المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


اثر البراءة في " إثبات الركن المعنوي  
  
16637   09:21 صباحاً   التاريخ: 22-3-2016
المؤلف : رائد احمد محمد
الكتاب أو المصدر : البراءة في القانون الجنائي
الجزء والصفحة : ص219-228
القسم : القانون / القانون العام / المجموعة الجنائية / قانون العقوبات / قانون العقوبات العام /

الجريمة ليست كياناً مادياً خالصاً قوامه الفعل وآثاره، إنما هي كذلك كيان نفسي قوامه العناصر النفسية المكونة لها، وهو ما أصطلح عليه بالركن المعنوي، ويراد به الأصول النفسية لماديات الجريمة، إذ لا يسأل الشخص عن جريمة ما لم تقم علاقة بين ماديتها ونفسيته، فالاصل إلا جريمة بغير ركن معنوي، باعتباره سبيل المشرع لتحديد المسؤولية الجنائية للمتهم(1). والركن المعنوي في جوهره قوة نفسية من شأنها السيطرة على ماديات الجريمة، تعرف بالارادة الآثمة أو الجرمية، والتي تربط بين ماديات الجريمة وشخصية الجاني، الأمر الذي يكشف عن دور الركن المعنوي في توجيه العقوبة إلى أغراضها الاجتماعية، ما دام غرض عرض الجزاء الجنائي هو ردع الجاني وتقويمه، أو درء خطره، فإن ذلك لن يتحقق إلا بالنسبة لمن توافرت لديه إرادة انتهاك القانون(2). هذه الإرادة الآثمة نحو ارتكاب الجريمة، قد تتخذ صورة العمد وتعرف بالقصد الجنائي، أو تتخذ صورة الخطأ وتعرف بالخطأ غير العمدي. بناء على ذلك نبحث أثر البراءة في إثبات الركن المعنوي، من خلال فرعين:

الفرع الأول / اثبات الركن المعنوي في صورته العمدية.

الفرع الثاني / إثبات الركن المعنوي في صورته غير العمدية.

الفرع الأول / إثبات الركن المعنوي في صورته العمدية

يتحقق القصد الجنائي باتجاه ارادة الجاني إلى مباشرة السلوك الإجرامي، وإحداث النتيجة الجرمية المترتبة عليه مع علمه بهما(3)، وبعبارة أخرى هو علم الجاني بعناصر الجريمة واتجاه ارادته نحو تحقيق هذه العناصر أو قبولها. وعلى ذلك فإن عنصري القصد هما العلم بماديات الجريمة، وارادة هذه الماديات أو قبولها(4). وتطبيقاً لقرينة البراءة وهي أصل في المتهم، إثبات الركن المعنوي بصورتيه القصد والخطأ، يقع على عاتق الادعاء العام، وان كان إثبات القصد الجنائي – والركن المعنوي بصفة عامة – يعدُّ من أصعب الأمور التي يدور حولها الإثبات الجنائي، وذلك لكونه يتعلق بأمور نفسية داخلية يضمرها الجاني، ولا سبيل إلى معرفته إلا من خلال مظاهر خارجية تدل عليه(5). إذ يجب على الادعاء العام إقامة الدليل على توافر هذا القصد بعنصريه العلم والإرادة، ويلزم أولا لقيام القصد الجنائي اثبات ارادة النشاط الجرمي أي اثبات ارادة الفعل أو الامتناع المقرر في القانون. ففي جريمة القتل – مثلاً – يستدل على ارادة الجريمة ومن ثم ثبوت القصد الجرمي من خلال الأدلة والقرائن التي تعبر وتوضح نية القتل لدى الفاعل، ويمكن استخلاص هذه النية من ظروف القضية، والاداة المستعملة في الجريمة، وتكرار الضربة، ومكان الاصابة، أو مدى خطورتها، فإذا كانت الاداة المستعملة "مسحاة"، وهي ليست من الادوات المعدة للقتل، والمتهم ضرب المجني عليه ضربة واحدة، لم يكررها، ولم تكن في مكان يؤدي إلى مقتل، فإن ارادته لم تتجه إلى القتل(6). كما قضي بأن ارادة المتهمين لم تتجه إلى قتل المجني عليه الذي كان متعلقاً بالسيارة، وانما إلى مجرد ضربه بقصد ابعاده عنها، غير ان سرعة السيارة، وتموج الطريق، بالإضافة إلى ضربهم إياه، أديا إلى سقوط المجني عليه على الأرض، واصابته بكسور وتمزقات ونزف دموي أدى إلى وفاته(7). ارادة الفعل لا تكفي لقيام القصد الجنائي، وإنما يجب أن تتجه هذه الإرادة إلى نتيجة الفعل الجرمي، ومن ثم يجب على الادعاء إثبات ان للمتهم موقفاً ارادياً من النتيجة الجرمية التي حصلت فإذا اتى الفعل ولكنه لم يرد النتيجة الجرمية، لا يثبت بشأنه القصد الجنائي لعدم ثبوت ارادة النتيجة، ومع ذلك يمكن ان يسأل عن جريمة خطأ إذا توافرت اركانها. فإذا وضع المتهم يده على زناد مسدسه دون تبصر ظناً منه بأنه خال من الاطلاقات، فانطلقت طلقة واحدة اصابت زوجة المتهم وقتلها فإن فعله يعدّ قتلاً خطأ(8). لأنه وإن اراد الفعل – وهو الضغط على الزناد – لكنه لم يرد النتيجة التي حصلت – وهي إزهاق روح زوجته. وعليه فإن عجز الادعاء العام عن اثبات الإرادة في حق المتهم – سواء الفعل أو النتيجة – يؤدي إلى انتفاء القصد الجنائي مما يفضي للعودة إلى قاعدة الأصل في المتهم البراءة، والحكم ببراءة المتهم لعدم ثبوت الجريمة في حقه. ومع ذلك فإن إثبات ارادة النشاط الجرمي ونتيجته لدى المتهم لا يكفي للقول بثبوت القصد الجنائي لديه، بل يلزم – فضلاً عن ذلك – إثبات علم الجاني بحقيقة وطبيعة السلوك الأجرامي الذي انتهجه وبالنتيجة الجرمية للفعل، وبأنهما يكونان جريمة يعاقب عليه القانون(9). وبعبارة أخرى يجب على الادعاء العام اثبات ان المتهم كان يعلم بسائر العناصر التي يتطلبها القانون في الركن المادي للجريمة، سواء تعلق هذا العلم بمحل الجريمة، أو بعلاقة السببية، أو بالنتيجة الجرمية، وكذلك علمه بمكان وزمان ارتكاب الجريمة ان شكلت عنصراً فيها، وبالطرق أو الوسائل التي تستخدم في احداثها – إن كانت الجريمة من الجرائم المحددة الاسلوب – وبالصفة التي يعلق القانون عليها أهمية في الجاني أو المجني عليه أو محل الجريمة(10). فإذا إنتفى هذا العلم في أي منهم، فإن ذلك معناه، أنه قد قام في ذهن المتهم تصور مغلوط عن الواقع، قد يتخذ صورة الجهل أو الغلط في الواقعة الإجرامية، هذا التصور إذا انصب على عنصر أساسي من عناصر قيام الجريمة، ينتفي العلم وبه ينتفي القصد الجنائي، اما إذا أنصب على عنصر غير أساسي في الجريمة، فلا تأثير له في نفي القصد(11). وتطبيقاً لذلك، إذا ثبت ان الطبيب قام بتشريح المجني عليه، معتقداً انه يشرح جثة انسان فارق الحياة، ثم يتضح انه على قيد الحياة، وان الوفاة حدثت نتيجة سلوك الطبيب، فإن القصد الجنائي لا يعد متوافراً لديه لانعدام العلم بمحل الجريمة، وكذلك إذا استولى المتهم على شيء معتقداً انه مملوك له أو انه مال مباح أو متروك ويتضح غير ذلك، فلا يعد سارقاً لانعدام العلم ايضا(12). وعلى النتيجة ذاتها، قررت محكمة التمييز بأنه لا يسأل مشتري البندقية المسروقة، إذا لم يكن عالماً عند شرائها بأنها حصيلة سرقة(13)، ولا يعاقب المتهم عن جريمة حيازة الاطلاقات النارية العائدة إلى أخيه المتوفى، الذي كان يشاطره السكن في الدار، إذا لم يكن عالماً بوجود تلك الاطلاقات(14). ومن التطبيقات الأخرى لإثبات العلم لدى المتهم لإمكان القول بتوافر القصد الجنائي لديه (15)، وجوب اثبات الادعاء علم المتهم في جريمة زنى الزوج بالمكان، وهو منزل الزوجية(16). وكذلك إثبات العلم لكل من توصل إلى عقد زواج له مع علمه ببطلانه لأي سبب من أسباب البطلان شرعاً أو قانوناً(17). كما يجب اثبات الادعاء علم المتهم في جريمتي العلم بارتكاب جريمة من الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي ولم يبلغ عنها(18). وكذلك يجب اثبات علم الموظف – في جريمة التزوير في محرر رسمي على وفق نص م ( 293 ) ق. ع – بأن من أصدر له المحرر قد انتحل اسماً كاذباً أو شخصية كاذبة. ومثل ذلك أيضا يتعين على الادعاء العام اثبات علم المتهمة في جريمة الاجهاض بأنها حامل(19)، واثبات علم المتهم بصفة المجني عليه كونه موظفاً في جريمة الاعتداء على الموظف(20)، واثبات علم المتهم بصفة المجني عليها كونها احدى محارمه في جريمة مواقعة احدى المحارم بالرضا(21). والعنصر المعنوي لا يقتصر فقط على حالة الجريمة التامة، بل يكون واجباً أيضا في حالة الشروع في الجريمة، وعليه فإن عبء اثبات القصد الجنائي في جريمة الشروع يقع أيضا على عاتق سلطة الاتهام. وإثبات ذلك غالباً ما يكون من المظاهر الخارجية للجريمة، ومن الامثلة البارزة على ذلك اعتبار القصد الجنائي قائماً في جريمة الشروع في القتل، في حالة نفوذ الجرح إلى الجوف الصدري(22)، واذا كانت الطعنة النافذة في الظهر داخله في الجوف ومزقت الكلية، فإن نية القتل قصداً تكون متوافرة(23)، إذ يعد الطعن النافذ بالظهر شروعاً بالقتل(24). كذلك في حالة المساهمة الجنائية، فإنه يجب توافر القصد الجنائي والذي يتمثل في ارادة أو نية المشاركة في تحقيق الجريمة المرتكبة، لذا يقع على عاتق سلطة الاتهام إثبات ان الشريك قصد المساهمة في الجريمة وهو عالم بها. وان تثبت أيضا ان هذا الشريك مع علمه بالواقعة قد ساعد في الاعمال ال مجهزة أو المسهلة لارتكاب جريمة محددة في الواقع، بحيث لا يتحقق الاشتراك إذا ارتكب الفاعل جريمة مختلفة تماماً عن تلك التي قصدها الشريك(25). وتطبيقاً لذلك قضي بأنه إذا وقعت الحادثة خلال مشاجرة آنية دون اتفاق مسبق، فيعتبر كل فاعل مسؤولاً عن فعله(26). اما بالنسبة للباعث أو الدافع على الجريمة، فإنه يختلف عن القصد الجنائي(27)، ومن ثم فإنه لا يؤثر على العقاب ولا تلتزم سلطة الاتهام باثباته، ومع ذلك فإنه في بعض الحالات الاستثنائية على القضاة الأخذ بعين الاعتبار هذه البواعث التي حركت المتهم ودفعته إلى ارتكاب الجريمة خاصةً إذا كانت سامية أو شريفة، بعبارة أخرى فإن نبل الباعث يعدّ عذراً مخففاً للعقاب(28). في مثل هذه الحالات، وهو ما نص عليه فعلاً القانون العراقي في المادة (128) عقوبات.

الفرع الثاني / إثبات الركن المعنوي في صورته غير العمدية

الخطأ غير العمدي يمثل الصورة الثانية للخطيئة الجنائية، إلى جانب القصد الجنائي الذي يمثل صورتها الأولى، كما تعد هذه الصورة الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية. فكما يستلزم القانون في الجريمة العمدية توافر القصد الجنائي – الذي يتحقق باتجاه ارادة الجاني إلى مباشرة السلوك الإجرامي واحداث النتيجة الجرمية المترتبة عليه – فهو كذلك يستلزم في الجريمة غير العمدية توافر الخطأ غير العمدي، الذي يتحقق باتجاه ارادة الجاني إلى مباشرة السلوك الإجرامي دون نتيجته الجرمية(29).ويراد بالخطأ غير العمدي هو إخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون أو الخبرة الإنسانية أو العلمية أو الفنية، مما يترتب عليه حدوث النتيجة الإجرامية، وعدم تمكنه من منعها، على الرغم من ان ذلك كان واجباً عليه، وفي استطاعته(30). فإذا كان المتهم في جريمة عمدية، يتمتع بالبراءة الأصلية، وما يترتب على ذلك من تحميل الاتهام عبء اثبات ارتكابه هذه الجريمة، فمن باب اولى ان يحتفظ بهذه البراءة وهي أصل فيه في ظل الجرائم غير العمدية، بعدّها جرائم غير مقصودة، لا تنفي بحال من الأحوال البراءة الكامنة في الإنسان. وليس من اختلاف بين الجريمة العمدية والجريمة غير العمدية سوى في الركن المعنوي عموماً – فإثبات الركن المادي وعناصره واحد في الجريمتين – وفي عدم اتجاه ارادة الفاعل نحو النتيجة الإجرامية خصوصاً، وهذا ما يجب على الادعاء العام اثباته، وسبيله في ذلك إثبات أن الإرادة التي اتجهت إلى الفعل الذي سبب تلك النتيجة – لم تكن حريصة – حرص الرجل المعتاد – في اتخاذ واجبات الحيطة والحذر لمنع وقوع الجريمة، وذلك هو الخطأ غير العمدي(31). ولا يكون للادعاء العام ذلك الإثبات إلا من خلال اثبات إحدى صور الخطأ غير العمدي والتي نص عليها قانون العقوبات العراقي بقوله ( تكون الجريمة غير عمدية إذا وقعت النتيجة الإجرامية، بسبب خطأ الفاعل، سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو رعونة أو عدم انتباه أو عدم احتياط أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر)(32). ويمكن رد هذه الصور إلى حالتين:

الأولى: حيث يقوم الجاني بنشاط ايجابي، إذ يتمثل خطؤه في الرعونة أو في عدم الاحتياط.

والثانية: ينسب فيها إلى الجاني موقف سلبي، وتشمل هذه الحالة الإهمال، وعدم الانتباه، وعدم مراعاة القوانين واللوائح(33). ومن ثم يتعين على سلطة الاتهام، استناداً إلى قرينة براءة المتهم، إثبات وقوع الخطأ إذا كان بسبب الاهمال أو الرعونة أو عدم الانتباه أو عدم الاحتياط، وإقامة الدليل على ان المتهم كان بامكانه ان يتوقع النتيجة الإجرامية التي ترتبت على نشاطه. اما إذا كان الخطأ قد نتج عن عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والانظمة، فإنه يكفي ان تثبت سلطة الاتهام الواقعة المادية المكونة للمخالفة. فالخطأ في هذه الصورة – حسب بعض الفقهاء – مفترض بمقتضى قرينة قانونية من مجرد مخالفة القوانين أو اللوائح أو ما في حكمها(34).ومع ذلك فأياً كانت صورة الخطأ، فإن دور سلطة الاتهام لا يقتصر على إثبات الخطأ، بل ينبغي ايضاً إثبات علاقة السببية بين هذا الخطأ والنتيجة المتحققة(35). وتطبيقاً لكل ما سبق ينبغي على الادعاء العام إثبات عدم إتخاذ المتهم واجبات الحيطة والحذر، بإثباته إحدى صور الخطأ، للقول بتوافر الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية. فلا يسأل المتهم عن الحادث الذي وقع بخطأ المجني عليه وحده، دون أن يساهم المتهم فيه(36). ولا يسأل عن القتل الناتج من الاصطدام إذا كان الحادث واقعاً بخطأ من المجني عليه(37). ومثل ذلك إذا حاول المجني عليه أخذ بندقية المتهم منه جبراً، فثارت طلقة منها، أثناء المجاذبة أصابت المجنى عليه، فيكون الخطأ في هذه الحالة صادراً من المجنى عليه ولا مسؤولية على المتهم(38). فإذا لم تثبت سلطة الاتهام حدوث التقصير من جانب المتهم – من خلال إحدى الصور الخمس المذكورة في نص القانون – يجب على المحكمة ان تحكم ببراءة المتهم. وتطبيقاً لذلك قررت محكمة التمييز العراقية ان الأذى الذي أصاب المجني عليه نتيجة سيره على خط القطار لا يسأل عنه سائق القطار الذي لم يصدر عنه إهمال أو تقصير(39). كما قضت بأنه إذا كان حامل جواز السفر قد وضعه في حقيبة تحت مقعد السيارة، وأقفل أبوابها، فسرقت الحقيبة من خلال كسر زجاج السيارة، فلا يكون مهملاً في حفظ جواز سفره، ولا يسأل عن جريمة فقد الجواز بإهمال(40). كما يجب الحكم ببراءة المتهم إذا ثبت ان الشخص المعتاد في الواقعة محل الاتهام لا يستطيع توقع النتيجة الإجرامية التي حصلت، أو إذا ثبت إنعدام الرابطة السببية بين الركنين المادي والمعنوي(41). فإذا كان المتهم يقود سيارته بسرعة معتدلة، وقد عبر من أمامه فجأة طفل، فاصطدم بالسيارة، فلا يكون المتهم قد ارتكب خطأ، سبب الدهس(42). كما ان انقلاب عربة "الحادلة" – التراكتور- التي سببت إصابة المجني عليه ومن ثم وفاته، قد حصلت قضاء وقدراً، وليس بسبب خطأ السائق، فلا يجوز إدانته عن الحادث، لأن قيادته للحادلة تمت بدون إجازة(43).نخلص من ذلك، بأنه إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى المتهم غير عمدية، فإنه يقع على عاتق الاتهام، اثبات توافر احدى صور الخطأ غير العمدي في جانب المتهم للحكم بادانته.

-   إثبات الظروف المعنوية المشددة

فضلاً عن إثبات الركن المعنوي في صورتيه العمدية وغير العمدية، فإنه قد يلحق الجريمة ظرفاً معنوياً ( شخصياً ) – ومن ثم فهو يرتبط بالركن المعنوي – يشدد من عقوبة الجريمة، يفرض على المحكمة الا توقع العقوبة المشددة للجريمة إلا بعد إثبات هذا الظرف، فمن يتحمل عبء إثباته؟. إذا اقترنت الجريمة بظرف معنوي مشدد يغير من وصفها، فإنه لكي يعاقب الفاعل على الجريمة مقترنة بهذا الظرف يجب إثبات علمه به، لأنه يعد في حكم الركن(44). مثال ذلك ما يجب على الادعاء العام إثباته من علم الفاعل في جريمتي القتل العمد والضرب المفضي إلى الموت من صفة في المجني عليه – بعده ظرفاً مشدداً للجريمتين – وهي صفة الموظف وصفة اعتبار المجني عليه من أصول الجاني(45). وكذلك يجب اثبات علم المتهم بصفة المرض لدى المجني عليه أو بصفة الشيء محل الجريمة بأنه مملوك للدولة، وذلك في جريمة السرقة المقترنة بظرف مشدد وفق نص المادة ( 444 ) عقوبات، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز بأنه لا يدان المتهم عن جريمة سرقة أموال الدولة، إذا كان لا يعلم بعائدية الأموال المسروقة للدولة(46). ومثل ذلك، معاملة المتهم بالقتل العمد على أساس سبق الإصرار، يستوجب إثبات ان المتهم قد ارتكب الجريمة بعيداً عن ثورة الانفعال أي في هدوء وروية(47). إلا أن الظروف المشددة التي لا تغير من وصف الجريمة، ولكن يقتصر أثرها على تشديد العقاب، لا يشترط علم الجاني بها، لأنها ليست من عناصر القصد الجنائي كظرف العود. ومن ثم يسأل المتهم عن الجريمة المقترنة بهذا الظرف، دون تطلب إثبات علمه به، بل ولو كان يجهله(48). نخلص مما تقدم ان إثبات القصد الجنائي بجميع عناصره، والظروف المشددة للجريمة العمدية، وكذلك إثبات الخطأ غير العمدي، أمر لازم على الادعاء العام دون المتهم، استناداً إلى أبرز نتائج قرينة براءة المتهم، وهي تحميل الادعاء عبء إثبات حقيقة الواقعة الإجرامية. إذ مهما ثبت من ماديات الجريمة، إحتمالات ثبوت الركن المعنوي، ينبغي على الادعاء إثبات اتجاه ارادة المتهم إلى الفعل والنتيجة والعلم بهما وبأي ظرف مشدد يغير من وصف الجريمة، لأن هذه الاحتمالات مهما بلغت درجتها لا تكفي مادياً ومعنوياً. وعليه يمكن الإقرار بأن أصل البراءة يفرض على عاتق الادعاء عبء إثبات الركن المعنوي حتى تتحقق المسؤولية الجنائية للمتهم، وهذا هو الرأي السائد فقهاً وقضاءً، على وفق العرض السابق.

