المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16333 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
طائر السمان
2024-04-26
المعادلة البديلة لتسعير الودائع بالتكلفة مضافاً إليها هامش الربح Pricing Deposits at Cost - Plus Profit Margin
2024-04-26
الفرق بين المعجزات الحسية والعقلية
2024-04-26
مميزات لحم السمان
2024-04-26
من مكارم اخلاق رسول الله
2024-04-26
سبب التكذيب للمعجزة مع نفاذها وقاطعيتها
2024-04-26

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (49-52) من سورة التوبة  
  
3413   12:23 صباحاً   التاريخ: 8-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة : 49 - 52] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ومنهم} أي : ومن المنافقين {من يقول ائذن لي} في القعود عن الجهاد {ولا تفتني} ببنات الأصفر ، عن ابن عباس ، ومجاهد. قال الفراء : سميت الروم أصفر لأن حبشيا غلب على ناحية الروم ، وكان له بنات قد أخذن من بياض الروم ، وسواد الحبشة ، فكن صفرا لعسا (2) . وقيل : معناه لا تؤثمني أي : لا توقعني في الإثم بالعصيان لمخالفة أمرك بالخروج إلى الجهاد ، وذلك غير متيسر لي ، عن الحسن ، وقتادة ، والجبائي ، والزجاج {ألا في الفتنة سقطوا} معناه : ألا في العصيان والكفر وقعوا بمخالفتهم أمرك في الخروج والجهاد. وقيل : معناه لا تعذبني بتكليف الخروج في شدة الحر. ألا قد سقطوا في حر أعظم من ذلك وهو حر نار جهنم ، عن أبي مسلم ، ويدل عليه قوله {وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا}.

{وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} أي : ستحيط بهم فلا مخلص لهم منها {إن تصبك حسنة تسؤهم} هذا خطاب من الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومعناه : إن تنلك نعمة من الله ، وفتح وغنيمة يحزن المنافقون {وإن تصبك مصيبة} معناه : وإن تصبك شدة ، ونكبة ، وآفة في النفس ، أو المال {يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} أي : أخذنا حذرنا ، واحترزنا بالقعود من قبل هذه المصيبة ، عن مجاهد. ومعناه : أخذنا أمرنا من مواضع الهلكة ، فسلمنا مما وقعوا فيه.

{ويتولوا وهم فرحون} أي : رجعوا إلى بيوتهم فرحين بما أصاب المؤمنين من الشدة {قل} يا محمد لهم {لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} أي : كل ما يصيبنا من خير أو شر فهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ في أمرنا ، وليس على ما تظنون وتتوهمون من إهمالنا من غير أن يرجع أمرنا إلى تدبير ، عن الحسن. وقيل : معناه لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتب الله لنا في القرآن من النصر الذي وعدنا ، وأنا نظفر بالأعداء فتكون النصرة حسنى لنا ، أو نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا أيضا ، أي : فقد كتب الله لنا ما يصيبنا ، وعلمنا ما لنا فيه من الحظ ، عن الزجاج ، والجبائي. {هو مولانا} أي : هو مالكنا ونحن عبيده. وقيل : هو ولينا وناصرنا ، يحفظنا ويتولى حياطتنا ، ودفع الضرر عنا.

{وعلى الله فليتوكل المؤمنون} هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين بالتوكل عليه ، والرضا بتدبيره وتقديره ، فليتوكل على الله المؤمنون {قل} يا محمد لهؤلاء المنافقين : {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} معناه : هل تنتظرون لنا إلا احدى الخصلتين الحميدتين ، والنعمتين العظيمتين : إما الغلبة والغنيمة في العاجل ، وإما الشهادة مع الثواب الدائم في الآجل ، عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وغيرهم. و {هل} وإن كان حرف الاستفهام ، فمعناه هنا التقريع بالتربص المؤدي صاحبه إلى كل ما كرهه من خيبة ، وفوز خصمه ، ومن هلاكه ونجاة خصمه ، ومن شقوته وسعادة خصمه {ونحن نتربص بكم} أي : ونحن نتوقع بكم {أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} أي : يوقع الله بكم عذابا من عنده ، يهلككم به ، أو بأن ينصرنا عليكم ، فيقتلكم بأيدينا {فتربصوا} صورته صورة الأمر ، والمراد به التهديد كقوله {اعملوا ما شئتم} لأنه لو كان أمرا لهم ، لكانوا في تربصهم بالمؤمنين القتل مطيعين الله {إنا معكم متربصون} أي : منتظرون إما الشهادة والجنة ، وإما الغنيمة والأجر لنا ، وإما البقاء في الذل والخزي ، وإما الموت أو القتل مع المصير إلى النار لكم .

وهذه الآية تفسير لقوله تعالى {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} وقيل : معناه فتربصوا هلاكنا فإنا متربصون هلاككم. وقيل : تربصوا مواعيد الشيطان في إبطال دين الله ، ونحن متربصون مواعيد الله في إظهار دينه ، ونصرة نبيه ، واستئصال مخالفيه .

____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 66-67 .

2. أي يضرب لونهن إلى السواد .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي ولا تَفْتِنِّي } أجمع المفسرون على أن رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) لما دعا إلى غزوة تبوك قال له جد بن قيس - وكان من شيوخ المنافقين - : ائذن لي يا رسول اللَّه في القعود ، فإني رجل أحب النساء وأخشى إن أنا رأيت الروميات أن أفتتن بهن . . فنزلت الآية . . زعم هذا المنافق أنه يخاف الإثم بالتعرض للنساء إذا غزا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يتأثم من التعرض لغضب اللَّه ورسوله { أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا } أي زعموا الفرار من الإثم فوقعوا فيما فروا منه ، أو أشد { وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ } من جميع الجهات ، ولا يجدون عنها محيصا . . لقد دعاهم الرسول إلى الخلاص بالتوبة من ذنوبهم التي أحاطت بهم من كل جهة ، فرفضوا دعوته ، فأحاط بهم العذاب من كل جانب .

{ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } كما هو شأن الخبيث اللئيم يموت بغيظه إذا أصاب الطيبون الأبرار ما يحبون ، ويطير فرحا إذا نالهم ما يكرهون { وإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ ويَتَوَلَّوْا وهُمْ فَرِحُونَ } ويدل السياق أن المراد بالمصيبة هنا انكسار جيش المسلمين ، لأن قولهم : { قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا } معناه ان المنافقين كانوا يتحدثون فيما بينهم فرحين مستبشرين بما حل بالمسلمين من مكروه ويقول بعضهم لبعض : لقد أخذنا حذرنا وتيقظنا إلى ما صار إليه جيش محمد . .

وتقدم نظيره في الآية 120 من سورة آل عمران : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها} . وفي قوله تعالى : {إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال- 49] .

{ قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا } معناه قل أيها الرسول لأولئك المنافقين : نحن الذين تيقظوا وأخذوا حذرهم ، لا أنتم ، لأنكم قعدتم مع القاعدين ، أما نحن فجاهدنا في سبيل اللَّه بعد أن أعددنا للجهاد عدته . . وقد جرى صراعنا مع أعداء الحق على سنة اللَّه في المعارك ، يوم لنا ، ويوم علينا ، والحرب بيننا وبينهم ما زالت قائمة ، والأمور بخواتيمها ، والنصر لنا في النهاية ، وكل آت قريب { هُوَ مَوْلانا وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } الذين يعدون العدة ، ثم يسيرون على اسم اللَّه ، فان أصابتهم حسنة قالوا : هذه من فضل اللَّه ورحمته ، وان أصابتهم مصيبة قالوا : انها بقضاء اللَّه وقدره ، وهم في الحالين على إخلاصهم ، وعلى يقين من دينهم ، وان اللَّه مظهره على الدين كله ولو كره الكافرون .

{ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } . وهما النصر أو الشهادة ، وفي النصر إذلال الكافرين والمنافقين ، وفي الشهادة الثواب العظيم ، وكلاهما عزة وكرامة { ونَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } ان عاقبة المؤمنين المجاهدين إحدى الحسنيين على سبيل مانعة الخلو : اما النصر والغلبة ، واما الفوز بالشهادة في سبيل اللَّه ، وعاقبة المنافقين والكافرين إحدى السوءيين : اما العذاب من اللَّه ، واما التنكيل بأيدي المؤمنين حين يأذن اللَّه لهم في ذلك .

____________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 52-53 .

  

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا﴾ الآية الفتنة هاهنا - على ما يهدي إليه السياق - إما الإلقاء إلى ما يفتتن ويغر به ، وإما الإلقاء في الفتنة والبلية الشاملة . 

والمراد على الأول : ائذن لي في القعود وعدم الخروج إلى الجهاد ، ولا تلقني في الفتنة بتوصيف ما في هذه الغزوة من نفائس الغنائم ومشتهيات الأنفس فافتتن بها واضطر إلى الخروج ، وعلى الثاني ائذن لي ولا تلقني إلى ما في هذه الغزوة من المحنة والمصيبة والبلية .

فأجاب الله عن قولهم بقولهم : ﴿ألا في الفتنة سقطوا﴾ ومعناه أنهم يحترزون بحسب زعمهم عن فتنة مترقبة من قبل الخروج ، وقد أخطئوا فإن الذي هم عليه من الكفر والنفاق وسوء السريرة ، ومن آثاره هذا القول الذي تفوهوا به هو بعينه فتنة سقطوا فيها فقد فتنهم الشيطان بالغرور ، ووقعوا في مهلكة الكفر والضلال وفتنته . 

هذا حالهم في هذه النشأة الدنيوية وأما في الآخرة فإن جهنم لمحيطة بالكافرين على حذو إحاطة الفتنة بهم في الدنيا وسقوطهم فيها فقوله : ﴿ألا في الفتنة سقطوا﴾ وقوله : ﴿وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ كأنهما معا يفيدان معنى واحدا وهو أن هؤلاء واقعون في الفتنة والتهلكة أبدا في الدنيا والآخرة . 

ويمكن أن يفهم من قوله : ﴿وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ الإحاطة بالفعل دون الإحاطة الاستقبالية كما تهدي إليه الآيات الدالة على تجسم الأعمال . 

قوله تعالى : ﴿إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل﴾ المراد بالحسنة والسيئة بقرينة السياق ما تتعقبه الحروب والمغازي لأهلها من حسنة الفتح والظفر والغنيمة والسبي ، ومن سيئة القتل والجرح والهزيمة . 

وقوله : ﴿يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل﴾ كناية عن الاحتراز عن الشر قبل وقوعه كأن أمرهم كان خارجا من أيديهم فأخذوه وقبضوا وتسلطوا عليه فلم يدعوه يفسد ويضيع . 

فمعنى الآية إن هؤلاء المنافقين هواهم عليك : إن غنمت وظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك ، وإن قتلت أو جرحت أو أصبت بأي مصيبة أخرى قالوا قد احترزنا عن الشر من قبل وتولوا وهم فرحون . 

وقد أجاب الله سبحانه عن ذلك بجوابين اثنين في آيتين : قوله : ﴿قل لن يصيبنا﴾ إلخ وقوله : ﴿قل هل تربصون﴾ إلخ . 

قوله تعالى : ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ محصله أن ولاية أمرنا إنما هي لله سبحانه فحسب - على ما يدل عليه قوله : ﴿هو مولانا﴾ من الحصر - لا إلى أنفسنا ولا إلى شيء من هذه الأسباب الظاهرة ، بل حقيقة الأمر لله وحده وقد كتب كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شر أو حسنة أو سيئة ، وإذا كان كذلك فعلينا امتثال أمره والسعي لإحياء أمره والجهاد في سبيله ولله المشية فيما يصيبنا في ذلك من حسنة أو سيئة فما على العبيد إلا ترك التدبير وامتثال الأمر وهو التوكل . 

وبذلك يظهر : أن المراد بقوله : ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ ليس كلاما مستأنفا بل معطوف على ما قبله متمم له ، والمعنى أن ولاية أمرنا لله ونحن مؤمنون به ، ولازمه أن نتوكل عليه ونرجع الأمر إليه من غير أن نختار لأنفسنا شيئا من الحسنة والسيئة فلو أصابتنا حسنة كان المن له وإن أصابتنا سيئة كانت المشية والخيرة له ، ولا لوم علينا ولا شماتة تتعلق بنا ، ولا حزن ولا مساءة يطرأ على قلوبنا . 

وقد قال تعالى : ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ [الحديد : 23] ، وقال : ﴿ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه﴾ التغابن : 11 وقال : ﴿ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا﴾ [محمد : 11] ، وقال : ﴿والله ولي المؤمنين﴾ [آل عمران : 68] ، وقال : ﴿فالله هو الولي﴾ [الشورى : 9] . 

والآيات - كما ترى - تتضمن أصول هذه الحقيقة التي تنبىء عنه الآية التي نتكلم فيها جوابا عن وهم المنافقين ، وهي أن حقيقة الولاية لله سبحانه ليس إلى أحد من دونه من الأمر شيء فإذا آمن الإنسان به وعرف مقام ربه علم ذلك وكان عليه أن يتوكل على ربه ويرجع إليه حقيقة المشية والخيرة فلا يفرح بحسنة أصابته ، ولا يحزن لسيئة أصابته . 

ومن الجهل أن يسوء الإنسان ما أصابت عدوه من حسنة أو يسره ما أصابته من سيئة فليس له من الأمر شيء ، وهذا هو الجواب الأول عن مساءتهم بما أصاب المؤمنين من الحسنة وفرحهم بما أصابتهم من السيئة . 

وظاهر كلام بعض المفسرين أن المولى في الآية بمعنى الناصر ، وكذا ظاهر كلام بعضهم : أن قوله : ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ جملة مستأنفة أمر الله فيها المؤمنين بالتوكل عليه ، والسياق المشهود من الآيتين لا يساعد عليه . 

قوله تعالى : ﴿قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم﴾ الآية الحسنيان هما الحسنة والسيئة على ما يدل عليه الآية الأولى الحاكية أنهم يسوؤهم ما أصاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حسنة ، وتسرهم ما أصابه من سيئة فيقولون قد أخذنا أمرنا من قبل فهم على حال تربص ينتظرون ما يقع به وبالمؤمنين من الحسنة أو السيئة . 

والحسنة والسيئة كلتاهما حسنيان بحسب النظر الديني فإن في الحسنة حسنة الدنيا وعظيم الأجر عند الله ، وفي السيئة التي هي الشهادة أو أي تعب وعناء أصابهم مرضاة الله وثواب خالد دائم . 

ومعنى الآية أنا نحن وأنتم كل يتربص بصاحبه غير أنكم تتربصون بنا إحدى خصلتين كل واحدة منهما خصلة حسنى وهما : الغلبة على العدو مع الغنيمة ، والشهادة في سبيل الله ، ونحن نتربص بكم أن يعذبكم الله بعذاب من عنده كالعذاب السماوي أو بعذاب يجري بأيدينا كأن يأمرنا بقتالكم وتطهير الأرض من قذارة وجودكم فنحن فائزون على أي حال ، إن وقع شيء مما تربصتم سعدنا ، وإن وقع ما تربصنا سعدنا فتربصوا إنا معكم متربصون ، وهذا جواب ثان عن المنافقين . 

وقد ذكر في الآية الأولى إصابة الحسنة والسيئة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي مقام الجواب في الآيتين الثانية والثالثة إصابتهما النبي والمؤمنين جميعا لملازمتهم إياه ومشاركتهم إياه فيما أصابه من حسنة أو سيئة .

________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 254-257 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } [التوبة : 49] .

 

المنافقون المتذرّعون :

يكشف شأن النزول المذكور أن الإنسان متى أراد أن يتنصل من تحمل المسؤولية يسعى للتذرّع بشتى الحيل ، كما تذرع المنافق جد بن قيس لعدم المشاركة في المعركة وميدان الجهاد ، بأنّه ربّما تأسره الوجوه النضرة من بنات الروم وتختطف قلبه ، فينسحب من المعركة ويقع في إشكال شرعي !! . . .

ويذكرني قول جد بن قيس بكلام بعض الضالعين في ركاب الطاغوت ، إذ كان يقول: إذا لم نضغط على الناس فإنّ ما نتسلمه من الراتب والحقوق المالية مشكل شرعا . فمن أجل التخلص من هذا الإشكال الشرعي لا بدّ من إيذاء الناس وظلمهم! .

وعلى كل حال فإنّ القرآن يوجه الخطاب للنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ليردّ على مثل هذه الذرائع المفضوحة قائلا : {ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي ولا تَفْتِنِّي‏} بالنساء والفتيات الروميات الجميلات .

كما ويحتمل في شأن نزول الآية أن جد بن قيس كان يتذرع ببقاء امرأته وأطفاله وأمواله بلا حام ولا كفيل بعده ليتخلّص من الجهاد .

ولكن القرآن يقول مجيبا عليه وأمثاله : {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ‏} .

أي أنّ أمثال أولئك الذين تذرّعوا بحجّة الخوف من الذنب- هم الآن واقعون فيه فعلا ، وأن جهنم محيطة بهم ، لأنّهم تركوا ما أمرهم اللّه ورسوله به وراء ظهورهم وانصرفوا عن الجهاد بذريعة الشبهة الشرعية !!

 

- { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة : 49 - 52] .

في الآيات- آنفة الذكر- إشارة إلى إحدى صفات المنافقين وعلاماتهم وبهذا تتابع البحث الذي يتناول صفات المنافقين في ذيل الآيات المتقدمة والآيات اللاحقة .

تقول الآيات أوّلا : {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}‏ .

سواء كانت هذه الحسنة انتصارا على العدوّ ، أو الغنائم التي تنالونها في المعارك أو أيّ تقدّم آخر .

وهذه المساءة دليل على العداوة الباطنيّة وفقدان الإيمان . فكيف يمكن لمن له‏ أدنى إيمان أن يسوءه انتصار النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أو أي مؤمن آخر؟! ولكنّهم على خلاف هذه الحال عند الشدّة والخطب : {وإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ ويَتَوَلَّوْا وهُمْ فَرِحُونَ}‏ .

هؤلاء المنافقون عمي القلوب ينتهزون أيّة فرصة لصالحهم ومنافعهم ، ويزعمون أن ما نالوه كان بتدبيرهم وعقلهم ، إذ لم نساهم في المعركة الفلانية ولم نقع في أيّ مأزق!! كما أبتلي به الآخرون الذين لم يكن لهم نصيب من التعقل والتدبر ، وبهذه المزاعم يعودون إلى أوكارهم وهم يكادون أن يطيروا فرحا .

ولكنك- يا رسول اللّه- عليك أن تردّ عليهم بجواب منطقيّ متين وذلك :

أوّلا : {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا} أجل فلا يريد بنا إلّا الخير والصلاح : {وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}‏ .

فهم يعشقون اللّه فحسب ، ومنه يطلبون المدد والعون ، ويتوكلون عليه ويلتجئون إليه عند الخطوب .

وهذا خطأ كبير أبتلي به المنافقون ، إذ يتخيّلون أنّهم بعقولهم القاصرة وفكرهم المحدود يستطيعون أن يواجهوا جميع المشكلات والحوادث ، وأن يكونوا في غنىّ عن رحمة اللّه ولطفه !! . . . إنّهم لا يعلمون أن جميع وجودهم لا يعدو ورقة يابسة في مهبّ العاصفة . أو كقطرة ماء في صحراء محرقة في يوم قائظ فلو لا لطف اللّه ومدده فما عسى أن يفعل الإنسان الضعيف أمام الشدائد والخطوب ؟! ثانيا : {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} ‏؟! فإمّا أن نبير الأعداء في ساحة الحرب ونبيدهم ونعود منتصرين ، أو نقتل فننهل ورد الشهادة العذب ، فكلاهما محبّب لنا ومصدر افتخارنا .

وهكذا يختلف حالنا عن حالكم ، فنحن نتوقع لكم مساءتين: إمّا أن تصيبكم سهام البلايا والمصائب والعقوبات الإلهية سواء في الدنيا أو الآخرة ، أو يكون هلاككم على أيدينا : {ونَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}‏ تربصوا غبطتنا وسعادتنا ونحن نتربص شقاءكم وسوء عاقبتكم .

_______________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 251-255 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



في جامعة بغداد.. المؤتمر الحسيني الثاني عشر يشهد جلسات بحثية وحوارية
للأطفال نصيبهم من جناح جمعية العميد في معرض تونس الدولي للكتاب.. عمّ يبحثون؟
المجمع العلمي يقيم دورة قرآنية تخصصية جديدة
المؤتمر الطلابي الرابع في جامعة الكفيل يناقش أبحاث تقنيات المختبرات الطبية