للنشوز لغة : العصيان ، وهو مشتق من النشز ، وهو المكان المرتفع من  الترفع مطلقا . ً الأرض ، ثم توسع فيه فاستعمل ففي معجم مقاييس اللغة قال ابن فارس : النشز المكان العالي المرتفع ، والنشز والنشوز : الارتفاع ، ثم استعير فقيل : نشزت المرأة استعصت   على بعلها ، وكذلك نشز بعلها جفاها وضرها(1) .

وفي تهذيب اللغة قال أبو منصور الأزهري : قال الليث : نشز الشيء إذا ارتفع ، وقلب ناشز إذا ارتفع عن مكانه من الرعب . 

ونشوز المرأة : استعصاؤها على زوجها ، وقال أبو إسحاق : النشوز يكون بين الزوجين ، وهو كراهية كل منهما صاحبه ، واشتقاقه من النشز ، وهو ما  ارتفع من الأرض  .(2)

وفي لسان العرب قال ابن منظور : النشز : المتن المرتفع من الأرض ، وهو أيضا ً ما ارتفع عن الوادي إلى الأرض ، والجمع أنشاز ونشوز(3) وفي مختار الصحاح قال الرازي ، النشز المكان المرتفع من الأرض ،  وجمعه نشوز ، وكذا النشز بفتحتين ، وجمعه أنشاز ، ونشزت المرأة استعصت  على بعلها وأبغضته (4) .

كما قال هللا تعالى في كتابه العزيز : ( انظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما )(5) أي نرفعها عن الأرض لنؤلفها.

 ومنه قوله تعالى : ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا )(6) قال أبو إسحاق : معناه إذا قيل انهضوا فانهضوا وقوموا ودابة نشزه : إذا لم يكد يستقر عليها الراكب والسرج على ظهرها ، ويقال نشز فلان في مكانه : ارتفع وامتنع ، والمرأة بزوجها : إذا ارتفعت عليه واستعصت ، وابغضته فهي ناشز ، ونشز بعلها منها وعليها :

ضربها وآذاها وجفاها .

ويقال نشزت النغمة عن مثيلاتها : نبت وخرجت عن قاعدتها ، ويقال :

فلان ناشز الجبهة : مرتفعها ، والنشز : الغليظ الشديد .

أما في المعجم الوسيط فقد كان أكثر إحاطة بمدلول النشوز حيث جاء فيه:

" نشز الشيء نشزاً ونشوزاً ، ارتفع ، والمرأة أو الرجل بالزوج استعصى وأساء العشرة " .(7)

ويتبين لنا أن المعجم الوسيط قد أحاط بمعنى النشوز بشكل أكبر وأعطى معنى جديداً وهو إساءة العشرة ، منها الضرب ، ومنها الجفاء ، ومنها تقليص النفقة النشوز اصطلاحا : هو الخروج عن الواجبات التي تطلب من الزوجين في إطار أن لكل من الزوجين حقوق وله واجبات ، فإذا ما تخلى الأسرة أحدهما عن واجباته اعتبر متمردا . ً وناشزاً

 الفرع الأول : النشوز في اصطلاح المفسرين

قبل أن أشرع في بيان معاني النشوز عند المفسرين يجدر بي أن أصنف المفسرين إلى صنفين :

1- المتقدمون : ويبدأ عصرهم من الرسول صلى هللا عليه وسلم والصحابة الكرام إلى نهاية القرن الثامن الهجري ومنهم : الطبري وابن كثير والقرطبي وابن تميمة .

2- المتأخرون : من بداية القرن التاسع إلى وقتنا الحاضر ومنهم : الألوسي والدردير وابن عباس وعطاء .

وقد اجتهدت في هذا التقسيم كي أقف على الفروق بين المفسرين المتقدمين والمفسرين المتأخرين وأقوالهم المتعددة وأقربهم إلى نظرة القرآن الكلية .

أولا : معاني النشوز عند المفسرين المتقدمين :

قال القرطبي في تفسيره : المرأة الناشز هي الكارهة لزوجها ، السيئة  العشرة(8) .

وقال ابن كثير في تفسيره : المرأة الناشز هي المرأة المرتفعة على زوجها ، التاركة لأمره ، المعرضة عنه ، المبغضة له(9) .

وفسره الطبري بقوله : قوله نشوزهن ، فإنه يعني استعلائهم على أزواجهن وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن والخالف عليهم فيما لزمهم من طاعتهم فيه  بغضا  منهن وإعراضاً عنهم (10)

وجاء في التفسير الكبير البن يتيمة رحمه هللا : هو أن تنشز عن زوجها  فتنفر منه بحيث ال تطيعه إذا دعاها إلى الفراش أو تخرج من منزله بغير إذنه  ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته(11) .

ثانياً : معاني النشوز عند المفسرين المتأخرين :

جاء في تفسير الألوسي : هو ترفع الزوجة عن طاعة الزوج وعصيانها  لأمره(12) و فسره ابن عباس وعطاء : بأنه معصية الزوج فيما يلزمها من طاعته(13) .

 الفرع الثاني : النشوز في اصطلاح الفقهاء

عرف الفقهاء النشوز بتعريفات كثيرة ومتقاربة تدور كلها في فلك واحد وهو الخروج عن الطاعة الواجبة عليها لزوجها ، وعليه سوف نتطرق إلى هذا التعريف من خلال ذكر كل مذهب على حدى :

أولا : عند فقهاء الحنفية :

عرفه الصحكفي بأنه خروج الزوجة من بيت زوجها بغير حق (14) .

وهذا التعريف غير جامع بمظاهر النشوز ، بل اقتصر على مظهر واحد وهو خروجها من بيت زوجها بغير حق ولم يتناول بقية المظاهر .  وعرفه الزيلعي بقوله : الناشز : هي الخارجة من بيت زوجها بغير إذنه ، المانعة نفسها منه (15).

من خلال ذلك نرى أن النشوز عند الحنفية هو خروج المرأة من منزل زوجها بغير إذنه أو عدم تمكينه من دخول بيتها أو منعها نفسها منه بغير حق .

ثانياً : عند فقهاء المالكية :

عرفه الشي الدردير بقوله : النشوز عن الطاعة الواجبة ، كأن منعته الاستمتاع بها أو خرجت بال إذن لمحل تعلم أنه ال يأذن فيه ، أو تركت حقوق الله تعالى ، كالطهارة والصالة أو أغلقت الباب دونه أو خانته في نفسها أو ماله(16) .

وبهذا المعنى جاء في سراج السالك : النشوز هو خروج الزوجة عن طاعة  زوجها لغير موجب شرعي(17) .

وخلاصة تعريف النشوز في أقوال المالكية : بأنه الخروج عن طاعة الزوج بمنعه الوطء أو الخروج بغير إذنه أو الامتناع من الدخول لغير عذر ونحو  ذلك(18) .

ثالثاً : عند فقهاء الشافعية :

عرفه الشافعية بقولهم : الناشزة هي الخارجة عن طاعة زوجها(19) .

ومن أمثله ذلك أن تخرج من منزله بغير إذنه أو تمنعه من التمتع بها أو تغلق الباب في وجهه إلى غير ذلك من الأمور .

والنشوز عندهم يستوي فيه أن يكون من غير المكلفة أو المكلفة لاستواء الفعلين في التفويت على الزوج وسواء أقدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهراً أم لا(20).

رابعاً : عند فقهاء الحنابلة :

عرف ابن قدامة النشوز فقال : معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله  عليها من طاعته  (21) .

 وعرفه الشي منصور البهوتي بقوله : هو معصيتها إياه فيما يجب عليها .(22) وهذه التعريفات كلها متقاربة تدور حول معصية الزوجة لزوجها فيما يجب  عليها من طاعة .

كأن تمتنع عنه إذا دعاها إلى فراشه أو تجيبه متبرمة كارهة أو تخرج من بيته بغير إذنه أو تمتنع عن الانتقال معه إلى سكن مثلها أو من السفر معه .

التعريف المختار :

وهنا يمكن لنا أن نستنتج تعريفاً من مجموع التعاريف المذكورة على النحو التالي :

النشوز : هو عصيان المرأة زوجها وامتناعها عن أداء واجباتها بغير حق .

____________

1- معجم مقاييس اللغة البن فرس 5/431

2- تهذيب اللغة البي منصور محمد بن أحمد الأزهري – مادة نشز 11/219

3- لسان العرب – لابن منظور – 5/417

4- مختار الصحاح للرازي ص219

5- سورة البقرة 259

6- سورة المجادلة 11

7- إبراهيم أنيس – عبد الحكيم منتصر – عطية الصوالحي – محمد خلف – المعجم الوسيط ( قطر – دار احياء التراث – د. ط .دت  20/922

8- القرطبي الجامع لا حكام القرآن – ج5– ص112 .

 9- ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – ج1 – ص654

10- محمد بن جرير الطبري – جامع البيان في تأويل القرآن – ج2 – ص558 – دار الشامية دمشق ط1 1418 – 1997 .

11-تفسير الكبير البن تيمية – تقي الدين أحمد بن عبد الحليم – ج3 – ص238

12- لالوسي – روح المعاني – ج5 – ص34

13- أحكام القرآن – الجصاص – ج2– ص237

14- الصحكفي الدار المختار – شرح تنوير الأبصار وجامع البحار – ج3 ص586 .

15- الزيلعي – تنبين الحقائق شرح كنز الدقائق – ج3 – ص52

16- الدردير – الشرح الكبير – بهامش حاشية الدسوقي – ج5– ص343 .

17- الجعلي المالكي – سراج السالك – شرح أسهل المسالك – في مذهب الإمام مالك – ج2– ص83

18- الخورشي – حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل – ج4 – ص191

19- الماوردي – الحاوي الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي – ج9 – ص168

20- الشربيني – مغني المحتاج في معرفة معاني المحتاج – ج 5 – ص 168

21-  ابن قدامه – المغني – ج2 – ص 742

22- البهوتي – كشاف القناع عن متن الامتناع – ج5 – ص209