المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16290 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (73 – 79) من سورة الأعراف  
  
3768   10:28 صباحاً   التاريخ: 1-6-2019
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأعراف /

قال تعالى : {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف : 73 - 79] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 عطف سبحانه على ما تقدم قصة صالح ، فقال : {وإلى ثمود أخاهم صالحا} أي : وأرسلنا إلى ثمود ، وثمود هنا القبيلة ، وهو ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح ، وصالح من ولد ثمود {قال يا قوم اعبدوا الله} وحده {ما لكم هن إله غيره} فتعبدوه {قد جاءتكم بينة من ربكم} أي : دلالة معجزة شاهدة على صدقي {هذه ناقة الله لكم آية} أشار إلى ناقة بعينها ، أضافها إلى الله سبحانه ، تفضيلا وتخصيصا ، نحو : بيت الله . وقيل : إنما أضافها إليه لأنها خلقها بلا واسطة ، وجعلها دلالة على توحيده ، وصدق رسوله ، لأنها خرجت من صخرة ملساء ، تمخضت بها ، كما تتمخض المرأة ، ثم انفلقت عنها على الصفة التي طلبوها ، وكان لها شرب ، يوم تشرب فيه ماء الوادي كله ، وتسقيهم اللبن بدله ، ولهم شرب يوم يخصهم ، لا تقرب فيه ماءهم ، عن السدي ، وابن إسحاق ، وجماعة . وقيل : إنما أضافها إلى الله ، لأنه لم يكن لها مالك سواه تعالى ، عن الجبائي . قال الحسن : كانت ناقة من النوق ، وكان وجه الإعجاز فيها أنها كانت تشرب ماء الوادي كله في يوم ، على ما شرحناه {فذروها} أي : أتركوها {تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء} أي : بعقر ، أو نحر {فيأخذكم} أي : ينالكم {عذاب أليم} أي : مؤلم .

{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} أي : واذكروا نعم الله تعالى عليكم ، في أن أورثكم الأرض ، ومكنكم فيها ، من بعد عاد {وبوأكم في الأرض} أي : أنزلكم فيها ، وجعل لكم فيها مساكن وبيوتا تأوون إليها {تتخذون من سهولها قصورا} والسهل : خلاف الجبل ، وهو ما ليس فيه مشقة على النفس ، أي : تبنون في سهولها الدور والقصور ، وإنما اتخذوها في السهول ، ليصيفوا فيها .

{وتنحتون الجبال بيوتا} قال ابن عباس : كانوا يبنون القصور بكل موضع ، وينحتون من الجبال بيوتا يسكنونها شتاء لتكون مساكنهم في الشتاء أحصن وأدفأ ، ويروى أنهم لطول أعمارهم يحتاجون إلى أن ينحتوا بيوتا في الجبال ، لأن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم {فاذكروا آلاء الله} أي : نعم الله عليكم بما أعطاكم من القوة ، وطول العمر ، والتمكن في الأرض {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي : ولا تضطربوا بالفساد في الأرض ، ولا تبالغوا فيه .

{قال الملأ الذين استكبروا} أي : تعظموا ورفعوا أنفسهم فوق مقدارها ، بجحود الحق ، للأنفة من اتباع الرسول الداعي إليه {من قومه} أي : من قوم صالح {للذين استضعفوا} أي : للذين استضعفوهم من المؤمنين {لمن آمن منهم} إنما ذكره لئلا يظن بالمستضعفين أنهم كانوا غير مؤمنين ، لأنه قد يكون المستضعف مستضعفا في دينه ، ولا يكون مؤمنا ، فأزال الله سبحانه هذه الشبهة {أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه} أي : هل تعلمون أن الله سبحانه أرسل صالحا {قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون} أي : مصدقون .

{قال الذين استكبروا} لهم حين سمعوا منهم الإيمان ، والاعتراف بنبوة صالح {إنا بالذي آمنتم به} أي : صدقتم به {كافرون} جاحدون . ثم أخبر سبحانه عما فعله المستكبرون بقوله {فعقروا الناقة} أي : فنحروا الناقة . قال الأزهري : العقر عند العرب : قطع عرقوب البعير ، ثم جعل النحر عقرا لأن ناحر البعير يعقره ، ثم ينحره .

{وعتوا عن أمر ربهم} أي : تجاوزوا الحد في الفساد والمعصية {وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا} من العذاب على قتل الناقة ، فقد قتلناها {إن كنت من المرسلين} ثم أخبر سبحانه بما حل بهم من العذاب بقوله {فأخذتهم الرجفة} أي الصيحة : عن مجاهد ، والسدي . وقيل : الصاعقة . وقيل الزلزلة ، أهلكوا بها ، عن أبي مسلم . وقيل : كانت صيحة زلزلت بها الأرض . وأصل الرجفة : الحركة المزعجة بشدة الزعزعة .

{فأصبحوا في دارهم} أي : في بلدهم ، ولذلك وحد . وقيل : يريد في دورهم ، وإنما وحد لأنه أراد الجنس . كقوله {إن الانسان لفي خسر} وقد ذكر في موضع آخر {ديارهم} بالجمع {جاثمين} أي : صرعى ميتين ساقطين ، لا حركة بهم . وقيل : كالرماد الجاثم ، لأنهم احترقوا بالصاعقة {فتولى عنهم} صالح أي :

أعرض عنهم ، لأنه إنما كان يقبل عليهم لدعائهم إلى الإيمان {وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم} أي : أديت النصح في تبليغ الرسالة {ولكن لا تحبون الناصحين} أي : ولكنكم لا تحبون من ينصح لكم ، لأن من أحب إنسانا قبل منه .

قصة صالح : وكان من قصة صالح وقومه ، على ما ذكره أصحاب التواريخ أن عادا لما هلكت ، وتقضى أمرها ، عمرت ثمود بعدها ، واستخلفوا في الأرض ، فكثروا وعمروا وكانوا في سعة من معايشهم ، فعتوا على الله ، وأفسدوا في الأرض ، وعبدوا غير الله ، فبعث الله إليهم صالحا ، وكان من أوسطهم نسبا ، وكانوا قوما عربا .

وروي في الخبر أنه لما بعث كان ابن ست عشرة سنة ، فلبث فيهم يدعوهم إلى الله تعالى حتى بلغ عشرين ومائة سنة ، لا يجيبونه إلى خير ، وكان لهم سبعون صنما يعبدونها . فلما رأى ذلك منهم قال لهم :

أنا أعرض عليكم أمرين ، إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألون ، وإن شئتم سألت آلهتكم ، فإن أجابوني خرجت عنكم فقد شنئتكم وشنئتموني .

قالوا قد أنصفت فاتعدوا ليوم يخرجون فيه ، فخرجوا بأصنامهم إلى عيدهم ، وأكلوا وشربوا ، فلما فرغوا دعوه فقالوا : يا صالح سل؟ فسألها ، فلم تجبه . قال :

لا أرى آلهتكم تجيبني ، فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم الساعة . فقالوا : يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة ، وأشاروا إلى صخرة منفردة ، ناقة مخترجة ، جوفاء ، وبراء ، والمخترجة : ما شاكل البخت من الإبل ، فإن فعلت صدقناك ، وآمنا بك!

فسأل الله سبحانه ذلك صالح ، فانصدعت الصخرة صدعا ، كادت عقولهم تطير منه ، ثم اضطربت كالمرأة يأخذها الطلق ، ثم انصدعت عن ناقة عشراء ، جوفاء ، وبراء ، كما وصفوا ، لا يعلم ما بين جنبيها الا الله عظما ، وهم ينظرون ، ثم نتجت سقبا مثلي في العظم ، فآمن به رهط من قومه ، ولم يؤمن أكابرهم .

فقال لهم صالح : هذه ناقة لها شرب ، ولكم شرب يوم معلوم ، وقد بينا ذلك قبل ، فإذا كان يومها وضعت رأسها في مائهم ، فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيه ، ثم ترفع رأسها فتفجج لهم (2) ، فيحتلبون ما شاؤوا من لبن ، فيشربون ويدخرون ، حتى يملؤوا أوانيهم كلها .

قال الحسن بن محبوب : حدثني رجل من أصحابنا يقال له سعيد بن يزيد ، قال : أتيت أرض ثمود ، فذرعت مصدر الناقة بين الجبلين ، ورأيت اثر جنبيها ، فوجدته ثمانين ذراعا ، وكانت تصدر من غير الفج الذي منه وردت ، لا تقدر على أن تصدر من حيث ترد ، لأنه يضيق عنها ، فكانوا في سعة ودعة منها ، وكانوا يشربون الماء يوم الناقة من الجبال والمغارات ، فشق ذلك عليهم ، وكانت مواشيهم تنفر عنها لعظمها ، فهموا بقتلها .

قالوا : وكانت امرأة جميلة يقال لها صدوف ، ذات مال من إبل وبقر وغنم ، وكانت أشد الناس عداوة لصالح ، فدعت رجلا من ثمود يقال له مصدع بن مهرج ، وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة ، وامرأة أخرى يقال لها عنيزة ، دعت قدار بن سالف ، وكان أحمر أزرق قصيرا ، وكان ولد زنا ، ولم يكن لسالف الذي يدعى إليه ، ولكنه ولد على فراشه ، وقالت له : أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة . وكان قدار عزيزا منيعا في قومه .

فانطلق قدار بن سالف ، ومصدع ، فاستغويا غواة ثمود ، فاتبعهما سبعة نفر ، وأجمعوا على عقر الناقة .

قال السدي وغيره : أوحى الله إلى صالح : إن قومك سيعقرون ناقتك . فقال ذلك لقومه ، فقالوا : ما كنا لنفعل . قال صالح : إنه يولد في شهركم هذا غلام يعقرها ، ويكون هلاككم على يديه . فقالوا : لا يولد لنا ابن في هذا الشهر إلا قتلناه ، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر ، فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر فأبى ان يذبح ابنه ، وكان لم يولد له قبل ذلك شئ . وكان العاشر أزرق أحمر ، ونبت نباتا سريعا ، وكان إذا مر بالتسعة فرأوه قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء ، لكانوا مثل هذا فغضب التسعة على صالح ، لأنه كان سبب قتلهم أبناءهم ، فتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله .

قالوا : نخرج ، فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر ، فنأتي الغار ، فنكون فيه حتى إذا كان الليل ، وخرج صالح إلى مسجده ، أتيناه فقتلناه ثم رجعنا إلى الغار ، فكنا فيه ، ثم رجعنا فقلنا : ما شهدنا مهلك أهله ، وأنا لصادقون ، فيصدقوننا ، يعلمون أنا قد خرجنا إلى سفرنا .

وكان صالح لا ينام معهم في القرية ، ويبيت في مسجد يقال له مسجد صالح ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم ، وإذا أمسى خرج إلى المسجد ، فبات فيه .

فانطلقوا فلما دخلوا الغار ، وأرادوا أن يخرجوا من الليل ، سقط عليهم الغار فقتلهم ، فانطلق رجال ممن اطلع على ذلك منهم ، فإذا هم رضخ ، فرجعوا وجعلوا يصيحون في القرية : أي عباد الله! أما رضي صالح أن أمرهم بقتل أولادهم إذ قتلهم!! فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة .

وقال ابن إسحاق : إنما كان تقاسم التسعة على تبييت صالح بعد عقر الناقة ، وإنذار صالح إياهم بالعذاب . قال السدي : ولما ولد قدار وكبر . جلس مع أناس يصيبون من الشراب ، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم ، وكان ذلك اليوم شرب الناقة ، فوجدوا الماء قد شربته الناقة ، فاشتد ذلك عليهم ، فقال قدار : هل لكم في أن أعقرها لكم ؟ قالوا : نعم .

وقال كعب : كان سبب عقرهم الناقة أن امرأة يقال لها ملكاء ، كانت قد ملكت ثمودا ، فلما أقبل الناس على صالح ، وصارت الرئاسة إليه ، حسدته فقالت لامرأة يقال لها قطام ، وكانت معشوقة قدار بن سالف ، ولامرأة أخرى يقال لها قبال ، كانت معشوقة مصدع ، وكان قدار ومصدع يجتمعان معهما كل ليلة ، ويشربون الخمر .

فقالت لهما ملكا : إن أتاكما الليلة قدار ومصدع ، فلا تطيعاهما ، وقولا لهما : إن ملكاء حزينة لأجل الناقة ، ولأجل صالح ، فنحن لا نطيعكما حتى تعقرا الناقة ، فلما أتياهما قالتا هذه المقالة لهما ، فقالا : نحن نكون من وراء عقرها .

قالوا فانطلق قدار ومصدع ، وأصحابهما السبعة ، فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء ، وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها ، وكمن لها مصدع في أصل أخرى ، فمرت على مصدع ، فرمى بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، وخرجت عنيزة وأمرت ابنتها ، وكانت من أحسن الناس ، فأسفرت لقدار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف ، فكشف عرقوبها ، فخرت ورغت رغاة واحدة ، وتحذر سقبها ، ثم طعن في لبتها ، فنحرها ، وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه . فلما رأى الفصيل ما فعل بأمه ، ولى هاربا حتى صعد جبلا ، ثم رغا رغاء تقطع منه قلوب القوم .

وأقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه ، إنما عقرها فلان ، ولا ذنب لنا! فقال صالح : أنظروا هل تدركون فصيلها ، فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب .

فخرجوا يطلبونه في الجبل ، فلم يجدوه ، وكانوا عقروا الناقة ليلة الأربعاء ، فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم يعني : في محلتكم في الدنيا ، ثلاثة أيام ، فإن العذاب نازل بكم . ثم قال : يا قوم إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني تصبحون وجوهكم محمرة ، واليوم الثالث وجوهكم مسودة .

فلما كان أول يوم أصبحت وجوههم مصفرة ، فقالوا : جاءكم ما قال لكم صالح . ولما كان اليوم الثاني احمرت وجوههم ، واليوم الثالث اسودت وجوههم .

فلما كان نصف الليل أتاهم جبرائيل عليه السلام فصرخ بهم صرخة ، خرقت أسماعهم ، وفلقت قلوبهم ، وصدعت أكبادهم ، وكانوا قد تحنطوا ، وتكفنوا ، وعلموا أن العذاب نازل بهم ، فماتوا أجمعين في طرفة عين ، صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق الله منهم ثاغية ، ولا راغية ، ولا شيئا يتنفس إلا أهلكه . فأصبحوا في ديارهم موتى .

ثم أرسل الله إليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين ، فهذه قصتهم .

وفي كتاب علي بن إبراهيم : فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا ، وروى الثعلبي بإسناده مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (يا علي أتدري من أشقى الأولين ؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم . قال : عاقر الناقة . قال : أتدري من أشقى الآخرين؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم . قال : قاتلك) . وفي رواية أخرى قال : أشقى الآخرين من يخضب هذه من هذه - وأشار إلى لحيته ورأسه - وروى أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : (لما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحجر في غزوة تبوك ، قال لأصحابه : لا يدخلن أحد منكم القرية ، ولا تشربوا من مائهم ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم الذي أصابهم . ثم قال : أما بعد : فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية ، فبعث الله لهم الناقة ، وكانت ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، تشرب ماءهم يوم ورودها ، وأراهم مرتقى الفصيل حين ارتقى في القارة ، فعتوا عن أمر ربهم ، فعقروها ، فأهلك الله من تحت أديم السماء منهم ، في مشارق الأرض ومغاربها ، إلا رجلا واحدا يقال له أبو رغال ، وهو أبو ثقيف ، كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن ودفن معه غصن من ذهب ، وأراهم قبر أبي رغال ، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم ، وحثوا عنه ، فاستخرجوا ذلك الغصن ، ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، رأسه وأسرع السير حتى جاز الوادي) .

_______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 291-297 .

2 . تفجج : فرق بين رجليه .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{وإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهً ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} .

ثمود قبيلة من العرب سميت باسم جدهم ثمود بن عامر ، وكانت مساكنهم الحجر بكسر الحاء بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ، قال تعالى : {ولَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر - 80] . وقوله تعالى : {وإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً} نظير قوله : {لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ} وقوله : {وإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً} ومر التفسير في الآية 59 و 65 من هذه السورة .

{هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} . قال جماعة من المفسرين : ان قوم صالح سألوه أن يخرج لهم ناقة من الصخرة ، وانه سأل ربه ذلك ، فتمخضت الصخرة كالمرأة يأخذها الطلق ، فولدت ناقة عشراء وبراء . . ونحن نؤمن إجمالا بأن الناقة كانت بينة وآية من اللَّه ، وانها لم تأت بسبب معتاد ، وان اللَّه سبحانه أضافها إليه تعظيما لشأنها . . نؤمن بهذا ولا نزيد شيئا ، حيث لم ينزل به وحي ولا جاء به خبر متواتر عن المعصوم .

{فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} . أمر صالح (عليه السلام) قومه أن يتركوا الناقة وشأنها تأكل من أرض اللَّه ، وحذرهم من سوء العاقبة ان تعرضوا لها بأذى ، ثم قال لهم : {واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ} . أهلك اللَّه عادا بذنوبهم ، وأورث ثمود أرضهم وديارهم ، فذكرهم صالح بنعمة هذا الاستخلاف ، وأيضا ذكرهم قائلا : {وبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً} . ويدل هذا النص على إيجازه ان ثمود كانت تعيش في حضارة عمرانية واضحة المعالم ، وانها كانت في نعمة ورفاهية {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} . آلاء اللَّه نعمه ، ومعنى لا تعثوا في الأرض مفسدين لا تسعوا في الأرض فسادا . . بعد أن ذكر صالح قومه بما أسبغ اللَّه عليهم من النعم أمرهم أن يتذكروا ويشكروا نعم اللَّه ، ونهاهم عن الفساد . . وفي ذلك تحذير لهم من بأس اللَّه وعذابه .

{قالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} . أصر المترفون من قوم صالح على التمادي في الطغيان ، والتعصب لعبادة الأوثان ، أما المستضعفون فمنهم من آمن ، ومنهم من بقي على الشرك تبعا للمترفين ، فقال هؤلاء لمن آمن من الفقراء المستضعفين :

{أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} ؟ . سألوا المستضعفين هذا السؤال مستنكرين ومهددين ، أو ساخرين مستهزئين .

{قالُوا} - أي المستضعفون - {إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} . قالوا هذا غير مكترثين بالتهديد والاستهزاء ، لأنهم على يقين من دينهم ، وثقة من أمرهم .

{قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} - للمؤمنين المستضعفين - {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} .

على الرغم من الدلائل والبينات القاطعة على نبوة صالح ، لأن مصالحهم فوق الأديان السماوية ، والبراهين العقلية ، قال الرازي : هذه الآية من أعظم ما يحتج به على ان الاستكبار انما يتولد من كثرة المال والجاه ، لأن هذه الكثرة هي التي حملتهم على التمرد والإباء والكفر .

{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} . وكشف هذا العتو عن حقيقتهم وذات أنفسهم ، وانهم لا يكترثون إلا بصالحهم وحده لا شريك له . . وقد تحدوا صالحا باستعجال العذاب {وقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} .

ولم يمهلهم سبحانه جزاء لهذا العناد {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} .

أي هالكين ، والمراد بالرجفة الصاعقة ، قال تعالى : {وفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات - 45] .

{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ ولكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} . لما رأى صالح ما حل بقومه من العذاب تولى عنهم كئيبا ، وتبرأ من مصيرهم هذا الذي جلبوه على أنفسهم بالعتو والتمرد .

قال الرازي : قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) : يا علي أشقى الأولين عاقر ناقة صالح ، وأشقى الآخرين قاتلك .

وسنعود إلى النبي صالح (عليه السلام) مرة أخرى ان شاء اللَّه .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 350-352 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف : 73] إلى آخر الآية . 

ثمود أمة قديمة من العرب سكنوا أرض اليمن بالأحقاف بعث الله إليهم ﴿ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ وهو منهم {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 73] دعاهم إلى التوحيد وقد كانوا مشركين يعبدون الأصنام على النحو الذي دعا نوح وهود (عليهما السلام) قومهما المشركين . 

وقوله : {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف : 73] أي شاهد قاطع في شهادته ويبينه قوله بالإشارة إلى نفس البينة : {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف : 73] وهي الناقة التي أخرجها الله لهم من الجبل آية لنبوته بدعائه (عليه السلام) ، وهي العناية في إضافة الناقة إلى الله سبحانه . 

وقوله : {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} [الأعراف : 73] الآية . 

تفريع على كون الناقة آية لله ، وحكم لا يخلو عن تشديد عليهم يستتبع كلمة العذاب التي تفصل بين كل رسول وأمته قال تعالى : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [يونس : 47] ، وفي الآية تلويح إلى أن تخليتهم الناقة وشأنها في الأكل والسير في الأرض كانت مما يشق عليهم فكانوا يتحرجون من ذلك ، وفي قوله : { فِي أَرْضِ اللَّهِ} إيماء إليه فوصاهم وحذرهم أن يمنعوها من إطلاقها ويمسوها بسوء كالعقر والنحر فإن وبال ذلك عذاب أليم يأخذهم . 

قوله تعالى : {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف : 74] إلى آخر الآية . 

دعاهم إلى أن يذكروا نعم الله عليهم كما دعا هود عادا إلى ذلك ، وذكرهم أن الله جعلهم خلفاء يخلفون أمما من قبلهم كعاد ، وبوأهم من الأرض أي مكنهم في منازلهم منها ، يتخذون من سهولها - والسهل خلاف الجبل سمي به لسهولة قطعه - قصورا وهي الدور التي لها سور على ما قيل ، وينحتون الجبال بيوتا يأوون إليها ويسكنونها . 

ثم جمع الجميع ولخصها في قوله : {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ} [الأعراف : 74] وأورده في صورة التفريع مع أنه إجمال للتفصيل الذي قبله بإيهام المغايرة كأنه لما أمر بذكر النعم وعد من تفاصيل النعم أشياء كأنهم لا يعلمون بها قيل ثانيا : فإذا كان لله فيكم آلاء ونعم عظيمة أمثال التي ذكرت فاذكروا آلاء الله . 

وأما قوله : {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الأعراف : 74] فمعطوف على قوله : ﴿ فَاذْكُرُوا﴾ عطف اللازم على ملزومه ، وفسر العثي بالفساد وفسر بالاضطراب والمبالغة . 

قال الراغب في المفردات ، العيث والعثي يتقاربان نحو جذب وجبذ إلا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسا ، والعثي فيما يدرك حكما يقال : عثى يعثي عثيا ، وعلى هذا : {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الأعراف : 74] . 

قوله تعالى : {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف : 75] إلى آخر الآيتين ، دل سبحانه ببيان قوله : {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} بقوله : {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} على أن المستضعفين هم المؤمنون وأن المؤمنين إنما كانوا من المستضعفين ولم يكن ليؤمن به أحد من المستكبرين ، والباقي ظاهر . 

قوله : {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف : 77]  إلى آخر الآية عقر النخلة قطعها من أصلها ، وعقر الناقة نحرها ، وعقر الناقة أيضا قطع قوائمها ، والعتو هو التمرد والامتناع وضمن في الآية معنى الاستكبار بدليل تعديته بعن ، والباقي ظاهر . 

قوله تعالى : {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف : 78] إلى آخر الآيتين . 

الرجفة هي الاضطراب والاهتزاز الشديد كما في زلزلة الأرض وتلاطم البحر ، والجثوم في الإنسان والطير كالبروك في البعير . 

و قد ذكر الله هنا في سبب هلاكهم أنه أخذتهم الرجفة ، وقال في موضع آخر : {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود : 67] ، وفي موضع آخر {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} [فصلت : 17] ، والصواعق السماوية لا تخلو عن صيحة هائلة تقارنها ، ولا ينفك ذلك غالبا عن رجفة الأرض هي نتيجة الاهتزاز الجوي الشديد إلى الأرض ، وتوجف من جهة أخرى القلوب وترتعد الأركان ، فالظاهر أن عذابهم إنما كان بصاعقة سماوية اقترنت صيحة هائلة ورجفة في الأرض أو في قلوبهم فأصبحوا في دارهم أي في بلدهم جاثمين ساقطين على وجوههم وركبهم . 

والآية تدل على أن ذلك كان مرتبطا بما كفروا وظلموا آية من آيات الله مقصودا بها عذابهم عذاب الاستئصال ، ولا نظر في الآية إلى كيفية حدوثها ، والباقي ظاهر .

_______________________

1 . تفسير الميزان ، ج8 ، 185-187 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قصة قوم صالح وما فيها من عبر:

في هذه الآيات جاءت الإشارة إلى قيام «صالح» النّبي الإلهي العظيم في قومه «ثمود» الذين كانوا يسكنون في منطقة جبلية بين الحجاز والشام ، وبهذا يواصل القرآن أبحاثه السابقة الغنية بالعبر حول قوم نوح وهود .

وقد أشير إلى هذا القصة أيضا في سورة : «هود» و «الشعراء» و «القمر» و «الشمس» وجاءت بصورة أكثر تفصيلا في سورة «هود» أمّا هذه الآيات فقد أوردت ما دار بين صالح عليه السلام وقومه قوم ثمود ، وعن مصيرهم ، وعاقبة أمرهم بصورة مختصرة .

فيقول تعالى في البداية : {وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً} .

وقد مر بيان العلة في إطلاق لفظة «الأخ» على الأنبياء عند تفسير الآية (65) من نفس هذه السورة في قصة هود .

ولقد كانت أوّل خطوة خطاها نبيّهم صالح في سبيل هدايتهم ، هي الدعوة إلى التوحيد ، وعبادة الله الواحد {قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} .

ثمّ أضاف : إنّه لا يقول شيئا من دون حجة أو دليل ، بل قد جاء إليهم ببيّنة من ربّهم {قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً} .

و «النّاقة» أنثى الإبل ، وقد أشير إلى ناقة صالح في سبعة مواضع من القرآن الكريم (2) .

وأمّا حقيقة هذه الناقة ، وكيف كانت معجزة صالح الساطعة ، وآيته المفحمة لقومه ، فذلك ما سنبحثه في سورة هود ، في ذيل الآيات المرتبطة بقوم ثمود بإذن الله .

على أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ إضافة «الناقة» إلى «الله» في الآيات الحاضرة من قبيل الإضافة التشريفية ـ كما هو المصطلح ـ فهي إشارة إلى أنّ هذه الناقة المذكورة لم تكن ناقة عادية ، بل كانت لها ميزات خاصّة .

ثمّ إنّه يقول لهم : اتركوا الناقة تأكل في أرض الله ولا تمنعوها {فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} .

وإضافة الأرض إلى «الله» إشارة إلى أنّ هذه الناقة لا تزاحم أحدا ، فهي تعلف من علف الصحراء فقط ، ولهذا يجب أن لا يزاحموها .

ثمّ يقول في الآية اللاحقة {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} أي من جانب لا تنسوا نعم الله الكثيرة ، ومن جانب آخر انتبهوا إلى أنّه قد سبقكم أقوام (مثل قوم عاد) طغوا فحاق بهم عذاب الله بذنوبهم وهلكوا .

ثمّ ركز على بعض النعم الإلهية كالأرض فقال : {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً ، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً} ، فالأرض قد خلقت بنحو تكون سهولها المستوية والمزودة بالتربة الصالحة لإقامة القصور الفخمة ، كما تكون جبالها صالحة لأن تنحت فيها البيوت القوية المحصنة لفصل الشتاء والظروف الجوية القاسية .

ويبدو للنظر من هذا التعبير هو أنّهم كانوا يغيرون مكان سكناهم في الصيف والشتاء ، ففي فصل الربيع والصيف كانوا يعمدون إلى الزراعة والرعي في السهول الواسعة والخصبة ، ولهذا كانت عندهم قصور جميلة في السهول ، وعند حلول فصل البرد والانتهاء من الحصاد يسكنون في بيوت قوية منحوتة في قلب الصخور ، وفي أماكن آمنة تحفظهم من خطر السيول والعواصف والاخطار .

وفي ختام الآية يقول تعالى : {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (3) .

ثمّ إنّنا نلاحظ أيضا أنّ جماعة الأغنياء والمترفين ذوي الظاهر الحسن ، والباطن القبيح الخبيث ، الذين عبر عنهم بالملإ أخذوا بزمام المعارضة لهذا النّبي الإلهيّ العظيم ، وحيث أنّ عددا كبيرا من أصحاب القلوب الطيبة والأفكار السليمة كانت ترزح في أسر الأغنياء والمترفين ، قد قبلت دعوة النّبي صالح واتبعته ، لهذا بدأ الملأ بمخالفتهم لهؤلاء المؤمنين .

فقال الفريق المستكبر من قوم صالح للمستضعفين الذين آمنوا بصالح : هل تعلمون يقينا أنّ صالحا مرسل من قبل الله {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} .

على أنّ الهدف من هذا السؤال لم يكن هو تحري الحق ، بل كانوا يريدون بإلقاء هذه الشبهات زعزعة الإيمان في نفوس من آمن ، وإضعاف معنوياتهم ، وظنا منهم بأن هذه الجماهير ستطيعهم وتكف عن متابعة صالح وحمايته ، كما كانت مطيعة لهم يوم كانت تحت سيطرتهم ونفوذهم .

ولكن سرعان ما واجهوا ردّ تلك الجموع المؤمنة القاطع ، الكاشف عن إرادتها القوية وعزمها على مواصلة طريقها ، حيث قالوا : إنّنا لسنا نعتقد بأنّ صالحا رسول من قبل الله فحسب ، بل نحن مؤمنون أيضا بما جاء به {قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} .

ولكن هؤلاء المغرورين المتكبرين لم يكفوا عن عملهم ، بل عادوا مرّة أخرى إلى إضعاف معنوية المؤمنين {قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} . وكانت هذه محاولة منهم لجرّ هؤلاء المستضعفين الى صفوفهم مرّة أخرى .

كانوا المقدّمين في المجتمع والأسوة للآخرين على الدوام بما كانوا يتمتّعون به من قوة وثراء ، لهذا كانوا يظنون أنّهم بإظهار الكفر سيكونون أسوة للآخرين أيضا ، وأن الناس سوف يتبعونهم كما كانوا يفعلون ذلك من قبل ، ولكنّهم سرعان ما وقفوا على خطأهم ، وعلموا أنّ الناس قد اكتسبوا بالإيمان بالله على شخصيّة حضارية جديدة واستقلال فكري ، وقوة إرادة .

والجدير بالانتباه أنّ الأغنياء والملأ وصفوا في الآيات الحاضرة بالمستكبرين ، ووصفت الجماهير الكادحة المؤمنة بالمستضعفين ، وهذا يفيد الفريق الأوّل قد وصلوا بشعورهم بالتفوق ، وغصب حقوق الناس واستغلالهم إلى مرتبة ما يسمى في لغة العصر بـ «الطبقة المستغلّة» ، والفريق الآخر بالطبقة المستغلّة .

عند ما يئس الملأ والأغنياء المستكبرون من زعزعة الإيمان في نفوس الجماهير المؤمنة بصالح عليه السلام ، ومن جانب آخر رأوا أنّ وساوسهم وشائعاتهم لا تجدي نفعا مع وجود «الناقة» التي كانت تعدّ معجزة صالح عليه السلام ، لهذا قرّروا قتل الناقة ، مخالفين بذلك أمر ربّهم {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} (4) .

ولم يكتفوا بهذا أيضا ، بل أتوا إلى صالح نفسه وبصراحة {قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} .

يعني أنّنا لا نخاف تهديداتك مطلقا ، وأن هذه التهديدات جميعها لا أساس لها . . . والحقيقة أنّ هذا الكلام نوع من الحرب النفسية ضد صالح عليه السلام ، بهدف إضعاف روحيته وروحية المؤمنين به .

وعند ما وصل المعارضون بطغيانهم وتمرّدهم إلى آخر درجة ، وأطفأوا في نفوسهم آخر بارقة أمل في الإيمان ، حلّت بهم العقوبة الإلهية طبقا لقانون انتخاب الأصلح ، وإهلاك ومحو الكائنات الفاسدة والمفسدة {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} .

إنّها كانت زلزلة ورجفة عظيمة تهاوت على أثرها قصورهم وبيوتهم القوية ، واندثرت حياتهم الجميلة ، حتى أنّه لم يبق منهم إلّا أجساد ميتة . . . هكذا أصبحوا .

و «جاثم» في الأصل مشتق من مادة «جثم» بمعنى القعود على الركب ، والتوقف في مكان واحد ، ولا يبعد أن يكون هذا التعبير إشارة إلى أنّ الزلزلة والرجفة جاءتهم وهم في حالة نوع هنيئة ، فجلسوا على أثرها فجأة ، وبينما كانوا قاعدين على ركبهم لم تمهلهم الرجفة ، بل ماتوا وهم على هذه الهيئة ، إمّا خوفا ، وإمّا بسبب انهيار الجدران عليهم ، وإمّا بفعل الصاعقة التي رافقت الزلزال !!

بأيّ شيء أهلك قوم ثمود :

وهنا يطرح سؤال وهو : يستفاد من الآية الحاضرة أنّ الشيء الذي أهلك هؤلاء المتمردون كان هو الزلزال ، ولكن يظهر من الآية (13) من سورة فصلت أنّه كان الصاعقة ، بينما نقرأ في الآية (15) من سورة الحاقة {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} يعني أنّ قوم ثمود اهلكوا بشيء مدمّر ، فهل هناك تناقض بين هذه التعابير؟

إنّ الجواب على هذا السؤال يمكن أن يلخص في جملة واحدة ، وهي جميع هذه العبارات ترجع إلى معنى واحد ، أو أنّه يلازم بعضها بعضا ، فكثيرا ما تحدث الرجة الأرضية في منطقة ما بفعل صاعقة عظيمة ، أي أنّه تحدث صاعقة أوّلا ، ثمّ تحدث على أثرها رجة أرضية .

وأمّا «الطاغية» فهي بمعنى كائن تجاوز عن حدّه ، وهذا ينسجم مع الزلزلة وكذا مع الصاعقة ، ولهذا فلا يوجد أي تناقض بين الآيات .

وفي آخر آية من الآيات المبحوثة يقول : {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} أي بعد هذه القضية تولى صالح وهو يقول : لقد أديت رسالتي إليكم ، ونصحت لكم ولكنّكم لا تحبّون من ينصحكم .

وهنا يطرح سؤال آخر ، وهو : هل كلام صالح هذا كان بعد هلاك المتمردين من قومه ، أو أنّ هذا الكلام هو الحوار الأخير الذي جرى بينه وبين قومه قبيل هلاك القوم وموتهم ، أي بعد إتمام الحجّة عليهم . . . ولكن ذكر في عبارة القرآن بعد قضية هلاكهم وموتهم بالرجفة ؟

هناك احتمالان : والحقيقة أنّ الاحتمال الثّاني أنسب مع ظاهر الخطاب ، لأنّ الحديث مع قوم ثمود يفيد أنّهم كانوا أحياء . ولكن الاحتمال الأوّل هو أيضا غير بعيد ، لأنّه كثيرا ما تتم محادثة أرواح الموتى بمثل هذا الكلام ليعتبر الباقون الحاضرون ، تماما كما نقرأ نظير ذلك في تاريخ الإمام علي عليه السلام فإنّه عليه السلام وقف ـ بعد معركة الجمل ـ عند جسد طلحة وقال : «ويل أمّك ، طلحة! لقد كان لك قدم لو نفعك ، ولكن الشيطان أضلك فأزلك ، فعجلك إلى النّار» . (5)

كما نقرأ ـ أيضا ـ في أواخر نهج البلاغة أنّ الإمام عليا عليه السلام عند ما عاد من معركة صفّين وقف عند مدخل الكوفة والتفت إلى مقابر الموتى ، فسلّم على أرواح الماضين أوّلا ، ثمّ قال : «أنتم السابقون ونحن اللاحقون» .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 413-418 .

2. قال الطبرسي في المجمع : الناقة أصلها من التوطئة والتذليل بعير منوق أي مذلل موطأ ، ولعل إطلاقها على أثنى الإبل لكونها أكثر ذلولا للامتطاء والركوب .

3. «تعثوا» مشتقة من مادة «عثى» معنى إيجاد الفساد ، غاية ما هنالك أنّ هذه المادة تستعمل في الأغلب في المفاسد الأخلاقية والمعنوية ، في حين تطلق مادة «عبث» على المفاسد الحسية ، وبناء على هذا يكون كلمة «المفسدين» بعد جملة «لا تعثوا» لغرض التأكيد ، لأنّ كليهما يعطيان معنى واحدا .

4. المراد من العقر هو قطع عصب خاص خلف رجل الناقة أو الفرس هو سبب حركتها ، فإذا قطع سقط الحيوان ، وفقد القدرة على الحركة ، والتنقل .

5. شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 248 .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تقدّم دعوة لجامعة كركوك لمشاركة طلبتها في حفل التخرج المركزي
العتبة العباسية تقدم دعوة للجامعة الوطنية للعلوم والتكنلوجية في ذي قار
للمشاركة في حفل المركزي للطلبة العتبة العباسية تقدم دعوة للجامعة التقنيّة الجنوبيّة في محافظة البصرة
للمشاركة في حفل المركزي للطلبة العتبة العباسية تقدم دعوة لجامعة سومر في محافظة ذي قار