__________________

1- انظر في هذا المعنى: احمد سعيد صوان، "قرينة البراءة"، المرجع السابق، ص476.

2- انظر في هذا المعنى: علي حسين الخلف، سلطان الشاوي، "المبادئ العامة في قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص148.

3- اكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص269. وقد عرفه قانون العقوبات العراقي في المادة (33) منه بقوله ( القصد الجرمي هو توجيه الفاعل ارادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً نتيجة الجريمة التي وقعت أو أية نتيجة جرمية أخرى).

4- محمود نجيب حسني، "النظرية العامة للقصد الجنائي"، المرجع السابق، ص40.

   الواقع ن الفقه الجزائي منقسم في شأن مفهومه للقصد الجرمي إلى نظريتين:

1) نظرية الإرادة: وهذه لا يقوم القصد الجرمي بمقتضاها الا إذا توافرت للفاعل ارادة الفعل الجرمي وارادة النتيجة معاً.

2) نظرية العلم: وهذه يكفي لقيام القصد الجرمي بمقتضاها ان يريد الفاعل الفعل الجرمي مع توفر علمه بكافة العناصر الأخرى المشكلة للركن المادي للجريمة.

انظر في تفصيل ذلك: محمد زكي أبو عامر، "قانون العقوبات اللبناني – القسم العام"، الدار الجامعية، بيروت، 1981، ص179 وما بعدها.

5- انظر في هذا المعنى: احمد ادريس احمد، "افتراض براءة المتهم" ، المرجع السابق، ص870. وفي ذلك قضت محكمة التمييز العراقية بأن القصد الجرمي أمر باطني يدل عليه الفعل الخارجي. قرار رقم 1927/ جنايات/ 73 في 5/12/1973، النشرة القضائية، ع4، س4، ص468.

6- انظر قرار محكمة التمييز العراقية/ رقم 148/ موسعة ثانية/ 86-1987 في 16/5/1987، مجلة القضاء، ع3، س42، 1987، ص198. بينما ذهبت في قرار آخر على انه ( تتوفر نية القتل إذا كانت الضربة الواحدة بالمسحاة الواقعة على الرأس، شديدة وأدت إلى كسر الجمجمة وتمزيق ما تحتها من أنسجة).

قرار رقم 127/ جنايات/ 72 في 8/3/1972، النشرة القضائية، ع1، س3، ص211.

7- انظر قرار محكمة التمييز العراقية رقم 131/ هيئة عامة/ 86-1987 في 15/6/1987، مجلة القضاء، ع3، س42، 1987، ص202. وفي قرار آخر، لم تتجه ارادة المتهم إلى قتل المجني عليه، حيث يعتبر ضرب المتهم للمجني عليه بحجر على خاصرته ووفاة المجني عليه على جراء ذلك، ضرباً مفضياً إلى الموت، وليس قصد القتل العمد.

قرار رقم 2360/ جنايات/ 72 في 12/10/1972، النشرة القضائية، ع4، س3، ص241.

8- قرار محكمة التمييز رقم 2011/ جزاء اولى - جنايات/ 1981 في 13/12/1981، مجموعة الاحكام العدلية، ع4، س12، 1981،  ص124.

9- انظر في ذلك: اكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص273.

10- انظر في معنى ذلك: محمد زكي ابو عامر، "قانون العقوبات اللبناني – القسم العام"، المرجع السابق، ص183.

11- الجهل – في هذا الصدد – هو عدم العلم بحقيقة الواقعة الإجرامية، اما الغلط فهو العلم المخالف لهذه الحقيقة. انظر المرجع السابق، ص189، 190.

12- انظر: ماهر عبد شويش، "شرح قانون العقوبات – القسم الخاص"، مطبعة التعليم العالي، الموصل، 1990، ص173، 288.

13- قرار محكمة التمييز رقم 680/ جنايات ثانية/ في 3/9/1973، النشرة القضائية، ع3، س4، ص360.

14- قرار محكمة التمييز العراقية/هيئة عامة/76 في 25/12/1976، مجموعة الاحكام العدلية، ع4، س7، ص328

15- وذلك حسب متطلبات البحث فحسب، إذ من الصعوبة ايراد مختلف تلك التطبيقات في قانون العقوبات الخاص.

16- انظر م ( 377/ 2 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

17- انظر م ( 376 ) من قانون العقوبات العراقي.

18- انظر المادتين ( 186، 219 ) من قانون العقوبات العراقي.

19- انظر نص المادة ( 417 ) من قانون العقوبات العراقي.

20- انظر نصوص المواد ( 229، 230، 231 ) من قانون العقوبات العراقي.

21- انظر م ( 385 ) من قانون العقوبات العراقي.

22- قرار محكمة التمييز العراقية رقم2115/ جنايات/71 في 22/9/1971، النشرة القضائي، ع3، س2، ص158.

23- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 131/ جنايات/72 في 12/3/1972، النشرة القضائي، ع1، س3، ص208.

24- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 702/ جنايات/73 في 26/6/1973، النشرة القضائي، ع2، س4، ص423.

كما حكم ان اطلاق المتهم عدة عيارات نارية نحو المجني عليه، وأصابته بحيث اجريت له عملية جراحية، يكون معه فعل المتهم شروعاً بالقتل وليس ايذاء، لأن نية المتهم تستظهر من كامل الظروف والوقائع التي تمخضت عنها الحادثة.

قرار محكمة التمييز رقم 1840/ جزاء اولى جنايات/ 81 في 5/12/1981، مجموعة الاحكام العدلية، ع4، ص12، 1981.

25- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م2، المرجع السابق، ص758.

26- قرار محكمة التمييز رقم 1619/ جنايات/ 73 في 6/11/1973، النشرة القضائية، ع4، س4، ص475.

27- استناداً إلى ان القانون لا يعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. م (38 ) ق. ع العراقي.

28- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م2، المرجع السابق، ص760.

29- أكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص284.

30- محمود نجيب حسني، "قانون العقوبات – القسم العام"، المرجع السابق، ص577.

31- انظر في هذا المعنى:  محمد عبد الغريب، "حرية القاضي الجنائي في الاقتناع اليقيني"، المرجع السابق، ص27.

32- المادة ( 35 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

33- محمود نجيب حسني، "قانون العقوبات – القسم العام"، المرجع السابق، ص654 وما بعدها. الا انه من حيث النتيجة يمكن القول ان هذه الصور متداخلة مع بعضها، بحيث يتعذر وضع الفواصل بينها، كما يتعذر ان يقع خطأ دون ان يدخل في نطاق احدى هذه الحالات.

انظر: علي حسين الخلف، سلطان الشاوي، "المبادئ العامة في قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص351.

34- محمد عيد غريب، "حرية القاضي الجنائي في الاقتناع اليقيني"، المرجع السابق، ص 27.

- اكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص287.

35- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، المرجع السابق، ص765.

36- قرار محكمة التمييز العراقية،رقم1375/ تمييزية/72 في 12/2/1973، النشرة القضائية، ع1، س5، ص404

37- قرار محكمة التمييز العراقية،رقم51/هيئة عامة ثانية/73 في28/4/1973،النشرة القضائية،ع2،س4، ص414

38- قرار محكمة التمييز العراقية،رقم 2624/ جنايات/ 73 في 18/3/1974، النشرة القضائية، ع1، س5، ص404.

39- قرار محكمة التمييز العراقية رقم722/ جزاء تمييزية/72 في 20/8/1972، النشرة القضائي، ع3، س3، ص219.

40- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 559/ جزاء ثانية/ 1982 في 28/2/1982، مجموعة الاحكام العدلية، ع1، س13، 1982، ص89.

كما قضت بأنه إذا سرقت حقيبة المتهمة وكان بداخلها جواز سفرها فلا تسأل جنائياً عن فقدان جواز السفر، لأن الحقيبة النسائية هي المكان الذي تحفظ فيه المرأة حاجاتها التي تحملها معها، وهي مضطرة لحمل جواز سفرها، باعتباره هوية تعريفها في بلد اجنبي.

- قرار رقم483/جزاء ثانية/1981 في12/5/1981، مجموعة الاحكام العدلية، ع2، س12، 1981، ص123.

41- انظر في هذا المعنى:

- علي حسين الخلف، سلطان الشاوي، "المبادئ العامة في قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص350.

42- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 95/ جزاء اولى - تمييزية/ 1982 في 5/6/1982، مجموعة الاحكام العدلية، ع1، س13، 1982، ص91.  ومثل ذلك إذا فاجئ المجني عليه المتهم بعبور الشارع اثناء مرور المتهم بسيارته في الجانب المخصص للسياقة في الطريق الخارجي، فتعذر على المتهم تفادي الاصطدام، في هذه الحالة تنتفي العلاقة السببية بين الموت وفعل المتهم. قرار رقم 1704/ جزاء اولى - تمييزية/ 1981 في 26/8/1981، مجموعة الاحكام العدلية، ع3، س12، 1982، ص79.

43- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 1662/ جنايات اولى/ 85-86 في 16/7/1986.     مشار اليه لدى: ابراهيم المشاهدي، "المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز – القسم الجنائي"، المرجع السابق، ص156.

44- محمود نجيب حسني، "قانون العقوبات – القسم العام"، المرجع السابق، ص588.

45- انظر المادتين ( 406 / د، هـ ) ( 410) عقوبات.

46- قرار رقم 639/ جنايات ثانية/ 76 في 11/5/1976، مجموعة الاحكام العدلية، ع3، س7، ص380.

47- وقد يكون التوصل إلى تلك النتيجة – حسب محكمة النقض المصرية – من مضى زمن يذكر بين العزم والتنفيذ ومن إعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها، فلا يثبت سبق الاصرار إذا كانت الجريمة وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره.

- نقض في 26/1/1970/ مجموعة أحكام النقض، س21، رقم 38، ص391.

بينما تقرر محكمة التمييز العراقية بأنه ( ليست العبرة في تحقق أو عدم تحقق سبق الاصرار بالزمن الذي يمضي بين التصميم على ارتكاب الجريمة، وتنفيذها بل العبرة بأن يكون الجاني قد اعد العدة لارتكاب الجريمة وخطط لها وهو هادئ البال بعيداً عن ثورة الغضب الآني والهياج النفسي.

- قرار رقم 401/ هيئة موسعة ثانية/ 82 في 12م7/1982، مجموعة الاحكام العدلية، ع3، س13، ص62.

48- انظر في هذا المعنى: محمود نجيب حسني، "قانون العقوبات- القسم العام"، المرجع السابق، ص75.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .






أهالي قرية البشير: فتوى الدفاع الكفائي أفشلت كل المؤامرات التي تحاك لرسم خارطة جديدة في المنطقة
فرقة العبّاس (عليه السلام) تُقيم الحفل السنوي الثامن بذكرى تحرير قصبة البشير في كركوك
في بغداد المجمع العلمي يؤكد على ضرورة تظافر الجهود استعدادًا لإطلاق أنشطة صيف عام 2024
قسم الشؤون الفكرية يختتم دورة الفهرسة الحديثة في جامعة البصرة