر، "الإثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص49.

- السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص612 في الهامش. 

25- انظر في هذا المعنى: عبدالستار الكبيسي، "ضمانات المتهم قبل واثناء المحاكمة"، المرجع  السابق، ص691.

26- احمد ضياء الدين محمد خليل، "قواعد الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص259.

- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م2، المرجع السابق، ص782.

27- حسين جميل، "حقوق الإنسان والقانون الجنائي"، المرجع السابق، ص210.

28- انظر في هذا المعنى:

- احمد فتحي سرور، "الشرعية والإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص18-19.

- حاتم بكار، "حماية حق المتهم في محاكمة عادلة"، المرجع السابق، ص63.

29- انظر في ذلك:

- محمود نجيب حسني، " شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص420.

- مأمون محمد سلامة، "الإجراءات الجنائية في التشريع الليبي"، المرجع السابق، ص167.

30- محمود محمود مصطفى، "الإثبات في المواد الجنائية"، ج1، المرجع السابق، ص63.

31- انظر: Essaid: op. cit., No.252, P.163.

مشار اليه لدى: السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص621.

32- محمد زكي ابو عامر، "الإثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص52.

33- هلالي عبداللاه احمد، المرجع السابق، ص783.

34- محمد محدة، "ضمانات المتهم اثناء التحقيق"، ج3، المرجع السابق، ص243.

35- محمود نجيب حسني، " شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص419.

36- انظر في هذا المعنى: محمد محدة، المرجع السابق، ص243.

37- انظر في هذا المعنى:

- ممدوح خليل البحر، "مبادئ قانون أصول المحاكمات الجزائية الاردني"، دار الثقافة، الاردن، 1998، ص172.

- باجانوف، غريشيفوي، "شرح الإجراءات الجنائية السوفيتية"، المرجع السابق، ص145.




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .






قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات