المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16333 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (28-30) من سورة الأعراف  
  
29720   01:29 صباحاً   التاريخ: 6-5-2019
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأعراف /

قال تعالى : {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأعراف : 28 - 30] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 28] .

{وإذا فعلوا فاحشة} كنى به عن المشركين الذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم ، فكان يطوف الرجال والنساء عراة ، يقولون : نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ، ولا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب ، وهم الحمس (2) .

قال الفراء : كانوا يعملون شيئا من سيور مقطعة ، يشدونهم على حقويهم ، يسمى حوفا ، وإن عمل من صوف يسمى رهطا ، وكانت تضع المرأة على قبلها النسعة فتقول : اليوم يبدو بعضه ، أو كله ، وما بدا منه فلا أحله يعني الفرج ، لأن ذلك يستر سترا تاما ، وفي الآية حذف تقديره : وإذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها {قالوا وجدنا عليها آباءنا} قيل : ومن أين أخذها آباؤكم ، قالوا : {والله أمرنا بها} أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار ، أنهم إذا فعلوا ما يعظم قبحه ، اعتذروا لنفوسهم : إنا وجدنا آباءنا يفعلونها ، وإن آباءهم فعلوا ذلك من قبل الله .

وقال الحسن : إنهم كانوا أهل إجبار ، فقالوا : لو كره الله ما نحن عليه ، لنقلنا عنه ، فلهذا قالوا : {والله أمرنا بها} فرد الله سبحانه عليهم قولهم ، بأن قال : {إن الله لا يأمر بالفحشاء} ، ثم أنكر عليهم من وجه آخر ، فقال : {أتقولون على الله ما لا تعلمون} لأنهم إن قالوا : لا ، لنقضوا مذهبهم ، وإن قالوا : نعم ، افتضحوا في قولهم . قال الزجاج : {أتقولون على الله} معناه : أتكذبون عليه .

* {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأعراف : 29 - 30] .

لما بين سبحانه أنه لا يأمر بالفحشاء ، وهو اسم جامع للقبائح والسيئات ، عقبه ببيان ما يأمر به من القسط ، وهو اسم جامع لجميع الخيرات فقال :

{قل} يا محمد {أمر ربي بالقسط} أي : بالعدل والاستقامة ، عن مجاهد ، والسدي ، وأكثر المفسرين . وقيل : بالتوحيد ، عن الضحاك . وقيل : بلا إله إلا الله ، عن ابن عباس . وقيل : بجميع الطاعات ، والقرب ، عن أبي مسلم .
{وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} قيل فيه وجوه أحدها : إن معناه توجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة ، عن مجاهد ، والسدي ، وابن زيد .
وثانيها : إن معناه أقيموا وجوهكم إلى الجهة التي أمركم الله بالتوجه إليها في صلاتكم ، وهي الكعبة ، والمراد بالمسجد أوقات السجود ، وهي أوقات الصلاة .
عن الجبائي ، وغيره . وثالثها : إن المراد إذا أدركتم الصلاة في مسجد ، فصلوا ولا تقولوا حتى أرجع إلى مسجدي ، والمراد بالمسجد موضع السجود ، عن الفراء ، وهو اختيار المغربي . ورابعها : إن معناه اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمر بالجماعة لها ندبا ، عند الأكثرين ، وحتما عند الأقلين . وخامسها : إن معناه أخلصوا وجوهكم لله تعالى في الطاعة ، فلا تشركوا به وثنا ، ولا غيره عن الربيع .
{وادعوه مخلصين له الدين} وهذا أمر بالدعاء والتضرع إليه سبحانه على وجه الإخلاص ، أي : ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له الدين . وقيل : معناه واعبدوه مخلصين له الدين {كما بدأكم تعودون} قيل في وجه اتصاله بما قبله وجوه أحدهما : إن معناه وادعوه مخلصين ، فإنكم مبعوثون ومجازون ، وان بعد ذلك في عقولكم ، فاعتبروا بالابتداء ، واعلموا أنه كما بدأكم في الخلق الأول ، فإنه يبعثكم فتعودون إليه في الخلق الثاني وثانيها : إنه يتصل بقوله {فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون} فقال : {كما بدأكم تعودون} أي : فليس بعثكم بأشد من ابتدائكم ، عن الزجاج قال : وإنما ذكره على وجه الحجاج عليهم ، لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث وثالثها : إنه كلام مستأنف ، أي : يعيدكم بعد الموت ، فيجازيكم ، عن أبي مسلم . قال قتادة : بدأكم من التراب ، وإليه تعودون ، كما قال : {منها خلقناكم ، وفيها نعيدكم} . وقيل : معناه كما بدأكم لا تملكون شيئا ، كذلك تبعثون يوم القيامة . ويروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : {تحشرون يوم القيامة ، عراة حفاة ، غرلا} (3) {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} . وقيل : معناه تبعثون على ما متم عليه ، المؤمن على إيمانه ، والكافر على كفره ، عن ابن عباس ، وجابر .

{فريقا} أي : جماعة {هدى} أي : حكم لهم بالاهتداء بقبولهم للهدى ، أو لطف لهم بما اهتدوا عنده ، أو هداهم إلى طريق الثواب ، كما تكرر بيانه في مواضع {وفريقا حق} أي : وجب {عليهم الضلالة} إذ لم يقبلوا الهدى ، أو حق عليهم الخذلان ، لأنه لم يكن لهم لطف ينشرح له صدورهم ، أو حق عليهم العذاب والهلاك بكفرهم ، ويؤيد هذا القول الأخير أنه سبحانه ذكر الهدى والضلال بعد العود والبعث .
ثم قال {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله} بين سبحانه أنه لم يبدأهم بالعقوبة ، ولكن جازاهم على عصيانهم ، واتباعهم الشيطان ، وإنما اتخذوهم أولياء بطاعتهم لهم فيما دعوهم إليه . {ويحسبون أنهم مهتدون} ومعناه : وهم مع ذلك يظنون أنهم في ذلك على هداية وحق .

________________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 239- 242 .

2 . الحمس : لقب قريش ، وكنانة ، وجديلة ، ومن تابعهم في الجاهلية .

3 . الغرل جمع الأغرل وهو الأقلف .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{وإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً} ضمير فعلوا يعود إلى الذين لا يؤمنون المذكورين في آخر الآية السابقة ، وقال جماعة من المفسرين : ان المراد بالفاحشة ما كان يفعله عرب الجاهلية من الطواف بالبيت عراة نساء ورجالا . والصحيح انها تعم جميع المحرمات التي كانوا يقترفونها ، وإذا نهوا عنها {قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا واللَّهُ أَمَرَنا بِها} وفعل الآباء حجة ودليل عند المشركين وغيرهم ، حتى عند أكثر علماء الدين ، ولكنهم لا يشعرون . . أما زعم المشركين بأن اللَّه أمرهم بالفاحشة فقد استدلوا عليه بما حكاه سبحانه عنهم في الآية 149 من سورة الأنعام :

{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا ولا آباؤُنا} . ورد اللَّه عليهم هناك بقوله قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ . وفسرنا كلا من الزعم ودحضه .

أما هنا فقد رد عليهم سبحانه بقوله : {قُلْ إِنَّ اللَّهً لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} بل {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة : 268] . {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} . وكل من قال من غير علم فهو مفتر كذاب ، وقد خاب من افترى .

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} وهو العدل والاستقامة ، وقال الطبرسي : القسط اسم جامع لجميع الخيرات ، وأيا كان معنى القسط فان الأمر به يكذّب زعمهم بأن اللَّه أمرهم بالفاحشة {وأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . المراد بأقيموا وجوهكم العبادة للَّه ، وكلمة المسجد اسم لمكان السجود وزمانه ، ولكن كثر استعمالها في البناء المعروف المختص بالعبادة ، حتى صار اسما لا يشاركه فيه سواه ، وليس المراد بكل مسجد جميع المساجد ، بل المراد مسجد من المساجد أيا كان (2) ، والمعنى ان اللَّه يأمركم بإقامة العبادة في أي مسجد اتفق ، على أن تخلصوا له في دينكم وعبادتكم {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} إليه يوم القيامة للحساب والجزاء ، وفي هذا تهديد وإنذار لمن يخالف ما أمر اللَّه به من العدل وإقامة العبادة والإخلاص .

{فَرِيقاً هَدى} وهم الذين اتخذوا اللَّه وليا ، وامتثلوا أمره ونهيه ، ولم تخدعهم زخارف الشيطان وأباطيله {وفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، ذلك {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ومن يتخذ الشيطان وليا من دون اللَّه فقد خسر خسرانا مبينا {ويَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} في ارتكاب الفواحش ، وتقليد الآباء ، والافتراء على اللَّه الكذب {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف : 103 ، 104] .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 318-319 .

2. للعموم معنيان : استغراقي مثل جاء كل رجال البلد ، أي لم يتخلف منهم أحد ، وعموم بدلي مثل أريد رجلا من البلد أي أيّ رجل كان ، وكلمة كل وضعت للاستغراق ، وقد تستعمل للبدل كما في الآية .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف : 28] إلى آخر الآية ، رجوع من الخطاب العام لبني آدم إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة ليتوسل به إلى انتزاع خطابات خاصة يوجهها إلى أمته كما جرى نظيره من الالتفات في الخطاب المتقدم يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا حيث قال : {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف : 26] لنظير الغرض .

وبالجملة فقد استخرج من هذا الأصل الثابت في قصة الجنة وهو أمر ظهور السوآت الذي أفضى إلى خروج آدم وزوجته من الجنة أن الله لا يرضى بالفحشاء الشنيعة من أفعال بني آدم ، فذكر إتيان المشركين بالفحشاء واستنادهم في ذلك إلى عمل آبائهم وأمر الله سبحانه بها فأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرد عليهم بأن الله لا يأمر بالفحشاء ، ويذكرهم أن ذلك من القول على الله بغير علم والافتراء عليه ، كيف لا ؟ وقصة الجنة شاهدة عليه .

وقد ذكر لهم في فعلهم الفحشاء عذرين يعتذرون بهما ومستندين يستندون إليهما وهما فعل آبائهم وأمر الله إياهم بها ، وكان الثاني هو الذي يرتبط بالخطاب العام المستخرج من قصة الجنة فقط ، ولذلك تعرض لدفعه ورده عليهم ، وأما استنادهم إلى فعل آبائهم فذلك وإن لم يكن مما يرتضيه الله سبحانه وقد رده في سائر كلامه بمثل قوله : {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170] فلم يتعرض لرده هاهنا لخروجه عن غرض الكلام .

وقد ذكر جمع من المفسرين أن قوله : {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [الأعراف : 28] إلخ ، إشارة إلى ما كان معمولا عند أهل الجاهلية من الطواف بالبيت الحرام عراة يقولون : نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ولا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب ، ونقل عن الفراء أنهم كانوا يعملون شيئا من سيور مقطعة يشدونهم على حقويهم يسمى حوفا وإن عمل من صوف سمي رهطا وكانت المرأة تضع على قبلها نسعة أو شيئا آخر فتقول : اليوم يبدو بعضه أو كله .

وما بدا منه فلا أحله .

ولم يزل دائرا بينهم حتى منعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الفتح حين بعث عليا (عليه السلام) بآيات البراءة إلى مكة .

وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعض المسلمين كانوا يعيبونهم على ذلك فيعتذرون إليهم بقولهم : {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف : 28] فرد الله سبحانه عليهم وذمهم بقوله : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 28] .

وليس ما ذكروه ببعيد وفي الآية بعض التأييد له حيث وصفت ما كانوا يفعلونه بالفحشاء وهي الأمر الشنيع الشديد القبح ثم ذكرت أنهم كانوا يعتذرون بأن الله أمرهم بذلك .

ولازم ذلك أن يكون ما فعلوه أمرا شنيعا أتوا به في صفة العبادة والنسك كالطواف عاريا ، والآية مع ذلك الفحشاء فتصلح أن تنطبق على فعلهم ذلك ، وعلى مصاديق أخرى ما أكثر وجودها بين الناس وخاصة في زماننا الذي نعيش فيه .

قوله تعالى : {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف : 29] لما نفت الآية السابقة أن يأمر الله سبحانه بالفحشاء وذكرت أن ذلك افتراء عليه وقول بغير علم لعدم انتهائه إلى وحي ما أوحى به الله بادرت هذه الآية إلى ذكر ما أمر به وهو لا محالة أمر يقابل ما استشنعته الآية السابقة وعدته فحشاء لما فيه من بلوغ القبح والإفراط والتفريط فقال : {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف : 29] إلخ .

والقسط على ما ذكره الراغب هو النصيب بالعدل كالنصف والنصفة قال : {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} [يونس : 4] {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن : 9] والقسط هو أن يأخذ قسط غيره ، وذلك جور والإقساط أن يعطي قسط غيره ، وذلك إنصاف ولذلك قيل : قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل قال : {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن : 15] وقال : {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات : 9] انتهى كلامه .

فالمراد : قل أمر ربي بالنصيب العدل ولزوم وسط الاعتدال في الأمور كلها وأن تجتنبوا جانبي الإفراط والتفريط فأقسطوا وأنيبوا وأقروا نفوسكم عند كل معبد تعبدون الله فيه وادعوه بإخلاص الدين له من غير أن تشركوا بعبادته صنما أو أحدا من آبائكم وكبرائكم بالتقليد لهم وهذا هو القسط في العبادة .

فقوله : {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف : 29] معطوف ظاهرا على مقول القول لأن معنى أمر ربي بالقسط : أقسطوا ، فيكون التقدير : أقسطوا وأقيموا إلخ ، والوجه هو ما يتوجه به إلى الشيء ، وهو في حال تمام النفس الإنسانية ، وإقامتها عندها إيجاد القيام بالأمر لها أي إيفاؤه والإتيان به كما ينبغي تاما غير ناقص فيؤول معنى إقامة الوجه عند العبادة إلى الاشتغال بالعبادة والانقطاع عن غيرها فيفيد قوله : {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف : 29]  إذا انضم إليه قوله : {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف : 29] وجوب الانقطاع للعبادة عن غيرها ولله سبحانه عن غيره كما عرفت ومن الغير الذي يجب الانقطاع عنه إلى الله سبحانه نفس العبادة ، وإنما العبادة توجه لا متوجه إليها ، والتوجه إليها يبطل معنى كونها عبادة وتوجها إلى الله فيجب أن لا يذكر الناسك في نسكه إلا ربه وينسى غيره .

وللمفسرين في معنى قوله : {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} [الأعراف : 29] إلخ ، أقوال أخر منها : أن المعنى : توجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة .

ومنها : أن المعنى توجهوا في أوقات السجود وهي أوقات الصلاة إلى الجهة التي أمركم الله بها وهي الكعبة .

ومنها إذا أدركتم الصلاة في مسجد فصلوا ولا تقولوا حتى أرجع إلى مسجدي .

ومنها : أن المعنى : اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمر فيها بالجماعة .

ومنها : أن المعنى : أخلصوا وجوهكم لله بالطاعة فلا تشركوا وثنا ولا غيره .

والوجوه المذكورة على علاتها وإباء الآية عنها لا تناسب الثلاثة الأول منها حال المسلمين في وقت نزول السورة وهي مكية ولم تكن الكعبة قبلة يومئذ ، ولا كانت للمسلمين مساجد مختلفة متعددة ، وآخر الوجوه وإن كان قريبا مما قدمناه إلا أنه ناقص في بيان الإخلاص المستفاد من الآية ، وما تضمنه إنما هي معنى قوله تعالى : {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف : 29] لا قوله : ﴿وأقيموا﴾ إلخ ، كما تقدم .

قوله تعالى : {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ } [الأعراف : 29 ، 30] إلى آخر الآية .

ظاهر السياق أن يكون قوله {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف : 30] حالا من فاعل ﴿ تَعُودُونَ ﴾ ويكون هو الوجه المشترك الذي شبه فيه العود بالبدء ، والمعنى تعودون فريقين كما بدأكم فريقين نظير قوله تعالى : {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام : 94] ، والمعنى لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة فرادى .

فهذا هو الظاهر المستفاد من الكلام ، وأما كون ﴿ فَرِيقًا هَدَى﴾ إلخ ، حالا لا يعدو عامله ، ووجه الشبه بين البدء والعود أمرا آخر غير مذكور ككونهم فرادى بدءا وعودا أو كون الخلق الأول والثاني جميعا من تراب أو كون البعث مثل الإنشاء في قدرة الله إلى غير ذلك مما احتملوه فوجوه بعيدة عن دلالة الآية ، وأي فائدة في حذف وجه الشبه من الذكر وذكر ما لا حاجة إليه مع وقوع اللبس ، وسيجيء إن شاء الله توضيح ذلك .

وظاهر البدء في قوله : ﴿بدأكم﴾ أول خلقة الإنسان الدنيوية لا مجموع الحياة الدنيوية قبال الحياة الأخروية فيكون البدء هو الحياة الدنيا والعود هو الحياة الأخرى فيكون المعنى كنتم في الدنيا مخلوقين له هدى فريقا منكم وحقت الضلالة على فريق آخر كذلك تعودون كما يؤول إليه قول من قال : إن معنى الآية : تبعثون على ما متم عليه : المؤمن على إيمانه ، والكافر على كفره .

وذلك أن ظاهر البدء إذا نسب إلى شيء ذي امتداد واستمرار بوجه أن يقع على أقدم أجزاء وجوده الممتد المستمر لا على الجميع ، والخطاب للناس فبدؤهم أول خلقة النوع الإنساني وبدء ظهوره .

على أن الآية من تتمة الآيات التي يبين الله سبحانه فيها بدء إيجاده الإنسان بمثل قوله : {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف : 11] إلخ ، فالمراد به كيفية البدء التي قصها في أول كلامه ، وقد كان من القصة أن الله قال لإبليس لما رجمه : {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف : 18] وفيه قضاء أن ينقسم بنو آدم فريقين فريقا مهتدين على الصراط المستقيم ، وفريقا ضالين حقا فهذا هو الذي بدأهم به وكذلك يعودون .

وقد بين ذلك في مواضع أخر من كلامه أوضح من ذلك وأصرح كقوله : {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 41 ، 42]  ، وهذا قضاء حتم وصراط مستقيم إن الناس طائفتان طائفة ليس لإبليس عليهم سلطان وهم الذين هداهم الله ، وطائفة متبعون لإبليس غاوون وهم المقضي ضلالهم لاتباعهم الشيطان وتوليهم إياه قال : {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} [الحج : 4] ، وإنما قضي ضلالهم إثر اتباعهم وتوليهم لا بالعكس كما هو ظاهر الآية .

ونظيره في ذلك قوله تعالى : {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 84 ، 85] ، فإنه يدل على أن هناك قضاء بتفرقهم فريقين ، وهذا التفرق هو الذي فرع تعالى عليه قوله إذ قال : {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا .... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:  123 ، 124] وهو عمى الضلال .

وبعد ذلك كله فمن الممكن أن يكون قوله : {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف : 29] إلخ ، في مقام التعليل لمضمون الكلام السابق والمعنى : أقسطوا في أعمالكم وأخلصوا لله سبحانه فإن الله سبحانه إذ بدأ خلقكم قضى فيكم أن تتفرقوا فريقين فريقا يهديهم وفريقا يضلون عن الطريق وستعودون إليه كما بدأكم فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة بتولي الشياطين فأقسطوا وأخلصوا حتى تكونوا من المهتدين بهداية الله لا الضالين بولاية الشياطين .

فيكون الكلام جاريا مجرى قوله تعالى : {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} [البقرة : 148] فإنه في عين أنه بين أولا أن لكل وجهة خاصة محتومة هو موليها لا يتخلف عنه إن سعادة فسعادة وإن شقاوة فشقاوة أمرهم ثانيا أن استبقوا الخيرات ، ولا يستقيم الأمر مع تحتم إحدى المنزلتين : السعادة والشقاوة لكن الكلام في معنى قولنا : إن كلا منكم لا محيص له عن وجهة متعينة في حقه لازمة له إما الجنة وإما النار فاستبقوا الخيرات حتى تكونوا من أهل وجهة السعادة دون غيرها .

وكذلك الأمر فيما نحن فيه فالكلام في معنى قولنا : إنكم ستعودون فريقين كما بدأكم فريقين بقضائه فأقسطوا في أعمالكم وأخلصوا لله سبحانه حتى تكونوا من الفريق الذي هدى دون الفريق الذي حق عليهم الضلالة .

ومن الممكن أن يكون قوله : {كَمَا بَدَأَكُمْ} [الأعراف : 29] إلخ ، كلاما مستأنفا وهو مع ذلك لا يخلو عن تلويح بالدعوة إلى الأقساط والإخلاص على ما يتبادر من السياق .

وأما قوله : {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف : 30] فهو تعليل لثبوت الضلالة ولزومها لهم في قوله : {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف : 30] كان كلمة الضلال والخسران صدرت من مصدر القضاء في حقهم مشروطا بولاية الشيطان كما يذكره في قوله : {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} [الحج : 4] .

فلما تولوا الشياطين في الدنيا حقت عليهم الضلالة ولزمتهم لزوما لا انفكاك بعده أبدا وهذا نظير ما يستفاد من قوله : {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت : 25] .

وأما قوله : {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف : 30] فهو كعطف التفسير بالنسبة إلى الجملة السابقة يفسر به معنى تحقق الضلالة ولزومها فإن الإنسان مهما ركب غير طريق الحق واعتنق الباطل وهو يعترف بأنه من الباطل ولما ينس الحق أوشك أن يعود إلى الحق الذي فارقه وكان مرجوا أن ينتزع عن ضلاله إلى الهدى أما إذا اعتقد حقية الباطل الذي هو عليه ، وحسب أنه على الهدى وهو في ضلال فقد استقر فيه شيمة الغي وحقت عليه الضلالة ولا يرجى معه فلاح أبدا .

فقوله : {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف : 30] كالتفسير لتحقق الضلالة لكونه من لوازمه ، وقد قال تعالى في موضع آخر : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف : 103 ، 104] ، وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة : 6 ، 7] .

وإنه الإنسان يسير على الفطرة ويعيش على الخلقة لا ينقاد إلا للحق ولا يخضع إلا للصدق ولا يريد إلا ما فيه خيره وسعادته غير أنه إذا شمله التوفيق وكان على الهدى طبق ما يطلبه ويقصده على حقيقة مصداقه ولم يعبد إلا الله وهو الحق الذي يطلبه ولم يرد إلا الحياة الدائمة الخالدة وهي السعادة التي يقصدها ، وإذا ضل عن الصراط انتكس وجهه من الحق إلى الباطل ومن الخير إلى الشر ومن السعادة إلى الشقاء فيتخذ إلهه هواه ، ويعبد الشيطان ، ويخضع للأوثان ، وأخلد إلى الأرض ، وتعلق بالزخارف المادية الدنيوية وتبصر إليها لكنه إنما يعمل ما يعمل بإذعان أنه هكذا ينبغي أن يعمل وحسبان أنه مهتد في عمله فيأخذ بالباطل بعنوان أنه حق ، ويركن إلى الشر أو الشقاء بعنوان أنه خير وسعادة فالإدراك الفطري محفوظ له غير أنه يطبقه في مقام العمل على غير مصداقه .

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء : 47] ، وأما إنسان يتبع الباطل بما هو باطل ، ويقصد الشقاء والخسران بما هو شقاء وخسران فمن المحال ذلك .

قال تعالى : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم : 30] وشيء من العلل والأسباب ومنها الإنسان لا يريد غاية ولا يفعل فعلا إلا إذا كان ملائما لنفسه حاملا لما فيه نفعه وسعادته ، وما ربما يتراءى من خلاف فإنما هو في بادئ النظر لا بحسب الحقيقة وفي نفس الأمر .

هذا كله ما يقتضيه التدبر وإيفاء النظر من معنى قوله {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف : 29 ، 30] إلخ ، وهو يدور مدار كون {فَرِيقًا هَدَى} [الأعراف : 30] إلخ ، حالا مبينا لوجه الشبه والمعنى المشترك بين البدء والعود سواء أخذنا الكلام مستأنفا أو واقعا موقع التعليل متصلا بما قبله .

وأما جمهور المفسرين فكأنهم متسالمون على أن قوله : {فَرِيقًا هَدَى} [الأعراف : 30] حال مبين لكيفية العود فحسب دون العود والبدء جميعا ، وأن المعنى المشترك الذي هو وجه تشبيه العود بالبدء أمر آخر وراءه إلا من فسر البدء بالحياة الدنيا والخلق الأول كما تقدم وسيجيء ، وكان ذلك فرارا منهم عن لزوم الجبر المبطل للاختيار مع احتفاف الكلام بالأوامر والنواهي ، وقد عرفت أن ذلك غير لازم .

وبالجملة فقد اختلفوا في وجه اتصال الكلام بما قبله بعد التسالم على ذلك فمن قائل : أنه إنذار بالبعث تأكيدا للأحكام المذكورة سابقا ، واحتجاج عليه بالبدء فالمعنى : ادعوه مخلصين فإنكم مبعوثون مجازون ، وإن بعد ذلك في عقولكم فاعتبروا بالابتداء واعلموا أنه كما بدأكم في الخلق الأول فإنه يبعثكم فتعودون في الخلق الثاني .

وفيه أنه مبني على أن تشبيه العود بالبدء في تساويهما بالنسبة إلى قدرة الله ، وأن النكتة في التعرض لذلك هو الإنذار بالمجازاة ، والسياق المناسب لهذا الغرض أن يقال : كما بدأكم يبعثكم فيجازيكم بوضع بعثه تعالى موضع عود الناس والتصريح بالمجازاة التي هي العمدة في الغرض المسوق لأجله الكلام كما صنع ذلك القائل نفسه فيما ذكره من المعنى ، والآية خالية من ذلك .

ومن قائل : أنه احتجاج على منكري البعث ، واتصاله بقوله تعالى قبل عدة آيات : {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف : 25] .

فقوله : {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف : 29] معناه فليس بعثكم بأشد من ابتدائكم .

وفيه : ما في الوجه السابق على أنه تحكم من غير دليل .

ومن قائل : أنه كلام مستأنف .

وقد تقدم ذكره .

ومن قائل : أنه متصل بما سبقه ، والمعنى : أخلصوا لله في حياتكم فإنكم تبعثون على ما متم عليه : المؤمن على إيمانه ، والكافر على كفره .

وفيه : أنه مبني على كون المراد بالبدء هو مجموع الحياة الدنيا في قبال الحياة الآخرة ثم تشبيه بالعود وهو الحياة الآخرة بآخر الحياة الأولى المسماة بعثا ، والآية - كما تقدم - بمعزل عن الدلالة على هذا المعنى .

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج8 ، ص 71-79 .

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 28] .

يشير تعالى إلى واحدة من وساوس الشيطان المهمّة والتي تجري على ألسنة بعض الشياطين من الإنس أيضا ، وهي أنّه عند ما يسأل الشخص لدى ارتكابه عملا قبيحا ، عن دليله يجيب قائلا : هذا ما وجدنا آباءنا يفعلونه : {وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا} .

ثمّ يضيفون إلى هذه الحجّة حجّة كاذبة أخرى قائلين : {وَاللهُ أَمَرَنا بِها} .

إنّ مسألة التقليد الأعمى للآباء ، بالإضافة إلى الافتراء على الله ، عذران مختلفان ، وحجّتان داحضتان يتشبث بهما العصاة المتشيطنون لتبرير أعمالهم القبيحة غالبا .

والملفت للنظر أنّ القرآن الكريم لم يعبأ بالدليل الأوّل (يعني التقليد الأعمى للآباء والأسلاف) ولم يعتن به ، وكأنّه وجد نفسه في غنى عن الرّدّ عليه وإبطاله ، لأنّ العقل السليم يدرك بطلانه ، هذا مضافا إلى أنّه قد ردّ عليه في مواضع عديدة من القرآن الكريم. وإنّما اكتفى بالردّ على الحجّة الثّانية ، أو بالأحرى (التبرير الثّاني) حيث قال : {قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} .

إنّ الأمر بالفحشاء حسب تصريح الآيات القرآنية عمل الشيطان لا عمل الله ، فإنّه تعالى لا يأمر إلّا بالمعروف والخير (2) .

ثمّ يختم الآية بهذه العبارة : {أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} .

ورغم أنّ الأنسب أن يقول : لماذا تنسبون ما هو كذب وليس له واقع إلى الله؟ لكنّه قال بدل ذلك : لماذا تقولون ما لا تعلمون على الله؟ وهذا في الحقيقة استنادا الى الحدّ الأدنى من موضع قبول الطرف الآخر ، فيقال : إذا كنتم لا تتيقنون كذب هذا الكلام ، فعلى الأقل ليس لديكم دليل على إثباته ، فلما ذا تتهمون الله وتقولون على الله ما لا تعلمون ؟! .

ما هو المقصود من الفحشاء ؟

ما هو المراد من الفحشاء هنا ؟ قالت طائفة كبيرة من المفسّرين : إنّها إشارة إلى تقليد كان سائدا بين جماعة من العرب في العهد الجاهلي ، وهو الطواف حول بيت الله المعظم عريانا «رجالا ونساء» ظنا منهم بأنّ الثياب التي ارتكبت فيها الذنوب لا تليق بأن يطاف بها حول الكعبة المعظمة.

على أنّ هذا التّفسير يتناسب مع الآيات السابقة التي دار الحديث فيها عن الثّياب والألبسة.

ولكنّنا نقرأ في روايات متعددة أنّ المراد من الفحشاء هنا هو كلام حكّام الجور الذين يدعون الناس إلى أنفسهم ، ويعتقدون بأنّ الله فرض طاعتهم على الناس.

ولكن بعض المفسّرين ـ مثل كاتب «المنار» و «الميزان» ـ أخذوا للآية مفهوما واسعا إذ قالوا : إنّ الفحشاء تشمل كل عمل قبيح منكر ، وبملاحظة سعة مفهوم لفظة الفاحشة ، فإنّ الأنسب هو أنّ للآية معنى واسعا سعة معنى الكلمة ، ومسألة «الطواف بالبيت عريانا» و «اتباع القادة والزعماء الظلمة» تعدّ من المصاديق الواضحة لذلك ، فلا منافاة بين الطائفتين من الرّوايات.

هذا وقد أعطينا توضيحا كافيا حول التسليم المطلق لتقاليد الأسلاف وأعرافهم عند تفسير الآية (170) من سورة البقرة .

- {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف : 29-30] .

بما أنّ الحديث في الآية السابقة دار حول الفحشاء التي يشمل مفهوما كلّ أنواع الفعل القبيح ، وتأكّد أنّ الله يأمر بالفحشاء إطلاقا لهذا أشير في هذه الآية إلى أصول ومبادئ التعاليم الإلهية في مجال الوظائف والواجبات العملية في جملة قصيرة ، ثمّ تبعه بيان أصول العقائد الدينية ، أي المبدأ والمعاد ، بصورة مختصرة موجزة .

يقول أوّلا : أيّها النّبي {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} والعدل .

ونحن نعلم أنّ للعدل مفهوما واسعا يشمل جميع الأعمال الصالحة ، لأنّ حقيقة العدل هي استخدام كل شيء في مجاله ، ووضع كل شيء في محلّه .

ثمّ إنّه وإن كان بين «العدالة» و «القسط» تفاوتا ، إذ تطلق «العدالة» ويراد منها إعطاء كل ذي حق حقه ، ويقابلها «الظلم» وهو منع ذوي الحقوق من حقوقهم ، بينما يعني «القسط» أن لا تعطي حق أحد لغيره.

وبعبارة أخرى : أن لا يرضى بالتبعيض ، ويقابله أن يعطي حقّ أحد لغيره .

ولكن المفهوم الواسع لهاتين الكلمتين اللتين قد تستعملان منفصلتين ، متساو تقريبا ، وهما يعنيان رعاية الاعتدال والتوازن في كل شيء وفي كل عمل ، وبالتالي وضع كل شيء في مكانه .

ثمّ إنّه سبحانه أمر بالتوحيد في العبادة ومحاربة كلّ ألوان الشرك وأنواعه ، إذ قال : {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي وجهوا قلوبكم نحو الله الواحد دون سواه ، {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .

وبعد تحكيم وإرساء قاعدة التوحيد ، وجه الأنظار نحو مسألة المعاد والبعث يوم القيامة ، إذ قال : {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} .

_________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 344-347 .

2. راجع سورة البقرة ، 268 و 269.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



اللجنة التحضيرية للمؤتمر الحسيني الثاني عشر في جامعة بغداد تعلن مجموعة من التوصيات
السيد الصافي يزور قسم التربية والتعليم ويؤكد على دعم العملية التربوية للارتقاء بها
لمنتسبي العتبة العباسية قسم التطوير ينظم ورشة عن مهارات الاتصال والتواصل الفعال
في جامعة بغداد.. المؤتمر الحسيني الثاني عشر يشهد جلسات بحثية وحوارية