حماية القوات - الجغرافيا الطبية وحملة بونا - غونا

يعتبر القادة العسكريون بجميع رتبهم مسؤولين عن إجراء تقييمات الخطر في جزء لا يتجزأ من جهود تصميم التدريبات وتخطيطها وتنفيذها، بغض النظر عما إذا تم ذلك في المقر الرئيسي أو في أمكنة أخرى داخل الولايات المتحدة القارية أو ما وراء البحار. ويتولى القادة المسؤولية الموروثة ذاتها عند تخطيط المهمات العملياتية وتنسيقها داخل الوطن وخارجه في أوقات السلم والحرب على حد سواء. وتشمل عملية التخطيط في جزء لا يتجزأ منها، معالجة المخاطر الصحية البيئية المحددة التي قد تنشأ في مكان معين.

وتعود الجغرافيا الطبية - باعتبارها حق فرعية من الجغرافيا - زمنية إلى أواخر القرن الثامن عشر في إنجلترا، حيث حاز هذا الحقل مصداقية كبيرة ضمن الجغرافيا الأكاديمية في الولايات المتحدة في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين. وكان من أوائل مؤسسي الجغرافيا الطبية جاك ماي Jacques May ورالف أودي Ralph Audy. وحاز كلاهما كثيرة من الخبرة في خضم تجربتها العسكرية.

تلقى جاك ماي تعليمه في باريس، ومن ثم مارس الطب في جنوب شرقي آسيا خلال الفترة الممتدة من عقد العشرينيات من القرن العشرين إلى الثلاثينيات منه. کما مارس مهنته في فيتنام قبل الحرب في الهند الصينية، وكان رئيس الأطباء الفرنسيين في هانوي. وكان أول من وصف البيئة المستولدة للجراثيم، وأدرك أن كل مرض کشف نمطا أو جغرافيا محددة للانتشار، وأن السلوك البشري كان جزءا لا يتجزأ من أي تجمع للأمراض. كان ماي كاتبة غزير المؤلفات، وقد وضع عدد من مؤلفاته الأولى الأساس للجغرافيا الطبية، مما أكسبه تميزا ليوصف بأنه "أبو هذا الحقل الفرعي" في الولايات المتحدة.

سافر رالف أودي مع الجيش البريطاني في أنحاء منطقة جنوب شرقي آسيا والهند وماليزيا. وكان هو الطبيب الذي اكتشف مسببات التيفوئيد المداري (الأكالي) في ماليزيا، وعمل لاحقا رئيسا لمعهد الأبحاث الطبية في ذلك البلد. جاء أودي بعدها إلى الولايات المتحدة وعمل رئيسا لعدة مؤسسات بحثية؛ وتم تبني مفهومه "للصحة" في سياق الجغرافيا الطبية ومن قبل منظمة الصحة العالمية.

وكما استنتج جاك ماي (1958 May)، فإن بعض البيئات تشكل أخطارا بيئية مختلفة. لجميع الأمراض أسبابها المحددة التي يمكن وصفها باستخدام معيار جغرافي طبيعي أساسي. ولذلك، يجب أن نولي اهتماما رئيسية لتحديد مخاطر الأمراض المحتملة، وبالتالي حماية الجنود من التقاط الأمراض من خلال اتخاذ مجموعة واسعة من التدابير الوقائية (كالتطعيمات والجلسات التثقيفية والنشرات والملابس الوقائية وأنواع معينة من النظافة الشخصية ... إلخ). وفي حالة الإصابة بمرض ما، عندها يجب إعطاء العلاج المناسب في الوقت المناسب على يد كادر طبي مدرب، ويجب بذل كل الجهود لمنع انتشار المرض.

وتقييم المخاطر الصحية لمنطقة معينة من وجهة نظر عسكرية، يشكل أيضا جانب آخر من التحليل الفعال للمنطقة أثناء عملية التخطيط للعمليات. وتركز الجغرافيا الطبية بصورة خاصة على التفاعل بين الناس وبيئتهم، وتركز على النشاطات التي تعرض الجنود والمدنيين للمخاطر الصحية (1994,2005Palka). ومما لا شك فيه أن هذا الحقل الفرعي من الجغرافيا تحديد ذو صلة بالعسكريين من منظور التطور المهني والمنظور العملي معا.

تستخدم الجغرافيا الطبية مفاهيم وتقنيات هذا الفرع من المعرفة للبحث في مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالصحة. فهو يفسر توزع الصحة والمرض، ويعرف الطرق الفعالة للتدخل وتوزيع الكادر المدرب والتقنيات من أجل توفير الرعاية الصحية الفاعلة. الحقل الفرعي المتمثل بالجغرافيا الطبية وثيق الصلة بعلم الوبائيات ودراسة الأوبئة والأمراض الوبائية. ولكن علم الوبائيات يميل إلى التركيز على مستوى واحد أو مستويين. وبالمقارنة، نجد أن حقل الجغرافيا الطبية أوسع بكثير؛ فهو يغطي مستويات متعددة قد تراوح من منزل واحد إلى منطقة ثقافية بأكملها. علاوة على ذلك، تستخدم الجغرافيا الطبية جميع الجغرافيات المنهجية على مستويات متنوعة مع مرور الوقت، وبالتالي، فإنها تكاملية إلى حد بالغ في نهجها. وأخيرة، فإن نطاق الجغرافيا الطبية لا يقتصر على وجود المرض أو غيابه، بل يدرس مجموعة كاملة من الشؤون الصحية ضمن إطار مكاني. والتاريخ حافل بأمثلة المعارك والحملات والحروب، حيث حصدت الأمراض ضحايا أكثر مما حصدته نيران العدو. ويقدم هذا الفصل لمحة عامة عن الجغرافيا الطبية، ويعيد إلى الذاكرة حملة بونا-غونا خلال الحرب العالمية الثانية في وسيلة للتأكيد على علاقة هذا الحقل الفرعي المحدد بالعمليات العسكرية وخوض الحروب.