المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16347 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
معنى السفيه
2024-04-30
{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شي‏ء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}
2024-04-30
مباني الديك الرومي وتجهيزاتها
2024-04-30
مساكن الاوز
2024-04-30
مفهوم أعمال السيادة
2024-04-30
معايير تميز أعمال السيادة
2024-04-30

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (57-60) من سورة يونس  
  
26197   02:43 صباحاً   التاريخ: 11-3-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /

 

قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوخَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُوفَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ } [يونس: 57 - 60]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما تقدم ذكر القرآن وما فيه من الوعد والوعيد عقبه سبحانه بذكر جلالة موقع القرآن وعظم محله في باب الأدلة فقال {يا أيها الناس}خطاب لجميع الخلق وتنبيه لهم ويقال أنه خطاب لقريش { قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ }يعني القرآن والموعظة بيان ما تجب أن يحذر عنه ويرغب فيه وقيل هي ما يدعوإلى الصلاح ويزجر عن الفساد. { وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ }الشفاء معنى كالدواء لإزالة الداء فداء الجهل أضر من داء البدن وعلاجه أعسر وأطباؤه أقل والشفاء منه أجل والصدر موضع القلب وهو أجل موضع في البدن لشرف القلب {وهدى}أي: ودلالة تؤدي إلى معرفة الحق { وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }أي: ونعمة لمن تمسك به وعمل بما فيه وخص المؤمنين بالذكر وإن كان القرآن موعظة ورحمة لجميع الخلق لأنهم الذين انتفعوا به وصف الله سبحانه القرآن في هذه الآية بأربع صفات بالموعظة والشفاء لما في الصدور وبالهدى والرحمة.

 { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ }معناه: قل يا محمد بإفضال الله وبنعمته فإنه يجوز إطلاق الفاضل على الله تعالى فوضع الفضل في موضع الإفضال كما وضع النبات في قوله {والله أنبتكم من الأرض نباتا}في موضع الإنبات وقيل أن الفضل إلى الله بمعنى الملك كما يضاف العبد إليه بأنه مالك له { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }قال الزجاج قوله {بذلك}بدل من قوله بفضل الله وبرحمته وهو يدل على أنه يعني به القرآن أي فبذلك فليفرح الناس لأنه خير لكم يا أصحاب محمد مما يجمعه هؤلاء الكفار من الأموال ومعنى الآية قل لهؤلاء الفرحين بالدنيا المعتدين بها الجامعين لها إذا فرحتم بشيء فافرحوا بفضل الله عليكم ورحمته لكم بإنزال هذا القرآن وإرسال محمد إليكم فإنكم تحصلون بهما نعيما دائما مقيما هو خير لكم من هذه الدنيا الفانية وقيل فضل الله هو القرآن ورحمته الإسلام عن أبي سعيد الخدري والحسن وروى أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب الله عز وجل الفقر بين عينيه إلى يوم القيامة ثم تلا {قل بفضل الله وبرحمته}الآية وقيل فضل الله الإسلام ورحمته القرآن عن قتادة ومجاهد وغيرهما قال أبوجعفر الباقر (عليه السلام) فضل الله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ورحمته علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخاطب كفار مكة فقال {قل}يا محمد لهم {أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق}فجعله حلالا {فجعلتم منه حراما وحلالا}أي جعلتم بعضه حراما وبعضه حلالا يعني ما حرموا من السائبة والبحيرة والوصيلة ونحوها مما حرموا من زروعهم وإنما قال {أنزل الله}لأن أرزاق العباد من المطر الذي ينزله الله {قل}يا محمد لهم {آلله أذن لكم أم على الله تفترون} ومعناه أنه لم يأذن لكم في شيء من ذلك بل أنتم تكذبون في ذلك على الله سبحانه.

 { وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }معناه: أي شيء يظن الذين يكذبون على الله أنه يصيبهم يوم القيامة على افترائهم على الله أي لا ينبغي أن يظنوا أن يصيبهم على ذلك إلا العذاب الشديد والعقاب الأليم {إن الله لذوفضل على الناس}بما فعل بهم من ضروب الإنعام { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }نعمه ويجحدونها وهذا الكلام خرج مخرج التقريع على افتراء الكذب وإن كان في صورة الاستفهام وتقديره أيؤديهم افتراؤهم الكذب إلى خير أم شر وقيل أن معنى قوله {لذو فضل على الناس}أنه لم يضيق عليهم بالتحريم كما ادعيتم ذلك عليه وقيل معناه أنه لذو فضل على خلقه بترك معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا وإمهاله إياهم إلى يوم القيامة.

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5،ص200-203.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وهُدىً ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}. هذه الأوصاف الأربعة : الموعظة والشفاء والهدى والرحمة هي أوصاف القرآن الكريم ، والغرض من ذكرها الرد على المشركين ، وعلى كل من يرتاب في كتاب اللَّه ، ويرفض الاعتراف به ، ووجه الرد ان القرآن يعظ الناس بالموعظة الحسنة ، ويشفي القلوب من الأهواء والرذائل ، ويهدي للتي هي أقوم ، وهو رحمة تنجي من يؤمن به ويعمل من الهلاك والعذاب ، وعلى هذا فمن رفضه فقد رفض هذه المبادئ التي هي دعائم الحق والخير ، وسبل النجاة والأمان .

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُو خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. أي ان العاقل لا يفرح بالمال وأسباب الملذات في هذه الحياة ، وانما يفرح ويغتبط بفضل اللَّه ورحمته . . وقد أطال المفسرون الكلام حول معنى فضل اللَّه ورحمته ، وبيان الفرق بينهما . . وسياق الآية يدل على أن المراد بهما هنا الهداية إلى طريق الخير والنجاة ، تماما كالفضل والرحمة في قوله تعالى : {ولَولا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ ورَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ - 112 النساء}. فقوله : {أَنْ يُضِلُّوكَ}يدل على أن المراد بفضله ورحمته تعالى الهداية أوالتثبيت عليها ، لأنها ضد الضلال ، ومثلها الآية 64 من سورة البقرة : {فَلَولا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ}.

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وحَلالًا}. هذه الآية قريبة المعنى من الآية 103 من سورة المائدة التي مر تفسيرها في ج 3 ص 137 ، ومحصل المعنى ان اللَّه أمر نبيه أن يقول لمشركي مكة الذين جعلوا في الأنعام بحيرة وسائبة ، وما إليهما ، أمره أن يقول لهم : أخبروني أي شيء وهب اللَّه لكم من الرزق الذي جعل فيه حلالا وحراما ، حتى قسمتم هذا التقسيم ، والاستفهام هنا للإنكار ، أي انه تعالى ما جعل شيئا من هذا ، بل هومن عندياتكم فأنتم وحدكم حرّمتم ما حرمتم {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}، ولا يمكنهم الادعاء بأن اللَّه أذن لهم فتعين انهم مفترون .

{وما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ}. أي هل يتصور الذين يحللون ويحرمون من تلقائهم ان اللَّه يتركهم غدا بلا عقاب على كذبهم وافترائهم ؟

إذن لا فرق عنده بين من اتقى ومن عصى . . كيف ؟ وهو القائل : {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ - 28 ص}. وهذا التوبيخ والتقريع من أبلغ أساليب التهديد والوعيد .

{إِنَّ اللَّهً لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ}بما أنعم عليهم من العقل والشرع الذي أمرهم بالخير ، ونهاهم عن الشر {ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}أي لا يعملون بوحي العقل ، ولا بحكم الشرع .

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج4 ، ص171-172

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

عاد الكلام في الآيات إلى وصف القرآن الكريم بما له من كرائم الأوصاف ويتلوه متفرقات ترتبط بسابق القول في غرض السورة، وفيها موعظة وحكمة وحجة على مقاصد شتى، وفيها وصف أولياء الله وبشارتهم.

قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ }إلى آخر الآية.

قال الراغب في المفردات: الوعظ زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل: هوالتذكير بالخير فيما يرق له، القلب والعظة والموعظة الاسم، انتهى.

والصدر معروف والناس لما وجدوا القلب في الصدر وهم يرون أن الإنسان إنما يدرك ما يدرك بقلبه وبه يعقل الأمور ويحب ويبغض ويريد ويكره ويشتاق ويرجوويتمنى، عدوا الصدر خزانة لما في القلب من أسراره والصفات الروحية التي في باطن الإنسان من فضائل ورذائل، وفي الفضائل صحة القلب واستقامته، وفي الرذائل سقمه ومرضه، والرذيلة داء يقال: شفيت صدري بكذا إذا ذهب به ما في صدره من ضيق وحرج، ويقال: شفيت قلبي، فشفاء الصدور وشفاء ما في الصدور كناية عن ذهاب ما فيها من الصفات الروحية الخبيثة التي تجلب إلى الإنسان الشقاء وتنغص عيشته السعيدة وتحرمه خير الدنيا والآخرة.

والهدى هي الدلالة على المطلوب بلطف على ما ذكره الراغب، وقد تقدم في ذيل قوله تعالى:{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام:}الأنعام: - 125 في الجزء السابع من الكتاب بحث فيها.

والرحمة تأثر خاص في القلب عن مشاهدة ضر أونقص في الغير يبعث الراحم إلى جبر كسره وإتمام نقصه، وإذا نسبت إليه تعالى كان بمعنى النتيجة دون أصل التأثر لتنزهه تعالى عن ذلك فينطبق على مطلق عطيته تعالى وإفاضته الوجود على خلقه.

وعطيته إذا نسبت إلى مطلق خلقه كانت هي ما ينسب إليه تعالى من وجودهم وبقائهم ورزقهم الذي يمد به بقاؤهم وسائر ما ينعم به عليهم من نعمة التي لا تحصى كثرة وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، وإذا نسبت إلى المؤمنين خاصة كانت هي ما يختص بهم من سعادة الحياة الإنسانية بمظاهرها المختلفة التي ينعم الله بها عليهم من المعارف الحقة الإلهية والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة، والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة والجنة والرضوان.

ومن ثم إذا وصف القرآن بأنه رحمة للمؤمنين كان معناه أنه يغشى المؤمنين أنواع الخيرات والبركات التي كنزها الله فيه لمن تحقق بحقائقها وتلبس بمعانيها، قال تعالى:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا:}إسراء: - 82.

وإذا أخذت هذه النعوت الأربعة التي عدها الله سبحانه للقرآن في هذه الآية أعني أنه موعظة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة، وقيس بعضها إلى بعض ثم اعتبرت مع القرآن كانت الآية بيانا جامعا لعامة أثره الطيب الجميل وعلمه الزاكي الطاهر الذي يرسمه في نفوس المؤمنين منذ أول ما يقرع أسماعهم إلى آخر ما يتمكن من نفوسهم ويستقر في قلوبهم.

فإنه يدركهم أول ما يدركهم وقد غشيهم يم الغفلة وأحاطت بهم لجة الحيرة فأظلمت باطنهم بظلمات الشك والريب، وأمرضت قلوبهم بأدواء الرذائل وكل صفة أوحالة ردية خبيثة فيعظهم موعظة حسنة ينبههم بها عن رقدة الغفلة، ويزجرهم عما بهم من سوء السريرة والأعمال السيئة، ويبعثهم نحو الخير والسعادة.

ثم يأخذ في تطهير سرهم عن خبائث الصفات، ولا يزال يزيل آفات العقول وأمراض القلوب واحدا بعد آخر حتى يأتي على آخرها.

ثم يدلهم على المعارف الحقة والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة دلالة بلطف برفعهم درجة بعد درجة، وتقريبهم منزلة فمنزلة حتى يستقروا في مستقر المقربين، ويفوزوا فوز المخلصين.

ثم يلبسهم لباس الرحمة وينزلهم دار الكرامة ويقرهم على أريكة السعادة حتى يلحقهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ويدخلهم في زمرة عبادة المقربين في أعلى عليين.

فالقرآن واعظ شاف لما في الصدور هاد إلى مستقيم الصراط مفيض للرحمة بإذن الله سبحانه، وإنما يعظ بما فيه ويشفي الصدور ويهدي ويبسط الرحمة بنفسه لا بأمر آخر فإنه السبب الموصول بين الله وبين خلقه فهوموعظة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين. فافهم ذلك.

وقد افتتح سبحانه الآية بقوله:{يا أيها الناس} وهو خطاب لعامة الناس دون المشركين أومشركي مكة خاصة وإن كانت الآية واقعة في سياق الكلام معهم وذلك لأن النعوت المذكورة فيها بقوله:{قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}تتعلق بعامتهم دون قبيل خاص منهم.

ومن غريب التفسير قول بعضهم: إن المراد بالرحمة ما يتصف به المؤمنون من الرحمة والرأفة فيما بينهم وهو خطأ يدفعه السياق البتة.

قوله تعالى:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}الفضل هو الزيادة، وتسمى العطية فضلا لأن المعطي إنما يعطي غالبا ما لا يحتاج إليه من المال ففي تسمية ما يفيضه الله على عباده فضلا إشارة إلى غناه تعالى وعدم حاجته في إفاضته إلى ما يفيضه ولا إلى من يفيض عليه.

وليس من البعيد أن يكون المراد بالفضل ما يبسطه الله من عطائه على عامة خلقه، وبالرحمة خصوص ما يفيضه على المؤمنين فإن رحمة السعادة الدينية إذا انضمت إلى النعمة العامة من حياة ورزق وسائر البركات العامة كان المجموع منهما أحق بالفرح والسرور وأحرى بالانبساط والابتهاج.

ومن الممكن أن يتأيد ذلك بقوله:{بفضل الله وبرحمته}حيث أدخلت باء السببية على كل من الفضل والرحمة، وهو مشعر بكون كل واحد منهما سببا مستقلا وإن جمع بينهما ثانيا بقوله:{فبذلك فليفرحوا}للدلالة على استحقاق مجموعهما لأن ينحصر فيه الفرح.

ويمكن أن يكون المراد بالفضل غير الرحمة من الأمور المذكورة في الآية السابقة أعني الموعظة وشفاء ما في الصدر والهدى، والمراد بالرحمة الرحمة بمعناها المذكور في الآية السابقة وهي العطية الخاصة الإلهية التي هي سعادة الحياة في الدنيا والآخرة.

والمعنى على هذا أن ما تفضل الله به عليهم من الموعظة وشفاء ما في الصدور والهدى، وما رحم المؤمنين به من الحياة الطيبة ذلك أحق أن يفرحوا به دون ما يجمعونه من المال.

وربما تأيد هذا الوجه بقوله سبحانه:{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء:}النور: - 21 حيث نسب زكاتهم إلى الفضل والرحمة معا واستناد الزكاة إلى الفضل بمعنى العطية العامة بعيد عن الفهم، ومما يؤيد هذا الوجه ملائمته لما ورد في الرواية من تفسير الآية بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) أوبالقرآن والاختصاص به وسيجيء إن شاء الله.

وقوله:{فبذلك فليفرحوا}ذكروا أن الفاء في قوله:{فليفرحوا}زائدة كقول الشاعر:(فإذا قتلت فعند ذلك فاجزعي).

والظرف أعني قوله:{فبذلك}بدل من قوله:{ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ }، ومتعلق بقوله:{فليفرحوا}قدم عليه لإفادة الحصر، وقوله:{ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }بيان ثان لمعنى الحصر.

فظهر بذلك كله أن الآية تفريع على مضمون الآية السابقة فإنه تعالى لما خاطب الناس امتنانا عليهم بأن هذا القرآن موعظة لهم وشفاء لما في صدورهم وهدى ورحمة للمؤمنين منهم فرع عليه أنه ينبغي لهم حينئذ أن يفرحوا بهذا الذي امتن به عليهم من الفضل والرحمة لا بالمال الذي يجمعونه فإن ذلك - وفيه سعادتهم وما تتوقف عليه سعادتهم - خير من المال الذي ليس إلا فتنة ربما أهلكتهم وأشقتهم.

قوله تعالى:{قل أ رأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا}إلى آخر الآية.

نسبة الرزق وهو ما يمد الإنسان في بقائه من الأمور الأرضية من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها إلى الإنزال مبني على حقيقة يفيدها القرآن وهي أن الأشياء لها خزائن عند الله تتنزل من هناك على حسب ما قدرها الله سبحانه، قال تعالى:{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم:}الحجر: - 21 وقال تعالى:{وفي السماء رزقكم وما توعدون:}الذاريات: - 22 وقال:{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج:}الزمر: - 6 وقال:{وأنزلنا الحديد:}الحديد: - 25.

وأما ما قيل: إن التعبير بالإنزال إنما هولكون أرزاق العباد من المطر الذي ينزله الله من السماء، فوجه بسيط لا يطرد على تقدير صحته في جميع الموارد التي عبر فيها عن كينونتها بالإنزال كما في الأنعام وفي الحديد، والرزق الذي تذكر الآية أن الله أنزله لهم فجعلوا منه حراما وحلالا هوالأنعام من الإبل والغنم كالوصيلة والسائبة والحام وغيرها.

واللام في قوله:{لكم}للغاية وتفيد معنى النفع أي أنزل الله لأجلكم ولتنتفعوا به، وليست للتعدية فإن الإنزال إنما يتعدى بعلى أوإلى، ومن هنا أفاد الكلام معنى الإباحة والحل أي أنزلها الله فأحلها، وهذا هوالنكتة في تقديم التحريم على الإحلال في قوله:{ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا }أي كان الله أحله لكم بإنزاله رزقا لكم تنتفعون به في حياتكم وبقائكم ولكنكم قسمتموه قسمين من عند أنفسكم فحرمتم قسما وأحللتم آخر فالمعنى: قل لهم يا محمد: أخبروني عما أنزل الله لكم ولأجلكم من الرزق الحلال فقسمتموه قسمين وجعلتم بعضه حراما وبعضه حلالا ما هوالسبب في ذلك؟ ومن البين أنه افتراء على الله لا عن إذن منه تعالى.

وقوله:{ قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ }سؤال عن سبب تقسيمهم الرزق إلى حرام وحلال، وإذ كان من البين أنه ليس ذلك عن إذن منه تعالى لعدم اتصالهم بربهم بوحي أورسول كان من المتعين أنه افتراء فالاستفهام في سياق الترديد كناية عن إثبات الافتراء لهم وتوبيخ وذم.

والذي يقضي به النظر الابتدائي أن الترديد في الآية غير حاصر إذ كما يجوز أن يكون تقسيمهم رزق الله إلى حرام وحلال عن إذن من الله أوافتراء عليه تعالى كذلك يجوز أن يكون عن مصلحة أحرزوها أوزعموها في ذلك أوعن هوى لهم فيه من غير أن ينسبوه إلى الله تعالى فيكون افتراء عليه.

ومن وجه آخر الترديد في الآية بين إذن الله والافتراء على الله يشعر بأن الحكم إنما هو لله فالحكم بكون بعض الرزق حراما وبعضه حلالا وهو دائر بينهم إما أن يكون من الله أوافتراء عليه، ومن الممكن أن يمنع ذلك في بادىء النظر فكثير من السنن الدائرة بين الناس كونتها طبيعة مجتمعهم أوعادتهم القومية وغير ذلك.

لكن التدبر في كلامه تعالى والبحث العميق يدفع ذلك فإن القرآن يرى أن الحكم يختص بالله تعالى، وليس لأحد من خلقه أن يبادر إلى تشريع حكم ووضعه في المجتمع الإنساني، قال تعالى:{إن الحكم إلا لله:}يوسف: - 40.

وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله:{فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم:}الروم: - 30 فتبين به أن معنى كون الحكم لله كونه معتمدا على الخلقة والفطرة منطبقا عليها غير مخالف لما ينطق به الكون والوجود.

وذلك أن الله سبحانه لم يخلق الخلق عبثا كما قال:{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا:}المؤمنون: - 115 بل خلقهم لأغراض إلهية وغايات كمالية يتوجهون إليها بحسب جبلتهم ويسيرون نحوها بفطرتهم بما جهزهم به من الأسباب والأدوات وهداهم إليه من السبيل الميسر لهم كما قال:{أعطى كل شيء خلقه ثم هدى:}طه: - 50، وقال:{ثم السبيل يسره:}عبس: - 20.

فوجود الأشياء في بدء خلقها مناسب لما هيىء لها من منزلة الكمال مجهز بقوى وأدوات يتوسل بها إلى غايتها، ولا يسير شيء منها إلى كماله المهيا له إلا من طريق الصفات الاكتسابية والأعمال، فمن الواجب بالنظر إلى ذلك أن يكون الدين أعني القوانين الجارية في الصفات والأعمال الاكتسابية منطبقا على الخلقة والفطرة فإن الفطرة لا تنسى غايتها ولا تتخطاها، ولا تبعث نحوفعل ولا تزجر عن فعل إلا لدعوة ما جهزت به إليه، ولا يدعوالجهاز إلا لأجل ما جهز لأجله وهو الغاية.

فالإنسان لما كان مجهزا بجهاز التغذية والنكاح كان حكمه الحقيقي في دين الفطرة هوالتغذي والنكاح دون الجوكية والرهبانية مثلا، ولما كان مطبوعا على الاجتماع والتعاون كان من حكمه أن يشارك سائر الناس في مجتمعهم ويقوم بالأعمال الاجتماعية، وعلى هذا القياس.

فالذي يتعين للإنسان من الأحكام والسنن هو الذي يدعوه إليه الكون العالمي الذي هو جزء حقير منه، وقد جهز وجوده بما يسوقه إليه من مرحلة الكمال، فهذا الكون العام المرتبط بعض أجزائه ببعض، وهو مركب إرادة الله تعالى هوالحامل للشريعة الفطرية الإنسانية، والداعي إلى دين الله الحنيف.

فالدين الحق هو حكم الله سبحانه لا حكم إلا له، وهو المنطبق على الخلقة الإلهية، وما وراءه من حكم هو باطل لا يسوق الإنسان إلا إلى الشقاء والهلاك ولا يهديه إلا إلى عذاب السعير.

ومن هنا ينحل ما تقدم من العقدتين فإن الحكم لما كان لله سبحانه وحده كان كل حكم دائر بين الناس إما حكما لله حقيقة مأخوذا من لدنه بوحي أورسالة أوحكما مفترى على الله، ولا ثالث للقسمين.

على أن المشركين كانوا ينسبون أمثال هذه الأحكام التي ابتدعوها واستنوا بها فيما بينهم إلى الله سبحانه كما يشير إليه قوله تعالى:{وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها:}الآية الأعراف: - 28.

قوله تعالى:{ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }إلى آخر الآية، لما كان جواب الاستفهام المتقدم:{ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ }معلوما من المورد، وهوأنه افتراء، استعظم وخامة عاقبته فإنه افتراء على الله سبحانه والافتراء من الآثام والذنوب بحكم البداهة فلا محالة له أثر سيىء، ولذلك قال تعالى إيعادا وتهديدا:{ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }.

وأما قوله:{إن الله لذوفضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون}فهو شكوى وعتبى يشار به إلى ما اعتاد عليه الناس من كفران أكثرهم لنعمة الله، وعدم شكرهم قبال عطيته ونعمته، والمراد بالفضل هاهنا هو العطية الإلهية فإن الكلام في الرزق الذي أنزله الله لهم وهو الفضل وتحريمهم بعضه وهو الكفران وعدم الشكر.

وبرجوع ذيل الآية إلى صدرها يكون الافتراء على الله من مصاديق كفران نعمته، والمعنى أن الله ذوفضل وعطاء على الناس ولكن أكثرهم كافرون لنعمته وفضله فما ظن الذين يكفرون بنعمة الله ورزقه بتحريمه افتراء على الله الكذب يوم القيامة.

__________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي ، ج10 ،ص61-67.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

القرآن رحمة إِلهية كبرى:

لقد جاءت في بعض الآيات السابقة بحوث في شأن القرآن عكست جوانب من مخالفات المشركين. وفي هذه الآيات تجدد الكلام عن القرآن بهذه المناسبة أيضاً، ففي البداية تخاطب جميع البشرية خطاباً عالمياً وشمولياً وتقول:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }.

لقد بيّنت هذه الآية أربع صفات للقرآن، ولإدراك مدلولاتها ومحتواها لابدّ أن نعتمد أوّلا على لغاتها ومعناها.

«الوعظ» و«الموعظة»، كما جاء في المفردات: هو النهي الممتزج بالتهديد، أنّ معنى الموعظة أوسع من هذا ظاهراً، كما نقل عن الخليل بن أحمد الفراهيدي في نفس كتاب المفردات، أنّ الموعظة عبارة عن التذكير بالنعم والطيبات المقترن برقة القلب. وفي الحقيقة فإِنّ كل نصح وإِرشاد يترك أثراً في المخاطب، ويخوفه من السيئات ويرغّبه في الصالحات يسمى وعظاً وموعظة. وطبعاً ليس معنى هذا أن كل موعظة يجب أن يكون لها تأثير، بل المراد أنّها تؤثر في القلوب المستعدة.

والمقصود من شفاء أمراض القلوب، وبتعبير القرآن شفاء ما في الصدور، هي تلك التلوّثات المعنوية والروحية، كالبخل والحقد والحسد والجبن والشرك والنفاق وأمثال ذلك، وكلها من الأمراض الروحية والمعنوية.

والمقصود من «الهداية» هو الهداية نحوالمقصود، أي تكامل ورقي الإِنسان في كافة الجوانب الإِيجابية.

والمراد من «الرحمة}هي النعم المادية والمعنوية الإِلهية التي تشمل حال الأفراد اللائقين، كما نقراً في كتاب المفردات أنّ الرحمة متى ما نسبت إِلى الله فإِنّها تعني بذله وهبته للنعم، وإِذا ما نسبت إِلى البشر فإِنّها تعني العطف ورقة القلب.

في الواقع، إِنّ الآية أعلاه تشرح وتبيّن أربع مراحل من مراحل تربية وتكامل الإِنسان في ظل القرآن.

المرحلة الأُولى: مرحلة الموعظة والنصيحة.

المرحلة الثّانية: مرحلة تطهير روح الإِنسان من مختلف أنواع الرذائل الأخلاقية.

المرحلة الثّالثة: مرحلة الهداية التي تجري بعد مرحلة التطهير.

المرحلة الرّابعة: هي المرحلة التي يصل فيها الإِنسان إِلى أن يكون لائقاً لأن تشمله رحمة الله ونعمته.

وكل مرحلة من هذه المراحل تأتي بعد المرحلة السابقة لها، والجميل في الأمر أنّها تتمّ جميعاً في ظل نور القرآن وتوجيهاته.

القرآن هو الذي يعظ البشر، والقرآن هو الذي يغسل قلوبهم من تبعات الذنوب والصفات القبيحة، والقرآن هو الذي يوقد نور الهداية في القلوب ليضيئها، والقرآن أيضاً هو الذي ينزل النعم الإِلهية على الفرد والمجتمع.

ويوضح أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) في كلامه الجامع في نهج البلاغة هذه الحقيقة بأبلغ تعبير، حيث يقول: «فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على ولائكم، فإِنّ فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال»(2).

وهذا بنفسه يبيّن أنّ القرآن وَصْفَة لتحسين حال الفرد والمجتمع، وصيانتهم من أنواع الأمراض الأخلاقية والإِجتماعية، وهذه الحقيقة أودعها المسلمون في كف النسيان، وبدل أن يستفيدوا من هذا الدواء الشافي، فإِنّهم يبحثون عن دوائهم وعلاجهم في المذاهب الأُخرى، وجعلوا هذا الكتاب السماوي الكبير كتاب قراءة فقط، لا كتاب تفكر وعمل!

وتقول الآية الأُخرى من أجل تكميل هذا البحث والتأكيد على هذه النعمة الإِلهية الكبرى ـ أي القرآن المجيد ـ: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا }ولا يفرحوا بمقدار الثروات، وعظم المراكز، وعزة القوم والقبيلة، لأنّ رأس المال الحقيقي والأساس للسعادة الحقيقية هو هذا القرآن، فهوأفضل من كل ما جمعوه، ولا يمكن قياسه بذلك المجموع، إِذا { هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }.
هوالشاهد في كل مكان!

كان الحديث في الآيات السابقة عن القرآن، والموعظة الإِلهية والهداية والرحمة في هذا الكتاب السماوي، وتتحدث هذه الآيات عن قوانين المشركين المبتدعة والخرافية وأحكامهم الكاذبة، لأنّ الذي يؤمن بالله ويعلم أن كل المواهب والأرزاق منه، يجب أن يقبل هذه الحقيقة أيضاً، وهي أنّ بيان حكم هذه المواهب من حيث الحلية والحرمة بيده، وإِنّ التدخل في هذا العمل بدون إِذنه عمل غير صحيح.

الآية الأُولى وجهت الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } إِذا أنّهم طبقاً لسننهم الخرافية حرموا قسماً من الدواب باسم «السائبة» و«البحيرة» و«الوصيلة(3)»، وكذلك حرّموا جزءاً من محاصيلهم الزراعية، وحرموا أنفسهم من هذه النعم الطاهرة المحلّلة، إِضافةً إِلى ذلك فإِن كون الشيء حراماً أوحلالا ليس مرتبطاً بكم، بل هومختص بأمر الله خالق تلك الموجودات.

ثمّ تقول: { قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ }، أي إِنّ لهذا العمل صورتين لا ثالث لهما: فأمّا أن يكون بإِذن الله، أوأنّه تهمة وافتراء، ولما كان الإِحتمال الأوّل منتفياً، فلم يبق إلاّ الثّاني.

الآن وقد أصبح من المسلم أنّ هؤلاء بهذه الأحكام الخرافية المبتدعة، إِضافةً إِلى أنّهم حُرموا من النعم الإِلهية، فإِنّهم قد افتروا على الساحة الإِلهية المقدسة، ولذلك تضيف الآية: { وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} ولذلك فإِنّه لسعة رحمته لا يعاقب هؤلاء فوراً على أعمالهم القبيحة.

إِلاّ أنّ هؤلاء بدل أن يستغلوا هذه الفرصة الإِلهية ويشكروا اللّه على ذلك وينيبوا إِليه، فإِنّ أكثرهم غافلون: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }.

ويحتمل في تفسير هذه الآية أيضاً، أن كون كل هذه المواهب والأرزاق ـ عدا الأشياء المضرة والخبيثة المستثناة ـ محللة هو بنفسه نعمة إِلهية كبرى، وإِنّ كثيراً من الناس بدل أن يؤدوا شكر هذه النعمة، فإِنّهم يكفرون بها، ويحرّمون أنفسهم من هذه النعمة بأحكامهم الخرافية وممنوعاتها.

________________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج5نص496-502.

2- نهج البلاغة ،الخطبة 176.

3-  (البحيرة) هي الحيوان الذي يلد عدّة مرّات، و(السائبة) هوالبعير الذي أنتج عشرة أواثني عشر ولداً، و(الوصيلة) كانت تطلق على الغنم إِذا ولدت سبعة بطون. ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (103) من سورة المائدة.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



بالصور: ويستمر الانجاز.. كوادر العتبة الحسينية تواصل اعمالها في مشروع سرداب القبلة الكبير
بحضور ممثل المرجعية العليا.. قسم تطوير الموارد البشرية يستعرض مسودة برنامجه التدريبي الأضخم في العتبة الحسينية
على مساحة (150) دونما ويضم مسجدا ومركزا صحيا ومدارسا لكلا الجنسين.. العتبة الحسينية تكشف عن نسب الإنجاز بمشروع مجمع إسكان الفقراء في كربلاء
للمشاركة الفاعلة في مهرجان كوثر العصمة الثاني وربيع الشهادة الـ(16).. العتبة الحسينية تمنح نظيرتها الكاظمية (درع المهرجان)