المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
بطانة الرجل وولیجته
2024-04-19
معنى الصِر
2024-04-19
تحتمس الرابع وتاريخ هذه المسلة.
2024-04-19
تحتمس الثالث يقيم مسلتين في معبد عين شمس وتنقلان إلى الإسكندرية.
2024-04-19
مسلة القسطنطينية.
2024-04-19
مسلة القسطنطينية.
2024-04-19

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


استقلالية المنهج اللغوي  
  
1994   11:26 صباحاً   التاريخ: 21-4-2019
المؤلف : تمام حسان
الكتاب أو المصدر : مناهج البحث في اللغة
الجزء والصفحة : ص14- 29
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / قضايا لغوية أخرى /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-4-2019 44185
التاريخ: 30-3-2019 1281
التاريخ: 15-4-2019 761
التاريخ: 19-3-2019 7629


استقلال المنهج اللغوي:
سوف يرى من يتتبع تاريخ الدراسات اللغوية، أن هذه الدراسات كانت جزءًا لا يتجزأ من التفكير الفلسفي القديم، وسوف يرى قارئ الفلسفة اليونانية، أن هذه الفلسفة قد افترضت اللغة اليونانية مقياسًا للغات العالم، وبنت على ذلك اعتقادات تخطئه الدراسات اللغوية الحديثة، هو أن دراسة اللغة اليونانية في تراكيبها، وطرقها صادقة على كل لغات العالم؛ إذ أن هذه اللغات تجري على مقياس اليونانية(1)، وهذه الدراسات اللغوية القديمة تختلط إلى حد كبير جدا بالنظريات المنطقية، والميتافيزيقية، ولقد اعتبر كتاب اللغة من الإغريق الجملة حكما منطقيا، واعتبروا طرفي الإسناد النحوي بنفس الطريقة، التي اعتبروا بها الموضوع والمحمول في المنطق، وإن من يقرأ ما كتبه أرسطو في المقولات والعبارة، والتحليلات الأولى والثانية ليجدها مليئة بالنظرات، التي تخلط بين التفكير اللغوي، والفلسفي، خذ مثلا من كلامه في مقولة الكم: ويقال نفس الشيء عن الكلام، فمن الواضح أن الكلام ذو كمية؛ لأنه يقاس بالمقاطع الطوال والقصار، وأقصد بذلك الكلام المنطوق(2)"، ويقول: في الفصل العاشر من المقولات: "إن الأزواج المتقابلة التي تنضوي تحث مقولة الإضافة تتضح بنسبة كل فرد منها إلى الآخر؛ وهذه النسبة تدل عليها علامة الإضافة، أو أي حرف آخر"، ويقول أيضًا: "إن العبارات المتقابلة من جهة الإثبات، والنفي تقع بوضوح في نطاق قسم آخر متميز؛ لأنه من الضروري في هذه الحالة، وهذه الحالة فحسب أن يكون أحد المتقابلين صحيحا، والآخر خطأ"، ويقول: "والكلمات التي تقع في عبارات متقابلة، يقع بعضها في نفس الوقت عكسًا للبعض الآخر، وتختص الكلمات بهذا أكثر مما تختص به أي مجموعة من الأمور المتقابلة".
ويعرف أرسطو الاسم بأنه اللفظ، الذي لا يدخل الزمن في مدلوله، ولا يدل
ص14

جزء منه مستقلا عن الأجزاء الأخرى(3)، وهو يقول: إن الاسم لا يوصف بالصدق، أو الكذب إلا إذا أسند ويضرب لذلك مثلا بكلمة "وعل"، فهي لا توصف بأي الصفتين، إلا إذا أضيف إليها فعل، وواضح أن الصدق والكذب ليس من الدراسات اللغوية؛ وإنما هو من الدراسات المنطقية، فالنحوي يحلل العبارة الكاذبة، كما يحلل العبارة الصادقة، ولا يهمه منها إلا التحليل اللغوي، ولا يهم النحوي من قول الشاعر
يزيد جمال وجهك كل يوم
إن كانت هذه الشطرة صادقة أم كاذبة، وإنما يعنيه منها أن يحللها تحليلا لغويا لا أكثر ولا أقل، وتعريف الأداة في نظر أرسطو هو تعريف الاسم، إلا أنها حين يضاف إليها الفعل لا يدل معها على إسناد، والفعل ما كان الزمن من مدلولاته، ولا يدل جزء منه بمفرده، أما الجملة فهي الكلام المفيد الذي لبعض أجزائه معان مستقلة، باعتبارها ألفاظا لا اعتبارها أحكاما إيجابية"(4)، فالجملة في نظر أرسطو إذا حكم منطقي، ولكنها في نظر الدراسات اللغوية الحديثة ليست كذلك، ثم يتكلم عن التقرير والنفي لا باعتبارهما من الأبواب النحوية، وإنما ينظر إليهما نظره إلى قضايا المنطق، ويقول: "وكل قضية لا بد أن تحتوي فعلا أو تعبيرا عن معنى الزمن في الفعل"(5)، ويدخل بعد ذلك في الكلام عن القضايا مستغنيا به عن دراسة الجمل.
فالدراسات الإغريقية على سعتها، وعمقها لم تخلق للدراسات اللغوية منهجها الخاص، ولم تفكر في اللغة إلا في ظل المنطق والميتافيزيقا، يقول يسبرسن(6) "أما بالنسبة للعقول المتأملة التي كانت لفلاسفة الإغريق، فإن المسألة التي بدت أشد ما تكون جاذبية كانت عامة وتجريدية: هل الكلمات تعبيرات طبيعية عن الأفكار التي تدل عليها، أو هي علامات عرفية اعتباطية على أفكار يمكن أن يدل عليها بأصوات أخرى، دلالة لا تقل شأنًا؟ وهذه ولا شك أفكار ميتافيزيقية مجردة، طرحتها الدراست اللغوية الحديثة لهذا؛ ولأن هذه المسألة لم تعد موضع نقاش في العصر الحديث؛ إذ هي من بديهيات الدراسات اللغوية.
ص15

وجاء الإسلام وله كتاب كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكان حرص المسلمين على حفظ هذا الكتاب من أن يغير، أو يبدل فيه حرصا مصحوبا بالغيرة والرغبة في العمل، ولقد كان هذا الحرص وتلك الغيرة، وما صحبهما من رغبة من الدوافع التي دفعت المسلمين، والعرب إلى خلق طائفة من الدراسات اللغوية، كالنحو والصرف والمعجم والتجويد وهلم جرا، جعلت العرب يلمعون في أفق العصور الوسطى، ويبدون بحق في مظهر القادة الفكريين في العالم، فهل خلص العرب الدراسات اللغوية من شوائب التفكير غير اللغوي بصفة عامة، والتفكير الفلسفي بصفة خاصة؟ وهل استطاعوا أن يجعلوا للمنهج اللغوي استقلاله عن مناهج العلوم الأخرى؟ ذلك سؤال سنحاول الإجابة عليه في الصفحات التالية:
لقد عاصرت نشأة الدراسات اللغوية العربية نشاطا علميا ضخما في البلاد الإسلامية، شمل التدوين والسفر لطلب الروايات، والترجمة من اللغات الأجنبية ترجمة تناولت فروع المعرفة، التي تخدم الثقافة العربية، فترجموا الفلك والرياضات من الهندية، كما ترجموا عن البهلوية والسريانية واليونانية، ونشأت المدارس التي احترفت الترجمة احترافا في حران والرها، وغيرهما من بلاد الخلافة؛ فأصبحت العقلية العربية لأول مرة في احتكاك مباشر بالأمم، والديانات الأخرى ذات الثقافات المكتوبة، وكان لا بد والحالة هذه أن يتتلمذ العرب على هذه الأمم، وأن تتأثر عقولهم بعقولها، وأن ينهجوا في نشاطهم العلمي نهجا تظهر فيه سمات اطلاعهم على تراث هذه الأمم.
ولعل العرب لم يترجموا عن أمة كما ترجموا عن اليونانية، إما مباشرة أو عن طريق السريانية(7)، ومن المعلوم أن أرسطو كان له نصيب الأسد في الكتب المترجمة إلى اللغة العربية، وأن منطقه أصبح شهيرا في البلاد الإسلامية في العصر العباسي.
ولم يكن الاحتكاك بين العرب، وبين العقلية الإغريقية في ذلك العصر مقصورا على الترجمة فحسب، بل إن الصلة بين علماء المسلمين، وبين رجال الدين من المسيحيين ظلت قائمة وثيقة في هذا العهد، كما كانت من قبل، وكما استمرت من بعد كذلك، وقد
ص16

كان رجال الدين من المسيحيين، كما نعلم يعرفون من اللغات ما كتبت به الأناجيل، ولذلك كانوا يعرفون أكثر من لغة واحدة، وقد جمع الكثير منهم بين العربية، لغة الدولة التي يدينون لها بالطاعة، وبين الإغريقية لغة الدولة التي يدينون لها بالعطف والولاء، وقد كانت الإغريقية في ذلك العصر لغة الكنيسة الأرثوذكسية، التي كان أكثر المسيحيين في الدولة(8) الإسلامية تابعا لها، وكم دارت المناظرات بين هؤلاء المسيحيين، وبين علماء الإسلام في قصور الخلفاء وفي خارجها، وكم دون المسلمون من الحجج على النصارى(9). وكم دون النصارى من الحجج على المسلمين، ولقد كانت هذه المناظرات في بدايتها من الدوافع، التي حفزت المسلمين على خلق علم الكلام، وكانت الأدلة في كل هذه المناقشات تصاغ على مثال الأقيسة الأرسطوطاليسية، وكان منطق أرسطو عند الفريقين مرجعا نافذ الحكم والقضاء.
كان لا بد والحالة على ما ذكرنا، أن يظهر أثر الأفكار الأجنبية في الدراسات اللغوية عند العرب، وأن تنتقل عدوى التفكير الأرسطوطاليسي، الذي يخلط بين الدراسات اللغوية والدراسات المنطقية، والميتافيزيقية إلى اللغة العربية ودراساتها، وبالأخص دراسات أصل اللغة والدراسات النحوية.
يقول ابن جني في باب القول على اللغة، وما هي(10): "أما حدها فهي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، هذا حدها، وأما اختلافها، فلما نذكره في باب القول عليها أمواضعة هي أم إلهام؟ " فالمواضعة أو التعارف والإلهام، أو التوقيف كانا عند العرب أساسين تتراوح الأفكار بينهما في الكلام عن أصل اللغة، ولقد كانت العلاقة بين الكلمة وبين مدلولها، "وهي دراسة ميتافيزيقة كالكلام في أصل اللغة"، من نصيب دراسة الفلسفة الإسلامية، أكثر مما كانت من نصيب اللغويين.
أما النحو العربي، فإن أثر المنطق فيه يبدو من جانبين اثنين؛ أولهما جانب المقولات، وتطبيقها في التفكير النحوي العام، وثانيهما الأقيسة والتعليلات في المسائل النحوية
ص17

