المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16309 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (124 - 127) من سورة التوبة  
  
4359   03:18 مساءً   التاريخ: 13-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة : 124 - 127] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة : 124-125] .

 

عاد الكلام إلى ذكر المنافقين ، فقال سبحانه : {وإذا ما أنزلت سورة} في القرآن {فمنهم} أي : من المنافقين {من يقول} على وجه الانكار أي : يقول بعضهم لبعض {أيكم زادته هذه} السورة {إيمانا} وقيل : معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف : أيكم زادته ذه السورة إيمانا أي : يقينا وبصيرة .

{فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} معناه : فأما المؤمنون المخلصون فزادتهم تصديقا بالفرائض مع ايمانهم بالله ، عن ابن عباس . ووجه زيادة الإيمان أنهم كانوا مؤمنين بما قد نزل من قبل ، وآمنوا بما أنزل الآن {وهم يستبشرون} أي : يسرون ويبشر بعضهم بعضا ، قد تهللت وجوههم ، وفرحوا بنزولها .

{وأما الذين في قلوبهم مرض} أي : شك ونفاق {فزادتهم رجسا إلى رجسهم} أي : نفاقا وكفرا إلى نفاقهم ، وكفرهم ، لأنهم يشكون في هذه السورة ، كما شكوا فيما تقدمها من السور ، فذلك هو الزيادة . وسمي الكفر رجسا على وجه الذم له ، وانه يجب تجنبه كما يجب تجنب الأرجاس ، وأضاف الزيادة إلى السورة ، لأنهم يزدادون عندها رجسا ، ومثله : كفى بالسلامة داء ، وقول الشاعر : {وحسبك داء أن تصح وتسلما} . {وماتوا وهم كافرون} أي : وأداهم شكهم فيما أنزل الله تعالى من السور ، إلى أن ماتوا على كفرهم ، وآبوا شر مآب .

 

- {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة : 126-127] .

 

ثم نبه سبحانه على إعراض المنافقين عن النظر والتدبر لما ينبغي أن ينظروا ويتدبروا فيه ، فقال {أولا يرون} أي : أولا يعلم هؤلاء المنافقون . وقيل :

معناه أولا يبصرون {أنهم يفتنون} أي : يمتحنون {في كل عام مرة أو مرتين} أي :

دفعة أو دفعتين بالأمراض والأوجاع ، وهو رائد الموت {ثم لا يتوبون} أي : لا يرجعون عن كفرهم {ولا هم يذكرون} أي : لا يتذكرون نعم الله عليهم . وقيل : يمتحنون بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما يرون من نصرة الله رسوله ، وما ينال أعداؤه من القتل والسبي ، عن ابن عباس ، والحسن . وقيل : بالقحط والجوع ، عن مجاهد . وقيل : بهتك أستارهم ، وما يظهر من خبث سرائرهم ، عن مقاتل . وقيل : بالبلاء والجلاء ، ومنع القطر ، وذهاب الثمار ، عن الضحاك .

{وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض} معناه : وإذا أنزلت سورة من القرآن ، وهم حضور عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كرهوا ما يسمعونه ، ونظر بعضهم إلى بعض ، نظرا يؤمنون به {هل يراكم من أحد} ، وإنما يفعلون ذلك ، لأنهم منافقون يحذرون أن يعلم بهم ، فكأنهم يقول بعضهم لبعض : هل يراكم من أحد ، ثم يقومون فينصرفون ، وإنما يفعلون ذلك مخافة أن تنزل آية تفضحهم ، وكانوا لا يقولون ذلك بألسنتهم ، ولكن ينظرون نطر من يقول لغيره ذلك القول ، فكأنه يقول ذلك .

وقيل : معناه إن المنافقين كان ينظر بعضهم إلى بعض نظر تعنت وطعن في القرآن ، ثم يقولون : هل يرانا أحد من المسلمين ، فإذا تحقق لهم أنه لا يراهم أحد من المسلمين ، بالغوا فيه ، وإن علموا أنهم يراهم واحد منهم ، كفوا عنه .

{ثم انصرفوا} أي : انصرفوا عن المجلس . وقيل : انصرفوا عن الإيمان به {صرف الله قلوبهم} عن الفوائد التي يستفيدها المؤمنون والسرور بها ، وحرموا الاستبشار بتلك الحال . وقيل : معناه صرف الله قلوبهم عن رحمته وثوابه ، عقوبة لهم على انصرافهم عن الإيمان بالقرآن ، وعن مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقيل : إنه على وجه الدعاء عليهم أي : خذلهم الله باستحقاقهم ذلك ، ودعاء الله على عباده وعيد لهم ، وإخبار بلحاق العذاب بهم ، عن أبي مسلم {بأنهم قوم لا يفقهون} أي : ذلك بسبب أنهم لا يفقهون مراد الله بخطابه ، لأنهم لا ينظرون فيه .

_________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 145-148 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً } . ضمير منهم يعود إلى المنافقين ، والمعنى ان بعض المنافقين كانوا يستخفون بالقرآن ، ويتساءلون : أي عجب في هذا ؟ . فيجعلون من أنفسهم التي سودتها المطامع والآثام مقياسا للحق والصدق . . والغريب ان المشركين كانوا يعترفون بعظمة القرآن وتأثيره البالغ في النفوس ، ويوصي بعضهم بعضا بعدم الاستماع إليه مخافة أن يجذبهم إلى الإسلام من حيث لا يشعرون : { وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [فصلت - 26] . وان دل هذا على شيء فإنما يدل على أن النفاق أسوأ أثرا ، وأشد جرما من الشرك .

وأجاب سبحانه المنافقين بقوله : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً } أي إذا لم تجدوا أيها المنافقون في نفوسكم أثرا طيبا لسور القرآن وآياته بعد أن طبعت عليها الأهواء والأغراض فإن المؤمنين يزدادون بها هدى ويقينا لأن نفوسهم نقية زاكية لم تدنسها الأقذار والأرجاس كنفوسكم { وهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } كلما نزلت سورة أو آية من القرآن لأنها تبشرهم بالجنة ، وترشدهم إلى الطريق القويم .

{ وأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ } . كل من ابتعد عن الحق والواقع واستمد إيمانه وآراءه من ذاته وتصوراته فهو مريض القلب والعقل ، وإذا دعي إلى النزول على حكم الواقع ورفض - ازداد مرضه وتفاقم . . والنفاق مرض لأنه تزييف وتحريف ، والمنافق يزداد مرضا كلما أوغل في الجحود والعناد للحق وآياته . . وينطبق على المنافق الحديث الذي يشبه الحريص على الدنيا مثل دودة القز ، كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج ، حتى تموت غما { وماتُوا وهُمْ كافِرُونَ } بسوء اختيارهم ، تماما كما ماتت دودة القز بصنع يديها .

{ أَولا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } . المراد بالفتنة هنا افتضاح المنافقين وإظهار أمرهم لدى الجميع ، وتتصل هذه الآية بالآية التي قبلها وهي { وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ » الخ } ووجه الاتصال ان المنافقين كانوا يبيتون الشر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويطعنون به ، من ذلك قولهم : هو أذن - كما سبق - وكان اللَّه سبحانه يخبر نبيه الأكرم بما يبيتون ويطعنون ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يعاتبهم ويفضحهم ، وقد تكرر هذا في كل عام مرة أو أكثر ، وفيه دلالة قاطعة على صدق الرسول ، وان القرآن من عند اللَّه ، فكان عليهم أن يتعظوا ويؤمنوا ، ولا يقولوا ساخرين ومستهزئين : أيكم زادته هذه إيمانا . . { ثُمَّ لا يَتُوبُونَ ولا هُمْ يَذَّكَّرُونَ } وما يذكر إلا أولو الألباب ، وقد أعمت الشهوات قلوبهم وألبابهم .

{ وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ } . هذا هو شأن المنافقين في كل زمان ومكان ، إذا عجزوا عن مجابهة الحق ، ومواجهة الحجة بالحجة ، تسارقوا النظر وتغامزوا وتضاحكوا معبرين بذلك عن رسوخهم في الكفر والضلالة ، وعدم الارعواء عن الباطل . . { هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ } أي يقولون هذا بلسان المقال أو الحال : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ولا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ } [النساء - 107] .

{ ثُمَّ انْصَرَفُوا } أي فعلوا فعلتهم وانصرفوا إلى شأنهم غافلين عن جريمتهم كأن لم يفعلوا شيئا { صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ } . صرف اللَّه قلوبهم عن الحق بعد أن أقام عليه الحجج والبينات ، وبعد ان عاندوه ورفضوا التسليم له ، فهم السبب المباشر للصرف ، وأسند إلى اللَّه بواسطتهم ، وقد جرت عادة القرآن الكريم ان يضيف إلى اللَّه الكثير من أفعال عباده بالنظر إلى أنه خالقهم والمتصرف في الكون وأشيائه .

_________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 121-123 .

 

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآيات (1)  : 

 

قوله تعالى :  ﴿وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا﴾ إلى آخر الآيتين .

 نحو السؤال في قولهم :  هل يراكم من أحد؟! يدل على أن سائله لا يخلو من شيء في قلبه فإن هذا السؤال بالطبع سؤال من لا يجد في قلبه أثرا من نزول القرآن وكأنه يذعن أن قلوب غيره كقلبه فيما يتلقاه فيتفحص عمن أثر في قلبه نزول القرآن كأنه يرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعي أن القرآن يصلح كل قلب سواء كان مستعدا مهيئا للصلاح أم لا وهو لا يذعن بذلك وكلما تليت عليه سورة جديدة ولم يجد في قلبه خشوعا لله ولا ميلا وحنانا إلى الحق زاد شكا فبعثه ذلك إلى أن يسأل سائر من حضر عند النزول عن ذلك حتى يستقر في شكه ويزيد ثباتا في نفاقه . 

وبالجملة السؤال سؤال من لا يخلو قلبه من نفاق . 

وقد فصل الله سبحانه أمر القلوب وفرق بين قلوب المؤمنين والذين في قلوبهم مرض فقال :  ﴿فأما الذين آمنوا﴾ وهم الذين قلوبهم خالية عن النفاق بريئة من المرض وهم على يقين من دينهم بقرينة المقابلة ﴿فزادتهم﴾ السورة النازلة ﴿إيمانا﴾ فإنها بإنارتها أرض القلب بنور هدايتها توجب اشتداد نور الإيمان فيه ،  وهذه زيادة في الكيف ،  وباشتمالها على معارف وحقائق جديدة من المعارف القرآنية والحقائق الإلهية ،  وبسطها على القلب نور الإيمان بها توجب زيادة إيمان جديد على سابق الإيمان وهذه زيادة في الكمية ونسبة زيادة الإيمان إلى السورة من قبيل النسبة إلى الأسباب الظاهرة وكيف كان فالسورة تزيد المؤمنين إيمانا فتنشرح بذلك صدورهم وتتهلل وجوههم فرحا ﴿وهم يستبشرون﴾  . 

﴿وأما الذين في قلوبهم مرض﴾ وهم أهل الشك والنفاق ﴿فزادتهم رجسا إلى رجسهم﴾ أي ضلالا جديدا إلى ضلالهم القديم وقد سمى الله سبحانه الضلال رجسا في قوله :  ﴿ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون﴾ [الأنعام :  125] والمقابلة الواقعة بين ﴿الذين آمنوا﴾ و ﴿الذين في قلوبهم مرض﴾ يفيد أن هؤلاء ليس في قلوبهم إيمان صحيح وإنما هو الشك أو الجحد وكيف كان فهو الكفر ولذلك قال ﴿وماتوا وهم كافرون﴾ . 

والآية تدل على أن السورة من القرآن لا تخلو عن تأثير في قلب من استمعه فإن كان قلبا سليما زادته إيمانا واستبشارا وسرورا ،  وإن كان قلبا مريضا زادته رجسا وضلالا نظير ما يفيده قوله :  ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا﴾ [الإسراء :  82] . 

قوله تعالى :  ﴿أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين﴾ الآية الاستفهام للتقرير أي ما لهم لا يتفكرون ولا يعتبرون وهم يرون أنهم يبتلون ويمتحنون كل عام مرة أو مرتين فيعصون الله ولا يخرجون من عهدة المحنة الإلهية وهم لا يتوبون ولا يتذكرون ولو تفكروا في ذلك انتبهوا لواجب أمرهم وأيقنوا أن الاستمرار على هذا الشأن ينتهي بهم إلى تراكم الرجس على الرجس والهلاك الدائم والخسران المؤبد . 

قوله تعالى :  ﴿وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد﴾ الآية وهذه خصيصة أخرى من خصائصهم وهي أنهم عند نزول سورة قرآنية - ولا محالة هم حاضرون - ينظر بعضهم إلى بعض نظر من يقول :  هل يراكم من أحد ،  وهذا قول من يسمع حديثا لا يطيقه ويضيق بذلك صدره فيتغير لونه ويظهر القلق والاضطراب في وجهه فيخاف أن يلتفت إليه ويظهر السر الذي طواه في قلبه فينظر إلى بعض من كان قد أودعه سره وأوقفه على باطن أمره كأنه يستفسره هل يطلع على ما بنا من القلق والاضطراب أحد . 

فقوله :  ﴿نظر بعضهم إلى بعض﴾ أي بعض المنافقين ،  وهذا من الدليل على أن الضمير في قوله في الآية السابقة :  ﴿فمنهم من يقول﴾ أيضا للمنافقين ،  وقوله :  ﴿نظر بعضهم إلى بعض﴾ أي نظر قلق مضطرب يحذر ظهور أمره وانهتاك ستره ،  وقوله :  ﴿هل يراكم من أحد﴾ في مقام التفسير للنظر أي نظر بعضهم إلى بعض نظر من يقول :  هل يراكم من أحد؟ ومن للتأكيد وأحد فاعل يراكم . 

وقوله :  ﴿ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون﴾ ظاهر السياق أن المعنى ثم انصرفوا من عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال صرف الله قلوبهم عن وعي الآيات الإلهية والإيمان بها بسبب أنهم قوم لا يفقهون الكلام الحق فالجملة حالية على ما يجوزه بعضهم . 

وربما احتمل كون قوله :  ﴿صرف الله قلوبهم﴾ دعاء منه تعالى على المنافقين ،  وله نظائر في القرآن ،  والدعاء منه تعالى على أحد إيعاد له بالشر .

_________________________

1  . تفسير الميزان  ،  ج9  ،  ص 342-343  .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة : 124-125] .

 

تأثير آيات القرآن المتباين على القلوب :

تشير هاتان الآيتان إلى واحدة من علامات المؤمنين والمنافقين البارزة ، تكملة لما مرّ من البحوث حولهما .

فتقول أوّلا : {وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً} «2» وهم يريدون بكلامهم هذا أن يبينوا عدم تأثير سور القرآن فيهم ، وعدم اعتنائهم بها ، ويقولون : إنّ هذه الآيات لا تحتوي على الشيء المهم والمحتوى الغني ، بل هي كلمات عادية ومعروفة .

ولكن القرآن يجيبهم بلهجة قاطعة ، ويقول ضمن تقسيم الناس الى طائفتين :

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}‏ .

وهذا على خلاف المنافقين ومرضى القلوب من الجهل والحسد والعناد {وأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ‏} .

وفي النهاية ، فإنّ هؤلاء بعنادهم يغادرون الدنيا على الكفر: {وماتُوا وهُمْ كافِرُونَ‏} .

 

- {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة : 126-127] .

يستمر الكلام في هذه الآيات حول المنافقين ، وهي توبّخهم وتذمهم فتقول : {أَ ولا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ‏} والعجيب أنّهم رغم هذه الامتحانات المتلاحقة لا يعتبرون‏ {ثُمَّ لا يَتُوبُونَ ولا هُمْ يَذَّكَّرُونَ‏} .

وهناك بحث بين المفسّرين في أنّه ما هو المراد من هذا الاختبار السنوي الذي يجري مرّة أو مرّتين ؟

فالبعض يقول : إنّه الأمراض ، والبعض الآخر يقول: إنّه الجوع والشدائد الأخرى ، وثالث يقول : إنّه مشاهدة آثار عظمة الإسلام وأحقية النّبي الأكرم صلى اللّه عليه وآله وسلّم في ساحات الجهاد التي كان يحضرها هؤلاء المنافقون بحكم الضغط الاجتماعي وظروف البيئة التي يعيشونها ، ورابع يعتقد أنّه رفع الستار عن أسرارهم ، وفضيحتهم .

غير أنا إذا قرأنا آخر الآية حيث تذكر أنّ هؤلاء لم يتذكروا رغم كل ذلك ، سيتّضح أنّ هذا الاختبار من الاختبارات التي ينبغي أن تكون سببا في توعية هذه المجموعة .

ويظهر أيضا من تعبير الآية أنّ هذا الاختبار يختلف عن الاختبار العام الذي يواجهه كل الناس في حياتهم . وإذا أخذنا هذا الموضوع بنظر الإعتبار فسيظهر أن التّفسير الرّابع- أي إزاحة الستار عن أعمال هؤلاء السيئة وظهور باطنهم وحقيقتهم- أقرب إلى مفهوم الآية .

ويحتمل أيضا أن يكون للامتحان والابتلاء في هذه الآية مفهوم جامع بحيث يشمل كل هذه المواضيع .

ثمّ تشير الآية إلى الموقف الإنكاري لهؤلاء في مقابل الآيات الإلهية ، فتقول :

{وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ‏} .

إنّ خوف هؤلاء وقلقهم ناشئ ، من أنّ تلك السورة تتضمن فضيحة جديدة لهم ، أو لأنّهم لا يفهمون منها شيئا لعمى قلوبهم ، والإنسان عدو ما يجهل .

وعلى كل حال ، فإنّهم كانوا يخرجون من المسجد حتى لا يسمعوا هذه الأنغام الإلهية ، إلّا أنّهم كانوا يخشون أن يراهم أحد حين خروجهم ، ولذلك كان أحدهم يهمس في أذن صاحبه ويسأله : {هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ} ؟ وإذا ما اطمأنوا إلى أن الناس منشغلون بسماع كلام النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وغير ملتفتين إليهم خرجوا : {ثُمَّ انْصَرَفُوا} .

إنّ جملة {هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ} ، كانوا يقولونها إمّا بألسنتهم ، أو بإشارة العيون ، في حين أن الجملة الثّانية {نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ}‏ تبيّن أمرا واحدا هو نفس ما عينته الجملة الأولى ، وفي الحقيقة فإنّ هل يراكم أحد تفسير لنظر بعضهم إلى البعض الآخر .

وتطرقت الآية في الختام إلى ذكر علة هذا الموضوع فقالت: إنّ هؤلاء إنّما لا يريدون سماع كلمات اللّه سبحانه ولا يرتاحون لذلك لأنّ قلوبهم قد حاقت بها الظلمات لعنادهم ومعاصيهم فصرفها اللّه سبحانه عن الحق ، وأصبحوا أعداء للحق لأنّهم أناس جاهلون لا فكر لهم : {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ‏} .

وقد ذكر المفسّرون لقوله تعالى : {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏} احتمالين :

الأوّل : إنّها جملة خبرية . كما فسرناها قبل قليل .

الثّاني : إنّها جملة إنشائية ، ويكون معناها اللعنة ، أي إنّ اللّه سبحانه يصرف قلوب هؤلاء عن الحق . إلّا أن الاحتمال الأوّل هو الأقرب كما يبدو .

________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 410-414 .

2. إنّ (ما) في جملة {إِذا ما أُنْزِلَتْ‏} زائدة في الحقيقة ، وهي للتأكيد . وقال البعض أنّها صلة وهي تسلط أداة الشرط- إي (إذا) على جزائها ، وتؤكّد الجملة .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات