تُعد صياغة النصوص القانونية للتشريعات علماً وفناً قائماً بذاته (1)، إذ توصف بأنها علم لاستنادها  على المنطق القانوني والمنهج العلمي بما يستهدف تحقيق حاجات المجتمع الآنية منها والمستقبلية مع  المحافظة على الحقوق المكتسبة، وتُعدّ فناً لما تبتغيه من التوفيق بين المصالح المتعارضة تعبيراً عن  رغبة المشرع فضلا عن وضع المراكز القانونية في مجالها الصحيح (2)، وبذلك تخرج أحكام التشريعات إلى الوجود بصورة متألفة ومتناسقة تضمن فاعلية تطبيقها  (3).

وعليه فإن للصياغة التشريعية أهمية بالغة وأثراً جلياً في بناء قواعد التشريعات كافة وبضمنها القواعد الانضباطية، وتتجسد أهميتها من خلال الآتي:

أولاً :- لا يمكن تطبيق القواعد القانونية عملياً إلا بعد أن يكون لها أثر ملموس عن طريق إنشائها، فتعمل الصياغة التشريعية على إظهار الأحكام القانونية في قوالب من المصطلحات القانونية التي تشكل النص التشريعي وفقاً لمقتضيات ومعايير مُعينة يُقدر الصائغ التشريعي تأثيرها في جودة النص وفعاليته (4).

ثانياً: تُعد الصياغة بمنزلة أداة وحلقة وصل بين المشرع والأفكار التي يهدف لتضمينها في النصوص المذكورة من جانب وبين المشرع والفئة المخاطبة بأحكامها من جانب آخر، لذلك فأن فهم محتوى القواعد الانضباطية شأنها شأن القواعد القانونية الأخرى وإدراك تأثيرها الذي يروم المشرع ايصاله مرهوناً بمدى دقة صياغتها ومراعاة اللغة القانونية السليمة في تكوينها، ولاسيما أن القانون له لغته الخاصة والمستقلة بذاتها نوعاً ما  (5).

ثالثاً: تشكل الصياغة وسيلة مهمة لضمان تحقيق غاية التشريع في تطوير النظام القانوني وإصلاحه من ناحية، وتحقيق الاستقرار القانوني للمراكز القانونية بما تحققه من توازن بين المشمولين بأحكام القاعدة القانونية من ناحية أخرى  (6).

رابعاً: للصياغة التشريعية أثر كبير في أضفاء الطابع الخاص على التشريعات كافة ومنها القانون الانضباطي، فتعبر عن إمكانيات المشرع في دولة معينة وتميزها من غيرها من التشريعات المقارنة إلا أن ذلك لا يؤدي إلى انكار أهمية اتباع طرق الصياغة المعتمدة في التشريعات المقارنة أو الاقتباس منها وفقاً لما يتلاءم مع البيئة الوطنية، بعدها من أهم اسباب تطور و رقي الصياغة التشريعية(7).

خامساً: تُعد المنهجية التي تخضع لها عملية الصياغة مؤشراً أساسياً لطبيعة "السياسة التشريعية" التي تتمثل بالفلسفة التي تتبلور حولها عملية التشريع ويتجلى من خلالها الدافع من التصدي لتنظيم الموضوع بواسطة التشريع والمصلحة منه، إذ تبرز الصياغة بصورة ثابتة وصارمة عندما يكون توجه السياسة التشريعية سلطوياً، فضلاً عن تأثرها بأهداف الأخيرة فإذا كان هدفها الإصلاح الشامل لطائفة من التشريعات أدى إلى اتساق منظومة القوانين وسلامتها، خلافاً لما ينتج عن توجه تلك السياسة المعالجة قضايا متفرقة ولأسباب طارئة من تباين في أساليبها من تشريع لآخر علاوةً على ما ستحمله من عيوب كالتباين والتناقض (8).

______________

1- Prof: Helen Xanthaki,Legislative drafting: anew sub- discipline of law is born,P64.

2-  د. سلام عبد الزهرة الفتلاوي و آمنة فارس ،حامد المعايير العامة للصياغة التشريعية (دراسة مقارنة )، بحث منشور في مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية العدد السنة التاسعة 2017، ص 90

3-  Prof: Helen Xanthaki, previous Source, P64.

4-  د. عبد القادر الشيخلي، فن الصياغة القانونية تشريعاً وفقهاً وقضاء، ط1 دار الفكر الثقافة عمان 1995، ص20.

5- د. خالد جمال أحمد حسن، ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية  السنة الخامسة 2017 ، ص 118.

6- د. رافد خلف هاشم البهادلي و د. عثمان سلمان غيلان العبودي، التشريع بين الصناعة والصياغة، ط1 بيروت ، منشورات الحلبي الحقوقية 2009، ص 36

7-  د. سلام عبد الزهرة الفتلاوي و آمنة فارس ،حامد المعايير العامة للصياغة التشريعية (دراسة مقارنة )، بحث منشور في مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية العدد السنة التاسعة 2017 ، ص 95.

8- د. خالد جمال أحمد حسن، ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية  السنة الخامسة 2017   ، ص 24.