الخاصة مع ما يساير ذلك من محاكاة التقسيمات اللغوية، التي جاء بها أرسطو في دراساته، والتي ذكرنا أنه خلط فيها بين النحو، وبين المنطق ويعلم القارئ، أن المقولات عشر هي الجوهر والكم والكيف والزمان، والمكان والإضافة والوضع والملك، والفاعلية والقابلية "أو كما تسميها المتون العربية: أن يفعل وأن ينفعل(11)".
ويعلم القارئ أيضا أن هذه المقولات عليا الأجناس؛ أي أن الأجناس فيما عداها أخص منها، وتندرج تحتها ولا يعلو على هذه المقولات جنس واحد منها، ثم هي كذلك أسس تفهم الأشياء مبنية عليها، فللشيء جوهر وكم وكيف، وهو في زمان ومكان، ثم هو يفهم بالإضافة إلى شيء آخر، ويدرك في وضع معين، وقد يكون مالكا، أو مملوكا وفاعلا أو قابلا.
نظر النحاة إلى اللغة نظرتهم إلى الأشياء والمحسوسات، فجعلوا للكلمة جوهرًا كما جعلوه للمادة، ورأوا أن جوهر الكلمة لا يتغير إلا بإعلال أو إبدال. فالأصل أو الجوهر في "قال" "قَوَل" وفي فعل الأمر من "وفي" "إوف" وفي كلمة "نهى" "نَهَيَ" وفي "قاض" قاضي إلخ. ويذهب النحاة في ذلك مذاهب لا تخلو من التعسف الظاهر؛ يقول ابن جني(12) تحت عنوان "باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة، والتلطف لا بالإقدام والتعجرف": وذلك كأن يقول لك قائل: كيف تحيل لفظ وأيت إلى لفظ أويت، فطريقه أن تبني من "وأيت" فوعلا، فيصير بك التقدير فيه إلى "وَوْأَيُ" فتقلب اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فيصير "وَوْاْآ" ثم تقلب الأول همزة، لاجتماع الواوين في أول الكلمة، فيصير "أوأآ" ثم تخفف الهمزة فتحذفها، وتلقى حركتها على الواو قبلها، فيصير "أوا" اسما كان أو فعلا، فقد رأيت كيف استحال لفظ "وأى" إلى لفظ "أوا"، من غير تعجرف ولا تهكم على الحروف، وكذلك لو بنيت مثل فوعال لصرت إلى "ووأ آى"، ثم إلى "أو أى" ثم "أوآإ" ثم تخفف، فيصير إلى "أوآء"، فيشبه حينئذ لفظ "أآة" أو أويت....".
ص18

ونحن نجد الجوهر اللغوي في هذه العبارة، يبدو في صورة متعددة، والتشكل غير غريب على الجوهر الفلسفي المنطقي أيضا، والذي أحب أن أشير إليه هنا هو أن ابن جني لا يرى في كل هذا التعجرف تعجرفا، ولا ف يكل هذا التهكم على الحروف تهكما، وإنما يراه صنعة وتلطفا، كما رآه النحاة من قبل ومن بعد.
ولم يعن النجاة بجوهر الكلمة فحسب، بل انساقوا أيضا إلى التفكير في جوهر الجملة، فاخترعوا فكرة تقدير ما غاب من هذا الجوهر، والتقدير بلية فلسفية ميتافيزيقية، ومنطقية ابتلي بها النحو العربي ولا زال يبتلى، ومن الطلائع الذين هاجموا الكثير من الأفكار التقليدية في النحو العربي، ومنها التقدير ابن مضاء القرطبي.
ومن كلامه في ذلك(13): "فإن قيل: فما تقول في مثل "زيد قام"، إذ قالوا: إن في قام ضميرا فاعلا؟ وليس داع يدعو إلى ذلك إلا قول النحويين: الفاعل لا يتقدم ولا بد للفعل من فاعل، وقولهم هذا لا يخلو من أن يكون مقطوعا به أو مظنونا، فإن كان مظنونا، فأمره أمر الضمير المدعي في اسم الفاعل، وإن كان مقطوعا به صح هذا الإضمار، ولابد أن يتقدم قبل الكلام في هذا الموضع مقدمات تعين الناظر فيه على ما قصد تبيينه، وهي أن الدلالة على ضربين: دلالة لفظية مقصودة للواضع، كدلالة الاسم على مسماه، ودلالة الفعل على الحدث والزمان، ودلالة لزوم، كدلالة السقف على الحائط، ودلالة الفعل المتعدي على المفعول به وعلى المكان.
ودلالته على الفاعل فيها خلاف بين الناس، منهم من يجعل دلالته عليه كدلالته على الحدث والزمان، ومنهم من يجعل دلالته عليه، كدلالته على المفعول به، فإذا قيل "زيد قام"، ودل لفظ "قام" على الفعال دلالة قصد، فلا يحتاج إلى أن يضمر شيء؛ لأنه زيادة لا فائدة فيها"، ولا شك أن ابن مضاء مصيب فيما يقول، وإن كنت آخذ عليه أنه لم يسلم من قيود المنطق، حين تكلم عن الدلالة اللفظية دلالة اللزوم، والدراسات اللغوية لا تعترف بدلالة اللزوم، وإنما تعتبر دلالات الألفاظ بذواتها، وتأخذ الفعل الماضي "قام" على أنه صورة دلت على المفرد الغائب
ص19

بشكلهما كما دلت على الحدث والزمان، هذا ما يمكن أن يقال في مدى تطبيق النحاة لمقولة الجوهر في تفكيرهم اللغوي.
وأما الكم، فواضح أن النحاة، والقراء ربما عرفوا أن المدة "durtion" التي
يستغرقها نطق صوت من الأصوات، لا تتناسب طردا ولا عكسا مع كميته الطولية 'Quantity"، ومع هذا أصروا على خلق وحدات طولية فكرية في دراسة الأصوات العربية، فالحرف المشدد بحرفين، وإن قصرت مدته عن مدة الحرف المفرد في بعض النطق، والفتحة نصف الألف اللينة في نظرهم، إذا كانت كتلك القصيرة المدة التي في آخر "منى" من قولنا "منى النفس(14)"، والتفكير المنطقي هنا واضح كل الوضوح، وعلى الأخص إذا عرفنا أن بعض التجارب الآلية، التي قمت بها على لهجة عدن، قد برهنت إلى درجة تعزز ملاحظتي الخاصة تعزيزا كاملا، على أن الصوت لا مفرد الأخير الساكن في الكلام أطول من نظيره المشدد في الوسط من جهة المدة، وإن كان أقصر منه من جهة الكم.
وخطر هذا التقسيم يتضح في الصرف بصفة خاصة، حيث تقوم الكمية في الحروف بدور القيمة الخلافية، التي تفرق بين معاني الكلمات، كما يبدو ذلك في التفريق من جهة المعنى بين "عَبَدَ" و"عبَّد" و"ضرب" و"ضربا" وما أشبهها من الموازنات، ولست بذلك أريد أن أهجن الاعتماد على الكمية في دراسة الحروف، كما يعتمد على المدة في دراسة الأصوات، على العكس. إن النظرة اللغوية الحديثة تحتم اعتبار الكمية في الفونولوجيا "التشكيل الصوتي"، كما تحتم اعتبار المدة الفوناتيك "الأصوات"، ولكن أريد أن أنبه إلى الصلة بين مقولة الكم، وبين التفكير في كمية الحرف، كما فهمها النحاة والقراء القدماء.
ويتضح تطبيق مقولة الكيف من نسبة كيفيات استعدادية لبعض الأفعال الثلاثية، ولبعض الأسماء وفي تسمية بعض الحروف، فمن أسماء أنواع الأفعال
ص20

الثلاثية المقصورة والأجوف والناقص، وهناك المؤنث المقصور كحبلى، والألف اللينة، ومن ذلك أيضا التقسيم إلى مفرد ومثنى وجمع، واتصاله بفكرة الكيفيات الكمية.
وأما تطبيق مقولة الزمان على دراسة اللغة، بلا تفريق بين الزمان الفلسفي، والزمن النحوي، فواضح في تقسيم الفعل دون نظر إلى استعمالاته، فالفعل إما ماض أو مضارع أو أمر، والماضي ما دل على حدث مضى قبل زمن التكلم، والمضارع ما دل على حدث في الحال أو الاستقبال إلخ، ويضطر النحاة بعد هذا التقسيم المنطقي أن يعتذروا، كلما خذلهم الاستعمال النحوي، فهم يعتذرون عن الفعل المضارع الدال على المضي حين يقترن بلم، ويعتذرون عنه في تعبير مثل "إن تكن عاد قد بادت، فما بادت خصالها"، وعنه في قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} ، وعن الماضي في قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، وفي قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، إلخ كل ذلك لخلطهم في التفكير بين الزمان الفلسفي والزمن النحوي، ولو أعطوا للزمن النحوي وظيفة التفريق بين الصيغ لا الدلالة على المضي والحضور، والاستقبال لكان ذلك أشبه بالدراسة النحوية.
والتفكير في مقولة المكان، يبدو بالتضامن مع مقولة الكيف مسئولا عن تقدير الحركات على أواخر الكلمات، ففي قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} كسرة مقدرة على الألف الأخيرة، منع من ظهورها تعذر اجتماع النطق بالألف، والنطق بالكسرة في وقت معا، وفي قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} ، ضمتان مقدرتان إحداهما مقدرة على واو الفعل، والأخرى على ياء الاسم المنقوص.
وهذه المقولة أيضًا مسئولة عن فكرتي الإعلال والإبدال، فالإعلال تغيير شكل في مكان معين، والإبدال إنما يتم بوضع شيء مكان شيء آخر، ومن ذلك أيضا أن الفاعل يجب أن يتأخر عن فعله، وهكذا يمكن إيجاد أكثر من مثال آخر في النحو العربي، يتم عن نفوذ هذه المقولة على تفكير النحاة.
ثم هناك مقولة الإضافة، وقد فهم النحاة العرب كل فعل بالإضافة إلى فاعله.
فإذا لم يكن للفعل فاعل مذكور في الجملة، فلا أقل من أن يقدره النحاة ليكون تفكيرهم متمشيا مع منطق المقولات، وهنا نعود مرة أخرى إلى مثال ابن مضاء

ص21

"زيد قام" لنقول: إن زيدا برغم كونه موجودا في الجملة، لم يصلح فاعلا لتحكم فكرة المكان، فالفاعل يأتي بعد الفعل لا قبله، وإذا لم يصلح فاعلا، فلا بد لنا أن نقدر فاعلا في الجملة، برغم أن صيغة الفعل الماضي، تدل هنا بشكلها ودون الحاجة إلى تقدير على أن الفاعل مذكر غائب، ولو كان غير ذلك لتغيرت صيغة الفعل، ومقولة الإضافة أيضا مسئولة عن فكرة الإمالة، فالاسم الممال، إنما اعتبر ممالا بالإضافة إلى اسم آخر، ألفه صريحة بقطع النظر عن أن كلا منهما أصل في لهجته الخاصة به.
ولو درسنا اللهجة التي فيها الإمالة بمفردها، ما احتجنا إلى التفكير في هذا الباب على الإطلاق، ولكن النحاة العرب أبوا إلا أن يدرسوا مجموعة من اللهجات في نحو واحد، ومن هنا جاءت شدة الاضطرار إلى التقسيم إلى شاذ ومطرد.
وأما الخضوع لفكرة مقولة الوضع، فمثاله أن الجملة برغم عدم إمكان ظهور حركة إعرابية عليها جعل لها وضع إعرابي معين؛ فقد تكون في محل نصب مقول القول، أو صفة المنصوب، وقد تكون في محل جزم جوابا لشرط، وقد تكون في محل رفع خبرا، وقد تكون في محل جر صفة، وما إلى ذلك.
وهل يستطيع أحد أن ينكر أن مقولة الملك مسئولة إلى حد كبير عن الأهمية الثانوية، التي منيت بها الحركات في الدراسات العربية والسامية؟ فالمحل الأول والاهتمام الأول للحرف الصحيح، وهذا الحرف الصحيح، إما أن يكون منصوبا أو مجرورًا أو مرفوعا، فالحركة إذا وصف للحرف الصحيح، وملك يمين له كما رأى ذلك النحاة.
وفي كل لغات العالم الأخرى تكتب الحروف، والحركات جنبا إلى جنب في روح من المساواة، ولكن اللغة العربية قد جعلت من حركاتها في الخط علامات كتابية، وفي النحو علامات إعرابية، فهي علامات لا حروف في الحالتين، على أن العروضيين -والشعر موسيقى كما نعلم- قد قلبوا الوضع في رمزهم إلى مقاطع الشع بالخطوط، والدوائر فجعلوا الاهتمام الأول بالحركة لقيمتها الموسيقية، وأهملوا الحرف أن يرمز إليه؛ فكانت الشرطة علامة على حرف متحرك "والشرطة حركة فقط في الكتابة"، وجعلوا السكون علامة على حرف ساكن أو مد، وكلا النظرتين تقع تحت النقد الشديد.

ص22

والمقولتان الأخيرتان مسئولتان إلى حد كبير، عن أهمية أساس من أسس النحو العربي، ألا وهو نظرية العامل(15)، فإذا كان الشيء إما فاعلا، وإما قابلا فلماذا لا تكون الكلمات كذلك؟ ولماذا لا يكون بعض الكلمات عاملا في بعضها الآخرة؟ حتى المعاني جوز النحاة لها أن تعمل الرفع، وابن مضاء أيضًا ممن هاجموا نظرية العامل، فأبانوا فسادها إلى اقصى حدود الإبانة، يقول(16): "قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو، ما يستغني النحوي عنه، وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه.
فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض، والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأن الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي، وعبروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا: "ضرب زيد عمرًا" أن الرفع الذي في زيد والنصب الذي في عمرو، إنما أحدثه ضرب"، ثم يستطرد فيقول: "وأما القول بأن الألفاظ يحدث بعضها بعضا، فباطل عقلا وشرعا، لا يقول به أحد من العقلاء لمعان، يطول ذكرها فيما المقصد إيجازه: منها أن شرط الفاعل أن يكون موجودا، حينما يفعل فعله، ولا يحدث الإعراب فيما يحدث فيه إلا بعد عدم العامل، فلا ينصب زيد بعد إن في قولنا: "إن زيدا" إلا بعد عدم إن".
وواضح أن ابن مضاء يعالج المسألة علاجًا منطقيًّا أيضًا، وإن كان قد بين فساد وجهة نظر النحاة، وقد تورط في كتابه في دعوى لا يمكن السماح بها، وهي أن العامل النحوي هو المتكلم، فهو إن كان قد ألغى عاملا فقد فرض عاملا آخر لا تجيزه الدراسات اللغوية الحديثة؛ لأن المتكلم لا يرفع ولا ينصب بنفسه، وإنما بحسب القواعد.
نرجو في هذا الموضع أن نكون قد بينا للقارئ، مدى تأثر النحاة بالمقولات العشر في تفكيرهم اللغوي، ونود بعد ذلك أن نعرض لنوع آخر من تأثرهم بالمنطق
ص23

وبما كتبه أرسطو، فخلط فيه بين الدراسات اللغوية والدراسات الفلسفية. وأوضح مثال لذلك هو العلل والأقيسة في النحو. "ومما يجب أن يسقط من النحو العلل الثواني والثوالث، وذلك مثل سؤال السائل عن "زيد" من قولنا: "قام زيد" لم رفع؟ فيقال: لأنه فاعل، وكل فاعل مرفوع، فيقول: ولم رفع الفاعل؟ فالصواب أن يقال له: كذا نطقت به العرب. ثبت ذلك بالاستقراء من الكلام المتواتر.
ولا فرق بين ذلك، وبين من عرف أن شيئا ما حرام بالنص، ولا يحتاج فيه إلى استنباط علة، ليقل حكمه إلى غيره، فسأل لم حرم؟ فإن الجواب على ذلك غير واجب على الفقيه(17)"، وقد قسم ابن مضاء العلل إلى ثلاثة أقسام: قسم مقطوع به، وقسم فيه إقناع وقسم مقطوع بفساده.
والفرق عنده بين العلل الأول، والثواني أن الأول تؤدي إلى المعرفة بنطق العرب، ولا كذلك الثواني فهي لا تفيدنا إلا أن العرب أمة حكيمة، وهذا كلام صريح من ابن مضاء في اتهام النحاة بالميل إلى المنطق، ميلا يخرج بالدراسات النحوية عن طبيعتها، ويقول ابن جني(18): "اعلم أن علل جل النحويين، وأعني بذلك حذاقهم المتقنين، لا ألفافهم المستضعفين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين، وذلك أنها إنما هي أعلام، وأمارات لوقوع الأحكام ووجود الحكمة فيها خفية عنا، غير بادية الصفحة لنا".
"والعرب أمة حكيمة، فكيف تشبه شيئا بشيء، وتحكم عليه بحكمه، وعلة حكم الأصل غير موجودة في الفرع، وإذا فعل واحد من النحويين ذلك جهل ولم يقبل قوله، فلم ينسبون إلى العرب ما يجهل به بعضهم بعضا؟ وذلك: أنهم لا يقيسون الشيء ويحكمون عليه بحكمه، إلا إذا كانت علة حكم الأصل موجودة في الفرع! وقد فعلوا ذلك في تشبيه الاسم بالفعل في العمل، وتشبيههم إن وأخواتها بالأفعال المتعدية في العمل"(19). نعم لقد قاس النحاة بعض الحكام على بعض، كما يفعل الفقهاء وأدى بهم ذلك إلى تصحيح ما لم يرد سماعه عن العرب، فجعلوا
ص24

ذلك عربيًّا، كالذي ورد به النص، والذي يقرأ ما كتبه ابن مضاء عن القياس في صور التنازع، يرى أسوأ مثل من أمثلة تحكيم المنطق في النحو، "واعلم أن من قوة القياس عندهم، اعتقاد النحويين أن ما قيس على كلام العرب، فهو عندهم من كلام العرب نحو قولك في قوله: كيف تبني من ضرب مثل جعفر ضربب هذا من كلام العرب، ولو بنيت مثله ضيرب، أو ضورب أو ضروب، أو نحو ذلك لم يعتقد من كلام العرب؛ لأنه قياس على الأقل استعمالا والأضعف قياسا"(20).
والمعلوم أن المنطق القياسي غير صالح للدراسات العلمية؛ لأنه يوجد القاعدة أولا ثم يفكر في ما يمكن أن يدخل تحتها من مفردات، ومع أن البحث العلمي يستخدم المنطق الاستقرائي، الذي يستقصي المفردات أولا، فيوجد جهة الشركة بينها، ليتخذها نتيجة البحث أو قاعدته، ومعأن الرواة العرب قد ضربوا الأمثلة للنحاة بسفرهم إلى الصحراء، لجمع مادتهم التي تستقرأ، ومع أن شيئا من الاستقراء، قد تم فعلا في ظروف غير علمية، جعلته في الكثير الغالب استقراء ناقصا إلى حد كبير، لم يستطع النحاة العرب أن يتخلصوا من قبضة أرسطو السحرية، ولا من نفوذ منطقه القياسي الذي لم تصطبغ به دراساتهم اللغوية فحسب، بل اصطبغ به الفقه الإسلامي وعلم الكلام كذلك، كما افتتن قوم إلى جانب المنطق بالسفسطة في الكلام عن العقائد، وأوضح مثال للسوفسطائية العربية، هو أبو عثمان الجاحظ.
فالعلل والأقيسة إذا جهتان من جهات النفوذ الإغريقي على دراساتنا اللغوية العربية.
لعلنا بذلك قد أجبنا على السؤالين اللذين طرحناهما في مبدإ هذا الفصل: هل خلص العرب الدراسات اللغوية، من عدوى التفكير غير اللغوي بصفة عامة، ومن التفكير الفلسفي بصفة خاصة؟ وهل استطاعوا أن يخلقوا للمنهج اللغوي استقلالا، عن مناهج العلوم الأخرى؟.
ثم هبت في أوربا ريح جديدة على الدراسات اللغوية، بعد الكشف عن اللغة السنسكريتية لغة الهنود القدماء، هذه الحركة التجديدية اللغوية، فتحت آفاقا
ص25

واسعة للدراسات اللغوية من وجهة النظر التاريخية في المبدإ، ثم من الوجهة الوصفة بعدئذ، وبدأت هذه الدراسات خاضعة لعديد من المناهج، ولكنها كانت دائما نتقدم إلى هدفها النهائي، الذي هو استقلال اللغة بمنهج خاص بها. "هؤلاء الذين تشغلهم البحوث اللغوية، لم يبدأوا في ادعاء مرتبة العلم، ولقبه لدراساتهم إلا من زمن قصير، وقد كان تطو علم اللغة باعتباره علما من ثمرات هذا القرن(21)، ولو أن أصول هذا التطور ترجع إلى عهود أقدم، ولقد كان لهذا العلم تاريخ، لا يختلف في الحقيقة عن تاريخ بقية العلوم، التي تقوم على الملاحظة والاستنباط كالجيولوجيا، والكيمياء والفلك والطبيعة، التي بناها النشاط العقلي في العصر الحديث على الملاحظات الضئيلة، والاستنباط البدائي الذي ثم في العصور الماضية"(22).
وهكذا بعد أن كانت الدراسات اللغوية في الماضي جزءا، لا يتجزأ من التفكير الفلسفي، بدأت تنفصل في القرون الأخيرة، باعتبارها فرعا خاصا من فروع المعرفة، حقا إن علم اللغة لا يستطيع الاستغناء عن بقية الدراسات العلمية والفلسفية، ولهذا رأينا فروع المعارف الحديثة، تتسرب إلى علم اللغة إلى جانب المنطق الإغريقي القديم، فأصبحت الاصطلاحات النفسية، والطبيعية، والرياضية والموسيقية والتشريحية، وهلم جرا تتردد في الكلام عن اللغة، كما ترددت من قبل أفكار الفلسفة، واللاهوت والأساطير، وهذه العدوى التي وفدت إلى علم اللغة من الدراسات الأخرى، مسئولة عن الاختلاف في طريقة التناول لمشاكله، اختلافا يشمل من الطرق ما لا يمكن بحال أن يسمى منهجا لغويا، ولكن هذا الخلط ما كان ليدوم، وما كانت النظرة الحديثة الفاحصة، لتتخطاه غير فطنة إليه، ومن ثم جهد العلماء في تحديد منهج اللغة، وتخليصه من الشوائب التي تعلق به وافدة من فروع المعازف الأخرى، "ولأسباب تاريخية يسهل فهمها، كانت الدراسات العلمية اللغوية في طريق تحديد مجالاتها، وطرقها واستحقاق مكانها الخاص بين العلوم، منذ بدء عصر ما بعد نابليون في أوربا الغربية، ولكن المجهودات الأولى في هذا السبيل، تأثرت بالأجواء العقلية، التي لونت ذلك العصر"(23).
ص26
يمكن القول إذا: إن علم اللغة الحديث نتيجة من نتائج القرن الثامن عشر، وما تلاه من القرون، ولقد اصطبغ هذا العلم في كل قرن من هذه القرون الثلاثة الأخيرة، بصبغة خاصة معينة مختلفة عن صبغته في القرنين الآخرين، ففي القرن الثامن عشر، عني العلماء اللغويون بالدراسات الإنسانية، وبدراسة فيلولوجيا اللغتين القديمتين اللاتينية، والإغريقية دراسة يصحبها اتساع تدريجي في الأفق اللغوي، وانغماس في التأمل في أصل اللغة، وتقويم اللغات بعضها بالنسبة للبعض الآخر من جهات نظر مختلفة، كالنبية والغنى والجمال، والتراث الأدبي وهلم جرا، وهذه التأملات والمقارنات لا تدخل في نطاق علم اللغة الحديث، إما؛ لأنها ميتافيزيقية وإما؛ لأنها ذاتية غير موضوعية ولا علمية، ولقد كان الكشف عن اللغة السنسكريتية في هذا القرن أهم حادث، يمكن اعتباره نقطة البداية لعلم اللغة الحديث، وكان الكشف عن هذه اللغة من حظ السير، وليام جونز الذي كان حينئذ يقيم بالهند، وقد كتب إلى الجمعية الآسيوية يخبرها عن كشفه هذا، "ولقد بدأ علم اللغة الحديث يشق طريقه باعتباره حقلا خاصا، مستقلا عن الحقل الأدبي بعد كتاب السير جونز بسنوات.
وكان على طلاب هذا العلم في القرون، التي تلت أن يخلقوا لأنفسهم حدود مادته، وطريقته"(24): وانحصرت المادة والطريقة في القرن التاسع عشر في دراسة وجهة النظر التاريخية في اللغة، "هؤلاء الذين يعرفون مؤلفات أوتوبسبرسن الذائعة الصيت، سيذكرون كيف يعلن بقوة أن علم اللغة تاريخي، وهؤلاء الذين يلاحظون أغلفة مجلدات القاموس الإنجليزي الحديث، المعروف عموما باسم قاموس اكسفورد، سيذكرون الضمان المعطى عن النظرة التاريخية فيه، وهذا يوضح الحرف "N" من مختصر اسمه، N.E.D (25)، هذه الناجية التاريخية، وما يتصل بها من فكرة التطور بالإضافة إلى الاهتمام الكبير بالمذهب الميكانيكي الفلسفي في ذلك العهد، لم تجعل علم اللغة في انسجام مع العلوم الطبيعية فحسب، بل جعلته في حمايتها أيضا، وعلى الأخص علم الحياة من بين هذه العلوم، ولم ينعكس هذا الوضع على تقسيم اللغات، واستعمال
ص27

اصطلاحات مثل "عائلة" و"اللغة الأم" و"اللغة الأخت" فحسب، بل ظهر كذلك في تناول أي لغة تناولًا دراسيا باعتبارها كائنا عضويا ناميا، أو منحلا كالذي نجده في كتابات ماكس مولز مثلا، وكالذي نجده في الاقتباس التالي من درمستاتير(26) "من الحقائق المسلم بها في أيامنا هذه أن اللغات ذات حياة عضوية، لا تقل بكون اللغة عقلية محضة عن حياة النبات، أو الحيوان بل يمكن أن تقارن بهما"، ولم يكن ذلك شأن العلوم الطبيعية فحسب، بل كان للعلوم الاجتماعية تأثير مشابه على الدراسات اللغوية كعلمي النفس والاجتماع، لقد جرف التيار الثقافي في القرن التاسع عشر طلاب اللغة، فاسترشدوا في دراسة اللغة بجمع من الطرق المنهجية غير المتناسقة؛ فاعتقد بعضهم أن خير طريق لمعرفة طبيعية اللغة، إنما يوجد في علم النفس؛ فلكي نفسهم الكيفية، التي تؤدي اللغة بها عملها يجب أن ندرس عقلية المتكلم، واعتقد آخرون أن اللغة ما دامت ظاهرة اجتماعية، فلا يمكن أن تستقل عن علم الاجتماع، فاللغة سلوك معين ينمو بمحاولة المرء أن يسد مطالبه في المجتمع.
وما كان هذا الاتجاه من علماء اللغة، لينتج دراسة لغوية مستقلة هدفها اللغة، ولا
شيء سواها، ومع هذا فإن القرن التاسع عشر مسئول عن التقدم بهذا العلم بخطوات واسعة موفقة. فقد شهد كثيرًا من المجهودات الخالقة المبدعة، التي نتجت عنها نتائج نهائية الصبغة مثل تقسيم اللغات، والقوانين الصوتية والصياغة القياسية، وأفكار أخرى لا تقل عن ذلك في أهميتها؛ كل أولئك من نتائج القرن التاسع عشر.
وحل الاستقراء كذلك محل القياس باعتباره أساسا من أسس المنهج في تناول المادة اللغوية، وافتضحت بعض خرافات الماضي وطرحت، "ولقد كون اللغويون الذين درسوا اللغات الهندية الأوربية لأنفسهم بالتدريج منهجا، قد يكون أكثر
قربا من الكمال من منهج أي علم آخر، يتناول النظم الإنسانية"(27).
وإذا اصطبغ القرن التاسع عشر بالصبغة التاريخية، فإن القرن العشرين إنما يصطبغ
بالصبغة الوصفية، "ويزداد استحقاق علم اللغة الوصفي لمكانته باعتباره
ص29

مجموعة مستقلة من المواد المترابطة كالأصوات، والتشكيل والجراماطيقا، والمعجم والدلالات، وما يمكن أن يسمى علم الاجتماع اللغوي"(28).
وكان نفوذ المذهب الميكانيكي، لا يزال يحس في بداية هذا القرن، فبدت صورة منه أمريكية في شكل مذهب نفسي، هو مذهب السلوكيين الذي لون الدراسات اللغوية الأمريكية بلونه تماما، كما يمكن أن يرى ذلك بوضوح في كتابات Bloomfield، وفي نفس الوقت جرت محاولات لتخليص طرق الدراسات اللغوية من النفوذ الخارجي، وأشهر هذه محاولة De Saussure خلق منهج شكلي يطلق عليه علماء اللغة من الشيوعيين Static mechanical structuralism على سبيل العيب.
وكما كان بلومفيلد تابعا لمذهب وايس السلوكي، كان دي سوسور تابعا لمذهب دوركايم الاجتماعي التركيبي، وفي كلتا الحالتين تستعير اللغة طريقتها من منهج غريب عنها مع التضحية باستقلالها في المنهج، فيرى أولهما أن اللغة مجموعة من ردود الأفعال المشروطة، ويراها الثاني بنية مركبة يمكن أن توصف باستعمال كلمتي رأسي وأفقي، يفعل ذلك حين يشرح اصطلاحية diachronique وSynchronique.
وإذا نظرنا إلى اللغة باعتبارها مجموعة من النظم الوضعية الاجتماعية، ذات أقسام من الأنماط والعلامات، وجدنا أن من الممكن أن تستقل بمنهجها عن مناهج العلوم، ويأخذ منهجها في اعتباره الشكل، والوظيفة باعتبارهما أساسين من أسس بنائه يطبقان في كل فرع من فروع الدراسات اللغوية، هذه الدراسات ليست إلا مجموعة متناسقة متكاتفة، متلاحمة من المناهج الفرعية لتناول الأحداث اللغوية منطوقة أو مكتوبة، ولقد وضعت هذه المجموعة من المناهج، لتصل بنا إلى علاج اللغة علاجا منظما أمبركاليا تحليليا مستقلا، بمعنى أنه لا يتخذ نقطة بداية له في أي علم غير علم اللغة، نستطيع أن نسمي هذا المنهج شكليا أو وظيفيا، ووجهة النظر الوظيفية لم تختر اعتباطا، وإنما جاءت من أن اللغة تستخدم وسيلة "من وسائل الاجتماع، وأداة ذات غرض محدد"، كما يقول مارتينيه(29).
ص29

__________
(1) Bloomfield Language, p. 5.
)2) The works of Aristotle translated into English Categorae.
(3) Interpretatione, Ch. 2.
(4) Interpretatione, Ch. 4.
(5) ibid, Ch. 5.
(6) Language, p. 9.
(7) Read O'Learv, How Greek Science Passed to the Arabs.
pp. 155-75.
(8) O'Leary, 36-46.
(9) للجاحظ في الفصول المختارة رسالة في الرد على النصارى، يصلح مثالا لذلك.
(10) الخصائص ص31.
(11) حاشية العطار على شرح مقولات السجاعي.
(12) الخصائص ص483.
(13) كتاب الرد على النحاة نشره، وحققه الدكتور شوقي ضيف ص103.
(14) راجع دراسة الكمية والمدة في منهج التشكيل الصوتي.
(15) راجع الخصائص ص115 في الكلام عن العامل.
(16) الرد على النحاة ص58.
(17)الرد على النحاة ص151.
(18) الخصائص ص46.
(19) الرد على النحاة ص6-157.
(20) الخصائص ص119.
(21) أي القرن التاسع عشر.
(22) W. D. Whitney, Language and the study of Languago, London 1880 p. 1.
(23) Margaret Schlauch, Early Behaviourist Psychology & com temporary Linguistic Word, Vol. 2. 1946. pp. 25-36.
(24) M. M Lewis, Language in Society, p. 232.
(25) Firth Personality and Language in society-soclogical Review, vol. ll Sect, two, 1950 p. 37.
(26) A. Dermestater, La Vie des Mots, p. 3.
(27) Sapir, Selected Writings, P. 160.
(28) Firth. Personality & Language.
(29) Phonology as Functional Phonetics. Publications of the philological Society XV, P. 5, London, 1949.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء