المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4510 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


مسألة الكسب والقدرة والفعل  
  
1494   04:03 مساءاً   التاريخ: 1-08-2015
المؤلف : العلامة الشيخ سديد الدين الحمصيّ الرازيّ
الكتاب أو المصدر : المنقذ من التقليد والمرشد الى التوحيد المسمى بالتعليق العراقي
الجزء والصفحة : ج1 - ص162- 179
القسم : العقائد الاسلامية / مقالات عقائدية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-08-2015 1508
التاريخ: 1-07-2015 2998
التاريخ: 7-2-2018 1219
التاريخ: 1-07-2015 1340

  لقد اختلفت الامّة في (مسألة الكسب والقدرة والفعل)، فذهب جهم بن صفوان إلى أنّ العباد ليسوا فاعلين ولا مكتسبين لأفعالهم، وإنّما هم محالّ الأفعال.

وذهب النجار و الأشعريّ إلى أنّ العباد مكتسبون لتصرّفاتهم و ليسوا محدثين لها. ثمّ اختلفوا في معنى الكسب، فمنهم من قال: الكسب وصف للفعل يحصل بالعبد وقدرته. و منهم من قال: معنى الكسب هو تعلّق قدرة العبد بالتصرّف الواقع فيه من دون أن يكون لقدرته فيه أثر.

وذهب أهل العدل من الشيعة و المعتزلة إلى أنّ العباد فاعلون محدثون لتصرّفاتهم ثمّ اختلفوا: فذهب أبو الحسين وأصحابه إلى انّ هذا يعلم ضرورة، و ذهب أبو عليّ و ابو هاشم إلى أنّه يعلم بالدليل، و إنّما المعلوم ضرورة تعلّق التصرّف بهم على طريق الجملة من دون أنّ يعلم أنّهم محدثون لها.

والواجب أن نبيّن معنى الفاعل ثمّ ننظر في أنّ ذلك المعنى هل حصل في العباد مع تصرّفاتهم أم لا؟ فذكر أصحاب أبي هاشم: أنّ معنى الفاعل هو من وجد ما كان قادرا عليه. وإذا كان كذلك فاستدلالهم على أنّ زيدا فاعل يكون استدلالا على أنّه وجد ما كان زيد قادرا عليه، وهذا لا يوافق مذاهبهم.

وذلك لأنّ عندهم أنّهم يعلمون أوّلا كونه فاعلا، ثمّ يستدلون بكونه فاعلا على أنّه قادر، ثمّ يعلمون بدليل آخر أنّ اقتداره متقدّم على فعله. و بعد فانّهم يحدّون القادر بأنّه المختصّ بحال، لمكانه يصحّ منه الفعل، فيذكرون الفعل في حدّ القادر فإذا قالوا: الفاعل هو الذي وجد ما كان قادرا عليه كانوا قد ذكروا القادر في حدّ الفاعل فيكون تحديدا لكلّ واحد من اللفظين بالآخر.

فالصحيح أن يقال: الفاعل المختار هو الذي حدث به الشي‏ء على سبيل الداعي، فيدخل في هذا الحدّ جميع الأفعال المبتدأ و المتولّد. و ذلك لأنّ المتولّد أيضا يقع بحسب الداعي، و لكن بواسطة سببه، ألا ترى أنّ من دعاه الداعي إلى الرمي في سمت مخصوص فولد رميه إصابة شي‏ء في ذلك السمت، فإن إصابته في ذلك السمت بحسب داعيه، و قد يدعوا الداعي إلى كثير من المتولّدات بالأصالة كالكتابة و غيرها. و يدخل الساهي و النائم في هذا الحدّ إذا فعلا، لأنّهما أيضا يفعلان بحسب الداعي، و لكنّهما لا يتذكران عند الانتباه داعيهما. و إن شئت قلت: الفاعل هو الذي يحدث به الشي‏ء على سبيل الصحة، و يدخل فيه جميع الأفعال و فعل الساهي و النائم أيضا على جميع الأقوال، لأنّ من لا يثبت للساهي داعيا فإنّه يقول فيما يحدث عنه أنّه حدث على طريق الصحّة.

و إنّما قلنا أنّ هذا معنى الفاعل، لأنّ المعقول من الفاعل المختار هو الذي يؤثّر على سبيل الداعي، و المعقول من كونه مؤثّرا في الشي‏ء أن يكون الشي‏ء حادثا به.

و لأجله إذا ثبت ذلك فهذا المعنى معلوم ضرورة في تصرّفاتنا معنا. و كذا نعلم ضرورة أنّ العقلاء يعلمون باضطرار أنّ تصرّفات العباد حادثة بهم و من جهتهم، لأنّهم يتلطّفون في استدعاء الفعل منه و يعظونه و يزجرونه عن تركه و يحتالون بكلّ وجه ليفعله و يدعونه على فعل ما يكرهونه و يصفونه عليه و يمدحونه على فعل ما يوافق أغراضهم و يريدونه.

فعند هذا نعلم باضطرار أنّ العقلاء ساكنوا النفوس إلى أنّ الفعل بالعبد يوجد و لا يشكّون فيه ولا يداخلهم فيه شبهة، لأنّ معاملتهم التي حكيناها تقتضي ذلك. و لو لم يعلم ذلك باضطرار لصحّ الاستدلال، ... [بـ]استحسانهم أمر الغير بالحسن، و مدحهم له عليه و نهيه عن القبيح وذمّه عليه على‏ أنّه فاعل بأن يقال: قد علمنا حسن أمر الغير بالحسن و مدحه عليه و نهيه عن القبيح و ذمّه عليه و أنّه لا يحسن مدحه و لا ذمّه على لونه أو طوله أو قصره، و كذا لا يحسن أمر الجماد بشي‏ء و نهيه عنه. فلولا أنّ ذلك الفعل واقع من جهتهم و حدث بهم لما حسن أمرهم بشي‏ء، و لا نهيهم عن شي‏ء و لا مدحهم على البعض و ذمّهم على البعض، كما لا يحسن ذلك في ألوانهم و طولهم و قصرهم و كما لا يحسن في الجماد.

و هذه هي طريقة الشيوخ في الاستدلال على أنّ العباد محدثون لتصرّفاتهم و يمكنهم الاستدلال على ذلك ... [بـ] أنّ في العالم قبائح مثل الظلم و الكذب وغيرهما، مع علمنا بأنها إنّما قبحت لوجوه مخصوصة و أنّه لا يتغيّر قبحها باختلاف فاعليها، و علمنا بأنّه تعالى لا يفعل القبيح ...، فلا بدّ من أن يكون لهذه القبائح فاعل، لأنّها حوادث، فيجب أن يكون العباد هم الفاعلون لها، وإلّا كانت حوادث لا فاعل لها.

فإن قيل: كيف تدّعون العلم الضروريّ بكون العبد محدثا لتصرّفه مع وقوع الخلاف من جماهير من العقلاء فيه، و مع إيراد الشبهة الغامضة في خلاف ما يذهبون إليه؟

قلنا: إنّما يخالف في هذه المسألة متكلّموا المخالفين و علماؤهم دون عوامّهم، و ليس في متكلّمهم الكثرة التي تمنع من الجدّ فيما يعلم ضرورة، ثمّ و معاملة متكلّميهم أيضا تكذبهم، لأنّهم أبدا لا يذمون إلّا من ظلمهم وأساء إليهم و لا يمدحون إلّا من أحسن إليهم، و لا يحقدون إلّا على المسي‏ء إليهم و لا يعتقدون الجميل إلّا في المنعم عليهم، و لو رمي واحد منهم بحجر، فإنّه لا يذمّ الحجر، و إنّما يذمّ الرامي.

يوضح ما ذكرناه ما حكي من انّ ثمامة كان في مجلس بعض الخلفاء، و أبو العتاهية الشاعر حاضر، فالتمس أبو العتاهية من الخليفة مناظرة ثمامة، فأذن‏ له الخليفة في مناظرته، فحرّك أبو العتاهية يده و قال: «من حرّك هذا؟» فقال ثمامة: «من أمّه زانية»، فقال أبو العتاهية: «يا أمير المؤمنين! اشتمني»، فقال ثمامة: «يا امير المؤمنين! ترك مذهبه»، فانقطع أبو العتاهية.

أمّا شبههم التي يوردونها، فليس بأغمض من شبه السوفسطائيّة، كقولهم يرى العنبة في الماء كالإجّاصة، و نرى المرئيّ معوّجا في الماء، و راكب السفينة يرى الشط كأنّه سائر. ثمّ أنّ هذه الشبهات لا تزيلنا عن العلم و الثقة بالمشاهدات، فكذلك شبه الحالفين في المخلوق.

وقد استدلّ الشيوخ أيضا في المسألة بأنّ قالوا: تصرّف العبد يجب وقوعه بحسب قصده وداعيه، و انتفاؤه بحسب صارفه، و عنوا بوجوب الوقوع، استمرار وقوع التصرّف بحسب الداعي لأجلها، ألا ترى أنّ العطشان العالم بما في شربه الماء من اللذّة و تسكين عطشه، إذا لم يعتقد فيه ضررا أو فوت منفعة أعظم منه، فإنّه لا بدّ من أن يقع منه الشرب، و العالم بما في النار من الإحراق و المضرّة إذا لم يعتقد فيه منفعة أعظم من مضرّتها أو اندفاع ضرر أعظم منها لا بدّ من أنّ يتجنّبها. فلو لا أنّ تصرّفه من فعله لما وجب وقوعه بحسب قصده و داعيه و لا انتفاؤه بحسب صوارفه كتصرّف غيره.

ولقائل أن يقول لهم: إذا كنتم تعلمون وجوب وقوع تصرّف العبد بحسب دواعيه ضرورة فقد علمتموه فاعلا ضرورة، إذ قد بيّنا الفاعل هو الذي حدث الشي‏ء على سبيل الدواعي.

قالوا: وقد سقط باعتبار الوجوب الذي ذكرناه الاعتراض بوقوع تصرّف العبد بحسب إرادة السيّد و تصرّف الرعيّة بحسب إرادة الملك، و سير الدابّة المروّضة بحسب إرادة راكبها، و وقوع فعل الملجأ بحسب إرادة الملجئ، ووقوع ما يريده أهل الجنة من اللّه تعالى. و ذلك لأنّ شيئا من ذلك لا يجب وقوعه بحسب داعي المذكورين. ألا ترى أنّ العبد قد يعصي سيّده، و كذا الرعيّة قد تعصي الملك، و الدابّة قد لا تسير على ما يريده راكبها. ألا ترى أنّه ربما أراد الراكب أن يعبرها حوض ماء، فلا تعبر، او يسيّرها في وجه سبع فلا تسير فأمّا الملجأ فلو تغيّر داعيه مع بقاء داعي الملجئ على ما كان، فانّه لا يقع منه ما أراد الملجئ، و إنّما يجب حصول ما الجئ، إليه لداعيه لا لداعي الملجئ.

وكذا مراد أهل الجنة إنّما يجب وقوعه بحسب داعيه تعالى، لا لأجل داعيهم، و لهذا لو أراد أحدهم أن يبلغه اللّه درجة النبيّ، لما حصل ذلك.

و كذا يسقط اعتراضهم بوقوع سمن الدجاج و الغنم، بحسب دواعي الإنسان. لأنّ ذلك أيضا ممّا لا يجب، بل يختلف الحال فيه.

أمّا قولهم: «قد يحصل اللون بحسب دواعينا، كاحمرار جسم الحيّ عندما نضربه و تبيّض الناطف عند ما نريده» فالجواب عنه: أنّ اللون المشار إليه في الموضعين ليس بحادث، إنّما الحمرة لون الدّم المنزعج من باطن جسم الحيّ إلى ما يجاور بشرته. و على هذا فانّه لو ضرب على موضع جاسئ من الحيّ، كأسفل قدميه، لم تظهر تلك الحمرة. و أما بياض الناطف فهو بياض البيض فيضاف إلى ما في الدبس من الأجزاء البيض، و يذهب أكثر ما في الدبس من الأجزاء السود بإيقاد النار تحته لخفّتها أو تصير مغمورة بين الأجزاء البيض، فهو ليس بلون حادث. و على هذا فإنّه لو تركت النفس في الطنجير و أوقد النار تحته و ضربه الضرر الشديد على ما يفعله بالناطف فإنّه لا يحصل ذلك البياض.

وكذا يسقط باعتبار الوجوب الّذي ذكرنا قولهم: «جوّزوا أن يكون هذه التصرّفات يخلقها اللّه فيكم بحسب دواعيكم»، لأنّه لو كان كذلك، لما وجب وقوعه بحسب قصودنا و دواعينا، بل كان يجوز وقوع الخلف فيها.

و من وجه آخر يسقط سؤالهم هذا: وهو أنّ معنى الفعليّة و الفاعليّة ينبغي أن‏ يكون معقولا مفهوما لنا قبل إضافة الفعل إلى فاعل معيّن، و لا يعقل من مضى الفعليّة إلّا وجوب وقوع الفعل بحسب دواعي من قبل أنّه فاعله ...، من أنّ الفاعل هو من حدث الشي‏ء به على سبيل الدواعي. ولهذا فانّ من يضيف تصرّف العبد إلى اللّه تعالى يعتقد أنه واقع بحسب مشيّته تعالى و دواعيه وإذا كان كذلك فهذا المعنى معلوم محقّق فينا مع تصرّفنا، فيجب القطع على أنّه فعلنا، فلا يتصوّر أن نجوّز أن لا يكون فعلنا. ما هذا إلّا كما إذا اختلف شخصان في زيد مثلا إنّه ابن عمرو أو ابن بكر، فانّ تحقيق القول في ذلك إنّما ينكشف بأن تحقق معنى البنوّة و الأبوّة. فإذا علم أنّ ابن الرجل من كان مخلوقا من مائه أو مولودا على فراشه شرعا و علم أنّ زيدا مخلوق من ماء عمرو مثلا أو مولود على فراشه، لم تبق شبهة في أنّه ابنه و من خالف في ذلك بعد تحقّق ذلك المعنى يكون جاحدا.

فإن قيل: كيف تقولون يجب وقوع الفعل بحسب قصد الفاعل و داعيه؟

وقد علمنا أنّه يقصد إلى أنّه يوقع إيمانا، فيقع كفرا على ما نعلمه من حال اليهود و النصارى ومخالفي الاسلام، فانّهم لا يقصدون إلى أن يكفروا، فيقع اعتقادهم كفرا، و ربما يقصد إلى أن يوقع الفعل ملذّا، فيقع مولما، أو يقصد إلى أن يوقعه مولما، فيقع ملذا، كذا يقصد الكاتب إلى أن يكتب مثل ما كتبه أوّلا، فلا يقع، فكيف تقولون يقع فعله بحسب قصده و داعيه؟

قلنا: ما ذكرناه من وقوع تصرّف العبد بحسب قصده و داعيه صحيح لا غبار عليه، و لا يعترضه ما ذكره السائل. و بيانه: انّ كلّ واحد ممّن أشار إليه السائل لم يقع منه إلّا ما دعاه الداعي إليه الا ترى أنّ اليهوديّ أو النصراني لا يقصد إلّا إلى اعتقاد نبوّة موسى أو عيسى واعتقاد نفي نبوّة نبيّنا عليه السلام فيقع منه ذلك ولا يقع منه اعتقاد آخر، والجرّاح لا يقصد إلّا إلى بطّ الدمل. ولا يقع منه إلّا ذلك، وشارب الخمر قصد إلى شربها فوقع منه. والكاتب إذا قصد إلى كتابة «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و دعاه الداعي إليها لم يقع منه كتابة اخرى. فجميع هذه الأفعال واقعة بحسب، دواعي فاعلها.

أمّا ما أشار إليه السائل ممّا اختلف فيه هذه الأفعال، فهي أحكام زائدة على حدوث الفعل تابعة لوجوه هي قرائن منضمة إلى الأفعال.

فالوجه الذي يتعلّق به الحكم ربّما يتعلّق بالعبد، فيمكن تقريره. و ذلك كدخوله دار الغير، فإنّه إنّما يحسن باعتبار أن يدخلها بإذن صاحبها، و يقبح إذا لم يكن بإذن صاحبها فيمكنه أن يوقعه قبيحا بأن يدخلها من غير إذن صاحبها، و يمكنه أن يوقعه حسنا بأن يدخلها بإذنه. و كسجوده فانّه إنّما يحسن أن يقصد به عبادة اللّه تعالى، و يقبح إذا قصد الرّياء و السمعة أو عبادة غير اللّه تعالى، و في مقدوره أن يقصد به كلّ واحد منهما على الانفراد لا جرم أنّه يمكنه أن يوقعه حسنا أو قبيحا.

وربّما لا يتعلّق بالعبد الوجه المؤثّر في حكم فعله. و ذلك ككون الاعتقاد جهلا و كفرا، و كون شرب الخمر أو الزنا مفسدة. و ذلك لأنّه لا يمكنه أن يقلب الجهل علما، إذ ليس في وسعه تصيير المعتقد على ما تعلّق اعتقاده به، و لا يمكنه تصيير المفسدة مصلحة، وكون الفعل ملذا أو مولما يتعلّق بمقارنة الشهوة و النفرة له. وذلك أيضا ليس في وسعه.

ولو كان ما ذكره السائل:- من أنّه لا يمكن العبد أن يجعل بعض تصرّفاته القبيحة حسنة- دليلا على أنّ العبد ليس بفاعل له، فليدلّ نظيره على أنّ اللّه تعالى ليس بفاعل أيضا، لأنّه لا يمكنه أن يجعل أفعاله قبيحة على مذهبهم، في أنّ القبيح إنّما يقبح بالنهي، و لا يكون خالقا لتصرّف العبد من حيث انّه لا يمكنه أن يجعل القبيح منه حسنا، إذا قبح فعل العبد، إنّما هو لتعلّق نهيه تعالى القديم به، و ليس في المقدور تغيير تعلّق ذلك النهي بالقديم على مذهبهم، فيبقى الفعل بلا فاعل، إذ ليس هو فعل العبد ولا خلق اللّه ...

وأمّا ما قاله في الكتابة، فإنّما يقع التفاوت فيها، لأنّ الكتابة ليست مجرّد الفعل، و إنّما هو فعل محكم يحتاج فاعلها إلى علم بها وآلة يفعلها بها، فإنّما يقع التفاوت بسبب تفاوت في الآلة، أو بسبب أن لا يكون ماهرا في العلم بها.

فأمّا اذا لم يقع التفاوت في الآلة و كان مستكمل العلم بها ماهرا فيها، فانّه يمكنه أن يكتب ثانيا وثالثا، مثل ما كتبه أوّلا، بل يمكنه أن يزوّر على خطّ غيره، بحيث لا يفرّق بينه و بينه.

فإن قيل: أليس في مقدور اللّه تعالى عندكم أن يخلق في محلّ فعلكم مثل فعلكم؟ كأن يخلق في يدكم الحركة إلى الجهة التي تحرّكونها إليها. فلو فعل ذلك، أكنتم تفرّقون بين ما حصل بكم من الحركة وبين ما حصل باللّه تعالى؟ فهذا ممّا لا وجه له، ولا يمكنكم ادّعاؤه، إذ كيف يحصل التميّز بين المثلين في محلّ واحد. وإذا لم تفرّقوا بينهما فتجدون حالكم مع جميع ما حصل فيكم حالة واحدة من وقوعه بحسب قصدكم وداعيكم، ومع ذلك، فليس كلّه فعلا لكم، فكيف يصحّ استدلالكم بوقوع الفعل بحسب قصدكم وداعيكم، على أنّه فعل لكم؟

قلنا: إن اخترنا أنّ جمع المثلين في محلّ واحد لا يصحّ، لفقد التميّز بينهما على ما تقولونه، كان هذا السؤال ساقطا عنّا. وإن لم نختر هذا المذهب وأجزنا اجتماع المثلين في محلّ واحد، كان لنا أن نقول: لو كان الامر على ما قدّره السائل، لكنّا نجد حالنا مع ما قد حصل فينا كحالنا إذا فعلنا فعلا وغيرنا في الشاهد يعيننا عليه، و تحقيق القول فيه: أنّا كنّا نعلم أنّ جميع ما حصل فينا.

هو ما بنا، و إنّما الحاصل بنا بعضه على الجملة من غير تميّز.

وقد قالوا حيث استدلّها المشايخ عليهم بحسن المدح و الذّم: أليس يذمّ الأسود بسواده، و الناقص الخلقة. كالأعور و الأعمى بنقصانه؟ و يمدح الصبيح الوجه بصباحته، و القادر القوي بقدرته؟ فكيف يصح الاستدلال بحسن المدح و الذم؟

والجواب عنه: أنّ استدلال المشايخ إنّما هو بمدح و ذم يقعان على طريق المجازاة. ليس كذلك ما أشاروا إليه، لأنّ ذلك ليس واقعا على طريق المجازاة، و إنّما هو إخبار عن نقيصة أو فضيلة، وعلى هذا فانّه يمكن أن يصرّح الذامّ العبد على القبيح الواقع منه، بأن يقول له: ولم فعلته و عدلت من الحسن؟ و مثل هذا لا يمكن في الأسود و الأعور و الأعمى، بأن يقال: لم كنت أسود أو أعور أو اعمى.

و قد قالوا أيضا إنما يحسن مدح العبد و ذمّه على التصرّف الواقع منه، و أمره به و نهيه عنه دون سواده و تخطيطه لأنّه مكتسب له، و ليس مكتسبا لسواده و تخطيطه ...

فيقال لهم: ما تعنون بالمكتسب؟

إن قالوا هو من وجد في بعضه حركة أو سكون مع قدرة.

قلنا لهم: أفيوجد العبد بتلك القدرة. الحركة أو السكون أو تحصله على صفة؟.

فإن قالوا: لا.

قلنا: قد نفيتم عن الذي سميّتموه قدرة معنى القدرة، فلم كانت القدرة قدرة على الحركة و لم تكن قدرة على السواد إن كان الأمر على ما تقولونه؟ بل لم كانت القدرة قدرة على الحركة أولى من أن تكون الحركة قدرة على القدرة؟ إذ لا يحصل أحدهما على صفة بالآخر ثمّ إذا كان هذا معنى الكسب فكأنّكم قلتم إنّما يحسن ذمّ العبد على القبيح، لأنّه خلق فيه، و خلق فيه قدرة و لم يحسن ذمّه على سواده، لأنّه خلق فيه وحده، و أيّ عقل يقبل أنّه يحسن ذمّ الإنسان، بأن خلق فيه شيئان، ولا يحسن ذمّه إذا خلق فيه شي‏ء واحد، وأي جريمة له في ذلك.

فإن قالوا: المكتسب هو الذي تعلّقت قدرته بالفعل الواقع فيه.

قلنا لهم: تعلّقت قدرته به على أن يوجده بها أو يحصل‏ على صفة بها.

إن قالوا: لا.

قلنا: فأيّ فائدة في تعلّق القدرة، وأيّ أثر له في استحقاق العبد الذم على القبيح، مع أنّه مخلوق فيه، والقدرة عليه أيضا مخلوقة فيه، و تعلّقها به راجع إليها، لا أثر للعبد في شي‏ء من ذلك.

وإن قالوا: يحصل الفعل بقدرة العبد على صفة.

قلنا: وما تلك الصفة؟

إن قالوا: هي الوجود.

قلنا: فقد وافقتمونا على الحقّ.

وإن قالوا: هي صفة اخرى.

قلنا: فالعقلاء إنّما يذمّون من آلمهم، لانّه آلمهم لا من حيث انّ إيلامهم حصل بالمولم على صفة. وهل هذا إلّا كمن ضربه غيره بخشبة سوداء فلا يلوم الضارب، وإنّما يلوم من سوّد الخشبة، ثمّ يقال لهم: وما تلك الصفة؟

اعقلوناها، فانّا لا نعقل صفة للفعل تحصل بالعبد، سوى الحدوث و ما يتبعه.

إن قالوا: أليس الواحد منّا يفصل بين حركته الاختياريّة وبين حركته الاضطراريّة؟ كحركة عروقه الضوارب فتلك التفرقة هي الصفة الحاصلة بالعبد، وهي التي نسمّيها كسبا.

قلنا: التفرقة المشار إليها آئلة الى العبد الفاعل، لا إلى الفعل، لأنّ التفرقة راجعة إلى أنّه يختار إحدى الحركتين، و لا يختار الاخرى، وهذا على ما ترى وصف للفاعل و للفعل.

ثم يقال لهم: و لو علقت الصفة التي أثبتموها للفعل، لم قلتم إنّها حصلت بالعبد؟.

فلا بدّ من أن يقولوا: من حيث انها حصلت بداعي العبد.

فنقول لهم: وهذا قائم في حدوث الفعل، فعلّقوه به و يقال لهم أيضا: أفي وسع العبد بعد خلق اللّه تعالى الفعل فيه وخلق القدرة عليه أن لا يكتسبه، و لا يحصله على تلك الصفّة، أوليس في وسعه ذلك؟

فمن قولهم: ليس في وسع العبد الامتناع من اكتساب الفعل عند خلق اللّه تعالى الفعل والقدرة عليه فيه.

قلنا: فأيّ فائدة في إثبات هذه الصفة و تعلّقها بالعبد مع انّه مجبر عليها، وأيّ تأثير لذلك في استحقاق المدح و الذمّ، وما الفرق بينكم و بين جهم في ذهابه إلى الجبر، إلّا من حيث انّكم أضفتم إلى الجبر أمرا غير معقول.

واعلم أنّ المتولّد كالمباشر في كونه فعلا للعبد إذا وجب وقوعه بحسب قصده وداعيه. وقبل بيان ذلك نبيّن حقيقة المباشر و المتولّد فنقول المباشر هو الفعل المبتدأ به في محلّ القدرة عليه، و لا يقدر عليه إلّا العبد من أن ما يفعله تعالى مبتدأ لا يكون في محلّ القدرة عليه، إذ هو تعالى لا يقدر بقدرة و ليس هو تعالى محلا لشي‏ء فيكون مخترعا، إذ المخترع هو الذي يبتدأ به لا في محلّ القدرة عليه، و لا يقدر عليه إلّا اللّه تعالى و أمّا المتولّد فهو الفعل الذي يجب وقوعه بحسب فعل آخر، يقلّ بقلّته و يكثّر بكثرته، و هذا يقدر عليه العبد و الربّ تبارك و تعالى.

وقد اختلف المتكلّمون في المتولّد، فذهب شيوخ أهل العدل، إلى أنّه فعل للعبد، إذا وقع بحسب قصده وداعيه و أسبابه و ذهب معمّر إلى أن لا فعل للعبد، إلّا الإرادة وما عداهما يقع بطبع المحلّ. وذهب بعضهم إلى أنّه لا فعل له إلّا الفكر، وقال النظّام: لا فعل للعبد إلّا ما يوجد في محلّ قدرته، فأمّا ما تعدّاه فانّه‏ ليس فعلا له و ذهبت المجبّرة إلى أنّ المتولّدات كلّها مخلوقة للّه تعالى، لا كسب للعبد في شي‏ء منها.

إذا تقرّر هذا، فما نبهنا به، على أنّ العقلاء يعلمون ضرورة أنّ العبد فاعل للتصريف المبتدأ الواقع منه، ينبّه على انّه فاعل للمتولّد أيضا، بل تلك الطريقة في المتولّد أظهر منها في المباشر. و ذلك لأنّهم يستحسنون ذمّ من ظلم غيره و مدح من أحسن إلى الغير، و الإحسان و الإساءة متولّدان متعدّيان عن محلّ القدرة.

و كذا القول في المدح على الأفعال المحكمة، كالكتابة و الذمّ عليها، إذا تضمّنت قبيحا.

والشيوخ يستدلّون بهذه الطريقة على أنّها أفعال للعباد، كصنيعهم في المباشر، ويستدلّون أيضا بوجوب وقوعها بحسب قصدهم وداعيهم، كما استدلّوا به في المباشر. ويزيدون هاهنا في الاستدلال بقولهم: هذه المتولّدات يجب وقوعها بحسب أسباب يفعلها العبد، كوقوع الألم بحسب الوحي والإصابة بحسب الرمي و التأليف بحسب المجاورة فهذا بيان أنّ العبد فاعل للمتولّد.

وأمّا الذي يدلّ على أنّه تعالى يفعل على طريق المتولّد، فهو ما قد علمنا من وجوب هويّ الثقيل بحسب ثقله، والثقل من فعله تعالى، فيجب أن يكون الهويّ من فعله.

ولا يمكن صرف ذلك إلى العادة، على ما يذهب إليه أبو علي، لأنّه لو كان كذلك لتصوّر وقوف الثقيل في الجوّ، من دون أن يكون معلّقا بعلاقة، أو يكون على قرار، أو يسكنه قادر إمّا مبتدأ أو متولّدا بانّ لا يخلق اللّه فيه الهويّ، وخلافه معلوم.

ولا يقدح في ذلك قوله: «لو فعل تعالى على طريق التوليد لوجب أن يحتاج في الفعل إلى السبب» لأنّ المحتاج إلى السبب، هو الذي لا يمكنه أن يفعل الفعل و نظيره إلّا بالسبب. والقديم تعالى يقدر على مثل ما فعله بالسبب من‏ غير سبب، فلا يكون محتاجا إلى السبب. ألا ترى أنّ الطائر إذا صعد على السطح بالسلّم لا يكون محتاجا في صعود السطح إلى السلّم، لأنّه يمكنه صعود السطح من دون السلّم بالطيران. كذلك القول فيما يفعله بالسبب، لأنّه لا يمكنه فعل مثله بالاتفاق من دون سبب.

إذا ثبت أن العبد فاعل ثبت أنّه قادر، لأنّ من المعلوم أنّه يصحّ أن يفعل و يصحّ أن لا يفعل، وانّه ليس بموجب، فيكون متميّزا عن غيره الذي لا يصحّ منه الفعل تميّز المكانة يصحّ منه الفعل. و هذا هو معنى القادر...

وتميّزه‏ هذا ليس بمجرّد ذاته بخلاف القديم تعالى، لأنّ غيره من الأجسام يماثله و يشاركه في حقيقته، و لا يصحّ منه الفعل. و كذا ليس المرجع به إلى الداعي، لأنّ الداعي قد يحصل فيمن يتعذّر عليه الفعل.

ثمّ وقع الخلاف بعد ذلك في ذلك الأمر الزائد على ذاته و داعيه فذهب أصحاب أبي هاشم إلى أنّ حاله راجعة إلى جملة الحيّ صادرة عن معنى يحصل بعضه يسمّونه قدرة و يحوّجونه إلى بينة مخصوصة.

و أبو الحسين يذهب إلى أنّ ذلك الزائد إنّما هو البينة المخصوصة التي فيها أعصاب سليمة. فعلى هذا حصل الاتفاق بين الفريقين على أنّه لا بدّ من هذه البينة المخصوصة و سلامة أعصابها.

و لكنّ أصحاب أبي هاشم يذهبون إلى انّ الحاجة إليها إنّما هي بسبب أنّ المعنى الموجب لحالة القادر محتاج إليها.

و أبو الحسين يذهب إلى أنّها هي القدرة التي لمكانها يصحّ الفعل من العبد من دون توسّط معنى زائد، و حاله راجعة إلى الجملة.

واصحاب أبي هاشم يحتجون لصحّة مذهبهم بوجهين اثنين: أحدهما أنّ البينة المشار إليها قائمة في من تعذّر عليه الفعل، فلا يجوز أن يعلّل صحّة الفعل بها. و هذا غير مسلّم، لأنّ من قلّة الإنصاف القول بأنّ المريض المدنف الذي يوردونه في طريقتهم و الزّمن مشاركان للصحيح السليم في صحّة البينة و سلامة الأعصاب. و الثاني قولهم: صحّة الفعل راجعة إلى الجملة. والبيّنة المخصوصة المشار إليها لا ترجع إلى الجملة ولا يجوز في الصحّة الراجعة إلى الجملة أن يعلّل بما يرجع إلى الأبعاض والآحاد، كما لا يجوز تعليل الحكم الراجع إلى زيد بما عليه عمرو.

فيقال لهم: ما معنى قولكم: «صحّة الفعل يرجع إلى جملة الحيّ»، أتعنون به أنّ جملة الحيّ مستعملة في الفعل؟ إنّ عنيتم ذلك فخلافه معلوم، لأنّ البطش مثلا إنما يحصل باليد، و اليد مستعملة في البطش دون غيرها من الأعضاء، و كذا القول في المشي الواقع بالرجل، و الكلام باللسان. فلا بدّ من أن يقولوا: إنّ معنى رجوع صحّة الفعل إلى الجملة أنّ الفعل إنّما يقع بداعيها، و تمدح الجملة أو تذمّ على الفعل دون أبعاضها.

فنقول ممّا في هذا أنّه لا يجوز أن يكون الذي صحّ الفعل منها، هو الآلة المتّصلة بها التي يقع بها الفعل عيانا. لأنّه إذا وقع الفعل بداعيها. و لو لاه لما وقع حسن توجيه المدح و الذمّ إليها.

ثمّ يقال لهم: قولكم: «الحكم الراجع إلى الجملة لا يجوز تعليله بما يرجع إلى الآحاد»، كيف يصحّ مع قولكم بأنّ المعنى الذي تسمّونه قدرة يحلّ الجزء الواحد من الجملة و يوجب حالة راجعة إلى الجملة. و كذا القول في سائر المعاني الموجبة للأحوال الراجعة إلى الحيّ من العلم و الظنّ و الإرادة و الكراهة و الشهوة و غيرها.

فإن قالوا: هذه موجبات و ليست مصحّحات، و إنّما منعنا تعليل الصحّة الراجعة إلى الجملة بالمصحّح الراجع إلى الآحاد.

قلنا: هذا تشهّي وتحكّم، لأنّ العقل لا يفصل بين المصحّح و الموجب في هذه القضية. ألا ترى أنّه كما لا يصحّ تعليل الصحّة الراجعة إلى زيد بأمر يخصّ عمروا على ما ذكرتموه، فكذلك لا يجوز تعليل أمر واجب لزيد بموجب يخصّ عمروا، و قد أجزتم في الموجب للأمر الراجع إلى الجملة أن يختصّ البعض في ثبوته، فأجيزوا نظيره في المصحّح لما يرجع إلى الجملة.

ثمّ نقول: وقد أجزتم أيضا في المصحّح لما يرجع إلى الجملة رجوعه إلى الأبعاض. وذلك لأنّكم تقولون الحاسّة الصحيحة شرط في كوننا مدركين، والشرط حكمة التصحيح. فصحّة الحاسّة مع اختصاصها بالحاسّة من جملة المصحّحات، لكون أحدنا مدركا، و هي معتبرة في المصحّح لهذه الصفة مع أنّها لا ترجع إلى الجملة.

ويمكن أن يقال لهم على قولهم باثباتهم الأحوال الراجعة إلى الجملة من كونها قادرة عالمة حيّة: أليس إذا كانت الجملة التي هي حيّة مثلا مائة جزء إذا وجدت فيها قدرة، فانّ تلك القدرة توجب الحالة لجميع‏ تلك الجملة؟ فإذا فرضنا زيادة عشرة أجزاء في تلك الجملة حتّى يصير من جملة الحيّ، أليس جميع تلك الأجزاء الزائدة و المزيد عليها تكون موصوفة بالحالة الصادرة عن القدرة المشار إليها؟ و لو فرضنا انتقاض تلك الجملة و صيرورتها تسعين جزءا؟ أليس يكون موصوف تلك الحالة هذه الأجزاء الباقية التي هي تسعون جزء؟ فيكون ما ذكرناه بانبساط الحالة في ذلك الطرف وبانقباضها في هذا الطرف، أو بزيادتها هناك وانتقاصها هاهنا مع أنّها صفة واحدة لا يصحّ فيها التجزي و التبعّض ولا الانقباض و لا الانبساط، لأنّهما لا يتصوّران إلّا في الأجسام، فكيف تكون‏ الحال فيما ذكرناه مع أنّ قيام الصفة بالموصوف! انّ هذا العجيب.

إذا ثبت أنّ العبد قادر، و أنّ اقتداره زائد على ذاته و داعيه- سواء كان ذلك الزائد ما قاله أبو هاشم و أصحابه أو ما قاله أبو الحسين- فانّه متعلّق بجميع أجناس مقدورات القدر على تضادّها و اختلافها.

والدليل على ذلك ما قد علمنا من أنّ كلّ من قدر في الشاهد على الحركة يمنة قدر على الحركة يسرة و كذا على المدافعات في الجهات و على التأليف و الجمع و التفريق و الصوت و الألم، وكذا القول في أفعال القلوب. و هذا معلوم ضرورة.

ولا يجوز صرفه إلى العادة، إذا لو كان هذا بالعادة لتصوّر خلافه، حتى يجوز أن يقدر بعض القادرين في الشاهد على الحركة يمنة ولا يقدر على الحركة يسرة أو يقدر على التفريق ولا يقدر على الجمع أو على جنس دون جنس ممّا يدخل تحت مقدور القدر. ونجوّز صدق من أخبرنا بأنّه شاهد في بعض البقاع جماعة أو واحدا كذلك. ومعلوم أنّا لا نصدّق من أخبرنا كذلك بذلك بل نكذبه.

فثبت أنّ اقتدار العبد متعلّق بالضدّين، وكذا ثبت أنّ اقتداره و استطاعته متقدّم على الفعل، و ذلك لأنّ أحدنا يجد من نفسه تمكنه من الفعل قبل فعله.

و أيضا فلو كانت استطاعته مقرونة بالفعل للزم أن لا يكون العاصي قادرا على الطاعة، فيكون تكليفه الطاعة تكليفا لما لا يطيقه، وذلك قبيح ... وبعد، فإذا كان المرجع بالقدرة إلى صحّة البينة و الأعصاب ... لم تبق شبهة في تقدّمها على الفعل.

و أيضا فإنّ قول اللّه تعالى يدلّ على تقدّم الاستطاعة على الفعل، و إنّها توجد غير مقارنة له، لأنّه تعالى قال: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 42].

و قولهم هذا يتضمّن أنّهم لم يكونوا مستطيعين وان كان اللّه تعالى كذّبهم في قولهم إنّهم غير مستطيعين، فقد صحّ أنّهم استطاعوا الخروج وما خرجوا و إن كان قد كذّبهم، لا في قولهم: لسنا مستطيعين، بل في قولهم: «لو استطعنا لخرجنا»، فقد شهد بانّ قدرة الخروج لو وجدت لهم لما قارنها الخروج، و في ذلك إبطال قول المخالف بأنّ القدرة مقارنة للفعل لا تفارقه.

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.

موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء