المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4510 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
هل النبي صلى الله عليه واله مبعوث على الملائكة ؟
2024-04-20
هل الملائكة معرضة للموت ؟ وما آخر من يبقى من الخلق ؟
2024-04-20
الدفن وما يتعلق به من أحكام القبور
2024-04-20
المفروض من الأكفان
2024-04-20
بطانة الرجل وولیجته
2024-04-19
معنى الصِر
2024-04-19

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات الماديّة المتغيّرة  
  
1704   01:34 صباحاً   التاريخ: 11-08-2015
المؤلف : محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بــ(شريعتمدار)
الكتاب أو المصدر : البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة
الجزء والصفحة : ص235-252/ج2
القسم : العقائد الاسلامية / مقالات عقائدية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-12-2018 1032
التاريخ: 1-07-2015 3497
التاريخ: 1-07-2015 2493
التاريخ: 1-07-2015 1581

 (إن) العلم بالجزئيّات المادّيّة المبدعة والحادثة المتغيّرة.. قد يكون أيضا دائما غير متغيّر وإن تغيّر المعلوم وذلك إذا كان العلم بها حاصلا من أسبابها وعللها المتأدّية إليها ، فيكون تعقّلا وغير محتاج إلى آلة ، وقد يكون متغيّرا ، فيكون حادثا بعد ما لم يكن ، وزائلا بعد ما كان ، وذلك إذا كان حاصلا من وجوداتها ، فيكون إحساسا ومحتاجا إلى آلة ، وعلم البارئ تعالى بالأشياء لمّا لم يجز أن يكون حاصلا له من وجودات الأشياء ـ لما عرفت ـ وجب أن يكون علمه بالجزئيّات حاصلا له من ذاته التي هي علّة للوجودات كلّها فينتهي إليها سلسلة العلل والأسباب ، فيكون تعقّلا ويكون ثابتا غير متغيّر أصلا وإن تغيّر المعلوم ؛ فإنّه تعالى يعلم كلاّ في وقته علما ثابتا قبل ذلك الوقت وفيه وبعده ، فيعلم وجوده بالأسباب المتأدّية إليه وعدمه بالأسباب المعدمة له ، ولا يتوقّف علمه بالوجود إلى حضور الآن والزمان الذي يختصّ الوجود به ، ولا علمه بالعدم إلى حضور الآن والزمان الذي يختصّ به العدم ، فلا مدخل في علمه تعالى ماض ولا مستقبل ولا حال.

قال الشيخ في إلهيّات الشفاء : ولأنّه مبدأ كلّ وجود ، فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له ، وهو مبدأ للوجودات (1) التامّة بأعيانها والوجودات (2) الكائنة الفاسدة بأنواعها أوّلا ، وبتوسّط ذلك بأشخاصها.

ومن وجه آخر لا يجوز أن يكون عاقلا لهذه المتغيّرات مع تغيّرها من حيث هي متغيّرة عقلا زمانيّا مشخّصا ، بل على نحو آخر نبيّنه ؛ فإنّه لا يجوز أن يكون تارة يعقل عقلا زمانيّا منها أنّها موجودة غير معدومة ، وتارة يعقل عقلا زمانيّا أنّها معدومة غير موجودة ، فيكون لكلّ واحد من الأمرين صورة عقليّة ولا واحدة من الصورتين تبقى مع الثانية ، فيكون واجب الوجود متغيّر الذات.

ثمّ الفاسدات إن عقلت بالماهيّة المجرّدة (3) وبما يتبعها ممّا لا يتشخّص ، لم تعقل بما هي فاسدة.

وإن أدركت بما هي مقارنة لمادّة وعوارض مادّة ووقت وتشخّص وتركيب ، لم تكن معقولة ، بل هي محسوسة أو متخيّلة ، ونحن قد بيّنّا في كتب أخرى أنّ كلّ صورة لمحسوس وكلّ صورة خياليّة فإنّما تدرك من حيث هي محسوسة ومتخيّلة بآلة متجزّئة ، وكما أنّ إثبات كثير من الأفاعيل للواجب الوجود نقص له ، كذلك إثبات كثير من التعقّلات ، بل الواجب الوجود إنّما يعقل كلّ شيء على نحو كلّيّ ، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصيّ ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض. وهذا من العجائب التي يحوج تصوّرها إلى لطف قريحة (4).

ثمّ أشار إلى بيان النحو الآخر الذي عليه يجب أن يكون تعقّله لهذه المتغيّرات ، فقال : وأمّا كيفيّة ذلك ، فلأنّه إذا عقل ذاته ، وعقل أنّه مبدأ كلّ موجود ، عقل أوائل الموجودات عنه وما يتولّد عنها ، ولا شيء من الأشياء يوجد إلاّ وقد صار من جهة ما يكون (5) واجبا بسببه ... فتكون هذه الأسباب تتأدّى بمصادماتها إلى أن توجد عنها الأمور الجزئيّة ، فالأوّل يعلم الأسباب ومطابقاتها ، فيعلم ضرورة ما يتأدّى إليها ، وما بينها من الأزمنة ، وما لها من العودات ؛ لأنّه ليس يمكن أن يعلم تلك ولا يعلم هذا ، فيكون مدركا للأمور الجزئيّة من حيث هي كلّيّة ، أعني من حيث لها صفات. وإن تخصّصت بها شخصا ، فبالإضافة إلى زمان متشخّص ، أو حال متشخّصة لو أخذت تلك الحال بصفاتها ، كانت أيضا بمنزلتها ، لكنّها تستند إلى مبادئ ، كلّ واحد منها نوعه في شخصه ، فيستند (6) إلى أمور شخصيّة ، وقد قلنا : إنّ مثل هذا الاستناد قد يحصل للشخصيّات رسما ووضعا (7) مقصورا عليها (8) و (9).

ثمّ أورد لذلك مثالا ، فقال :

« كما أنّك تعلم حركات السماويّات كلّها ؛ فأنت تعلم كلّ كسوف وكلّ اتّصال وكلّ انفصال جزئيّ يكون ، بعينه ، ولكنّه على نحو كلّيّ ؛ لأنّك تقول في كسوف ما : إنّه كسوف يكون بعد زمان حركة يكون لكذا من كذا شماليّا نصفيّا ينفصل القمر منه إلى مقابله كذا ، ويكون بينه وبين كسوف مثله سابق له أو متأخّر عنه مدّة كذا ، وكذلك بين حال الكسوفين الآخرين حتّى (10) لا تقدّر عارضا من عوارض تلك الكسوفات إلاّ علمته ، ولكنّك علمته كلّيّا ؛ لأنّ هذا المعنى يجوز أن يحمل على كسوفات كثيرة كلّ واحد منها يكون حاله تلك الحال ، لكنّك تعلم بحجّة ما أنّ ذلك الكسوف لا يكون إلاّ واحدا بعينه.

وهذا لا يدفع الكلّيّة إن تذكّرت ما قلناه قبل ، ولكنّك مع هذا كلّه لم يجز أن تحكم في هذا الآن بوجود هذا الكسوف أولا وجوده إلاّ أن تعرف جزئيّات الحركات بالمشاهدة الحسّيّة (11).

ثمّ قال : فإن منع مانع أن يسمّى هذا معرفة للجزئيّ من جهة كلّيّة ، فلا مناقشة معه ؛ فإنّ غرضنا الآن في غير ذلك ، وهو في تعريفنا أنّ الأمور الجزئيّة كيف تعلم وتدرك علما وإدراكا يتغيّر معهما العالم ، وكيف تعلم وتدرك علما واحدا وإدراكا لا يتغيّر معهما العالم ؛ فإنّك إذا علمت أمر الكسوفات كما توجد أنت ، أو لو كنت موجودا دائما ، كان لك علم لا بالكسوف المطلق ، بل بكلّ كسوف كائن ، ثمّ كان وجود ذلك الكسوف وعدمه لا يغيّر منك أمرا ؛ فإنّ علمك في الحالين يكون واحدا ، وهو أنّ يكون كسوفا له وجود بصفات كذا بعد كسوف كذا ، أو بعد وجود الشمس في الحمل كذا ، في مدّة كذا ، ويكون بعد كذا ، وبعده كذا ، ويكون هذا القصد (12) منك صادقا قبل ذلك الكسوف ومعه وبعده ، فأمّا إن أدخلت الزمان في ذلك ، فعلمت في آن مفروض أنّ هذا الكسوف ليس بموجود ، ثمّ علمت في آن آخر أنّه موجود ، لم يبق علمك ذلك عند وجوده ، بل كان يحدث علم آخر ، ويكون فيك التغيّر الذي أشرنا إليه ، ولم يصحّ أن تكون في وقت الانجلاء على ما كنت قبل الانجلاء وأنت زمانيّ وآنيّ ، والأوّل الذي لا يدخل في زمان وحكمه ، فهو بعيد أن يحكم حكما في هذا الزمان ، وذلك الزمان من حيث هو فيه ومن حيث هو حكم جديد أو معرفة جديدة (13).

وقال في « الإشارات » : الأشياء الجزئيّة قد تعقل كما تعقل الكلّيّات من حيث تجب بأسبابها منسوبة إلى مبدأ نوعه (14) في شخصه يتخصّص (25) به كالكسوف الجزئي ؛ فإنّه يعقل وقوعه بسبب توافي أسبابه الجزئيّة وإحاطتها بها ، ويعقلها ، كما يعقل الكلّيّات (16) ، وذلك غير الإدراك الجزئيّ الزمانيّ لها الذي يحكم أنّه وقع الآن أو قبله ، أو يقع بعده ، بل مثل أن يعقل أنّ كسوفا جزئيا يعرض عند حصول القمر وهو جزئيّ ما ، في وقت كذا وهو جزئيّ ما ، في مقابلة كذا ، ثمّ ربما وقع ذلك الكسوف ولم يكن عند العاقل إحاطة بأنّه وقع أو لم يقع وإن كان معقولا له على النحو الأوّل ؛ لأنّ هذا إدراك آخر جزئيّ يحدث مع حدوث المدرك ويزول مع زواله ، وذلك الأوّل يكون ثابتا الدهر كلّه وإن كان علما بجزئيّ ؛ فإنّ العاقل يغفل أنّه بين كون القمر في موضع كذا وبين كونه في موضع كذا يكون كسوف معيّن في وقت من زمان أوّل الحالين محدود عقله (17) ، وذلك أمر ثابت قبل كون الكسوف ومعه وبعده (18).

ثمّ قسّم الصفات للأشياء ، ومحصّل القسمة أنّ من الصفة ما يتغيّر بتغيّرها الموصوف ، ومنها ما لا يتغيّر بتغيّرها الموصوف ، فالثاني لا يكون متقرّرا في ذات الموصوف مثل كونك يمينا وشمالا ، والأوّل يكون متقرّرا في ذات الموصوف ، وهذه إمّا أن لا يلزمها إضافة إلى غير الموصوف وهي الصفة الحقيقيّة المحضة مثل السواد والبياض ، وإمّا أن يلزمها إضافة إلى غيره. وهذه على قسمين : ما لا يتغيّر بتغيّر المضاف إليه ، وما يتغيّر بتغيّره.

فالأوّل كالقدرة ؛ فإنّها هيئة ما للذات ، بسببها يصحّ أن يصدر عن تلك الذات فعل وهي تقتضي كون القادر مضافا إلى مقدور عليه ولا يتغيّر بتغيّر المضاف إليه ؛ فإنّ القادر على تحريك زيد لا يصير غير قادر في ذاته عند انعدام زيد ، ولكن يتغيّر إضافته تلك ؛ فإنّه حينئذ لا يكون قادرا على تحريك زيد وإن كان قادرا في ذاته.

والسبب في ذلك أنّ القدرة تستلزم الإضافة إلى أمر كلّيّ لزوما أوّليّا ذاتيّا ، وإلى الجزئيّات التي تقع تحت ذلك الكلّيّ لزوما ثانيا غير ذاتيّ ، بل بسبب ذلك الكلّيّ ، والأمر الكلّيّ الذي يتعلّق الصفة به لا يمكن أن يتغيّر ، فلأجل ذلك لا يتطرّق التغيّر إلى الصفة.

وأمّا الجزئيّات ، فقد تتغيّر ولتغيّرها يتغيّر الإضافات الجزئيّة العرضيّة المتعلّقة بها.

والثاني كالعلم ؛ فإنّه صورة متقرّرة في العالم تقتضيه الإضافة إلى معلومه ، ويتغيّر بتغيّر المعلوم ؛ فإنّ العالم بكون زيد في الدار يتغيّر علمه بخروجه عن الدار ؛ وذلك لأنّ العالم يستلزم الإضافة إلى معلومه المعيّن ، ولا يتعلّق بغير ذلك المعلوم بعين التعلّق الأوّل ، بخلاف القدرة ؛ فإنّ القدرة تتعلّق بالمقدور الكلّيّ أوّلا ، وبسببه بالمقدور الجزئيّ الذي يقع تحت ذلك الكلّيّ ثانيا. أمّا العلم ، فإنّه إذا تعلّق بالكلّيّ ، فلا يتعلّق بالجزئيّ الذي يقع تحت ذلك الكلّيّ البتّة إلاّ إذا استؤنف العلم وتجدّد وتعلّق بذلك الجزئيّ تعلّقا آخر ، مثلا العلم بأنّ الحيوان جسم لا يقتضي بانفراده العلم بكون الإنسان جسما ما لم يقترن إلى ذلك علم آخر هو العلم بكون الإنسان حيوانا فإذن العلم بكون الإنسان جسما علم مستأنف له إضافة مستأنفة وهيئة جديدة للنفس ، لها إضافة جديدة غير العلم بكون الحيوان جسما وغير هيئة تحقّق ذلك العلم.

ويلزم من ذلك أن يختلف حال الموصوف بالصفة التي تكون من هذا القسم باختلاف حال الإضافات المتعلّقة بها ، لا في الإضافات ، بل في نفس تلك الصفة (19).

ثمّ بعد تمهيد ذلك قال ما محصّله : أنّ كلّ ما لا يكون موضوعا للتغيّر لا يجوز أن تتبدّل صفاته المتقرّرة المحضة ، ولا صفاته المتقرّرة المتعلّقة بالإضافة ، التي تتغيّر بتغيّر الإضافة ويجوز أن تتبدّل إضافاته اللازمة لصفاته المتقرّرة التي لا تتغيّر بتغيّر تلك الإضافات ، ولا محالة يكون ذلك في إضافات بعيدة لازمة لزوما ثانيا ، ولا يمكن أن يكون في إضافات قريبة لازمة لزوما أوّليا ؛ فإنّ التغيّر فيهما يقتضي التغيّر في نفس تلك الصفات ، وكذا يجوز أن يتبدّل إضافاته المحضة وهو ظاهر (20).

ثمّ قال : الواجب الوجود يجب أن لا يكون علمه بالجزئيّات علما زمانيّا حتّى يدخل فيه الآن والماضي والمستقبل ، فيعرض لصفة ذاته أن يتغيّر ، بل يجب أن يكون علمه بالجزئيّات على الوجه المقدّس العالي على الزمان والدهر (21).

وقال في التعليقات : « العالم إنّما يصير مضافا إلى الشيء المعلوم بهيئة تحصل في ذاته ، وليس الحال في العالميّة كالحال في التيامن والتياسر الذي إذا تغيّر الأمر الذي كان متيامنا ومتياسرا ، ولم يتغيّر هيئة فيمن كانت له هذه الإضافة إلاّ نفس هذه الإضافة أعني التيامن ؛ فإنّ الإضافة قد تكون في المضاف والمضاف إليه كالعاشق والمعشوق ، والعلم والمعلوم ، وقد لا تكون بهيئة كالحال في التيامن ؛ فإنّ العلم يبطل ببطلان هيئة كانت الإضافة بينه وبين المعلوم بسببهما (22) والتيامن لا يبطل منه هيئة ، ثمّ يبطل ببطلانه التيامن ، والإضافة بالحقيقة عارضة لتلك الهيئة التي في العالم والعاشق لا أنّ تلك الهيئة هي نفس الإضافة (23).

ثمّ قال : فالعلم ليس هو وجود المعلوم في ذاته ؛ إذ ليس وجود الشيء في ذاته سببا لحصول العلم ، وإلاّ لم يكن علم بالمعدوم ، بل العلم وجود هيئة في ذات العالم ، فواجب الوجود لو كان علمه زمانيّا ـ أعني زمانا مشارا إليه حتّى يعلم أنّ الشيء الفلانيّ في هذا الوقت غير موجود وغدا يكون موجودا ـ كان علمه متغيّرا ؛ فإنّه كما أنّ هذا الشيء غير موجود الآن ويصير موجودا غدا كذلك العالم به إمّا أن يعلمه كذلك فيكون متغيّرا ، وإمّا أن يكون علمه غدا كعلمه في هذا اليوم فلا يكون علما ؛ فإنّه يكون محالا ، أو لا يكون علمه غدا كعلمه في هذا اليوم بل قد يتغيّر.

وأمّا أنّه كيف يكون علمه فهو أن يكون بسبب ، أعني أن يكون يعرف الموجودات كلّها على وجه كلّيّ ، وإذا كانت الأشياء كلّها واجبة عنده إلى أقصى الوجود ، فإنّه يعرفها كلّها ؛ إذ كلّها من لوازمه ولوازم لوازمه ، وإذا علم أنّه كلّما كان كذا ، كان كذا أعني جزئيا آخر ، ويكون هذه الجزئيّات مطابقة لهذا الحكم ، يكون قد عرف الجزئيّات على الوجه الكلّيّ الذي لا يتغيّر ، الذي يمكن أن يتناول أيّ جزئيّ كان ، لا هذا المشار إليه (24).

ثمّ قال : ومثال هذا أنّ منجّما يعلم أنّ الكوكب الفلانيّ كان أوّلا في الدرجة الفلانيّة فصار إلى الدرجة الفلانيّة ، ثمّ بعد كذا ساعة قارن الكوكب الفلانيّ ، ثمّ دخل بعد كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ بقي بعد كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ فارق الشمس وانجلى ، وقد يكون قد عرف كلّ ذلك بأسبابه ، ولا يكون قد عرف أنّ هذا الكوكب في هذه الساعة في الدرجة الفلانيّة حتّى يكون الساعات التي بعدها مستندة إلى هذه المشار إليها ، ويتغيّر علمه بحسب تغيّر الأحوال وتجدّدها ، فإذا عرف على الوجه الذي ذكرناه ـ أعني بالسبب ـ كان حكمه في اليوم وغدا وأمس حكما واحدا والعلم لا يتغيّر ؛ فإنّه صحيح « دائما في هذا الوقت وفيما قبله وفيما بعده أنّ الكوكب الفلانيّ كذا ساعة يقارن الكوكب الفلانيّ.

فأمّا إن قال : إنّ الكوكب الفلانيّ في هذا الوقت الفلانيّ ـ المشار إليه المستفاد علمه من خارج ـ مقارن للكوكب الفلانيّ وغدا مقارن لكوكب آخر ، فإنّه إذا جاء الغد بطل الحكم الوقتيّ والعلم الوقتيّ.

فإذن الفرق بين العلمين ظاهر ، فواجب الوجود علمه على الوجه الكلّيّ علم لا يعزب عنه مثقال ذرّة ، وهذا الكسوف الشخصيّ وإن كان معقولا على الوجه الكلّيّ ؛ إذ قد علم بأسبابه ، والمعقول فيه بحيث يجوز حمله على كسوفات كثيرة كلّ واحد منها حاله حال هذا الكسوف ، فإنّ الأوّل تعالى يعلم أنّه مشخّص في الوجود وعلمه محيط بوحدانيّته ، فإنّه إن لم يعرف وحدانيّته لم يعرفه حقّ المعرفة ، وكذلك نظام الموجودات عنه وإن عرفه على وجه كلّيّ بحيث يكون معقوله يجوز حمله على كثيرين ، فإنّه يعلم أنّه واحد ، وكذلك يعلم أنّ العقل الفعّال واحد وإن كان عقله على وجه كلّيّ ، وعلمه بأنّ هذا الكسوف شخصيّ لا يرفع (25) المعقول الكلّيّ.

والعلم ما يكون بأسباب ، والمعرفة ما يكون بمشاهدة ، والعلم لا يتغيّر البتّة وإن كان جزئيّا ؛ فإنّ علمنا بأنّ الكسوف غدا يكون مركّبا من علم ومشاهدة ، ولو كان غدا لم يكن مشارا إليه ، بل كان معلوما بأسبابه لم يكن إلاّ علما كلّيّا ، ولم يكن يجوز أن يتغيّر ، ولم يكن زمانيّا ؛ فإنّ كلّ علم لا يعرف بالإشارة وبالاستناد إلى شيء مشار إليه كان بسبب ، والعلم بالمسبّب لا يتغيّر ما دام السبب موجودا ، لكنّ العلم الذي يتغيّر هو أن يكون مستفادا من وجود الشيء ومشاهدته ، فواجب الوجود تعالى منزّه عن ذلك ؛ إذ لا يعرف الشيء من وجوده ، فيكون علمه زمانيا ومستحيلا ومتغيّرا ، ولو كنّا نعرف حقيقة واجب الوجود وما يوجبه ذاته من صدور اللوازم كلّها عنه لازما بعد لازم إلى أقصى الوجود ، لكنّا نحن أيضا نعلم الأشياء بأسبابها ولوازمها ، وكان علمنا أيضا لا يتغيّر ، وإذا كان هو يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ، فيجب أن يكون علمه كلّيّا بأسباب الشيء ولوازمه ، فلا يتغيّر (26). انتهى.

واعلم أنّه كما أنّه من هذا الطريق بتصحّح العلم بالجزئيّات المتغيّرة ، كذلك يتصحّح العلم بالجزئيّات المتشكّلة أيضا ؛ فإنّ إدراك المتشكّلات ـ إذا لم يكن من سبيل الجزئيّة المستندة إلى الإشارة والإحساس ، بل من سبيل التخصيص بصفات مستندة إلى مبدأ نوعه في شخصه ـ لا يستدعي الانطباع في آلة جسمانيّة.

واعلم أيضا أنّه لا يخرج من هذا الطريق عن إحاطة علمه تعالى شيء جزئيّ ، بل نفي علمه تعالى عن الجزئيّات على وجه الجزئيّة عبارة عن نفي الإحساس بها عنه تعالى كما هو الظاهر، بل الصريح من كلام الشيخ ، ولا يلزم من نفي الإحساس بالشيء نفي العلم به.

فلا وجه لما أورده المصنّف في شرح الإشارات على الشيخ من أنّ : هذه السياقة قد تشبه سياقة الفقهاء في تخصيص بعض الأحكام بأحكام يعارضها في الظاهر ، وذلك لأنّ الحكم بأنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول إن لم يكن كلّيا ، لم يمكن أن يحكم بإحاطة الواجب بالكلّ ، وإن كان كلّيّا وكان الجزئيّ المتغيّر من جملة معلولاته ، أوجب ذلك الحكم أن يكون عالما به لا محالة ، فالقول بأنّه لا يجوز أن يكون عالما به ؛ لامتناع كون الواجب موضوعا للتغيّر تخصيص لذلك الحكم الكلّيّ بحكم آخر عارضه في بعض الصور ، وهذا دأب الفقهاء ومن يجري مجراهم ، ولا يجوز أن تقع أمثال ذلك من المباحث المعقولة ؛ لامتناع تعارض الأحكام فيها.

فالصواب أن يؤخذ بيان هذا المطلب من مأخذ آخر ، وهو أن يقال : العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول ، ولا يوجب الإحساس به ، وإدراك الجزئيّات المتغيّرة من حيث هي متغيّرة لا يمكن إلاّ بالآلات الجسمانيّة كالحواسّ وما يجري مجراها والمدرك بذلك الإدراك يكون موضوعا للتغيّر لا محالة. أمّا إدراكها على الوجه الكلّيّ ، فلا يمكن إلاّ بالعقل ، والمدرك بهذا الإدراك يمكن أن لا يكون موضوعا للتغيّر ، فإذن الواجب الأوّل وكلّ ما لا يكون موضوعا للتغيّر ، بل كلّ ما هو عاقل يمتنع أن يدركها من جهة ما هو عاقل على الوجه الأوّل ، ويجب أن يدركها على الوجه الثاني (27). انتهى كلام شرح الإشارات.

وأنت بما نبّهنا عليه خبير بما فيه. هذا تصحيح العلم بالجزئيّات المتغيّرة على القول بارتسام الصور في ذاته تعالى بالمعنى الذي حقّقناه.

وأمّا تصحيحه على القول بالعلم الحضوريّ ، فواضح ؛ فإنّه لمّا لم يكن العلم مستدعيا لارتسام الصور في ذاته تعالى ، لم يكن تغيّر المعلوم موجبا لتغيّر ما هو صفة حقيقيّة له تعالى ، بل يتغيّر إضافة بينه وبين معلومه وهو جائز اتّفاقا.

وإلى هذا أشار المصنّف ـ رحمه الله ـ بقوله : ( وتغيّر الإضافات ممكن ).

وقال في شرح رسالة العلم : وأمّا علم البارئ بالجزئيّات ، ففيه خلاف بين المتكلّمين والفلاسفة؛ وذلك أنّ المتكلّمين قالوا : إنّ البارئ تعالى يعلم الحادث اليوميّ على الوجه الذي يعلم أحدنا أنّه موجود في هذا الوقت ولم يكن موجودا قبله ويمكن أن يوجد بعده أو لا يمكن ، ثمّ إذا تنبّهوا بوجوب تغيّر العلم بالمتغيّرات حسب تغيّرها ، التزم بعضهم جواز التغيّر في صفات الله تعالى ، أو في بعضها ، فقال القائلون بالإضافات فقط : إنّ تغيّر الإضافات في الله تعالى جائز عند جميع العقلاء كالخالقيّة والرازقيّة والإضافة إلى كلّ شخص.

وقال غيرهم : يجوز أن يكون ذاته محلاّ للحوادث كما جوّز طائفة من الحكماء كونه محلاّ للحوادث ، قابلا لصور المعلومات غير المتغيّرة. ومن لم يجوّز التغيّر في صفاته تعالى ، عاند في هذا الموضع ، وأنكر التغيّر أصلا وقال : العلم بما سيوجد هو العلم بوجوده حين وجوده » إلى أمثال ذلك من التمسّكات الواهية.

وأمّا الحكماء ، فالظاهريّون من المنتسبين قالوا : إنّه تعالى عالم بالجزئيّات على الوجه الكلّيّ لا على الوجه الجزئيّ ، فقيل لهم : لا يمكن أن ينكر وجود الجزئيّات على وجه الجزئيّة المتغيّرة ، وكلّ موجود فهو في سلسلة الحاجة إلى البارئ تعالى الذي هو مبدؤه وعلّته الأولى ، وعندكم أنّ العلم التامّ بالعلّة التامّة يستلزم العلم التامّ بمعلولها ، وأنّ علم البارئ تعالى بذاته أتمّ العلوم ، فأنتم بين أن تعترفوا بعلمه تعالى بالجزئيّات على وجه الجزئيّة المتغيّرة ، وبين أن تقرّوا بانثلام إحدى المقدّمات المذكورة ؛ إذ من الممتنع أن يستثنى من الأحكام الكلّيّة العقليّة بعض جزئيّاتها الداخلة فيها ، كما يستثنى في الأحكام النقليّة بعضها ؛ لتعارض الأدلّة السمعيّة ، فهذه هي المذاهب المشهورة.

وأمّا التحقيق في هذا الموضع فيحتاج ـ كما تقدّم ـ إلى لطف قريحة.

ثمّ قال ـ بعد تمهيد مقدّمة محصّلها : أنّ الكثرة العدديّة إمّا أن تكون آحادها غير قارّة ، أو تكون قارّة.

والأوّل : لا يمكن أن يوجد إلاّ مع زمان ، أو في زمان ؛ لأنّ العلّة الأولى للتغيّر على هذا الوجه في الوجود هو الموجود غير القارّ لذاته الذي يتصرّم ويتجدّد على الاتّصال وهو الزمان.

والثاني : لا يمكن أن يوجد إلاّ في مكان ، أو مع مكان ؛ لأنّ العلّة الأولى للكثرة على هذا الوجه إنّما هو الموجود الذي يقبل الوضع لذاته ويلزمه التجزّؤ بأجزاء مختلفة الأوضاع وكلّ موجود يكون شأنه ذلك فهو مادّي ، فالطبائع إذا تحصّلت في أشخاص كثيرة ، يكون الأسباب الأولى لتعيّن أشخاصها إمّا الزمان كما للحركات ، أو المكان كما في الأجسام ، أو كليهما كما في الأشخاص المتغيّرة المتكثّرة الواقعة تحت نوع من الأنواع. وما لا يكون زمانيّا ولا مكانيّا فلا يتعلّق بهما ، ويتنفّر العقل من استناده إليهما كما إذا قيل : الإنسان من حيث طبيعته الإنسانيّة متى يوجد؟ أو أين يوجد؟ أو كون الخمسة نصف العشرة في أيّ زمان يكون؟ أو في أيّ بلدة يكون؟ بل إذا تعيّن شخص منهما ـ كهذا الإنسان أو هذه الخمسة والعشرة ـ فقد يتعلّق بهما بسبب تشخّصهما ـ بهذه (28) العبارة : فنعود إلى المقصود ونقول : إذا كان المدرك متعلّقا بزمان أو مكان ، فإنّما يكون هذه الإدراكات منه بآلة جسمانيّة لا غير كالحواسّ الظاهرة والباطنة أو غيرها ؛ فإنّه يدرك المتغيّرات الحاضرة في زمانه ، ويحكم بوجودها ، ويفوته ما يكون وجوده في زمان غير ذلك الزمان ، ويحكم بعدمه ، بل يقول : إنّه كان ، أو سيكون ، وليس الآن ، ويدرك المتكثّرات التي يمكن له أن يشير إليها ، ويحكم عليها بأنّها في أيّ جهة منه ، وعلى أيّ مسافة إن بعدت عنه.

وأمّا المدرك الذي لا يكون كذلك ، ويكون إدراكه تامّا ، فإنّه يكون محيطا بالكلّ ، عالما به بأنّ أيّ حادث يوجد في أيّ زمان من الأزمنة وكم يكون من المدّة بينه وبين الحادث الذي يتقدّمه أو يتأخّر منه ، ولا يحكم بالعدم على شيء من ذلك بل بدل ما يحكم المدرك الأوّل بأنّ الماضي ليس موجودا في الحال يحكم هو بأنّ كلّ موجود في زمان معيّن لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الأزمنة التي تكون قبله أو بعده ، ويكون عالما بأن كلّ شخص في أيّ جزء يوجد من المكان ، وأيّ نسبة يكون بينه وبين ما عداه ممّا يقع في جميع جهاته ، وكم الأبعاد بينهما جميعا على الوجه المطابق للوجود ، ولا يحكم على شيء بأنّه موجود الآن أو معدوم ، أو موجود هناك أو معدوم ، أو حاضر أو غائب ؛ لأنّه ليس بزمانيّ ولا مكانيّ ، بل نسبة جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبة واحدة.

وإنّما يختصّ بالآن ، أو بهذا المكان ، أو ذاك المكان ، أو بالحضور والغيبة ، أو بأنّ هذا الجسم قدّاميّ أو خلفيّ أو تحتيّ أو فوقيّ من يقع وجوده في زمان معيّن ومكان معيّن ، وعلمه تعالى بجميع الموجودات أتمّ العلوم وأكملها ، وهذا هو المعنيّ بالعلم بالجزئيّات على الوجه الكلّيّ ، وإليه أشير بطيّ السماوات التي هي جامعة الأمكنة والأزمنة كلّها كطيّ السجلّ للكتب ؛ فإنّ القارئ للسجلّ يتعلّق نظره بحرف حرف على الولاء ، ويغيب عنه ما تقدّم نظره إليه أو تأخّر عنه.

أمّا الذي بيده السجلّ مطويّا فيكون نسبته إلى جميع الحروف نسبة واحدة لا يفوته شيء منها.

وظاهر أنّ هذا النوع من الإدراك لا يمكن إلاّ لمن يكون غير زمانيّ وغير مكانيّ ، ويدرك لا بآلة من الآلات ولا بتوسّط شيء من الصور ، ولا يمكن أن يكون شيء من الأشياء ـ كلّيّا أو جزئيّا ، على أيّ وجه كان ـ إلاّ وهو عالم به ، فلا يسقط من ورقة إلاّ يعلمها ، ولا حبّة في ظلمات الأرض ، ولا رطب ولا يابس إلاّ وجميعها يثبت عنده في الكتاب المبين ، الذي هو دفتر الوجود من كلّ شيء ممّا مضى أو حضر أو يستقبل أو يوصف بهذه الصفات على أيّ وجه كان.

أمّا العلم بالجزئيّات على الوجه الجزئيّ المذكور ، فهو إنّما يصحّ لمن يدرك إدراكا حسّيّا بآلة جسمانيّة في وقت معيّن (29).

وكما ترى أنّ البارئ تعالى يقال (30) : إنّه عالم بالمذوقات والمشمومات والملموسات ، ولا يقال (31) : إنّه ذائق أو شامّ أو لامس ؛ لأنّه منزّه عن أن يكون له حواسّ جسمانيّة ولا يثلم ذلك في تنزيهه تعالى ، بل يؤكّده ، فكذا نفي العلم بالجزئيّات المشخّصة على الوجه المدرك بالآلات الجسمانيّة عنه لا يثلم في تنزيهه بل يؤكّده ، ولا يوجب ذلك تغيّرا في ذاته الوحدانيّة ولا في صفاته الذاتيّة التي تدركها العقول [ و ] إنّما يوجب التغيّر في معلولاته (32) والإضافات بينه وبينها فقط ، فهذا ما عندي من التحقيق في هذا الموضع (33). انتهى كلام المصنّف في شرح الرسالة.

وأقول : على القول بالعلم الحضوريّ لا حاجة إلى ذلك التطويل ، ولا إلى الفرق بين من تعلّق بزمان ومكان ، ومن لم يتعلّق بهما ؛ فإنّ مناطه ليس إلاّ تحقّق الإضافة الحضوريّة ، ألا ترى أنّ صاحب الإشراق يرى الإبصار بالإضافة الإشراقيّة للنفس إلى المبصرات ، ويرى علمها بالبدن والقوى بالإضافة التسلّطيّة إليهما مع تعلّقهما بالزمان والمكان (34).

وهذه الإضافة الحضوريّة متحقّقة ـ على قولهم ـ بين البارئ تعالى ، وبين جميع معلولاته في أوقات وجوداتها.

ولا حاجة أيضا إلى كون نسبته تعالى إلى جميع الأزمنة واحدة في ذلك مع أنّ ذلك ليس من مذهبه ، وإلاّ فأيّ حاجة إلى الفرق بين المعلولات (35) القريبة والبعيدة بكون علمه تعالى بالأولى بحضور ذواتها العينيّة ، وبالثانية بحصول صورها في الأولى على ما عرفت من مذهبه؟ وحينئذ فلا حاجة أيضا إلى نفي حكمه تعالى بعدم شيء ممّا مضى أو يستقبل في الحال ، ولا فرق بينه وبين المدرك الأوّل في ذلك.

نعم ، أمثال ذلك إنّما تلائم مذهب من زعم أنّه ليس بالنسبة إليه تعالى ماض ولا حال ولا مستقبل ، بل نسبة جميع الأزمنة إليه تعالى كنسبة جميع الأمكنة ، وأنّه لا يتغيّر بالنسبة إليه تعالى شيء من الأشياء ، بل التغيّر إنّما هو فيما بينهما ، وبقياس بعضها إلى بعض ... وقد قلنا هناك : إنّ هذا المذهب متوهّم من هذا الكلام من المصنّف. كيف؟ ولو كان مراد المصنّف ذلك ، لما صحّ منه ما ذكرناه ، ولما صحّ أن يحكم أنّ ذلك إنّما يوجب التغيّر في معلوماته ومعلولاته والإضافات التي بينه وبينها ؛ فإنّه إذا لم يكن التغيّر واقعا بالنسبة إليه تعالى ، لم يوجب تغيّر إضافته تعالى إليهما أيضا.

وبالجملة ، هذا الكلام من المصنّف ليس على ما ينبغي ، بل هو مناسب لمذهب القائلين بالعلم الحصوليّ ، ومأخوذ من كلام الشيخ وغيره من الحكماء في بيان كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات ، وأنّه لا يدخل في علمه تعالى ماض ومستقبل ولا حال ؛ لأنّ علمه تعالى ليس مستفادا من الأشياء ليمكن أن يدخل فيه شيء من ذلك حسب تعلّق الأشياء بالأزمنة الثلاثة ، بل علمه تعالى بالأشياء إنّما هو من ذاته المنزّهة عن الوقوع في شيء من الأزمنة ، وسابق بالذات على الأشياء ، فلا مجال لدخول شيء من الأزمنة فيه.

وكيف كان ، فظهر وثبت من تضاعيف ما ذكرناه في هذا المقام لمن تأمّل حقّ التأمّل أنّ الحقّ الحقيق بالتحقيق ، والقول الحريّ بالتصديق هو أنّ علمه تعالى بجميع الموجودات ـ الكلّيّة والجزئيّة والحادثة والقديمة ـ إنّما هو من ذاته تعالى في ذاته بحيث يطابقه الوجود ، وينطبق عليه النظام الموجود ، وهذا العلم هو سبب فيضان هذا النظام المعقول في الأشياء الموجودة من الأزل إلى الأبد في الطول والعرض ، فلا يعزب عن هذا العلم مثقال ذرّة في السماء ولا في الأرض سواء سمّي هذا العلم حصوليّا أو اتّحاديّا أو إجماليّا أو تفصيليّا بعد ما كان المراد من الحصول غير الحصول من الأشياء في ذاته ، ومن الاتّحاد غير الاتّحاد المعروف بين الاثنين الظاهر الاستحالة ، ومن الإجمال غير الذي فهمه المتأخّرون ، بل ما ذكرناه في تفسير كلام الشيخ المنقول من كتاب النفس ، ومن التفصيل غير التفصيل الذي تلزمه هذه الكثرة العارضة للموجودات على ما عرفت في كلام ابن رشد ، ولا يوجب تغيّر المعلوم تغيّر هذا العلم ؛ لكون العلم بالتغيّر غير مستفاد من الأشياء المتغيّرة ليلزم من تغيّرها تغيّره كما في علمنا بالجزئيّات المتغيّرة من طريق الحواسّ ، ومن سبيل الإشارة الحسّيّة على ما مرّ ، ولهذا ـ أعني لكون هذا العلم غير مستفاد من الأشياء ـ لا يصحّ كون هذا العلم حضوريا لو فرض كون حضور الأمر المباين كافيا في العلم ولوجوب كون هذا العلم سببا لنظام جميع الموجودات لا يجوز أن يكون بالصور القائمة بذواتها أو بذات المعلول الأوّل ، وإلاّ لكانت هذه الصورة من جملة تلك الموجودات ، فيكون نظامها لا عن علم ، أو عن علم آخر ، ويتسلسل ، بل هذه الصورة هي عين ذاته تعالى من وجه ، وغير ذاته تعالى من وجه على ما ... في التكميل العرشي (36) ، أو عين ذاته تعالى حقيقة وغير ذاته تعالى اعتبارا على ما ... في التدقيق الإلهاميّ (37).

وممّا يدلّ على أنّ علمه تعالى لا يتفاوت قبل وجود الأشياء وبعدها ، وأنّه على حال واحد أزلا وأبدا لا يتغيّر بتغيّر المعلوم قبلا وبعدا ـ فلو كان علمه بحضور الأشياء أنفسها عنده بوجوداتها العينيّة ، لكان علمه تعالى بها عند وجوداتها أشدّ انكشافا ممّا كان قبلها على ما اعترفوا به وادّعوا الضرورة فيه سيّما والعلم قبل الإيجاد إجماليّ محض على زعم من ذهب منهم إليه ـ ما (38) رواه في الكافي عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : كان الله ولا شيء غيره ، ولم يزل عالما بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه(39).

وعن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الله عزّ وجلّ : أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها ، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوّن عند ما كوّن؟ فوقّع بخطّه عليه السلام : لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء (40).

إلى غير ذلك ممّا روي عن أصحاب العصمة والطهارة ، من ورثة خير أهل الرسالة والسفارة ، صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.

هذا آخر ما أردنا إيراده في شرح هذا المقام ، وتحقيق ذلك المرام ، والله تعالى وليّ الإنعام.

وأمّا قوله : ( ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين ) فهو جواب عن إشكال على كونه تعالى عالما بالأمور المتجدّدة قبل وقوعها.

وتقريره : أنّها ممكنة لا محالة ؛ لحدوثها ، ويلزم على تقدير تعلّق علمه تعالى بها أن تكون واجبة أيضا ، وإلاّ لأمكن أن لا توجد ، فينقلب علمه تعالى جهلا ، وهو محال.

وتقرير الجواب : أنّها ممكنة لذواتها وواجبة لتعلّق علمه تعالى بها ، فيكون اجتماعهما باعتبارين ، وهو جائز.

فإن قيل : فيلزم وجوب صدور أفعال العباد عنه تعالى ، وهو ينافي كونها اختياريّة لهم ، كان الجواب ما ... في مسألة العلم من الأعراض ... من أنّ العلم تابع للمعلوم ، فلا يكون موجبا له، ولا يلزم من وجوب الأمور المتجدّدة ـ لئلاّ ينقلب علمه تعالى جهلا ـ أن يكون وجوبها من العلم؛ لجواز أن يكون ذلك لأسباب أخر كإرادة العبد في أفعاله على ما هو الحقّ...فتدبّر»(41).

__________________

(1) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ».

(2) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ».

(3) في « شوارق الإلهام » : « المجرّدة بما ».

(4) « الشفاء » الإلهيّات : 359 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.

(5) كلمة « يكون » ليست في « الشفاء ».

(6) كذا ، والأولى : « تستند ».

(7) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « رسما ووصفا ».

(8) في الطبعة الحجريّة من « الشفاء » : « مقصودا عليها ».

(9) « الشفاء » الإلهيّات : 359 ـ 360 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.

(10) في « شوارق الإلهام » : « حتّى لا نتصوّر ».

(11) « الشفاء » الإلهيّات : 360.

(12) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « العقد » بدل « القصد ».

(13) « الشفاء » الإلهيّات : 361 ـ 362 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.

(14) أي ينحصر في شخصه.

(15) في المصدر : « يتشخّص ».

(16) في المصدر : « وإحاطته بها وتعقّلها كما تعقل الكلّيّات ». وفي « الإشارات والتنبيهات »: « وإحاطة العقل بها أو تعقّلها كما تعقل الكلّيات ».

(17) في « الإشارات والتنبيهات » : « ذلك » بدل « وذلك ».

(18) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 307 ـ 308.

(19) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 311 ـ 314.

(20) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 314 ـ 315.

(21) نفس المصدر.

(22) في « شوارق الإلهام » : « نسبتها ».

(23) « التعليقات » : 13.

(24) « التعليقات » : 13 ـ 14.

(25) في « التعليقات » : « لا يدفع ».

(26) « التعليقات » : 14 ـ 15.

(27) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 316.

(28) أي : ثمّ قال بعد تمهيد مقدّمة ... بهذه العبارة.

(29) في المصدر و « شوارق الإلهام » : « في وقت معيّن ومكان معيّن ».

(30) كذا ، والأصحّ : « يقال له » و « لا يقال له ».

(31) كذا ، والأصحّ : « يقال له » و « لا يقال له ».

(32) في المصدر و « شوارق الإلهام » : « في معلوماته ومعلولاته ».

(33) « شرح مسألة العلم » : 38 ـ 41.

(34) « المطارحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 484 ـ 487. وانظر « حكمة الإشراق » ضمن « مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 97 ـ 103.

(35) في « شوارق الإلهام » : « بين المعلومات ».

(36) انظر ص 230 وما بعدها من هذا الجزء. وكذا « شوارق الإلهام » : 541 ـ 542.

(37) انظر ص 233 وما بعدها من هذا الجزء.

(38) مبتدأ مؤخّر خبره قوله : « ممّا ».

(39) « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 2.

(40) نفس المصدر ، ح 4.

(41) « شوارق الإلهام » : 549.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.

موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء