المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 5816 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


خديجة في حياة النبي  
  
1884   02:19 صباحاً   التاريخ: 20-9-2019
المؤلف : الشهيدة بنت الهدى
الكتاب أو المصدر : المرأة مع النبي «صلى الله عليه وآله» في حياته وشريعته
الجزء والصفحة : ص10- 38
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /

نِساءٌ في حياةِ النبي

كان عصرَ الظلام، وإن كان لها عصرَ النور، وكان عصرَ الجهل، وإن كانت فيه أعرفَ ما تكون. كان عصر الوحشية البغيضة ولكنها كانت مثالاً للإنسانية الكاملة. فهي عقيلة خيرة شباب عصره عبد الله بن عبد المطلب، ومن الذي ينكر عبد الله أو ينكر من فضله شيئاً، وهو حلم عذارى قريش ومرمى آمال الفتيات، وقد تخيرها هي دون سواها لتكون له زوجاً ولنسله أماً، فمن أجدر من آمنة بنت وهب وهي المنحدرة من أعرق الأسر، والمتقلبة في أعز أحضان، أن تحتل هذه المكانة الفذة.

نعم كانت صاحبتنا هذه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب، وقد جلست إلى ظل شجرة وارفة الظلال لتستعيد ذكرى أيام عذاب وسويعات هناء وصفاء، وتنصت إلى صدى الزمن الفائت، وهو يتردد في أعماقها كأروع ما يكون الصدى، وتستمد من ذكرى حبيبها الغائب رصيداً من الشجاعة يساعدها على مُرِّ الفراق، فأنى لها الآن بذلك الزوج البار الذي فارقته مرغمة وفارقها مرغماً أيضاً، وما أحوجها إليه في أيامها هذه التي توشك أن تستقبل فيها قادماً جديداً ووليداً عزيزاً... ما أحوجها إلى ذلك الحبيب الغائب ليهدهدها بحنانه ويشاركها آمالها وأمانيها وينتظر معها إبنهما البكر، فها هي تكاد تستمع إلى دقات قلب جنينها الغالي وهي سعيدة لذلك لولا سحابة من ألم ظللت سعادتها لبعد الأب الحبيب ولكنها تعود لتقول عسى أن يكون اللقاء قريباً، وهي تأمل أن يصلها خبر قدوم الغائب المنتظر في غضون هذه الأيام.

فعبد الله كما لا تشك آمنة لحظة سوف لا يألو جهداً في الإسراع بالرجوع، وسوف يبذل كل محاولة ممكنة لإنجاز مهمته في أسرع وقت، وقد خلف وراءه في مكة زوجة عروساً تحمل له في أحشائها جنيناً وتضم له في قلبها حباً وحنيناً، ولهذا فلا تشك آمنة في رغبة زوجها بالأوبة السريعة وفي أنه لن يماطل في سفره ولن يتقاعد عن اللحوق بأهله سريعاً مهما طاب له المقام في الخارج، فهي لا تنسى أبداً ساعة إذ أقبل إليها مودعاً، وقد أوشكت القافلة على المسير.

وهي لا تنسى أبداً أيضاً تلك الخطوط العريضة الواضحة من الحب والعطف، وهي مرسومة على وجهه المشرق المضيء، ولا تنسى أبداً كيف أنه مكث معها، وكأنه لا يريد أن ينصرف، أو كأنه لا يتمكن من الإنصراف حتى أنتزعه إخوته من أمامها أنتزاعاً، وهم يهونون عليه مدة البعد، ويمزحون معه ويتضاحكون وهي لا تنسى أيضاً كيف أنه كان يلتفت نحوها، وهو سائر إلى حيث تنتظره العير.

وفي كل لفتة من لفتاته كانت تقرأ معنى من معاني الحب حين يلتهب، ويشد إنساناً إلى إنسان. كان زوجها المسافر يحس بأنه مخلّف وراءه شيئاً لم يسبق لغيره من المسافرين أن خلّف مثله...

وكان يشعر أن آمنة وهي تحمل له جنينه الغالي، قد بدت لعينيه في تلك اللمحات داخل إطار من نور مقدس، ووسط هالة من الإشعاع السماوي، ولكنه كان مضطراً إلى السفر فسافر وهو على أمل لقاء قريب.

وهكذا تستمر آمنة بنت وهب سارحة مع أفكارها وأحلامها، وتستمر أفكارها وأحلامها معها أيضاً، عنيفة بها مرة، ورفيقة بها أخرى حتى تنتزعها من انطلاقتها الحلمية.

تلك أصوات غريبة وصلت إلى سمعها من صحن الدار، وحركة غير طبيعية أخذت تدب في أرجاء البيت فتهتز لهذه الظاهرة الجديدة لحظة، ويخامرها قليل من أمل وتساورها لمحة من رجاء.

ماذا لو كان الحبيب الغائب قد عاد هو ومن صحبه من الإخوان، وماذا لو كان ما تسمع رجع صدى قدومهم على غير ميعاد.

ماذا لو كان عبد الله قد اختصر المدة ورجع إلى أهله وإليها، وإلى جنينها الحبيب، ثمّ تنهض متعجلة وهي بين اليأس والرجاء وتذهب متلهفة الخطى وقلبها يكاد يسبقها في المسير، وتذهب لتسأل عن الخبر اليقين، وتلقى سؤالها بصوت كأنه حشرجة روح...

ماذا هل قدم عبد الله!؟..

فهي تشعر أن هناك واردين جُدُداً، وهي تحس أن الدار ليست على هدوئها الاعتيادي، ولكنها لا ترى عبد الله. وكانت تتوقع أن تبصر به قبل السؤال، ولكنها حينما لم تر عبد الله، وحينما وثقت من قدوم المسافرين الذين صحبوا زوجها في السفر انبعثت آهاتها كلمات سألت فيها عن عبد الله، وتسمع الجواب وهي لا تكاد تفهم منه إلاّ القليل فقد أذهلتها الصدمة، وشلت حواسها المحنة التي شعرت بها قبل أن تسمعها وعرفتها بدون أن تخبر بواقعها وكان الجواب.. لا لم يجئ عبد الله ولكنهم الآخرون، فتعود تسأل وهي لا تعلم أنها تسأل وتستفهم وهي في غنىً عن الاستفهام. إذن فأين عبد الله وما الذي قعد به عن متابعتهم في السير... فيقال لها: أنه مريض وقد أفاء إلى قوم في منتصف الطريق يستضيفونه حتى يقوى على السفر وهي تسمع الجواب وتفهم منه غير الذي قيل فتنطلق روحها من فمها إلى كلمات مرة وتقول:

آه من لي بعبد الله ومن لوليدي بأبيه. وهكذا. تتلاشى أحلام آمنة وينهار صرح امانيها فنراها وقد تسربلت بأبراد العزاء بعد أن انطفأت شعلة السعاة المتوهجة في صباها الريان فهي رابضة بعيداً عن اللدات والرفيقات.. منصرفة عن الدنيا وما فيها من مباهج.. عاكفة على آلامها الممضة، منطوية تحت سماء الحزن القاتم وفي إطار من الألم المرير.. فهي لا تحيى إلاّ للذكرى ولا تعيش إلاّ على حطام السعادة المفقودة بعد أن افترقت عن رفيق دربها السعيد، وأصبحت وهي الزهرة الناظرة رهينة الثكل الممض والحزن القاتل. فآمنة كادت بعد فجيعتها بعبد الله أن تزهد في الحياة فما عادت تشعر للحياة معنى وهي خلو من عبد الله، وعبد الله كان لها الحياة الروحية بكل معاني الحياة، ولكن بارقة من أمل وشعور لا إرادي أخذ يشدها للحياة التي أنكرتها، وأخذ يشعرها بوجودها حية مع الأحياء، ويذكرها أنها لم تمت يوم مات عبد الله، فقد أخذت تشعر أن عليها تجاه عبد الله واجباً يجب عليها أن تؤديه، وأن في أحشائها وديعة لفقيدها الغالي، لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تنساها، أو تتناساها. وأحست أن رسالتها بالنسبة لعبد الله لم تنته بعد، فما دام طفله معها فهي مسؤولة أن تعيش، ولهذا فقد أقامت على لوعة مريعة وألم ليس فوقه ألم، وما أكثر ما كانت تسترجع ذكرى أيامها مع الزوج الغالي وأيامها قبل أن يدخل حياتها وتدخل حياته، وكيف أنه أختارها هي دون سواها مع كثرة الإغراء الذي أحيط به من فتيات قريش، ولهذا فما أكثر ما حُسدت عليه وما أكثر ما اعتزت به وفرحت فلم يكن عبد الله بن عبد المطلب بالعريس الهين، فهو غصن بني هاشم، ومنار فتيان قريش فماذا لو لم يفرق الموت بينهما، وماذا لو تركهما يتذوقان الهناء، ولو إلى مدة قصيرة، وماذا لو أمهله الموت حتى يرى وليده العزيز، وماذا لو رحم الموت هذا الجنين الذي سوف يستقبل الدنيا أو تستقبله الدنيا، وهو يتيم وحيد، وهي لا تزال تذكر ساعة الوداع ولا تنسى وصايا عبد الله لها أن تحافظ على جنينها ما وسعها الحفاظ، ولكن أين هو الآن وقد آن للعزيز المنتظر أن تبصر عينه نور الحياة، وفعلاً فقد استقبلت الدنيا محمد بن عبد الله وهو يتيم يكفله جده وتحضنه أمه الثاكلة آمنة بنت وهب، وهي المرأة الأولى في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ثمّ تمضي الأيام تتبعها الأسابيع والشهور وآمنة عاكفة على وليدها الغالي تفديه بالنفس والنفيس حتى بلغ السن الذي يتحتم به عليها أن تدفع به إلى المراضع؛ فقد كان المفهوم السائد في ذلك العصر أن الطفل الذي ينمو في البادية ويترعرع في جوها الطلق يكون أشد عوداً، وأقوى عزيمة من الطفل الحضري، وعلى هذه القاعدة المتبعة دفعت به أمه إلى حليمة السعدية، وهكذا أصبحت حليمة المرأة الثانية في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رجعت حليمة وزوجها الى أحياء بني سعد، وهي تحمل معها طفلاً يتيماً لم تتمكن أن تحصل على غيره في الوقت الذي حصلت فيه باقي المرضعات على أطفال أغنياء استلمتهم من أيدي أبويهم محملين بالزاد والمال الوفير...

ومنذ أن ضمت ساعداها هذا اليتيم أحست أنه أصبح لها كل شيء وأحست أنها تود جادةً أن تصبح له كل شيء أيضاً، وما أن سافرت به حتى بدأت تتعشقه وتفنى فيه ولم يستقر بها المقام إلاّ وهي تشعر بأنها تحمل معها كنزاً ثميناً دونه الكنوز، وعرفت بدافع من أعماقها بأنها هي الرابحة الحقيقية دون سواها من المرضعات؛ وقد بدأت تلوح لها بوادر تؤيد عندها هذا الشعور فقد عمت البركة جميع الحي وتزايد الخير بالزاد والمال، وقد أفضت بما تراه لزوجها ونبهته إلى بوادر الخير التي أخذت تلوح لهم.

فقال لها: عسى أن يكون لهذا الغلام شأن وأوصاها بالعناية به والحرص عليه؛ ولكن حليمة لم تكن تحتاج الى أي توصية فقد أزدحمت في قلبها جميع عواطف الأمومة تجاه هذا الطفل الصغير، وتفجر في فؤادها ينبوع من الحنان لا يمكن له أن ينفد أبداً. وقد كانت تقدمه على أولادها، وتحله في أعلى منزلة من قلبها ورعايتها وبرها وكرمها. وقد اختلقت كثيراً من المعاذير والحجج لتتمكن من استبقائه عندها أكبر مدة ممكنة فما كانت تتمكن أن تنفصل عنه أو أن يفارق أحضانها ويبعد عن ساعديها، فقد كان بالنسبة لها ينبوعاً للخير والبركة والسعادة والهناء.

وكذلك كان محمد بن عبد الله أيضاً فهو يحبها ويركن اليها ويحترمها صغيراً وكبيراً، ويحفظ لها جميلها بكل احترام، وقد عاشرها سعيداً وفارقها غير قالٍ، ولا عاتب، وقد بقي يذكرها بالخير والاعزاز حتى بعد النبوة، فقد كان صلوات الله عليه يناديها بيا أمي، وإذا أقبلت اليه أفسح لها مجلساً إلى جواره، وقد يتفق أن يهوي على صدرها فيقبله وهو أكثر ما يكون براً بها وحدباً عليها..

ثمّ يرجع محمد بن عبد الله إلى كنف أمه وجده لكي يحظى برعاية الأم في أوائل صباه ولكي ينشأ في ظل جده وتوجيهاته. ولكن القدر سرعان ما يقف معه مرة أخرى لينتزع منه أمه، وهو لا يزال طفلاً طري العود.. يصحبها في سفرةٍ تقصد بها أخواله ومعهم وصيفتها الأمينة أم أيمن؛ وفي وسط الطريق، وبين أميال مترامية وصحراء لا متناهية يمد القدر يده لينتزع منه آخر ركيزة له في الحياة فتلحق العلة بأمه وينتزعها الموت من بين يديه.

ويعود محمد الصغير يتيماً مرة أخرى أو بعبارة أخري يتيماً مرتين ولا تمهله يد الزمن حتى تفقده جده البار الذي كان يعوضه بحنانه عن حنان الأبوة وبعطفه عن عطف الأمومة. وعند هذا يكفله عمه أبو طالب ويفتح له بيته وقلبه ويفسح له في مكانه وحنانه.

وتكفله فاطمة بنت اسد زوجة عمه الكريمة كأحسن ما تكون الكفالة. تحله في المحل الرفيع من قلبها ورعايتها وتمد له يد العون والحدب بكل ما تستطيع.

وفاطمة هي المرأة الثالثة في حياة الرسول العظيم فلم تكن تحس أن محمداً يختلف بقليل أو كثير عن أولادها الباقين، بل إنها كانت تحس بأن لمحمد شأناً يخوله أن يحتل الصدارة في قلبها، وعواطفها، وكانت تتابعه بعينها وهو ينمو إلى الشباب الزاهر، ثمّّ يكتمل شبابه ويغدو رجلاً ملء السمع والبصر.

كانت ترى فيه حصناً ورصيداً لها في مستقبل أيامها وكانت تستمد من وجوده العزيمة والمضاء. ولشد ما كانت تعتز بأن تراه وهو يحتضن وليدها الغالي علي فهي فخورة بهذا الاحتضان الروحي ومتفائلة به خيراً.

فمحمد هو أول شخص أبتسم له ابنها علي بعد اذ خرجت به من الكعبة، وهي تحمله بين ساعديها الحنونين، فهي لا تنسى أبداً أن علياً ولد في الكعبة وفي أشرف بقعة فيها، وها هو عليُّها العزيز، وقد أخذ ينمو ويترعرع تحت رعاية وتوجيهات ابن عمه الصادق الأمين محمد بن عبد الله ومحمد رسول الله أيضاً بعد إذ غدا شابا.

وفي أوج شبابه لم يكن لينسى لفاطمة بنت أسد حبها ولم يكن ليتنكر لحنانها مطلقاً، فهو لها كولدها في كل أدوار حياته وفي كل أحواله، وقد استخلص لنفسه ولدها علي بعد إذ عمت المجاعة في مكة.

وكان عمه أبو طالب كثير العيال مرهقاً بتكاليف العيش، وكان رسول الله قد استقل في ذلك الحين ببيته ومع زوجه خديجة ومنذ أن فتح لابن عمه بيته وقلبه لم يفترق عنه يوماً واحداً في كل الظروف والملابسات.

وكانت فاطمة بنت أسد ترى هذا الامتزاج العاطفي بين ابنها وابن عمه فتسر له، وتفرح فيه فهي تُكْبر محمداً وتعجب فيه وتعتمد عليه، وتركن إليه، وكان الاثنان يحلانها محل الأم لا فرق بين ابنها وابن عمه.

فقد جاء في الروايات أن الإمام علي بن أبي طالب لما أخبر رسول الله بوفاة أمه قال: إن أمي قد توفيت يا رسول الله، فيرد عليه رسول الله بل أمي أيضاً يا علي.. وناهيك عما تحمل هذه الكلمة من تسلية للإبن الفاقد أمه، وما تعطي للأمة من دروسٍ في الوفاء والإخلاص، وحفظ الجميل، وقد أعطاها ثوبه المبارك لتلف به مع كفنها كي يكون لها ستراً ومعاذاً، وجلس على قبرها بعد أن انفض الجمع، وأخذ يدعو لها ويسأل الله أن يجزيها عنه خيراً ويستعيد في فكره أيامها معه، إذ هو طفل صغير، وحنانها عليه حينما كان يتيماً وحيداً، ورعايتها له وهو شاب فتي. وأخيراً قام عن قبرها وهو حزين كئيب.

فقد كانت هي المرأة الثالثة التي دخلت في حياته صلوات الله عليه والتي نشأ في ظلال عواطفها إلى حين استقر به المطاف عند قرينته خديجة بنت خويلد.

خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وقد كانت سيدة نساء عصرها كمالاً وجمالاً ومكانة، وكرامة، فهي سليلة دوحُة ثابتة الفروع، وفرع شجرة عميقة الجذور، وقد عرفت بين قومها بسمو الروح وعلو الهمة وقوة الشخصية، وثبات الفكرة وصواب الرأي، وقد كانت مع كل هذه الثروات المعنوية والأدبية ثرية في مالها أيضاً، وقد كانت تفتش عمن تستودعه المال ليتاجر لها به على أن يكون أميناً صادقاً مخلصاً. فهي جادة في طلب ضالتها من بين شباب قريش وشيوخها، وبما أنها امرأة لا تتاح لها المراقبة الدقيقة كانت تحتاج إلى صاحب ثقة تتمكن أن تودعه مطمئنة مرتاحة.

ومحمد بن عبد الله كان يفتش بدوره أيضاً عمن يدفع له مالاً يتاجر له به. فهو وإن كان فتى قريش الأول ومحط أنظارهم جميعاً، ولكنه لم يكن ليستغني عما يحتاج إليه غيره من رجال قريش. ويسمع كما يسمع غيره أن خديجة بنت خويلد تفتش عمن يتاجر لها بمالها فيتقدم إليها عارضاً عليها استعداده للقيام بهذه المهمة.

وخديجة بنت خويلد تلاقي عرضه بالقبول بل بالرضاء، والاطمئنان فهي تعرف محمد بن عبد الله وتعرف عنه الكثير أيضاً، ولم يكن في مكة من لا يعرف محمداً الصادق الأمين.

فخديجة راضية لهذه الشركة ومتفائلة بها خيراً وتدفع له أموالها، وهي واثقة من أنها قد سلمتها ليد أمينة حريصة على أداء الأمانة، ولذلك فقد أخلدت إلى راحة نفسية عميقة وظلت تنتظر رجوع محمد بن عبد الله وغلامها ميسرة الذي أرسلته مع محمد، ورجع محمد ورجع معه ميسرة.

وكان صلوات الله عليه يحمل لها معه الربح الزاكي الوفير وتخلد خديجة بنت خويلد إلى غلامها ميسرة تسأله عمن رافق في السفر وتحلف عليه أن يشرح لها كل ما وجده منه وما رآه عليه، وهي على شبه يقين من أن غلامها سيقص عليها من أمر رفيقه عجباً، وغلامها مندفع يعدد لها مناقب محمد، ويصف لها حركاته وسكناته والإعجاز في سلوكه، وأسلوبه وكل شيء فيه، وهي منصتة له بقلبها وفكرها وبكل جارحة فيها تستزيده ولا تنكر من حديثه شيئاً، ولا تستغرب منه خبراً، فهي قد عرفت أن محمداً بن عبد الله رجل لا كالرجال وقد سمعت عنه ما جعلها على يقين من أن له في مستقبله شأناً سماوياً.

وخديجة في ذلك الحين امرأة في نهاية العقد الرابع من عمرها، وكانت قد تزوجت ومات عنها زوجها، وهي في ريعان الشباب.

خديجة بنت خويلد:

 وقد أثرت عليها شخصية محمد بن عبد الله، واستولت على أفكارها وأمانيها روحه السامية بكل ما فيها من معاني الكمال - تود من صميم قلبها أن تقرن به حياتها الثمينة، وأن تكون له كأروع ما تكون الزوجة الوفية المخلصة.

نعم خديجة بنت خويلد الغنية بمالها وجمالها وعزها، ومجدها تبعث الى محمد بن عبد الله الصادق الأمين وتطلب اليه الزواج حباً في شخصه، وتفانياً في روحه ونفسه.

وقد كان صلوات الله عليه في ذلك الحين شاباً في أواسّط العقد الثالث من عمره المبارك وهو يتمتع بكل معاني الكمال من الجمال والعزة والكرامة وسمو المكانة وعلو الرتبة وقوة الشخصية وقد كان يتمكن بسهولة أن يخطب له أي فتاة من فتيات قريش مهما علت بشأنها وجمالها.

فهو منار شباب قريش والمقدم عليهم في كل مضمار، ولكنه بدافع خفي وجد نفسه يندفع الى خديجة بنت خويلد السيدة التي تكبره بخمسة عشر سنة متجرداً عن العواطف الشهوانية، والأهواء المادية مترفعاً عن كل ما يصبو إليه غيره من متعة جسدية، وغايات رخيصة.

فهو كان يرى في الزواج شركة روحية مقدسة لا تطغو عليها المادة ولا تتحكم فيها النزعات الحيوانية.

فالزواج في نظر الرسول الأعظم امتزاج روحين، ووحدة هدف، وغاية وتعانق قلبين طاهرين قبل أن يكون صلة جسدية.

ومن أجدر من خديجة بنت خويلد بأن تحتل في قلب محمد وفي حياته مكان الصدارة، وفعلاً فقد دخلت خديجة في حياة رجلها الخالد كإمرأة رابعة، ولكنها لم تدخل في حياته وهو محمد بن عبد الله فحسب، بل وهو رسول الله وخاتم أنبيائه أيضاً.

وهكذا كانا مفترقين ثمّ جمعهما القدر السماوي دون أن يشعرا ليضم ثروة خديجة إلى دعوة محمد؛ وما أحوج الدعوة إلى رصيد تسلك به الطريق، وقد وجد كل منهما ضالته المنشودة في قرينه وصفيه، فخديجة بنت خويلد ربيبة الترف والدلال والمتقلبة في أحضان النعمة والثراء، تفنى في رجلها الحبيب الفقير وتتعرف في كل لحظة على معنى من معانيه، يزيدها فناءً فيه ويحبّب إليها ذلك الفناء.

ومحمد بن عبد الله أحسن رجال قريش شكلاً وأعرقهم أصلاً وأصدقهم لساناً وأقواهم جناناً وأذيعهم صيتاً وأعلاهم درجةً وهو في الخامسة والعشرين من عمره الشريف يخلص لزوجته الوفية خديجة وهي في الأربعين من عمرها المبارك. يخلص لها خلوص الزوج الواثق ويركن الى حنانها وعطفها ركون الإبن إلى أمه.

وخديجة هي رابعة امرأة دخلت في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أتراه كان نسي النساء الثلاث اللاتي تقدمنها...

أتراه قد أهمل ذكرهن أو تجاهل وجودهن في حياته الماضية؟

كلا؛ فإن محمداً بن عبد الله لم يكن من النمط الذي ينسى من أحبوه، أو يتجاهل ذكر من لم يتجاهلوه.

وما أكثر ما كان يسرح مع أفكاره في ساعات عزلته، ويرجع بها إلى الوراء إلى أيام حداثته، وصباه الأول، من عهد أمه آمنة إلى مرضعته حليمة، إلى زوجة عمه الكريمة فاطمة بنت أسد، ويقف معهن عند كل لمحة حب، أو لفتة عطف، ويدعو لهن بالرحمة والغفران. وكان يرى حياته الماضية، وكأنها شريط يتتابع ويتلاحق أمام عينيه بكل ما يحمل هذا الشريط من إكرام وآمال ومحن، ومصاعب.

ثمّ يعود ليستقر بأفكاره عند واقعه الحالي، ويُركِّز على خديجة هذه السيدة الطاهرة التي يحس بها كقوة خفية تشد ظهره، وتسند كيانه، وكأنه كان يعلم أنها سوف تقف معه، إذ لا واقف غيرها، وتصدقه حين لا مصدق سواها. وتمضي السنون تتلاحق، والأحداث تتابع ومحمد بن عبد الله هو وخديجة بنت خويلد يشقان طريقهما معاً في الحياة وقد ظللتهما سماء الحب وأحاطتهما يد الأخلاص والوفاء.

وكان صلوات الله عليه كثيراً ما يعتكف الساعات الطوال في غار حراء، يعتزل بها الدنيا بروحه وفكره، وجسده، ويروح يسبح في ملكوت السماوات.

وما أكثر ما كانت تستبطئه خديجة وتفتقد قدومه في وقته المعين، فتذهب بنفسها غير واثقة من أن تنيب عنها خادمه أو ترسل دونها رسولاً. تذهب لتفتش عنه في الأماكن التي تعلم أنه يزورها دائماً، وخصوصاً غار حراء.. فقد كان هو الخلوة المفضلة لدى رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقد كانت خديجة تحمل له بيدها الطعام والماء، ولا تذهب إلاّ للإطمئنان على سلامته، فقد كانت تشجعه على هذا الاعتكاف لثقتها من أن وراء هذه الخلوات رسالة مقدسة سوف يحملها بعلها الغالي.

ولذلك فلم تكن تتبرم لغيابه أو تعتب عليه وكانت تشعر بروحها وهي تذهب معه أينما ذهب، فهي معتكفة معه في الغار، وهي سارحة واياه في البراري والقفار،

{28}

فإن فاتها أن تسايره جسمياً فإنها لم تكن لتفارقه روحياً، وفكرياً.

وكانت تتابع حركاته وسكناته بعينها الساهرة الحنون وهي رفيقة به عطوفة عليه..

وفي أحد الأيام يدخل على خديجة زوجها المصطفى بعد أن كان قد أمضى في غار حراء الساعات الطوال، فتنشط لاستقباله هاشّة باشَّة ولكنها تنكر منه حاله ولونه وتنكر منه ما يبدو عليه من ضعف وإعياء، فهو شاحب اللون مجلل بالعرق، ويطلب إليها أن تدثره، وهو يرتعد. فتدثره خديجة وهي ملحاحة في التعرف إلى ما يخامره، فلم تعهد بمحمد ضعفاً، ولم يصدف لها أن رأت الأضطراب بادياً عليه كما تراه الآن وهي تعلم أن زوجها الحبيب لا يضعف، ولا يتخاذل لأي سبب مهما كان مؤثراً ومهما كان صعباً. ولذلك فهي تسأله في إصرار وإلحاح وهو يتهرب من الجواب ويماطل في الرد، ولكن خديجة الزوجة وخديجة الرفيقة والصديقة تأبى إلاّ أن تتعرف إلى حاله، وتفهم السبب كيما لا تتأخر عن موقفها الطبيعي في السير معه في كل مضمار، وإلى كل غاية.

وأخيراً يخبرها الرسول بما سمع ويشرح لها ما أحس ويقص عليها خبر الروح الذي فاجأه في غار حراء وقال له: إقرأ فيجيبه ما أنا بقارئ فيكررها عليه ثلاثاً، ويرد الجواب نفسه ثلاثاً أيضاً فيقول، الروح:

(إقرأ بأسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* إقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم)

صدق الله العظيم

وهنا تسأله خديجة وهي في نشوة روحية نشطة: ألم تسأله من أنت، ألم تسأله عن إسمه؟ فيجيبها صلوات الله عليه قائلاً: سمعته يقول: أنا جبرئيل جئت أبلغك رسالة ربك، ثمّ يردف، وكأنه يريد أن يبث خديجة ما يحس وأن يشاركها بأفكارها.

قال: لقد خشيت على نفسي.

فتجيبه رضوان الله عليها باندفاع وحماس.

كلا والله، ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة.

بهذه الكلمات البليغة الحكيمة ردت خديجة على زوجها مشجعة مصدقة، وكلها أطمئنان إلى صدق محمد بن عبد الله، ثمّ ينزل عليه الوحي ليأمره بأن ينذر وأن يبلغ ويدعو إلى رسالة السماء، وينهض رسول الله لكي ينذر وتنهض خديجة أيضاً تهب معه بكل طاقاتها وإمكانياتها المعنوية، والعاطفية، والمادية.

ومضت تواكب سيره المبارك في كل مضمار، وعندما خرج ليصلي في المسجد لأول مرة، وخرج معه إبن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كانت خديجة ثالثتهما في الصلاة لم تقعد بها خيفة ولم يثنها عن اندفاعها الإسلامي تردد أو شك فهي تعرف محمداً كما لا يعرفه غيرها من الناس، وتثق فيه ثقة مطلقة.

وهذه إحدى نواحي الإعجاز في النبي، فإن أكثر عباقرة التاريخ كانوا يعانون الأمرَّين من تصرفات زوجاتهم، وعدم تصديقهن بعبقريتهم، فإن الإنسان الاعتيادي مهما كان عبقرياً فذاً لا يمكن له أن يخلو من نقص، ونقاط ضعف إذا فرض فأمكن له أن يخفيها عن كل أحد لا يمكن له أن يخفيها عن زوجته التي هي أقرب الناس إليه، بالنسبة إلى رسول الله وزوجته خديجة انقلبت هذه القاعدة فأصبحت الزوجة أول مصدقة ومؤيدة لأنه صلوات الله عليه كان فوق مستوي غيره من الرجال مهما كانوا عباقرة وأفذاذاً، فكلما كان الشخص قريباً منه كان أكثر حباً له، وأكثر عقيدة، وأرسخ إيماناً برسالته، ودعوته.

فقد كانت عواطفه الإنسانية عامة شاملة لكل نواحي الحياة سيان في علاقاته الداخلية، أو الخارجية. حتى أنه كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه.

وإذا لقيه أحد فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده.

وكان أشد حياء من العذراء في خدرها.

وكان أصبر الناس على أقذار الناس. كان عطوفاً على كل ضعيف باراً بكل مسكين ما ضرب أحداً وما نهر خادماً قط.

وقد روي عن أنس أنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته.

وحتى زيد بن حارثة الذي خطف من أهله وهو صغير ثم اهتدى إليه أبوه واهتدى هو إلي أبيه على لهفة الشوق بعد اليأس من اللقاء، فلما خُيِّر بين الرجعة إلى أبيه وبين البقاء مع الرسول اختار البقاء مع السيِّد عن الرجعة إلى الوالد، وشق عليه أن يفارق ذلك الرصيد العامر بالعطف والحنان، والذي غمره بحبه ومواساته، إذ هو ضعيف شريد لا يرى ذويه، ولا يدري من هم ذووه.

وحتى مولاه ثوبان، والمولى في أغلب الأحوال يكون كارهاً لمولاه حاقداً عليه قالياً له نظراً لما يحسه من تقدم سيده عليه ومالكيته له، ولكن ثوبان نحل وظهر عليه الحزن في ليله ونهاره فلما سأله صلوات الله عليه عن سبب ذلك قال: قرب منيتي وخوفي من فراقك لآنك في الجنة سوف تكون في درجات الآنبياء فلا أستطيع أن أراك.

ولهذا نزلت الآية الكريمة التي تبشر المؤمنين المخلصين بصحبة الآنبياء الصالحين، «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً.» النساء/69.

هذه نواحٍ تكشف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما هو إنسان كامل حتى في نظر زوجته ومولاه ومرافقه، هؤلاء الذين تنكشف لهم على الخصوص أخفى نواحي النقص، وأدق نقاط الضعف.

هكذا كان صلوات الله عليه في نبوته وقبلها.

هكذا كان في محيطه الضيق، وفي محيطه الواسع.

ولهذا ولكونه الرجل الكامل والإِنسان الكامل، بعثه الله بالنبوة، وحمله ثقل أقدس رسالة بعثت للناس.

وهكذا بُعث محمدً الرجل الأول والإِنسان الأول ليكون النبي الأول. وكانت خديجة من ورائه تساند وتعاضد. فما أكثر ما امتحنت وإياه، وما أكثر ما شدد عليهما الكفار وتهددت حياتهما بالخطر، وما أكثر ما رجع إليها الرسول وهو مصاب بجروح ورضوض من قبل الأعداء ولم تكن لتزيدها هذه الأحوال إلا صموداً ولم تكن لتهبها إلا قوةً وعزيمةً وثبات إرادة.

فقد نفذ نور الإِسلام إلى الأعماق من روحها وفكرها فاستنارت بنوره واهتدت بهداه ومن خصائص الإِسلام ومميزاته بوصفه عقيدة ثورية تتسق مع الفطرة والعقل وتغمر الوجود الإنساني كله أنه إذا استقر في قلبٍ، وأي قلب كان، فتح أمامه أبواباً للتضحية والفداء. فما أكثر النساء المسلمات اللاتي قدمن الضحايا من الآباء والأبناء وهن أكثر ما يكن ثباتاً وقوة. بل وكن يستهن بالموت من أجل القضية الإسلامية أمثال أم عمار بن ياسر التي صمدت على كلمة الإسلام أمام كل الوسائل الوحشية التي أتخذت لتعذيبها والتنكيل بإبنها وزوجها، وكان رسول الله يمر عليهم وهم يعذبون فتطفر الدموع من عينيه ويبشرهم بالجنة نزلاً. وكثير غيرها من النساء المسلمات اللاتي اعتنقن الإسلام في أحرج أدواره وأشدها ولكن المجال لا يتسع لنا لذكرهنّ جميعاً ولعلنا سوف نلتفت الى هذه الناحية من حياة المرأة المسلمة في رسالة خاصة تبين مواكبة المرأة للإسلام وأثرها في الدعوة الإسلامية.

فقد كانت المرأة المسلمة تذهب الى ساحات الجهاد لتشجع إخوتها وأولادها على خوض غمار الحرب وهي معهم تطبب وتداوي وتسقي العطشى وتعين المصاب. ولا يزيدها فقد الأولاد والأخوة والأعمام إلاّ حرصاً على الإسلام وتفانياً فيه.

وقد كانت المرأة المسلمة تسمع بأذنيها نعي أعزائها وأحبائها وهي لهفانة في الوقت نفسه للإطمئنان على سلامة رسول الله. وعلى هذا فلا عجب إذاً إذا كانت خديجة زوجة الرسول أول مصدقة به وأقوى ساعد لديه. والواقع أنني حينما أراجع سير النساء المسلمات في صدر الإسلام وأقرأ تضحياتهن ومواقفهن أكاد أسأل جادةً هل نحن مسلمات حقاً.

هذا الإسلام هو الذي نوَّر قلب خديجة بعد إذ انبثقت أنواره من غار حراء ومن بيتها هي بالذات. ولهذا فقد كانت خديجة (رض) جديرة بهذا الاندفاع الإسلامي وهي التي أصطفت محمداً لنفسها منذ زمن بعيد، وبعد أن عرفت أنه صاحب رسالة مقدسة، ولذلك فهي لم تفاجأ ولم تستغرب عند سماعها بخبر الوحي الذي نزل على زوجها في غار حراء. وقد قنعت من زوجها بكلمات قلائل سرعان ما صدقته بعدها وآزرته وهي أقوى ما تكون فكرة راسخة مركَّزة، وإحساساً فياضاً صادقاً.

وأستمرت خديجة أم المؤمنين تحيا بحياة الرسالة المحمدية وتستهين في سبيلها بكل المصاعب والمحن، وقد بذلت في هذا الطريق كل ما تملك من مال حتى أصبحت وهي الغنية الواسعة الثراء فقيرة لا تملك شيئاً، وقد استنفدت بدعوتها رصيدها الضخم من المال ولم يبق منه حتى النزر القليل. فهي تطوي جوعاً إذا طوى النبي وتشبع إذ يشبع بالذي يشبع فيه، وهذا يبيِّن مدى التفاوت بينها وبين باقي أمهات المؤمنين. الفارق الذي جعل رسول الله يحن إليها الى آخر يوم من حياته الشريفة.

فهي قد بذلت للإسلام كل ما تملك يوم كان الإسلام وحيداً. وصلَّت مع رسول الله يوم لا مصلِّية غيرها. بينما أحتجت أمهات المؤمنين الأخريات على النبي، بعد أن عمت كلمة الإسلام جميع البقاع وطالبن بزيادة النفقة وتوسيع المعيشة عليهن؛ ولم تثنهن نصائح النبي عن ذلك حتى أنه جاء في الروايات أن أبا بكر دخل على النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه نساؤه فوجده حزيناً وعرف السبب في ذلك فقام على أبنته يريد أن يجأ عنقها لأنها آلمت الرسول وأعترضت طريق دعوته بمطاليبها المادية حتى نزلت الآية الكريمة (1) التي خيرت نساء النبي بين متاع الحياة الدنيا وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخترن صحبة الرسول الأعظم بعد أن قُطعت أمامهن السبل. وقد كانت خديجة صلوات الله عليها لا تألو جهداً في بذل يد العون للدعوة الإسلامية بكل ما يسعها ذلك. وقد حدث مثلاً أن فرضت قريش على بني هاشم حصاراً في منطقة تسمى بمنطقة الشِّعب أو شِعب «أبو طالب» وقد منعوا عنهم في هذا الحصار الماء والزاد، وكان الموت جوعاً يهدد جميع بني هاشم لولا أموال خديجة فإنها كانت تبعث من يشتري لهم الطعام سراً وفي أغلى ثمن، تستنصر وتستعين بأولاد إخوتها وأخواتها على ذلك، وبذلك أمَّنت الغذاء لبني هاشم المحاصرين في الشعب.

فلهذا ولغيره من المواقف الفذة في تاريخ الإسلام أحتلت رضوان الله عليها الصدارة في قلب النبي وفي حياته الشريفة.

وقد توفيت رضوان الله عليها في السنة الثالثة عشر للبعثة وقد حزن عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حزناً عظيماً وكانت وفاتها في عام وفاة عمه «أبو طالب»، ولذلك فقد سمِّي ذلك العام بعام الحزن لحزنه على فقدها وفقد عمه «أبو طالب». نعم توفيت خديجة المرأة الرابعة التي دخلت حياة النبي في أحرج أدوارها لم تخرج من حياته أبداً فقد خلَّفت له أغلى وأثمن ذكرى مقدسة، وهي الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين.

__________________

(1) سورة الأحزاب آية 28 - 29.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).





جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع