المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


رفاعة الطهطاوي  
  
3155   03:38 مساءً   التاريخ: 21-9-2019
المؤلف : عمر الدسوقي
الكتاب أو المصدر : في الأدب الحديث
الجزء والصفحة : ص:25-39 ج1
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2018 1862
التاريخ: 8-4-2021 3187
التاريخ: 21-06-2015 2255
التاريخ: 29-12-2015 20411

رفاعة الطهطاوي: 1801-1873
هو إمام النهضة العلمية في مصر الحديثة غير مدافع، وهبه الله لمصر كي يزوّدها بنور العلم؛ فكان مشعلًا ساطعًا بدَّدَ الجهل وسُدْفَته، وأنار الطريق لآلاف العقول والقلوب, ووضع اللبنات الأولى القوية في صرح ثقافتنا الحديثة.
أُوتِيَ القلب الذكي، والعقل الصافي، والنشاط الموفور، والبصيرة النفاذة، والعزيمة المبرمة؛ فما أضاع ساعةً منذ وضع رجليه على سُلَّمِ الباخرة التي أقلته إلى فرنسا إلّا وأمامه الهدف الذي رسمه لنفسه ولوطنه، وظلَّ هذا دبأه إلى أن انطفأ مشعل حياته.
هو مصريٌّ صميمٌ، من أقصى الصعيد، يتصل نسبه من جهة أبيه بسيدنا الحسين -رضي الله عنه، وقد أشار إلى هذا النسب قوله:
حسينيّ السلالة قاسميٌّ ... بطهطا معشري وبها مهادي(1)
ومن جهة أمه بالأنصار الخزرجية، ولد في طهطا، وكان أجداده من ذوي اليسار وممن تولوا مناصب القضاء بمصر، ثم أخنى عليهم الدهر، وحينما وُلِدَ كانت أسرته في عسر، فنشأ نشأةً معتادةً بين أبوين فقيرين، وقرأ القرآن، وتلقَّى العلوم الدينية، كما يتلقاها عامة طلبة العلم في عصره، ودخل الأزهر كما دخله غيره، وصار من علمائه كما صار كثيرون، ولكن ذكاءه وحبه للعلم، وإقباله على التحصيل, لفت إليه نظر الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر في ذاك الوقت، وكان الشيخ العطار من أفذاذ عصره في العلم والأدب والفنون الحديثة، فاقتدى به تلميذه الشيخ رفاعة، فقرأ كثير من كتب الأدب، ومهر في فنونه وهو بعد في الأزهر, ثم تولَّى التدريس سنتين؛ ظهر فيهما استعداده للتعليم والتثقيف؛ إذ أحبه تلاميذه حبًّا جمًّا, وتتعلقوا به وبدروسه. ويقول صالح بك مجدي في هذا(2).
(1/25)

"وكان -رحمه الله- حسن الإلقاء؛ بحيث ينتفع بتدريسه كل من أخذ عنه، وقد اشتغل في الجامع الأزهر بتدريس كتبٍ شتَّى: في الحديث والمنطق والبيان والبديع والعروض وغير ذلك، وكان درسه غاصًّا بالجمِّ الغفير من الطلبة, وما منهم إلّا من استفاد منه، وبرع في جميع ما أخذوه عنه، لما علمت من أنه كان حسن الأسلوب سهل التعبير، مدققًا، محققًا، قادرًا على الإفصاح بطرق مختلفة؛ بحيث يفهم درسه الصغير والكبير بلا مشقةٍ ولا تعبٍ، ولا كدٍّ ولا نصبٍ".
ثم عُيِّنَ واعظًا وإمامًا لإحدى فرق الجيش في سنة 1828، فاعتاد حياةً جديدةً عنوانها: النظام والطاعة، ومحبة الوطن والدفاع عنه، ومواجهة الأخطار، وقد كان لذلك أثر كبير في حياته، فعاش محبًّا للنظام، في كل ما تولاه: في تلقي العلوم، وفي التأليف والتعريب، وفي حسن تنظيم المعاهد التي تولَّى إدارتها، شغوفًا بوطنه مخلصًا له طول حياته.
وكان من حسن حظِّه وحظ مصر أن طلب محمد علي إلى الشيخ العطار أن يختار له من علماء الأزهر إمامًا للبعثة الأولى، يرى فيه اللياقة لتلك الوظيفة(3), فوقع الاختيار على الشيخ رفاعة.
ولم يكن مطلوبًا من إمام البعثة أن يحصِّلَ شيئًا من علوم الفرنسيين، ولكن حسبه أن يؤدي مهمته من وعظ الطلاب وإرشادهم إلى ما فيه خيرهم، ونصحهم إذا ضلت بهم السبل، وإمامتهم حين الصلاة، ولكن الشيخ رفاعة كان ذا نفسٍ طموح، فما أن أقامت به وبصحبه الباخرة من مصر حتى ابتدأ يتعلم؛ فأجلُّوه وأَكْبَرُوه، ومنهم المستشرق المشهور "البارون دي ساسي"(4). "كوسان دي برسفال"(5).
(1/26)

واهتم في دراسته بالتاريخ والجغرافية، والفلسفة والأدب، فقرأ "فولتير", و"رسو"، "وراسين"، و"ومومنتسكيو" وغيرهم، وقرأ بعض الكتب في علم المعادن وفنون الحرب والرياضيات، ومالت نفسه وهو بباريس إلى التأليف والتعريب، فوضع رحلته وسماها: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، وقد كان أستاذه العطار قد أوحى إليه بذلك، وعرَّبَ نحو اثنتي عشرةَ رسالة في مختلف الفنون والعلوم: من هندسة, ومعادن, وطبيعة, وتاريخ, وتقويم, وميثولوجيا, وعلم الصحة, والأخلاق، وترجم كذلك في باريس كتابه "قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر".
وهو أول من كتب من المصريين في المباحث الدستورية، مع أن هذه المباحث كانت مجهولةً في تاريخ مصر القوميّ، وذلك أنه درس في أثناء إقامته بباريس بنظام الحكم في فرنسا؛ وعرَّبَ في كتابه "تخليص الإبريز" دستور فرنسا في ذلك الحين, وما تضمنه من نظام المجلسين واختيار أعضائهما، وحقوق الأمة أفرادًا وجماعات، ولم يكن يكتفي بالتعريف، بل كان يعلق بما يدل على سعة فهم وصحة حكم، وميل فطريّ للنظم الحرة(6). وكان للشيخ رفاعة في باريس موضع إعجاب أساتذته وإكبارهم، لتمام رجولته، ونضج عقله، وحسن تصرفه، وشدة إقباله على الدرس والتحصيل، والعمل على نفع أمته، وفيه يقول المستشرق الفرنسيّ المشهور "سلفستر دي ساسي": إن الشيخ رفاعة "أحسن صرف زمنه مدة إقامته بفرنسا، وأنه اكتسب فيها معارف عظيمة, وتمكَّن منها كل التمكن، حتى تأهل لأن يكون نافعًا بلاده.. وله عنده مزية عظيمة ومحبة جسمية(7)".

 

(1/27)

وذكر السيد صالح مجدي تلميذه ومؤرخ حياته في كتاب "حلية الزمن": وقال لي من أثق به ممن كان معه بباريس: "أنه كان يؤدي الفرائض والسنن، ولم يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، وواظب على تلاوة القرآن(8)".
كان رفاعة قبل أني يغادر مصر يظن أن العلم كله قد جمع في الأزهر، وأنه سيحرم الاغتراف من هذا النبع العذب، وفي ذلك يقول:
"
ولكن يتبين له به أن ذهب إلى باريس، واتصل بثقافة الغرب, أن وطنه في حاجةٍ ملحةٍ إلى معرفة هذه الثقافة الجديدة ليرقى وينهض، وأنه لا يكفيه علم الأزهر، ولذلك جَدَّ في الترجمة، حتى ليخيل للمرء أنه يريد أن ينقل كل شيء إلى اللغة العربية وإلى مصر، ولا بدع, فكل شيء أمام ناظريه جديد، وعلى عقله غريب".
ثم عاد إلى مصر سنة 1831، بعد ست سنوات قضاها مكبًّا على الدرس والتحصيل: يطالع، ويقرأ، ويكتب ويعرب، ويجالس العلماء ويساجلهم البحث والمناظرة، وينعم النظر في أحوال الشعوب الأوروبية وتاريخها، وأسباب حضارتها وتقدمها، واستقرَّ عزمه وهو في باريس, على أن يخدم بلاده عن طريق نقل العلوم الغربية إلى مواطنيه، فتتسع أفكارهم, وتنمو مداركهم, مقتفيًا في ذلك آثار الدولة العباسية؛ إذ بدأت نهضة العلوم والمعارف في عهدها بترجمة كتب اليونان إلى العربية.
ولقد برَّ بوعده؛ فملأ البلاد علمًا وحكمةً، وحمل نواة النهضة وخدمتها بتأليفه وتعاريبه وتلاميذه الذين تخرجوا على يديه في مدرسة الألسن وغيرها.
أعماله بعد عودته:
لما رجع ولي منصب الترجمة، وتدريس اللغة الفرنسية في مدرسة الطب بأبي زعبل، ثم انتقل إلى مدرسة المدفعية بطرة، وعهد إليه ترجمة العلوم الهندسية والفنون الحربية، ثم وقع وباءٌ في القاهر اضطره إلى السفر لطهطا بلدته، فمكث بها ستين يومًا، ترجم في خلالها مجلدًا من جغرافية "ملتبرون" Nalt Bron وعاد به إلى القاهرة، وقدَّمَه لمحمد علي, فأكرمه ورقاه.
(1/28)

عرف الشيخ رفاعة في باريس مدرسة اللغات الشرقية، والتي أسست لدراسة لغات الاستشراق، وكان يسمِّيها في كتابه مدرسة الألسن، فوجب أن تؤسس في مصر مدرسة للألسن تواجه مطالبها وتناسب أغراضها، ورأى في أعضاء البعثات -مهما كثر عددهم- لن يقوموا بكل ما تتطلبه النهضة من جهود، فلابد من إيجاد طبقةٍ من العلماء الاكفاء في الآداب العربية، واللغات الأجنبية، ليضطلعوا بمهمة تعريب الكتب، وليكونوا صلةً بين الثقافة الشرقية والثقافة الغربية.
إننا بالبعثة ننقل بعض المصريين إلى أروبا، وبهذه المدرسة ننقل علم أوربا إلى مصر، فاقترح الشيخ على محمد علي إنشاء مدرسة الألسن، وكان من مزايا محمد علي أن يُسَرَّ بالاقتراح الجيد، وينفذه فورًا، فعهد إلى الشيخ رفاعة بوضع المشروع وتنفيذه، وبذلك أنشئت مدرسة الألسن، وكان مكانها "سراي الدفتردار" حيث كان فندق "شبرد القديم" وتقع بجوار قصر الألفي بك, الذي أقام به نابليون, ثم محمد علي، واختار لها الشيخ خمسين طالبًا من نوابغ طلاب المكاتب المصرية, وفي هذه المدرسة التي تولى الشيخ نظارتها ظهر نبوغه عالمًا محققًا، ورئيسًا قديرًا، ومعلمًا كفؤًا، ومربيًا ممتازًا.
وكانت المدرسة كليةً تدرس فيها آداب العربية، واللغات الأجنبية, وخاصة الفرنسية والتركية والفارسية، ثم الإيطالية والإنجليزية، وعلوم التاريخ، والجغرافية، والشريعة الإسلامية, والشرائع الأجنبية، فكانت أسبه شيء بكلية للآداب والحقوق مجتمعتين, وكان نهج المدرسة علميًّا ومفيدًا، فلم يكن دروسًا تكتب في دفاتر وتهمل، بل يمرن الطلبة على الترجمة في كتب نافعة، فإذا استغلقت عليهم جملةً لجئوا إلى شيخهم يذللها لهم، ثم عرضوا ما ترجموا على أستاذ اللغة العربية يصحح لهم لغتهم، وخاصةً الشيخ محمد قطة العدوي، فقد كان ساعده الأيمن في هذه المدرسة، لما رُزِقَه من موهبةٍ جليلة في التدريس بلغة سهلة، وعبارةٍ فصيحةٍ, وقدرةٍ على تصحيح عبارات الطلبة فيما يترجمون، فإذا

(1/29)

أتموا الكتاب, أو الكتب, رُوجِعَتْ, ثم قُدِّمَت إلى المطبعة لتطبع، فتكون أثرًا خالدًا(9).
وأحيل على رفاعة بك مع إدارة المدرسة إدارة عدة معاهد: المدرسة التجهيزية، ومعهد الفقه والشريعة الإسلامية، ومعهد المحاسبة، ومدرسة الإدارة الإفرنجية، والتفتيش على مدارس الأقاليم، وتحرير الوقائع المصرية، وبعد سنواتٍ تخرجت الدفعة الأولى في مدرسة الألسن؛ فتلقفتهم مصالح الدولة المختلفة, وابتدءوا يفيضون وأستاذهم على مصر من بحور الغرب وكنوز ثقافته, ما كان دعامة لنهضتنا الحالية.
ظلَّ الشيخ سبعة عشرًا عامًا وهو دائب في عمله لا يمل ولا يكل، وفي كلِّ آونةٍ يضاف إليه عمل جديد يتقبله بصدرٍ رحبٍ وعزيمةٍ قويةٍ، وكلما زاد اجتهاده ونتاجه زاده أولو الأمر مكافأةً وتقديرًا؛ فمنحه محمد عأتموا الكتاب, أو الكتب, رُوجِعَتْ, ثم قُدِّمَت إلى المطبعة لتطبع، فتكون أثرًا خالدًا1.
وأحيل على رفاعة بك مع إدارة المدرسة إدارة عدة معاهد: المدرسة التجهيزية، ومعهد الفقه والشريعة الإسلامية، ومعهد المحاسبة، ومدرسة الإدارة الإفرنجية، والتفتيش على مدارس الأقاليم، وتحرير الوقائع المصرية، وبعد سنواتٍ تخرجت الدفعة الأولى في مدرسة الألسن؛ فتلقفتهم مصالح الدولة المختلفة, وابتدءوا يفيضون وأستاذهم على مصر من بحور الغرب وكنوز ثقافته, ما كان دعامة لنهضتنا الحالية.
ظلَّ الشيخ سبعة عشرًا عامًا وهو دائب في عمله لا يمل ولا يكل، وفي كلِّ آونةٍ يضاف إليه عمل جديد يتقبله بصدرٍ رحبٍ وعزيمةٍ قويةٍ، وكلما زاد اجتهاده ونتاجه زاده أولو الأمر مكافأةً وتقديرًا؛ فمنحه محمد علي رتبة "أميرالاي" و 1300 قرش في الشهر، و350 فدانًا في طهطا, ولكن الدنيا لا تدوم على حالٍ، فما أن مات محمد علي، وتولَّى عباس الأول الحكم, حتى أغلق المدارس جميعها إلّا القليل، وألغى مدرسة الألسن والشيخ رفاعة معها، بحجة الاقتصاد في النفقات، ولأن حاشية السوء لما رأت ميل الوالي إلى محاربة التعليم والعلماء خاضوا في الشيخ رفاعة وطريقته, ورموه بالعقم، فنفاه عباس الأول إلى السودان تحت ستار إنشاء مدرسة ابتدائية هناك, وتعيينه ناظرًا لها، ومعه طائفةٌ من أكابر العلماء.
ولم تكن الخرطوم كما هي اليوم في نظافتها ومبانيها، وتوفر وسائل العيش بها، وإنما كانت مدينةً صغيرةً تصعب الحياة فيها على من ألف حياة باريس والقاهرة، وعلى كل من يشرف على التعليم كله بمصر، فإذا هو يشرف على مدرسةٍ ابتدائيةٍ صغيرةٍ بالخرطوم.


ولم تكن الخرطوم كما هي اليوم في نظافتها ومبانيها، وتوفر وسائل العيش بها، وإنما كانت مدينةً صغيرةً تصعب الحياة فيها على من ألف حياة باريس والقاهرة، وعلى كل من يشرف على التعليم كله بمصر، فإذا هو يشرف على مدرسةٍ ابتدائيةٍ صغيرةٍ بالخرطوم(10).
(1/30)

وحَزَّ في نفس الشيخ أن يجازى على إحسانه بالإساءة, وأن يطعن الجاهلون في صلاح وطريقته, وقد أينعت وآتت أكلها شيهًّا لذيذًا، يزيد في نماء البلاد العقليّ، ونهضتها نحو الكمال، وأخذ يستغيث ويندب حظه، والموت يخطف أعوانه كل يومٍ حتى لم يبق إلّا نصفهم, وكان يستغيث أولًا بمن يأنس منهم روح الجد والعمل لخير مصر، حتى إذا عجز هؤلاء عن إغاثته, لجأ إلى أولياء الله الصالحين, وأنبيائه المطهرين، ومن قصيدةٍ له أرسلها إلى حسن باشا كتخدا مصر(11).
مهازيل الفضائل خادعوني ... وهل في حربهم يكبو جوادي
وزخرف قولهم إذا موهوه ... على تزييفه نادى المنادي
قياس مدارسي -قالوا- عقيم ... بمصر فما النتيجة من بعادي
ثم يذكر أشهر مترجماته ومؤلفاته فيقول:
على عدد التواتر معرباتي ... تفي بفنون سلمٍ أو جهاد
وملطبرون يشهد وهو عدل ... ومنتسكو يقر بلا تمادي
ومغترفو قراح فرات درسي ... قد اقترحوا سقاية كل صادي
ولاح لسان باريس كشمس ... بقاهرة المعز على عمادي
ويزفر زفرة حارةً على ما صار إليه أمره, وعلى بعده عن أولاده وأهله فيقول:
رحلت بصفة المغبون عنها ... وفضلي في سواها في المزاد
وما السودان قط مقام مثلي ... ولاسلماي فيه ولا سعادي
وقد فارقت أطفالًا صغارًا ... بطهطا دون عودي واعتيادي
أفكر فيهمو سرًّا وجهرًا ... ولا سمري يطيب ولا رقادي
أريد وصالهم والدهر يأبى ... مواصلتي ويطمع في عنادي
(1/31)

وهذه القصيدة على وزن وقافية:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
وحين يئس من مثل هذه الاستغاثات، أخذ يخمس قصيدة لسيدي عبد الرحيم البرعي في مدح النبيّ -عليه السلام, مطلعها:
حل الغرام لصب دمعه دمه ... حيران توجده الذكرى وتعدمه
ويقول فيها:
"
رفاعة" يشتكي من عصبة سخرت ... لما أتى أبحر العرفان قد زخرت
فارفع ظلامة نفس عدلك ادخرت ... وهاك جوهر أبيات بك افتخرت
جاءت إليك بخط الذنب ترقمه
وظل الشيخ في منفاه أربع سنوات، وكان رفاعة وهو في السودان برمًا بقمامه ومصيره، ولكن رأيه في السودان حين هدأت ثائرته، وعاد إلى وطنه، يدل على بصيرةٍ وحكمةٍ، وفي ذلك يقول: "فمتى زالت من السودان وسائل الوخامة والسقامة, ودخلت أهاليها بحسن الإدارة في دائرة الاستقامة، صارت هي والديار المصرية في العمار كالتوأمين، وفي إيناع الأثمار صنوين، حتى ينشد لسان حالهما:
نحن غصنان ضمنا الوجد جميـ ... عًا في الحب ضم النطاق
في جبين الزمان منك ومني ... غرة كوكبية النفلاق(12)
(1/32)

ولم يعد لمصر إلّا بعد أن توفي عباس, وتولى سعيد أريكة مصر؛ فعينه وكيلًا للكلية الحربية، ثم ناظرًا لها، ومديرًا لمدرسة الهندسة، ومدرسة العمارة، مع الاحتفاظ برئاسة قلم الترجمة، بيد أن هذه المدارس جميعها ألغيت في سنة 1860، كما ألغي قلم الترجمة، فظل الشيخ بدون منصبٍ حتى عهد إسماعيل، حين هبَّت على العلم والتعليم نسمةٌ من الحياة فبعثته قويًّا فتيًّا، وأعيد قلم الترجمة بنظارة المعارف العمومية, وتولى رئاسته من جديد رفاعة بك سنة 1863، وعُيِّنَ عضوًا في مجلس المعارف الأعلى, الذي كان يعرف حينذاك بـ "قومسيون المدارس" وكان لهذا المجلس فضلٌ كبيرٌ في تنظيم التعليم، على عهد إسماعيل.
رفاعة والقانون:
حينما فكرت الحكومة في إصلاح نظام القضاء على عهد إسماعيل, رأت أن تبدأ بترجمة القوانين الفرنسية المعروفة بـ "الكود" وهو قانون نابليون، وكانت هذه مهمة عسيرة, تتطلب إلمامًا واسعًا بالقوانين الفرنسية، وأحكام الشريعة الإسلامية, لاختيار المصطلحات الفقهية المطابقة لمثيلاتها في القانون الفرنسيّ، هذا كله يحتاج إلى صبرٍ طويلٍ, ومثابرةٍ وهمةٍ.
ولم تجد الحكومة خيرًا من رفاعة وتلاميذه، ليقوم بهذه المهمة الجليلة، فقام بهذا العمل مع بعض من نجباء خريجي مدرسة الألسن، وأخرجوه في مجلدين كبيرين.
رفاعة والمرأة:
وهو أول من نادى بتعليم المرأة وتثقيفها، ووضع كتابًا مشتركًا لتثقيف البنات والبنين على السواء، وسماه: "المرشد الأمين للبنات والبنين" وهو كتاب في الأخلاق والتربية والآداب.

(1/33)

بل دعا إلى اشتراك المرأة في أعمال الرجال على قدر طاقتها، ويقول في هذا: "ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معًا.. فتتعلم البنات القراءة والكتابة والحساب ونحو ذلك، فإن هذه مما يزيدهن أدبًا وعقلًا, ويجعلهن بالمعارف أهلًا, ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي؛ فيتعظمن في قلوبهم ويعظم مقامهن، وليمكن للمرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال على قدر قوتها وطاقتها، فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة؛ فإن فراغ أيديهن عن العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل، وقلوبهن بالأهواء، وافتعال الأقاويل، فالفعل يصون المرأة عَمَّا لا يليق، ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومةً في حق الرجال, فهي مذمةٌ عظيمةٌ في حق النساء" وقد طبع كتابه هذا في سنة 1872، وأسست أول مدرسة لتعليم البنات في مصر سنة 1873، أسستها إحدى زوجات إسماعيل، على أن دعوة رفاعة إلى تعليم المرأة والنهوض بها ترجع إلى ما قبل هذا بكثير، ولكن لم يستجب لدعوته من يلبيها ويعمل على تنفيذها.
وفاته:
ظل هذا العالم الجليل يدأب ويجد في نشر الثقافة وفتح أبواب العلم والنور للأمة المصرية، حتى توفي سنة 1290 هـ 1873م, وله من العمر 75 سنة.
وقد بقي تلاميذه من بعده, وطريقته التي استَنَّها, وكتبه التي ألفها وترجمها, تهيب بالأمة أن تسير على سنته، وأن تنقل من آثار الغرب ما يزيل صدأ السنين عن عقول طالت غفلتها.
صفاته:
كان رفاعة عربيُّ الصفات، يتمثل فيه الكرم والجرأة والحزم، وتفرس الأمور، أخصّ مزاياه الشمم والإباء، واعتداده بنفسه, وصراحته عند مجابهة أولي الأمر بما ينفع وطنه.

(1/34)

وكانت له أفكار تخشاها الأسرة الحاكمة، وقد صرح بها في مواطن كثيرة من كتبه، فكان يدعو إلى العدالة الاجتماعية، وألّا يستبد مالك الأرض بزراعتها، فزارعها هو في حقيقة الأمر أولى الناس للانتفاع بها، وكان يلمح تلميحات -لا تخفى على ذوي الفطن- إلى استبداد أسرة محمد علي وحاشيته، ويدعو إلى الشورى وغير ذلك مما يرتئيه الرجل المصلح العامر القلب بالإيمان, والعقل بالأفكار النيرة، ولعل هذه الصفات تفسر لنا تأخر رفاعة في سلم الترقي الحكومي ونيل الألقاب، بينهما قد سبقه بعض تلاميذه في هذا المضمار, وكان يمثل أخلاق العلماء ببعده عن مظاهر الخيلاء والغرور، بل كان زاهدًا جوادًا، متواضعًا، محبًا للخير، وكان يتقد وطنيةً وغيرةً على بلاده، وله في ذلك كثير من الأشعار الحماسية, يشيد فيها بمصر وعظمة جيشها، ومن هذا قوله يخاطب الجنود:
يا أيها الجنود ... والقادة الأسود
إنْ أمَّكم حسود ... يعود هامي المدمع
فكم لكم حروب ... بنصركم تئوب
لم تثنكم خطوب ... ولا اقتحام معمع
وكم شهدتم من وغى ... وكم هزمتم من بغى
فمن تعدى وطغى ... على حماكم يصرع
وتتجلى روحه الوطنية في ترجمة نشيد فرنسا القوميّ "المارسليز"، لأنه أحبه, وهاج عاطفته، وكان يكثر من عباراته الوطنية وخدمة الوطن في مؤلفاته.
وفي الوطن يقول: "الوطن هو عش الإنسان الذي فيه درج، ومنه خرج، ومجمع أسرته، ومقطع سرته، وهو البلد الذي نشأته تربته، وغذاه هواؤه، ورباه نسيمه، وحلت عنه التمائم فيه(13)".
(1/35)

ويقول عن مصر في زهوٍ وإعجابٍ:
"
ولا يشكُّ أحدٌ أن مصر وطنٌ شريفٌ، إن لم نقل: إنها أشراف الأمكنة، فهي أرض الشرف والمجد في القديم والحديث، وكم ورد في فضلها من آياتٍ بيناتٍ، وآثار وحديث، فما كأنها إلّا صورة جنة الخلد، منقوشة في عرض الأرض، بيد الحكمة الإلهية التي جمعت محاسن الدنيا فيها، حتى تكاد أن تكون صورتها في أرجائها ونواحيها, بلدة معشوقة السكنى، رحبة المثوى ... إلخ"(14).
ويقول عن واجب الفرد نحو وطنه في كتابه "المرشد الأمين" كذلك:
"
فالوطنيّ المخلص في حب الوطن، يفدي وطنه بجميع منافع نفسه، ويخدمه ويبذل جميع ما يملك، ويدفع عنه كل ما تعرض له بضرر، كما يدفع الوالد عن ولده الشر, فينبغي أن تكون نية أبناء الوطن دائمًا متوجهة في حق وطنهم إلى الفضيلة والشرف، ولا يرتكبون شيئًا مما يخلُّ بحقوق أوطانهم، فيكون ميلهم إلى ما فيه النفع والصلاح، كما أن الوطن نفسه يحمي ابنه من جميع ما يضر به"(15).
وتلك لعمري نغمة جديدة لم يألفها الشرق العربيّ بعامة، ومصر بخاصةٍ؛ لأن الوطن عندهم لم يكن محدود المعالم، فكل بلاد الإسلام بلادهم، يدينون بالولاء للخليفة، ولم يكن يعنيهم من أمر أوطانهم والفناء في سبيلها شيء.
كانت هذه النغمة، وذلك الحديث عن الوطن, وواجب المواطن, أول لبنة في بناء الأدب القوميّ المصريّ الحديث, جعلت أنظار الأدباء فيما بعد يعنون بهذا الوطن، ويتملون جماله، ويعبرون عن آلام أهله وأمانيهم، وإن لم يحدث ذلك سريعًا لانتشار الأمية, وقيام معوقاتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ كثيرةٍ، وحسب رفاعة أنه سبق زمانه، وتحدث حديثًا عن الوطن تخاله لجدته قد قيل في أيامنا هذه.
(1/36)

وكان بجانب هذا أديبًا، وشاعرًا رقيقًا إذا قيس بأهل عصره، ويدل على ذلك ما روي من أن السفينة التي أقلته إلى أوربا ظلت خمسة أيام بجزيرة صقلية تتزود من الماء والخضر، ولم يسترع انتباه الشيخ بمجامع قبله إلّا دق نواقيس الكنائس.
وفي إحدى الليالي دعا صديقًا من أصدقائه من أعضاء البعثة, ممن يعرف فيه الظرف والأدب، واقتراح عليه أن يشتركا في إنشاء مقامة على غرار مقامات البديع أو الحريري، ويكون موضوعها ثلاثة أشياء: حوار حول: "أن الطبيعة السليمة تميل إلى استحسان الذات الجميلة مع العفاف"، "سكر المحب من عيني محبوبه"، ثم "تأثر النفوس بضرب الناقوس" إذا كان من يضربه ظريفًا, وأخذ ينشيء الشعر في مقاماته حول هذه المعاني، فقال في المعنى الأول:
أصبو إلي كل ذي جمال ... ولست من صبوتي أخاف
وليس لي في الهوى ارتياب ... وإنما شيمتي العفاف
وقال في المعنى الثاني:
قد قلت لمَّا بدا والكأس في يده ... وجوهر الخمر فيها شبه خديه
حسبي نزاهة طرفي في محاسنه ... ونشوتي من معاني سحر عينيه
وفي المعنى الثالث:
مذ جاء يضرب بالناقوس قلت له: ... من علم الظبي ضربًا بالنواقيس
وقلت للنفس أي الضرب يؤلمك ... ضرب النواقيس أم ضرب النوى قيسي
ومما يدل على هذا المزاج الأدبيّ ترجمته لبعض الشعر الفرنسيّ، وتأليفه كتاب "تعريب الأمثال في تأديب الأطفال"، وترجمته رثاء فولتير الشاعر للويس الرابع عشر، الذي يقول فيه:

(1/37)

"ولم يتول قبله ملك من تلك العصابة، ولا ساواه غيره في تربية الرعية بهذه المثابة، فالفخار شعاره، والمجد دثاره، وكان أحظى الملوك باكتساب الطاعة من رعاياه والانقياد، كما كان أعظمهم في الهيبة عن الأخدان والأضداد، وربما كان دونهم في مثل الرعية إليه، ومحبتهم له بانعطاف القلوب عليه، فطالما رأيناه تتقلب عليه صروف الزمان، وتتلاعب به حوادث الحدثان، وهو عند النصرة يظهر الفخار، ويتجلد عند الهزيمة، ولا يظهر بمظهر الذل والانكسار، فقد أرهب عنده عشرين أمة عليه تعصبت، وعلى قتاله تحالفت وتحزبت، وبالجملة فهو أعظم الملوك في حياته، وكما كان عظيم العبرة عند مماته(16)".
وترجمة رفاعة لتليماك تدل على اتجاهه الحديث في الأدب، فتليماك رواية فرنسية اسمها: Les Aventure de Telemaque كتبها قسيس فرنسيّ يُدْعَى فنلون Fenelon وقد سمى رفاعة الرواية "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك" ولعل الأدب العربي الحديث لم يعرف روايةً فرنسيةً ترجمت قبل تليماك، ولقد أراد رفاعة أن يوجه أذهان الناشئة إلى أهمية القصة في الأدب، وأنها لونٌ من ألوانه, لم يعبأ به العرب من قبل، وأنها ستكون جليلة الشأن في التربية.
ويقول رفاعة عن كتابه تليماك الذي ترجمه وهو في السودان: "إن تعريب تليماك، بكل من في حماك، أو ليس إنه مشتمل على الحكايات النفائس، وفي ممالك أوربا وغيرها عليه مدار التعليم في المكاتب والمدارس، فإنه دون كل كتاب، مشحون بأركان الآداب، ومشتمل على ما به كسب أخلاق النفوس الملكية، وتدبير السياسات الملكية"(17).
ومن هذه الأمثلة وغيرها مما مَرَّ بك, ترى أن رفاعة قد حمل لواء النهضة الجديدة في الأدب، وأنه جدد في أغراضه، كما جدد في أسلوبه، وإن لم يتخلص جملة من كل تلك القيود القديمة، والزخارف اللفظية، ورفاعة لم يكن ذلك الشاعر الفحل، ولكنه كان أديبًا سلمت له بعض الأبيات التي تدل على ذوق سليم، وتدل على أنها تباشير الشعر الجديد.
(1/38)

ولم يكن رفاعة يفتخر بالشعر، ويعده من بضاعته الجيدة.
وما نظم القريض برأس مالي ... ولا سندي أراه ولا سنادي(18)
وإن برع في نظم الأناشيد الوطنية من مثل قوله:
يا حزبنا قم بنا نسود ... فنحن في حربنا أسود
عند اللقا بأسنا شديد ... هام عدانا لنا حصيد
حامي حمى مصرنا سعيد ... في عصره مجدنا يعود
بجنده المجند وسيفه المهند ... ونصره المؤيد وعزه المشيد
في عصره مجدنا يعود

 

(1/39)

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قاسميّ: نسبة إلى أجداده أبي القاسم الحسين, وهو من أولياء طهطا المشهورين، راجع في نسبه الخطط التوفيقة لعلي مبارك ج13, ص51-56.
(2) في رسالته "حلية الزمن بمناقب خادم الوطن" وهي ترجمة حياة رفاعة بك، كتبها صالح مجدي أحد تلاميذه.

(3) الخطط التوفيقية ج13 ص54.
(4) ولد بباريس سنة 1758, وتوفي سنة 1838, راجع آثاره وخدماته للأدب العربيّ في كتاب "المستشرقون" لنجيب العفيفي ص37.
(5) ولد سنة 1759, وتوفي سنة 1853, راجع "المستشرقون" ص26.

(6) ومن ذلك تعليقه على موقف الملك "شارل" المباشر لمَّا قامت الثورة في باريس قال: "فلما اشتد الأمر وعلم الملك بذلك وهو خارج, فأمر بجعل المدينة محاصرة حكمًا, وجعل قائد العسرك أميرًا من أعداء الفرنساوية، مشهورًا عندهم بالخيانة لمذهب الحرية، مع أن هذا خلاف الكياسة والسياسة والرياسة، فقد دلهَّم هذا على أن الملك ليس جليل الرأي، فإنه لو كان كذلك لأظهر أمارات العفو والسماح، فإن عفو الملك أبقى للمُلْكِ، ولما ولي على عساكره إلّا جماعة عقلاء أحبابًا له وللرعية، غير مبغوضين ولا أعداء، مع أن استصلاح العدو أحزم من استهلاكه، ويحسن قول بعضهم:
عليك بالحلم وبالحياء ... والرفق بالمذنب والإغضاء
إن لم تقل عثرة من يقال ... يوشك أن يصيبك الجهال
(7) تخليص الإبريز, ص154.

 

(8) المصدر السابق ص97.

(9)يقول أحمد عبيد مترجم كتاب "الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر" "كانت تحت إرشاد مدير مدرسة الألسن السيد رفاعة، فأجاد تربيتي كغيري حتى حسن حالي، واجتهادي في نيل المعالي بين أمثالي، واقتضى رأيه المؤيد, وحزمه المعضد، أن أترجم كتابًا من كتب التاريخ؛ فاختار ملكًا من ملوك الإفرنج, تعلو همته على المريخ، وهو كتاب بطرس الأكبر، وفضله أشهر من أن يذكر، لمؤلفه الشهير المسمى: "فولتير" الذي يعد بين أكابرهم أعظم حجة، وإن كان عن الأديان بعيد المحجة، فجاء التعريب بحمد الله على أحسن حالٍ، وأتَمَّ منوالٍ، وقد شرعت في نقله من الفرنسية إلى العربية, مع إعانته لي في حل مشكلاته، وما عسر عَلَيَّ من

غوامضه ومعضلاته، وقد صرفت في ترجمته على صعوبته الهمة، وسهرت في مطالعته وفهمه الليالي المدلهمة ... إلخ".
لي رتبة "أميرالاي" و 1300 قرش في الشهر، و350 فدانًا في طهطا, ولكن الدنيا لا تدوم على حالٍ، فما أن مات محمد علي، وتولَّى عباس الأول الحكم, حتى أغلق المدارس جميعها إلّا القليل، وألغى مدرسة الألسن والشيخ رفاعة معها، بحجة الاقتصاد في النفقات، ولأن حاشية السوء لما رأت ميل الوالي إلى محاربة التعليم والعلماء خاضوا في الشيخ رفاعة وطريقته, ورموه بالعقم، فنفاه عباس الأول إلى السودان تحت ستار إنشاء مدرسة ابتدائية هناك, وتعيينه ناظرًا لها، ومعه طائفةٌ من أكابر العلماء.

(10) يقول أحمد عبيد مترجم كتاب "الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر" "كانت تحت إرشاد مدير مدرسة الألسن السيد رفاعة، فأجاد تربيتي كغيري حتى حسن حالي، واجتهادي في نيل المعالي بين أمثالي، واقتضى رأيه المؤيد, وحزمه المعضد، أن أترجم كتابًا من كتب التاريخ؛ فاختار ملكًا من ملوك الإفرنج, تعلو همته على المريخ، وهو كتاب بطرس الأكبر، وفضله أشهر من أن يذكر، لمؤلفه الشهير المسمى: "فولتير" الذي يعد بين أكابرهم أعظم حجة، وإن كان عن الأديان بعيد المحجة، فجاء التعريب بحمد الله على أحسن حالٍ، وأتَمَّ منوالٍ، وقد شرعت في نقله من الفرنسية إلى العربية, مع إعانته لي في حل مشكلاته، وما عسر عَلَيَّ من غوامضه ومعضلاته، وقد صرفت في ترجمته على صعوبته الهمة، وسهرت في

مطالعته وفهمه الليالي المدلهمة ... إلخ".

(11) مباهج الألباب المصرية, ص265-268.

(12)مباهج الألباب المصرية, ص263.

(13) المرشد الأمين, ص90.

(14) نفس المرجع, ص31.
(15)نفس المرجع, ص93 وما بعدها.

(16)مناهج الألباب المصرية, ص220.
(17) مواقع الأفلاك, ص24.

(18) مباهج الألباب, ص 269.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.


قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات