المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16314 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
2024-04-20
لماذا اختير الكلام ان يكون معجزا ؟
2024-04-20
مكمن الإعجاز في القرآن الكريم عند اهل البيت
2024-04-20
تعريف بعدد من الكتب / جواب أهل الحائر.
2024-04-20
تعريف بعدد من الكتب / تفسير علي بن إبراهيم القمّي.
2024-04-20
شهر رمضان.
2024-04-20

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (19-25) من سورة الأعراف  
  
4803   12:11 صباحاً   التاريخ: 6-5-2019
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأعراف /

قال تعالى : {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف : 19 - 25] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف : 19 - 21] .

 {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } هذا أمر بالسكنى ، دون السكون ، وإنما لم يقل وزوجتك ، لأن الإضافة إليه قد أغنت عن ذكره ، وأبانت عن معناه ، فكان الحذف أحسن لما فيه من الإيجاز من غير إخلال بالمعنى  .

{فكلا من حيث شئتما} أباح سبحانه لهما أن يأكلا من حيث شاءا ، وأين شاءا ، وما شاءا { ولا تقربا هذه الشجرة } بالأكل { فتكونا من الظالمين } أي : من الباخسين نفوسهم الثواب العظيم ، وقد مضى تفسير هذه الآية مشروحا في سورة البقرة {فوسوس لهما} أي : لآدم ، وحواء { الشيطان } الفرق بين وسوس إليه ، ووسوس له ، أن معنى وسوس إليه انه ألقى إلى قلبه المعنى بصوت خفي ، ومعنى وسوس له أنه أوهمه النصيحة له في ذلك { ليبدي لهما } أي : ليظهر لهما { ما ووري } أي : ستر {عنهما من سوآتهما} أي : عوراتهما ، وهذا الظاهر يوجب أن يكون إبليس علم أن من اكل من هذه الشجرة بدت عورته ، وأن من بدت عورته لا يترك في الجنة ، فاحتال في اخراجهما منها بالوسوسة .

{ وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } أي : عن أكل هذه الشجرة { إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } والمعنى أنه أوهمهما أنهما إذا أكلا من هذه الشجرة ، تغيرت صورتهما إلى صورة الملك ، وأن الله تعالى ، قد حكم بذلك ، وبأن لا تبيد حياتهما إذا أكلا منها . وروي عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأ { ملكين } بكسر اللام . قال الزجاج : قوله { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } يدل على الملكين وأحسبه قد قرأ به ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله : { إلا أن تكونا ملكين } أنه أوهمهما أن المنهى عن تناول الشجرة الملائكة خاصة ، والخالدين دونهما ، فيكون كما يقول أحدنا لغيره : ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا ، وإنما يريد أن المنهي إنما هو فلان دونك ، وهذا المعنى أوكد في الشبهة واللبس عليهما ، ذكره المرتضى ، قدس الله روحه .

{ وقاسمهما } أي : وحلف لهما بالله تعالى ، حتى خدعهما ، عن قتادة { إني لكما لمن الناصحين } أي : المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة ، ولذلك تأكدت الشبهة عندهما ، إذ ظنا أن أحدا لا يقدم على اليمين بالله تعالى ، إلا صادقا ، فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة .

واستدل جماعة من المعتزلة بقوله : { إلا أن تكونا ملكين } على أن الملائكة أفضل من الأنبياء ، قالوا : لأن إبليس رغبهما بالتناول من الشجرة في منزلة الملائكة ، حتى تناولا ، ولا يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون علي منزلة دون منزلته ، فيحمله ذلك على معصية الله وأجاب عنه المرتضى بأن قال : ما أنكرتم أن تكون الآية محمولة على الوجه الثاني الذي ذكرناه ، دون أن يكون معناها أن ينقلبا إلي صفة الملائكة ، وإذا كانت الآية محتملة لما ذكروه ، وأيضا فمما يرفع هذه الشبهة أن يقال : ما أنكرتم أن يكونا رغبا في أن ينقلبا إلى صفة الملائكة وخلقتهم ، لما رغبهما إبليس في ذلك ، ولا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما ، فإن الثواب إنما يستحق على الطاعات دون الصور والهيئات ، ولا يمتنع أن يكونا رغبا في صور الملائكة وهيآتها ، ولا يكون ذلك رغبة في الثواب ، ولا الفضل ، ألا ترى أنهما رغبا في أن يكونا من الخالدين ، وليس الخلود مما يقتضي مزية في الثواب ، ولا الفضل .

{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ {22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف : 21 - 25] .

{فدلاهما بغرور} أي : أوقعهما في المكروه ، بان غرهما بيمينه ، وقيل : معناه دلاهما من الجنة إلى الأرض ، وقيل : معناه خذلهما وخلاهما من قولهم : تدلى من الجبل أو السطح ، إذا نزل إلى جهة السفل ، عن أبي عبيدة أي : حطهما عن درجتهما بغروره {فلما ذاقا الشجرة} أي : ابتدءا بالأكل ، ونالا منها شيئا يسيرا ، ولذلك أتى بلفظة {ذاقا} عبارة عن أنهما تناولا شيئا قليلا من ثمرة الشجرة ، على خوف شديد ، لأن الذوق ابتداء الأكل والشرب ، ليعرف الطعم . وفي هذا دلالة على أن ذوق الشيء المحرم ، يوجب الذم ، فكيف استيفاؤه ، وقضاء الوطر منه .

{بدت لهما سوآتهما} أي : ظهرت لهما عوراتهما ، ظهر لكل واحد منهما عورة صاحبه . قال الكلبي : فلما أكلا منها تهافت (2) لباسهما عنهما ، فأبصر كل واحد منهما سوأة صاحبه ، فاستحيا . {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي : أخذا يجعلان ورقة على ورقة ، ليسترا سوآتهما ، عن الزجاج . وقيل : معناه جعلا يرقعان ويصلان عليهما من ورق الجنة ، وهو ورق التين ، حتى صار كهيئة الثوب ، عن قتادة . وهذا إنما كان لأن المصلحة اقتضت اخراجهما من الجنة ، وإهباطهما إلى الأرض ، لا على وجه العقوبة ، فإن الأنبياء لا يستحقون العقوبة ، وقد مضى الكلام فيه في سورة البقرة .

{وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أي : من تلك الشجرة ، لكنه لما خاطب اثنين قال {تلكما} ، والكاف حرف الخطاب {وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} ظاهر المعنى {قالا} أي : قال آدم وحواء ، لما عاتبهما الله سبحانه ، ووبخهما على ارتكاب المنهي عنه : {ربنا ظلمنا أنفسنا} ومعناه : بخسناها الثواب بترك المندوب إليه ، فالظلم هو النقص ، ومن ذهب إلى أنهم فعلا صغيرة ، فإنه يحمل الظلم على تنقيص الثواب ، إذا كانت الصغيرة عنده تنقص من ثواب الطاعات .

فأما من قال إن الصغيرة تقع مكفرة من غير أن تنقص من ثواب فاعلها شيئا ، فلا يتصور هذا المعنى عنده ، ولا يثبت في الآية فائدة ، ولا خلاف أن حواء وآدم لم يستحقا العقاب ، وإنما قالا ذلك ، لأن من جل في الدين قدمه ، كثر على يسير الزلل ندمه . وقيل : معناه ظلمنا أنفسنا بالنزول إلى الأرض ، ومفارقة العيش الرغد {وإن لم تغفر لنا} معناه : لان لم تستر علينا ، لأن المغفرة هي الستر على ما تقدم بيانه {وترحمنا} أي : ولم تتفضل علينا بنعمتك التي يتم بها ما فوتناه على نفوسنا من الثواب ، وبضروب فضلك {لنكونن من الخاسرين} أي : من جملة من خسر ، ولم يربح . والإنسان يصح أن يظلم نفسه بأن يدخل عليها ضررا غير مستحق ، فلا يدفع عنها ضررا أعظم منه ، ولا يجتلب به منفعة توفي عليه ، ولا يصح أن يكون معاقبا لنفسه {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} قد مر تفسيره في سورة البقرة .

{قال} الله تعالى {فيها تحيون} أي : في الأرض تعيشون ، {وفيها تموتون ومنها تخرجون} عند البعث ، يوم القيامة . قال الجبائي : في الآية دلالة على أن الله سبحانه يخرج العباد يوم القيامة من هذه الأرض التي حيوا فيها بعد موتهم ، وأنه يفنيها بعد أن يخرج العباد منها في يوم الحشر ، وإذا أراد إفناءها زجرهم عنها زجرة ، فيصيرون إلى أرض أخرى يقال لها الساهرة وتفنى هذه كما قال : {فإذا هم بالساهرة} .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 231-235 .

2 . تهافت : تساقط .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{ويا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ} . مر تفسيره مفصلا عند الآية 35 من سورة البقرة ج 1 ص 84 .

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما} . ووري من المواراة أي الستر ، والسوءة العورة ، وعنهما أي لا يرى أحدهما عورته ، ولا عورة الآخر ، أما وسوسة الشيطان فلا ندري كيف كانت ، ولكنا نؤمن بأن أي خاطر أو قول أو عمل يقف في طريق الحياة وتقدمها فهو من وحي الشيطان . .

ومهما يكن ، فان الشيطان أظهر النصح لآدم وحواء ، وأبطن الغدر ، ويوحي ظاهر الآية بأن إبليس كان يعلم ان من أكل من هذه الشجرة تبدو عورته ، وان من بدت عورته يطرد من الجنة ، ومن أجل هذا احتال لاخراجهما من الجنة ، {وقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ} . عكس اللعين الآية رأسا على عقب . . فحلف انه لهما من الناصحين ، وهو العدو اللدود ، وحلف انهما إذا أكلا من الشجرة يكونان من الخالدين ، وهو على علم اليقين ان عاقبة الأكل هو الطرد والشقاء والموت . . وهكذا يفعل شياطين الإنس يوهمون البسطاء بأن السراب ماء ، والماء سراب .

{فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ} دلاهما من التدلية ، أي أسقطهما ، والغرور الخداع بالباطل ، والمعنى ان الشيطان بعد أن حلف لآدم وحواء انه ناصح أمين استجابا لاغرائه ظنا منهما انه لا أحد يجرأ على الحلف باللَّه كاذبا ، لأن اللعين هو أول من تجرأ على اليمين الكاذبة ، كما انه أول من تعصب لأصله ، وقاس برأيه {فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} . طفقا شرعا ، ويخصفان يضعان ، والمعنى حين أكلا من الشجرة ظهرت لكل واحد منهما عورته وعورة صاحبه ، وكانت من قبل في حجاب ، فخجلا ، وشعرا بالحاجة إلى سترها ، فشرعا يجمعان من ورق شجر الجنة ، ويضعانه على العورة .

{وناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ} . هذا تقريع من اللَّه لآدم وزوجه على اغترارهما بقول إبليس ، وضعفهما تجاه اغوائه وإغرائه ، وفي الوقت نفسه فيه تنبيه إلى وجوب التوبة والإنابة ، ولذا سارعا إلى الاعتراف بالذنب وطلب الاستغفار {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} . وقد غفر اللَّه ورحم بدليل الآية 37 من سورة البقرة : فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

{قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} . الخطاب في اهبطوا لآدم وزوجه وإبليس ، والمراد ببعضكم إبليس وقبيله ، وببعض آدم وذريته ، وسبب هذا العداء هو إبليس ، لأنه تعمد إغواء الإنسان وإفساده انتقاما منه لمأساته ، أما الإنسان فإنه لا يرى إبليس كي يناله بأذى ، قال تعالى : {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة : 6] . وقال : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر : 6] .

{ولَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إِلى حِينٍ قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وفِيها تَمُوتُونَ ومِنْها تُخْرَجُونَ} . وهكذا كتب اللَّه علينا ، بعد أن كان من آدم ما كان ، ان نحيا ونموت في هذه الأرض ، ثم نخرج منها للحساب والجزاء بعد الذي قاسيناه من الشقاء والعناء .

قصة آدم كما هي في القرآن :

ذكر اللَّه سبحانه قصة آدم في الآية 33 وما بعدها من سورة البقرة ، وفي الآية 18 وما بعدها من سورة الأعراف ، وفي الآية 115 وما بعدها من سورة طه ، وتتلخص القصة كما جاءت في هذه الآيات :

بأن اللَّه جلت عظمته أنبأ ملائكته انه سينشئ خلقا في هذه الأرض ، يمشون في مناكبها ، ويأكلون من رزقه ، وان الملائكة قالوا له : كيف تجعل في الأرض من يفسدون ويسفكون الدماء تنافسا على خيراتها ، ونحن دائبون على العبادة لك ؟! فأجابهم سبحانه بما اطمأنت له قلوبهم ، وطلب منهم أن يسجدوا لآدم إذا سواه بشرا . وبعد أن خلقه من تراب ، وأعطاه الصورة النهائية أقبل الملائكة على آدم معظمين له وساجدين إلا إبليس جهر بالعصيان ، وأعلن التمرد .

ولما سأله اللَّه قال : أنا خير منه عنصرا . . فجازاه اللَّه بالطرد واللعنة . .

وعلَّم سبحانه آدم أسماء الكائنات كلها ، وكانت الملائكة تجهلها ، فأمر اللَّه آدم أن ينبئهم بها بيانا لفضله ، وإظهارا لحكمة استخلافه في الأرض ، فأخبرهم آدم بما كانوا يجهلون ، وحينئذ تبينوا فضله ، وأدركوا حكمة اللَّه في خلقه .

وجعل اللَّه لآدم زوجة من جنسه ، وأسكنهما جنة من نعيمه ، وأطلق لهما العنان في اجتناء ما يريدون من ثمارها ، ونهاهما عن شجرة واحدة من أشجارها ، وضمن لهما إذا هما امتثلا أن لا يجوعا ولا يظمئا ولا يعريا ، ثم حذرهما من إبليس واغوائه . . وعز على اللعين أن يشقى هو ، وينعم الذي كان السبب لشقائه وطرده من رحمة اللَّه ، فدلف إلى الجنة ، وجدّ في استمالة آدم وزوجه ، فافتتنا بزخرف قوله وزلا باغوائه ، وكان عليهما لباس يواري عورتهما لا يرانها من أنفسهما ، ولا أحدهما من الآخر . . ولما أكلا من ثمر الشجرة تهافت اللباس عنهما وظهرت العورة منهما ، فبادرا إلى سترها بورق الجنة .

فناداهما الجليل معاتبا ومؤنبا على اغفال نصيحته ، ونسيان تحذيره من إبليس ، فتضرعا إليه بالاعتراف والندم ، وطلبا الرحمة والمغفرة ، فرحم وغفر ، ولكنه طردهما من نعيم ما كانا فيه ، وأسكنهما هذه الأرض التي جعل فيها طريقين : هدى وضلالا ، ووعد من اتبع هداه بالجنة ، وتوعد من ضل بالنار ، وأنبأ آدم وذريته بأن العداوة بينهم وبين إبليس ستظل قائمة إلى آخر يوم ، وحذرهم من فتنته وغوايته .

هذا تلخيص ما في القرآن لقصة آدم وزوجه ، والناس فيها على قولين : بين جاحدين بالوحي ، وبين مؤمنين به ، وهؤلاء على فئتين : فئة تجاوزت ظاهر النص القرآني ، واعتمدت الإسرائيليات في تفسير جنة آدم وغيرها ، وان هذه الجنة كانت في الدنيا ، وتسمى جنة عدن ، وان الشجرة التي أكل منها آدم وحواء هي شجرة الحنطة ، وانهما سترا سوءاتهما بورق التين ، وان إبليس دخل الجنة ، وهو في جوف حية ، إلى غير ذلك مما لا حديث فيه ، ولا وحي . .

وفئة شطحت إلى ما وراء الحس ، وفسرت الشجرة بالامتحان ، والشيطان بالشهوة ، والسوءة بالرذيلة ، إلى غير ذلك من فراسة الصوفية وأذواقهم .

ونحن نقف موقفا وسطا بين الفئتين ، فنؤمن اجمالا بما أوحى به ظاهر النص من ان الشجرة والسوءة والورق ، كل ذلك كان من الكائنات الحسية ، لأنها هي المدلول الحقيقي للَّفظ ، ولا موجب للتأويل ، ما دام العقل يتقبل المعنى الظاهر ، ولا يرفضه . . ولا نتحدث عن حقيقة جنة آدم ، وانها كانت في هذه الدنيا أو في غيرها ، ولا عن نوع الورق الذي ستر به آدم وحواء عورتيهما ولا عن شخص الشجرة ، ولا كيف دلف إبليس إلى الجنة ، لأن هذه التفاصيل من علم الغيب ، ولم ينزل بها وحي والعقل يعجز عن إدراكها . . وعن الإمام أحمد انه قال : ثلاثة ليس لها أصل : التفسير والملاحم والمغازي يريد التفسير بغير المعنى الظاهر من كلام اللَّه تعالى ، لأنه من الذين يستدلون بهذا الظاهر في الأصول والفروع .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 311-314 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إلى آخر الآية . خص بالخطاب آدم عليه‌ السلام وألحق به في الحكم زوجته ، وقوله : {فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما} توسعة في إباحة التصرف إلا ما استثناه بقوله : {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} والظلم هو الظلم على النفس دون معصية الأمر المولوي فإن الأمر إرشادي .

قوله تعالى : {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ} إلى آخر الآية . الوسوسة هي الدعاء إلى أمر بصوت خفي ، والمواراة ستر الشيء بجعله وراء ما يستره ، والسوآة جمع السوأة وهي العضو الذي يسوء الإنسان إظهاره والكشف عنه ، وقوله : {ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ} إلخ ، أي إلا كراهة أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين .

والملك وإن قرئ بفتح اللام إلا أن فيه معنى الملك ـ بالضم فالسكون ـ والدليل عليه قوله في موضع آخر : {قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى} [طه : 120 .

ونقل في المجمع ، عن السيد المرتضى رحمه الله احتمال أن يكون المراد بقوله : {إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ} إلخ ، أنه أوهمهما أن المنهي عن تناول الشجرة الملائكة خاصة والخالدون دونهما فيكون كما يقول أحدنا لغيره : ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا ، وإنما يريد أن المنهي إنما هو فلان دونك ، وهذا أوكد في الشبهة واللبس عليهما ( انتهى ) . لكن آية سورة طه المنقولة آنفا تدفعه .

قوله تعالى : {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ} المقاسمة المبالغة في القسم أي حلف لهما وأغلظ في حلفه إنه لهما لمن الناصحين ، والنصح خلاف الغش .

قوله تعالى : {فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ} إلى آخر الآية . التدلية التقريب والإيصال كما أن التدلي الدنو والاسترسال ، وكأنه من الاستعارة من دلوت الدلو أي أرسلتها ، والغرور إظهار النصح مع إبطان الغش ، والخصف الضم والجمع ، ومنه خصف النعل .

وفي قوله : {وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} دلالة على أنهما عند توجه هذا الخطاب كانا في مقام البعد من ربهما لأن النداء هو الدعاء من بعد ، وكذا من الشجرة بدليل قوله : {تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} بخلاف قوله عند أول ورودهما الجنة : {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} .

قوله تعالى : {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} هذا منهما نهاية التذلل والابتهال ، ولذلك لم يسألا شيئا وإنما ذكرا حاجتهما إلى المغفرة والرحمة وتهديد الخسران الدائم المطلق لهما حتى يشاء الله ما يشاء .

قوله تعالى : {قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} إلى آخر الآية ، كان الخطاب لآدم وزوجته وإبليس ، وعداوة بعضهم لبعض هو ما يشاهد من اختلاف طبائعهم ، وهذا قضاء منه تعالى والقضاء الآخر قوله : {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ} أي إلى آخر الحياة الدنيوية ، وظاهر السياق أن الخطاب الثاني أيضا يشترك فيه الثلاثة .

قوله تعالى : {قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ} قضاء آخر يوجب تعلقهم بالأرض إلى حين البعث ، وليس من البعيد أن يختص هذا الخطاب بآدم وزوجته وبنيهما ، لما فيه من الفصل بلفظة {قالَ} وقد مر تفصيل الكلام في قصة الجنة في سورة البقرة فليراجعها من شاء .

________________________

1. تفسير الميزان ، ج8 ، ص 29-31 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف : 19 - 22] .

وساوس شيطانيّة في حلل خلّابة :

تبيّن هذه الآيات وتستعرض فصلا آخر من قصّة آدم ، فتقول أوّلا : إنّ الله سبحانه أمر آدم وزوجته حواء بأن يسكنا الجنّة : {يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} .

ويستفاد من هذه العبارة أنّ آدم وحواء لم يكونا في بدء الخلقة في الجنّة ، إنّما خلقا أوّلا ثمّ هديا إلى السكنى في الجنّة وأنّ القرائن تفيد ـ كما أسلفنا في ذيل الآيات المتعلقة بقصة خلق آدم في سورة البقرة ـ أن تلك الجنّة لم تكن جنّة القيامة ، بل هي ـ كما ورد في أحاديث أهل البيت عليهم ‌السلام أيضا جنّة الدنيا ، أي أنّها كانت بستانا جميلا أخضر من بساتين هذا العالم ، وفّر الله سبحانه فيها جميع أنواع النعم والخيرات (2) .

وفي هذه الأثناء صدر أوّل تكليف وأمر ونهي إلى آدم وحواء من جانب الله تعالى ، بهذه الصورة : {فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ} أي أنّ الأكل من جميع أشجار هذه الجنّة مباح لكما ، إلّا شجرة خاصّة لا تقرباها ، وإلّا كنتما من الظالمين.

ثمّ إنّ الشيطان الذي طرد من رحمة الله تعالى بسبب إحجامه عن السجود لآدم ، وكان قد صمّم على أن ينتقم لنفسه من آدم وبنيه ما أمكن ، ويسعى في إضلالهم ما استطاع ، وكان يعلم جيدا أنّ الأكل من الشجرة الممنوعة تعرّض آدم للإخراج من الجنّة ، عمد إلى الوسوسة لآدم وزوجته ، وبغية الوصول إلى هذا الهدف نشر شباكا متنوعة على طريقهما.

ففي البداية ـ وكان يقول القرآن الكريم ـ بدأ بنزع لباس الطاعة والعبودية لله ، عنهما ، فأبدى عورتهما التي كانت مخبأة مستورة : {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما}.

وللوصول إلى هذا الهدف رأى أنّ أفضل طريق هو أن يستغلّ حبّ الإنسان ورغبته الذاتية في التكامل والرقي والحياة الخالدة ، وليوفّر لهما عذرا يعتذران ويتوسلان به لتبرير مخالفتهما لأمر الله ونهيه ، ولهذا قال لآدم وزوجته : {ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ}.

وبهذه الطريقة صوّر الأمر الإلهي في نظرهما بشكل آخر ، وصوّر المسألة وكأنّ الأكل من «الشجرة الممنوعة» ليس غير مضرّ فحسب ، بل يورث عمرا خالدا أو نيل درجة الملائكة.

والشاهد على هذا الكلام هو العبارة التي قالها إبليس في سورة طه الآية 120 : {يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى} .

فقد جاء في رواية رويت في تفسير القمي عن الإمام الصادق عليه ‌السلام ، وفي «عيون أخبار الرضا» عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه ‌السلام : فجاء إبليس فقال : «إنّكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين ، وبقيتما في الجنّة أبدا ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة» (3) .

ولما سمع آدم هذا الكلام غرق في التفكير ، ولكنّ الشيطان ـ من أجل أن يحكم قبضته ويعمّق وسوسته في روح آدم وحواء ـ توسّل بالأيمان المغلّظة للتدليل على أنه يريد لهما الخير! {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ}.

لم يكن آدم يمتلك تجربة كافية عن الحياة ، ولم يكن قد وقع في حبائل الشيطان وخدعه بعد ، ولم يعرف بكذبه وتضليله قبل هذا ، كما أنّه لم يكن في مقدوره أن يصدّق بأن يأتي بمثل هذه الايمان المغلّظة كذبا ، وينشر مثل هذا الحبائل والشباك على طريقه .

ولهذا وقع في حبال الشيطان ، وانخدع بوسوسته في المآل ، ونزل بحبل خداعه المهترئ في بئر الوساوس الشيطانية للحصول على ماء الحياة الخالدة والملك الذي لا يبلى ، ولكنّه ليس فقط لم يظفر بماء الحياة كما ظنّ ، بل سقط في ورطة المخالفة والعصيان للأوامر الإلهية ، كما يعبّر القرآن عن ذلك ويلخصه في عبارة موجزة إذ يقول : {فَدَلَّاهُما بِغُرُور} (4) .

ومع أن آدم ـ نظرا لسابقة عداء الشيطان له ، ومع علمه بحكمة الله ورحمته الواسعة ، ومحبته ولطفه ـ كان من اللازم أن يبدّد كل الوساوس ويقاومها ، ولا يسلّم للشيطان ، إلّا أنه قد وقع ما وقع على كل حال .

وبمجرّد أن ذاق آدم وزوجته من تلك الشجرة الممنوعة تساقط عنهما ما كان عليهما من لباس وانكشفت سوءاتهما {فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما} .

ويستفاد من العبارة أعلاه أنّهما بمجرّد أن ذاقا من ثمرة الشجرة الممنوعة أصيبا بهذه العاقبة المشؤومة ، وفي الحقيقة جرّدا من لباس الجنّة الذي هو لباس الكرامة الإلهية لهما .

ويستفاد من هذه الآية جيدا أنّهما قبل ارتكابهما لهذه المخالفة لم يكونا عاريين ، بل كانا مستورين بلباس لم يرد في القرآن ذكر عن حقيقة ذلك اللباس وكيفيته ، ولكنّه على ايّ حال كان يعدّ علامة لشخصية آدم وحواء ومكانتهما واحترامهما ، وقد تساقط عنهما بمخالفتهما لأمر الله  ، وتجاهلهما لنهيه .

على حين تقول التّوراة المحرفة : إنّ آدم وحواء كانا في ذلك الوقت عاريين بالكامل ، ولكنّهما لم يكونا يدركان قبح العري ، وعند ما ذاقا وأكلا من الشجرة الممنوعة التي كانت شجرة العلم والمعرفة ، انفتحت أبصار عقولهما ، فرأيا عريهما ، وعرفا بقبح هذه الحالة .

إنّ آدم الذي تصفه التّوراة لم يكن في الواقع إنسانا ، بل كان بعيدا من العلم والمعرفة جدا ، إلى درجة أنّه لم يكن يعرف حتى عريه .

ولكن آدم الذي يصفه القرآن الكريم ، لم يكن عارفا بوضعه فحسب ، بل كان واقفا على أسرار الخلقة أيضا (علم الأسماء) ، وكان يعدّ معلّم الملائكة ، وإذا ما استطاع الشيطان أن ينفذ فيه فإنّ ذلك لم يكن بسبب جهله ، بل استغلّ الشيطان صفاء نيّته ، وطيب نفسه .

ويشهد بهذا القول الآية (27) من نفس هذه السورة ، والتي تقول : {يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما} .

وما كتبه بعض الكتّاب المسلمين من أن آدم كان عاريا منذ البداية ، فهو خطأ بيّن نشأ ممّا ورد في التّوراة المحرفة .

وعلى كل حال فإنّ القرآن يقول : إن آدم وحواء لمّا وجدا نفسيهما عاريين عمدا فورا إلى ستر نفسيهما بأوراق الجنّة : {وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (5) .

وفي هذا الوقت بالذات جاءهما نداء من الله يقول : ألم أحذّركما من الاقتراب والأكل من هذه الشجرة؟ ألم أقل لكما : إنّ الشيطان عدوّ لكما؟ فلما ذا تناسيتم أمري ووقعتم في مثل هذه الأزمة : {وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ} .

من المقايسة بين تعبير هذه الآية والآية الاولى التي أجاز الله فيها لآدم وحواء أن يسكنا الجنّة ، يستفاد بوضوح أنّهما بعد هذه المعصية ابتعدا عن مقام القرب الإلهي إلى درجة أنّ أشجار الجنّة أيضا اضحت بعيدة عنهما. لأنّه في الآية السابقة تمت الإشارة إلى الشجرة بأداة الإشارة القريبة (هذه الشجرة) وأمّا في هذه الآية فقد استعملت مضافا إلى كلمة (نادى) التي هي للخطاب من بعيد ، استعملت (تلكما) التي هي للإشارة إلى البعيد .

 

- {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف : 23 – 25] .

رجوع آدم إلى الله وتوبته :

وفي المآل عند ما عرف آدم وحواء بكيد إبليس ، وخطّته ومكره الشيطاني ، ورأيا نتيجة مخالفتهم فكرا في تلافي ما فات ، وجبران ما صدر منهما ، فكانت أوّل خطوة خطياها هي : الاعتراف بظلمهما لنفسيهما أمام الله : {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}.

والخطوة الأولى في سبيل التوبة والإنابة إلى الله وإصلاح المفاسد هي : أن ينزل الإنسان عن غروره ولجاجه ، ويعترف بخطئه اعترافا بنّاء واقعا في سبيل التكامل.

والملفت للنظر أن آدم وحواء يظهران أدبا كبيرا مع الله في توبتهما وطلبهما العفو والغفران منه تعالى فلم يقولا : ربنا اغفر لنا ، بل يقولان : {إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} .

ولا شك أنّ مخالفة أوامر الله ونواهيه ظلم يورده الإنسان على نفسه ، لأنّ جميع البرامج والأوامر الإلهية تهدف إلى خير الإنسان ، وتتكفل سعادته وتقدمه ، وعلى هذا الأساس فإنّ أية مخالفة من جانب الإنسان تكون مخالفة لتكامل نفسه ، وسببا لتأخرها وسقوطها ، وآدم وحواء وإن لم يذنبا ولم يرتكبا معصية ، ولكن نفس هذا الترك للأولى أنزلهما من مقامهما الرفيع ، واستوجب حطّ منزلتهما.

إنّ توبة آدم وحواء الخالصة وإن قبلت من جانب الله تعالى ـ كما نقرأ ذلك في الآية (37) من سورة البقرة {فَتابَ} ـ ولكنّهما لم يستطيعا على كل حال التخلص من الأثر الوضعي والنتيجة الطبيعة لعملهما ، فقد أمرا بمغادرة الجنّة ، وشمل هذا الأمر الشيطان أيضا : {قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ} .

كما ذكّر الجميع بأنّهم سيتعرضون في الأرض للموت بعد الحياة ، ثمّ يخرجون من الأرض مرّة أخرى للحساب {قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ} .

والظاهر أن المخاطبين في هذه الآية : {قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} هم آدم وحواء وإبليس جميعا ، ولكن لا يبعد أن يكون المخاطبين في الآية اللاحقة هم آدم وحواء فقط لأنّهما هما اللذان يخرجان من الأرض .

قصّة آدم ومستقبل هذا العالم :

إن ببعض المفسّرين الذين تأثروا بموجة الأفكار الغربية الإلحادية عادة ، وحاولوا أن يضفوا على قصّة آدم وحواء من بدايتها إلى نهايتها طابع التشبيه والكناية والمجازية ، أو ما يسمّى الآن بالرمزية ، ويحملوا جميع الألفاظ المتعلقة بهذه الحادثة ـ على خلاف الظاهر ـ على الكناية عن المسائل المعنوية.

ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهر هذه الآيات يحكي عن حادثة واقعية عينية وقعت لأبينا وأمنا الأوّلين : آدم وحواء ، وحيث أن هذه القصّة لا تتضمن أية نكتة غير قابلة للتفسير حسب الظاهر ، كما ليس فيها ما يخالف الموازين العقلية (ليكون قرينة على حملها على المعنى الكنائي) لهذا ليس هناك أي دليل على أن نعرض عن ظاهر الآيات ، ولا نحملها على معناها الحقيقي.

ولكن مع ذلك يمكن أن تحمل هذه الحادثة الواقعية الحسية إشارات إلى حياة النوع البشري في مستقبل هذه العالم.

يعني أنّ الإنسان المركب من قوّة «العقل» ومن «الغرائز الجامحة» والتي تجرّه كل واحدة منهما إلى جهة وناحية يواجه في خضم هذه الحياة الصاخبة دعاة كذّابين أصحاب سوابق سيئة مثل الشيطان ، يحاولون بوساوسهم المتواصلة إلقاء الستار والحجاب على عقله بغية عزله عنه ، وبغية خداعه وإضلاله وتركه حائرا في متاهات الحياة يبحث عن سراب.

إنّ أوّل نتيجة للاستسلام أمام الوساوس هو انهيار حاجز التقوى ، وسقوط لباسه ، وانكشاف مساوئه وسوءاته.

والأخرى هي الابتعاد عن مقام القرب إلى الله ، وسقوط الإنسان عن مقام الإنسانية الكريم ، والإخراج من جنة الأمن والطمأنينة ، والوقوع في دوامة الحياة المادية المضنية.

وفي هذه الحالة يمكن لقوّة العقل ـ أيضا ـ أن تساعد الإنسان وتعينه على النهوض من كبوته ، فيفكر فورا في تلافي ما فاته ، وجبران ما بدر منه ، فيبعثه العقل والتفكير إلى أن يعود إلى الله كي يعترف بكل شجاعة وصراحة بذنوبه ، اعترافا بناء واعيا مفيدا يعدّ منعطفا في حياته.

وفي هذا الوقت تمتد إليه يد الرحمة الإلهية مرّة أخرى ، وتنقذه وتخلصه من السقوط الأبديّ ، وإن كان لا يستطيع مع ذلك التخلص من آثار معصيته الوضعية ونتائجها الطبيعية مهما كانت قليلة ومحدودة. ولكن هذه الحادثة ستكون له درسا وعبرة ، وسيمكنه ذلك من أن يتخذ من هذه الهزيمة قاعدة صلبة لانتصاره في مستقبل الحياة ، ويستفيد من هذا الضرر نفعا كبيرا في المراحل القادمة من حياته.

 

_________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 324-335 .

2. راجع الى تفسيرنا هذا ذيل الآية 35 من سورة البقرة .

3. نور الثقلين ، ج2 ، ص 11 ؛ عيون أخبار الرضا ، ج1 ، ص 196 .

4. دلّى من مادة التدلية وتعني إرسال الدلو في البئر بحبل تدريجا ، وهذه ـ في حقيقتها ـ كناية لطيفة عن أنّ الشيطان أنزل بحبل مكره وخداعه آدم وزوجته من مقامهما الرفيع ، وأرسلهما إلى قعر بئر المشكلات والابتعاد عن الرحمة الإلهية .

5. " يخصفان " من مادة " الخصف " وتعني في الأصل ضمّ شيء آخر ، والجمع ثم أطلق على ترفيع النعل أو الثوب المتمزق وخياطته فقيل : خصف النعل أو الثوب ، أي جمع الأجزاء المتفرقة وضم بعضها الى الآخر .

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



السيد الصافي للطلبة الخرّيجين: المرجعية الدينية تسرّ برؤية هذه الكوكبة وهم يودّعون الدراسة ويدخلون ميدان العمل
العتبة العباسية تكرّم رؤساء الجامعات المشاركين في حفل التخرّج المركزي
حفل تخرّج طلبة الجامعات يشهد عرض فيلمٍ عن أصغر شهداء فتوى الدفاع الكفائي
خلال حفل تخرّج طلبة الجامعات.. الخرّيجون يقدّمون الشكر لكلّ من مدّ يد العون لهم طيلة مسيرتهم الدراسية