المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


النظام النحوي (القرائن النحوية)  
  
10146   05:40 مساءً   التاريخ: 14-2-2019
المؤلف : تمام حسان
الكتاب أو المصدر : اللغة العربية معناها ومبناها
الجزء والصفحة : ص205- 231
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / مستويات علم اللغة / المستوى النحوي /

 

القرائن اللفظية:
ذكرنا عند الكلام في المباني الصرفية أن من المباني ما هو تقسيمي, ومنها ما هو تصريفي, ومنها للقرائن اللفظية, ولم يكن معنى ذلك بالطبع أن مباني التقسيم أو مباني التصريف لا تتخذ قرائن لفظية على المعنى؛ لأن مباني التقسيم -والصيغ الصرفية فروع عليها- تمنحنا قرينة الصيغة, كما أن مباني التصريف -واللواصق فروع عليها- تمنحنا أكثر المظاهر التي تظهر بها قرينة المطابقة.
ويمكن أن نعدّ القرائن اللفظية في السياق على النحو التالي:


1- العلامة الإعرابية.           5- الربط.
3- الصيغة.                      6- التضام.
2- الرتبة.                        7- الأداة.             
4- المطابقة.                     8- النغمة.

وسنحاول فيما يلي أن نتكلَّم في كل واحدة من هذه القرائن على حدة:
1- العلامة الإعرابية: لقد كانت العلامة الإعرابية أوفر القرائن حظًّا من اهتمام النحاة, فجعلوا الإعراب نظرية كاملة سمَّوها نظرية العامل, وتكلموا فيه عن الحركات ودلالاتها, والحروف ونيابتها عن الحركات, ثم تكلموا في الإعراب الظاهر والإعراب المقدر والمحل الإعرابي, ثم اختلفوا في هذا الإعراب هل كان في كلام العرب أم لم يكن, وكان لقطرب ومن تبعه من القدماء والمحدثين كلام في إنكار أن تكون اللغة العربية قد اعتمدت حقيقة على هذه العلامات في تعيين المعاني النحوية. حدث كل ذلك في وقت لم تكن العلامات الإعرابية أكثر من نوع واحد من أنواع القرائن, بل هي قرينة يستعصي التمييز بين الأبواب بواسطتها حين يكون الإعراب تقديريًّا أو محليًّا أو بالحذف؛ لأن العلامة الإعرابية في كل واحدة من هذه الحالات ليست ظاهرة فيستفاد منها معنى الباب. حتى حين ننظر إلى مطلق العلامة كمطلق الضمة أو مطلق الفتحة أو مطلق الكسرة, فسنجد أنها لا تدل على باب واحد, وإنما تدل الواحدة منها على أكثر من باب كما شرحنا من قبل. وفيما يلي تخطيط العلامة الإعرابية واستخدامها في اللغة العربية الفصحى كما حدد ذلك النحاة:

 

 

ص205

ولا أكاد أملّ ترديد القول: إن العلامة الإعرابية بمفردها لا تعين على تحديد المعنى, فلا قيمة لها بدون ما أسلفت القول فيه تحت اسم "تضافر القرائن", وهذا القول صادق على كل قرينة أخرى بمفردها, سواء أكانت معنوية أم لفظية, وبهذا يتضح أن "العامل النحوي", وكل ما أثير حوله من ضجَّة لم يكن أكثر من مبالغة أدَّى إليها النظر السطحي والخضوع لتقليد السلف والأخذ بأقوالهم على علاتها.
2- الرتبة: أميل إلى الاعتقاد أن عبد القاهر حين صاغ اصطلاحه "الترتيب" قصد به إلى شيئين؛ أولهما: ما يدرسه النحاة تحت عنوان: "الرتبة" "وإن كانوا لم يعنوا بها تمامًا, وإنما فرقوا القول فيها بين أبواب النحو", وثانيهما: ما يدرسه البلاغيون تحت عنوان التقديم والتأخير, ولكنَّ دراسة التقديم والتأخير في البلاغة دراسةً لأسلوب التركيب لا للتركيب نفسه, أي: إنها دراسة تتمّ في نطاقين أحدهما: مجال حرية الرتبة حرية مطلقة, والآخر: مجال الرتبة غير المحفوظة, وإذًا فلا يتناول التقديم والتأخير البلاغي ما يسمَّى في النحو باسم الرتبة المحفوظة؛ لأن هذه الرتبة المحفوظة لو اختلت لاختلَّ التركيب باختلالها, ومن هنا تكون الرتبة المحفوظة قرينة لفظية تحدد معنى الأبواب المرتبة بحسبها, ومن الرتب المحفوظة في التركيب العربي أن يتقدم الموصول على الصلة, والموصوف على الصفة, ويتأخر البيان عن المبين, والمعطوف بالنسق على المعطوف عليه, والتوكيد عن المؤكد, والبدل عن المبدل, والتمييز عن الفعل ونحوه, وصدارة الأدوات في أساليب الشرط, والاستفهام والعرض والتحضيض ونحوها, وهذه الرتبة "صدارة الأدوات" هي التي دعت النحاة إلى صوغ عبارتهم الشهيرة "لا يعمل ما بعدها فيما قبلها", ومن الرتب المحفوظة أيضًا تقدم حرف الجر على المجرور, وحرف العطف على المعطوف, وأداة الاستثناء على المستثنى, وحرف القسم على المقسم به, وواو المعية على المفعول معه, والمضاف على المضاف إليه, والفعل على الفاعل أو نائب الفاعل, وفعل الشرط على جوابه, ومن الرتب غير المحفوظة في النحو رتبة المبتدأ والخبر, ورتبة الفاعل والمفعول به, ورتبة الضمير والمرجع, ورتبة الفاعل والتمييز بعد نعم, ورتبة الحال والفعل المتصرف, ورتبة المفعول به والفعل.

ص207

وتقوم الرتبة في كل ذلك قرينة من القرائن المتضافرة على تعيين معنى الباب, وقد سبق في إعراب "ضرب زيد عمرًا" أن كانت الرتبة فعلًا بين القرائن المستخدمة في تعيين معنى الفاعل؛ لأنه بعد الفعل بحسب الرتبة, بل إن الرتبة غير المحفوظة قد تدعو الحال إلى حفظها إذا كان أمن اللبس يتوقف عليها, وذلك في نحو: ضرب موسى عيسى, ونحو: أخي صديقي؛ إذ يتعيِّن في موسى أن يكون فاعلًا, وفي أخي أن يكون مبتدأ, محافظة على الرتبة؛ لأنها تزيل اللبس, وهي هنا تعتبر القرينة الرئيسية على الباب النحوي.
وفيما يلي تخطيط يبين الرتبة:


ويظهر أن بين الرتبة النحوية وبين الظواهر الموقعية رحمًا موصولة؛ لأن الرتبة حفظ الموقع والظاهرة الموقعية هي تحقيق مطالب الموقع, على رغم قواعد النظام كما سيكون شرحه فيما يأتي في موضعه إن شاء الله. والملاحظ أننا لو استعرضنا أقسام الكلم وربطنا بينها وبين قرينة الرتبة, فسنجد أن الرتبة تتجاذب مع البناء أكثر مما تتجاذب مع الإعراب, وتتجاذب من بين المبنيات مع الأدوات والظروف أكثر مما تتجاذب مع أي مبنًى آخر, ومع أنني أنفر من التصدي لتعليل الظواهر اللغوية أجدني مدفوعًا هنا إلى ملاحظة أن عدم وجود قرينة العلامة الإعرابية في المبنيات قد جنح بها إلى قرينة الرتبة, وجعل الرتبة عوضًا لها من العلامة الإعرابية.

ص208

وقد يطرأ على الرتبة غير المحفوظة من دواعي أمن اللبس ما يدعو إلى حفظها, كما أشرنا إلى ذلك بمثالين هما: ضرب موسى عيسى, وأخي صديقي, وقد يطرأ عليها من ذلك ما يحتّم عكسها, كالذي نراه من لزوم الخبر على المبتدأ أحيانًا, وفي ذلك يقول ابن مالك:
ونحو عندي درهم ولي طر ... ملتزم فيه تقدم الخبر
كذا إذا عاد عليه مضمر ... مما به عنه مبنيًّا يخبر
كذا إذا يستوجب التصديرا ... كأين من علمته نصيرا
وخبر المحصور قدم أبدًا ... كمالنا إلّا اتباع أحمدا
ويتضح مما تقدَّم ما يأتي:
1- إن الرتبة قرينة لفظية, وعلاقة بين جزءين مرتبين من أجزاء السياق يدل موقع كل منهما من الآخر على معناه.
2- إن الرتبة أكثر ورودًا مع المبنيات أكثر اطرادًا منه مع غيرها.
3- إن الرتبة بكونها قرينة لفظية تخضع لمطالب أمن اللبس, وقد يؤدي ذلك إلى أن تنعكس الرتبة بين الجزءين المرتبين بها, ويكون ذلك أيضًا إذا كانت الرتبة وعكسها مناط معنيين يتوقف أحدهما على الرتبة, والآخر على عكسها نحو:
ما أمر جاء بك وأمر ما جاء بك.
هذا الفارس "شجاع مثلًا" والفارس هذا.
رضى أخي "مطلوب مثلًا" وأخي رضى "يحبني مثلًا".
قام زيد وزيد قام.
أو زيد قائم وأزيد قائم.
أعرف كيف حدث هذا "كيف مفعول به", وأعرف هذا كيف حدث "كيف بدل".
السلام عليكم "تحية" وعليكم السلام "رد التحية".

ص209

والذي يبدو لي أن الرتبة فرع على التضامّ بمعناه العام(1), وإذ لا رتبة لغير متضامين.
3- مبنى الصيغة: لقد سبق لنا أن ذكرنا أن الصيغ فروع على مباني التقسيم, فللأسماء صيغها, وللصفات والأفعال صيغها كذلك, والمعروف أن الفاعل والمبتدأ ونائب الفاعل يطلب فيها أن تكون أسماء, وأن الفعل نواة الجملة الفعلية, والوصف أو الصفة نواة الجملة الوصفية التي تكون بوصف معتمد على نفي أو استفهام أو مبتدأ أو موصوف أو نحوه مما يسبق الأفعال, فإذا وليته الصفات دخلت في علاقات سياقية شبيهة بما يكون للأفعال من هذه العلاقات، والمصادر من بين الأسماء تكون مفعولًا مطلقًا ومفعولًا لأجله, وتنقل إلى معنى الفعل أيضًا, والمطلوب في الخبر والحال والنعت المفرد أن تكون صفات, ويكون الخبر والحال والنعت المفرد أن تكون صفات, ويكون الخبر والحال والنعت هي العناصر التي اعتمدت عليها الصفات, والمطلوب في التمييز أن يكون اسمًا نكرة جامدة, وفي بدل ضمير الإشارة أن يكون اسمًا, وفيما بعد حرف الجر وفي المضاف والمضاف إليه أن يكون اسمًا كذلك, وفي المفعول فيه أن يكون ظرفًا أو منقولًا إلى الظرف من بين المبهمات, وفي صدر كل جملة عربية ما عدا الجملة المثبتة أن يكون ذا أداة, كما في النفي والتأكيد والاستفهام والنهي والعرض والتخصيص والتمني والترجي والشرط والتعجب والقسم والنداء إلخ. ولكن الأداة ستستقل بعلاج خاص فيما بعد إن شاء الله.
وهكذا تكون الصيغة قرينة لفظية على الباب, فنحن لا نتوقع للفاعل ولا للمبتدأ ولا لنائب الفاعل أن يكون غير اسم, ولو جاء فعل في هذا الموقع لكان بالنقل اسمًا محكيًّا كما يحدث عندما نعرب عبارة مثل: "ضرب فعل ماض" إذ يصير ضرب مبتدأ, وفعل خبر, وماض نعت؛ لأن ضرب هنا حكي وقصد لفظه فصار اسمًا كالأسماء الأخرى, وتحقق للمبتدأ أن يكون اسمًا.
على أن معاني الصيغ الصرفية تكون وثيقة الصلة بالعلاقات السياقية, فنحن نعلم أن الفعل اللازم لا يصل إلى المفعول به بغير واسطة, ونعلم أيضًا
ص210

أن بعض الصيغ معناها اللزوم, وذلك كالمطاوع والمبني للمجهول من المتعدي لواحد, وأفعال السجايا مثل فعل يفعل -بضم العين, وغير ذلك, فمعنى الصيغة الصرفية ينبئ عن علاقاتها السياقية, ونحن نعلم أيضًا أن المتعدي من الأفعال ما وصل إلى المفعول به بلا واسطة, ونحن نعلم أيضًا أن الثلاثي اللازم الذي يهمز أو يضعَّف يصير متعديًّا, ومن هنا تصير الصيغة ودلالتها ذواتي أثر نحوي يتمثل في علاقاتها السياقية, ومن قبيل ذلك أنَّ الأفعال التي تدلّ بصيغتها الصرفية على المشاركة تتطلب فاعلًا غير مفرد أو مفردين متعاطفين بالواو, ومن هنا تكون الصيغة قرينة دالة على نوع الفاعل, فلو جاء الفاعل مفردًا ليس بعده معطوف بالواو لأحسَّ السامع في نفسه ترقبًا لهذا المعطوف؛ لأن ما دلت عليه القرينة لم يتحقق. ومن قبيل ذلك أن التوكيد اللفظي يكون بترديد المؤكد بصيغته ولفظه, وأن التوكيد المعنوي يكون بصيغ وألفاظ بعينها, فلو أكدت بغير ذلك لم يكن توكيدًا. ومنه أيضًا أن الفرق بين النواسخ الفعلية وشبهاتها من الأفعال التامة نحو: زال ودام إلخ, هو فرق في الصيغة أيضًا؛ لأن إحدى الصيغتين في كل يأتي منها المصدر لدلالتها مع الزمن على الحدث؛ ولأن الأخرى لا يأتي منها المصدر؛ لأنها تدل على الزمن دون الحدث, وإذا كان المصدر بحكم تعريفه هو اسم الحدث فلا جرم أن ما زال وما دام لا يأتي منهما المصدر, فلا نتوقع أن نرى جملة مثل: "زواله قائمًا".
4- المطابقة: مسرح المطابقة هو الصيغ الصرفية والضمائر, فلا مطابقة في الأدوات ولا في الظروف مثلًا إلّا النواسخ المنقولة عن الفعلية, فإن علاقتها السياقية تعتمد على قرينة المطابقة, وأما الخوالف فلا مطابقة فيها إلّا ما يلحق "نعم" من تاء التأنيث, وتكون المطابقة فيما يأتي:
1- العلامة الإعرابية.

ص211

2- الشخص "التكلم والخطاب والغيبة".
3- العدد "الإفراد والتثنية والجمع".
4- النوع "التذكير والتأنيث".
5- التعيين "التعريف والتنكير".
فالعلامة الإعرابية تكون للأسماء والصفات وللفعل المضارع, فيتطابق بها الاسمان والاسم والصفة والمضارعان المتعاطفان, وأما الشخص فإنه تتمايز الضمائر بحسبه بين التكلم والخطاب والغيبة, ومن ثَمَّ تتضح المقابلات بحسبه في إسناد الأفعال, وإذا كان الفعل مسندًا إلى الاسم الظاهر فهذا الاسم في قوة ضمير الغائب, أما إذا كان الفعل نواة جملة خبرية مبتدؤها ضمير, فإن الفعل لا بُدَّ أن يطابق من حيث الشخص ما تقدمه من ضمير, وأما العدد فإنه يميز بين الاسم والاسم, وبين الصفة والصفة, وبين الضمير والضمير -سواء أكان الضمير للشخص أو للإشارة أو الموصول. ومن هنا يتطابق الاسم والاسم, والصفة والصفة, والاسم والصفة، والضمير المبتدأ, وإسناد الفعل الذي في جملة خبره من حيث الإفراد والتثنية والجمع، ثم ما يعود على كل ذلك من الضمائر يكون مطابقًا له في العدد. وأما النوع فإنه يكون أساسًا للأسماء والصفات والضمائر "بأنواعها", وتتطابق الأفعال مع هذه الأقسام عند إسنادها إليها أو إلى ضمائرها العائدة إليها, كما تتطابق هذ الأقسام في ذلك في مواضع التطابق. وأما التعريف والتنكير فلا يكونان إلّا للأسماء, فإذا لحقت أل بالصفة كانت "أل" موصولة, والصفة الصريحة صلتها, وتكون "أل" في هذه الحالة من قبيل الضمائر الموصولة لا أداة للتعريف, ومع ذلك تتطابق بها الأسماء مع الصفات. وأما غير ذلك من أقسام الكلم فلا يقبل "أل".
ولا شكَّ أن المطابقة في أية واحدة من هذه المجالات الخمسة تقوي الصلة بين المتطابقين فتكون هي نفسها قرينة على ما بينهما من ارتباط في المعنى

ص212

وتكون قرينة لفظية على الباب الذي يقع فيه ويعبّر عنه كل منهما. فبالمطابقة تتوثق الصلة بين أجزاء التركيب التي تتطلبها, وبدونها تتفكك العرى وتصبح الكلمات المتراصّة منعزلًا بعضها عن بعض, ويصبح المعنى عسير المنال. انظر مثلًا فيما يأتي:
1- تركيب صحيح المطابقة: الرجلان الفاضلان يقومان.
2- مع إزالة المطابقة في الإعراب: الرجلان الفاضلين يقومان.
3- مع إزالة المطابقة في الشخص: الرجلان الفاضلان تقومان.
4- مع إزالة المطابقة في العدد: الرجلان الفاضل يقومون.
5- مع إزالة المطابقة في النوع: الرجلان الفاضلتان يقومان.
6- مع إزالة المطابقة في التعيين: الرجلان فاضلان يقومان.
7- مع إزالة المطابقة في جميع ذلك: الرجلان فاضلاتٍ أقوم.
فقد رأينا من إزالة المطابقة من جهة واحدة أو من جهات متعددة فيما أوردنا من أمثلة أن هذه الإزالة تذهب بعلائق الكلمات وتقضي على الفائدة من التعبير, أي إنها تزيل المعنى المقصود, كما رأينا أن وجود هذه المطابقة يعين على إدراك العلاقات التي تربط بين المتطابقين, ومن هنا نصل إلى فهم طبيعة المطابقة وكونها "قرينة لفظية" على المعنى المراد.
5- الربط: وهذا أيضًا قرينة لفظية على اتصال أحد المترابطين بالآخر, والمعروف أن الربط ينبغي أن يتم بين الموصول وصلته, وبين المبتدأ وخبره, وبين الحال وصاحبه, وبين المنعوت ونعته, وبين القسم وجوابه, وبين الشرط وجوابه إلخ. ويتم الربط بالضمير العائد الذي تبدو فيه المطابقة كما يفهم منه الربط أو بالحرف أو بإعادة اللفظ أو إعادة المعنى أو باسم الإشارة أو أل أو دخول أحد المترابطين في عموم الآخر, ويمكن أن نوضح ذلك بما يأتي:

 

ص213

وحين بعود الضمير يكون عوده على مذكور متقدِّم لفظًا ورتبةً, أو لفظًا دون رتبة, أو رتبة دون لفظ, ويعود بعض الضمائر على متأخِّر لفظًا ورتبة كضمير الشأن, وقد يعود على مفهوم, فإذا عاد على مذكور طابقه من حيث الشخص والعدد والنوع, ومن هنا كان الضمير في قوله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} عائدًا على الكافرين لا على الأبواب, ولو أعاده على الأبواب لقال "منها", وأما عوده على مفهوم من الكلام السابق فنحو قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} فالضمير المستتر في كان كما يقول النحاة: عائد مفهوم من الفعل "تدع" أي: ولو كان المدعو ذا قربى, وقد يكون عود الضمير على مرجعه مباشرًا نحو: "هذا الذي أعرفه", وقد يكون بواسطة سببي نحو: "هذا الذي أعرف رجلًا يعرفه", أو داخلًا في حيز جملة معطوفة على الجملة المراد ربطها نحو: "الذي يبكي فيضحك الناس منه هو الممثل", ويكون العطف هنا بالفاء فقط, ومن ثَمَّ تعتبر الفاء هنا رابطًا حرفيًّا, وتتضافر في الربط مع الضمير العائد. وقد يستر الضمير العائد كما في "هذا الذي قام", وقد يحذف إذا لم يكن ركن إسناد نحو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي: فيه, ومثله قول طرفة:
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعمد
كأن البرين والدمالج علقت ... على عشر أو خروع لم يخضد
أي: كأنَّ البرين والدمالج عليها علقت على عشر إلخ.
والربط بالحرف يكون كوقوع الفاء في جواب الشرط "ومثلها إذا المفاجأة", فتكون قرينة لفظية على أنّ ما اقترن بها هو جواب الشرط, فإذا قلنا مثلًا: "إن رجل منهم كلمك فكلمه" فإن الفاء هنا رابطة بين الجواب والشرط, ولو أزيلت لصحَّ في أن التي في صدر الجملة أن تكون مخففة من الثقيلة, وأن يكون فعل الأمر بغير الفاء على سبيل الاستئناف, ولكن وجود الفاء أزال هذا اللبس الممكن، ولا شك أن الفاء حين تزيل هذا اللبس تكون قرينة لفظية على المعنى بربطها بين الشرط والجواب(2) . ومثل ذلك يقال في اللام الواقعة في جوب لولا, والواقعة في جواب القسم, والفاء الواقعة في جواب
ص215

أما, ومن هذا يبدو أن الأجوبة تفتقر إلى هذه الروابط الحرفية حتى يعلم بهذه القرائن اللفظية أنها أجوبة.
والربط يكون أيضًا بإعادة اللفظ نحو قول القائل: "الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان", وقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} فإعادة المرجع بلفظه رابط أقوى من إعادة ضميره عليه؛ لأن لفظه أقوى من الكناية عنه, ويكثر ذلك في الشعر مثل:
يهيم بهند وهند تهـ ... يم تأخر علق من لا تهيم(3)
وكذلك يكون الربط بإعادة معنى اللفظ, وقد مثَّل ابن مالك لكسر همزة إنَّ بمثال يصلح لذلك هو جملة "خير القول إني أحمد", من ذلك أيضًا "شعاري لا إله إلا الله" و"ديدني لا نجاح بلا تعب" ومثل: "محمد شفيعي نبي الله", وكان الكلام الذي قبل البيان على نية التمام, ثم جاء البيان للإيضاح, فكان من قبيل الربط, ويكون أيضا بالعهد الذكرى نحو: "زيد نعم الرجل" و"أعطيت سائلًا فما قنع السائل" وأل هنا في قوة الضمير أي: فما قنع ذلك أو المذكور أو هو, والذي يبدو إلي أن إعادة اللفظ وإعادة المعنى والعهد للذكرى جميعًا من وادٍ واحد.
ومن استعمال اسم الإشارة في الربط قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ... } .
ويعود على الاسم الظاهر ضمير الغائب نحو: "زيد رأيته"؛ لأنه في قوته في حقل المطابقة إلّا أن يكون الظاهر منادى فيكون في قوة ضمير الخطاب نحو: "يا زيد بشراك", فإن الكاف هنا تقف بإزاء زيد أو مختصًّا, فيكون في قوة ضمير التكلم نحو: "نحن العرب نكرم الضيف" إذ إن حرف المضارعة هنا وهو النون للمطابقة, كما يقف الاسم الظاهر هنا بإزاء نحن.
6-- التضام: يمكن فهم التضام على وجهين نلخصهما فيما يأتي:
أ- الوجه الأول: إن التضام هو الطرق الممكنة في وصف جملة ما, فتختلف طريقة منها عن الأخرى تقديمًا وتأخيرًا وفصلًا ووصلًا وهلم جرا, ويمكن أن نطلق على هذا الفرع من التضامّ اصطلاح "التوارد"
ص216

وهو بهذا المعنى أقرب إلى اهتمام دراسة الأساليب التركيبية البلاغية الجمالية منه إلى دراسة العلاقات النحوية والقرائن اللفظية, ومن ثَمَّ نتخطاه ونتركه لمن شاء أن يوغل فيه.
ب- الوجه الثاني: إن المقصود بالتضامِّ أن يستلزم أحد العنصرين التحليليين النحويين عنصرًا آخر فيسمَّى التضام هنا "التلازم", أو يتنافى معه فلا يلتقي به ويسمَّى هذا "التنافي", وعندما يستلزم أحد العنصرين الآخر, فإن هذا الآخر قد يدل عليه بمبنى وجودي على سبيل الذكر, أو يدل عليه بمبنى عدمي على سبيل التقدير بسبب الاستتار أو الحذف, وهذا هو المعنى الذي نقصد إليه بهذه الدراسة.
قلنا: إن التلازم إمَّا أن يكون بالمبنى الوجودي وهو المذكور, وإما أن يكون بالمبنى العدمي وهو لا يتحقق بعلامة, والملاحظ أن الأكثر في أمن اللبس أن يكون نتيجة الذكر, فيكون الذكر قرينة على المعنى المراد, ويتم ذلك الذكر على طريق الافتقار أحيانًا كما في تلازم الموصول صلته, وتطلب كلا وكلتا مضافًا إليه معرفة مثنى, ويطلب العائد مرجعًا, والتلازم بين حرف الجر ومجروره, والمبهم وتمييزه, وواو الحال وجملة الحال, وحرف العطف والمعطوف, والنواصب والجوازم والفعل المضارع, والجواب الذي لا يصلح شرطًا, والحرف الرابط, وهلم جرا. ويتم الذكر أحيانًا أخرى على طريق الاختيار, فتذكر الضميمة إذا لم تعن القرائن الأخرى على تقديرها, وتستتر أو تحذف عند وجود القرينة الدالة عليها لقصد الإيجاز والانصراف عن إطناب غير مطلوب, يقول ابن مالك:
وبعد فعل فاعل فإن ظهر ... فهو وإلّا فضمير استتر
ولا يكون استتار العلامة التي يتحقق بها المبنى الذي يشير إليه التضام إلّا بقرينة, فتكون القرينة في الماضي هي وضع صورة الفعل الذي استتر فيه الضمير بازاء صور الأفعال الأخرى ذوات الضمائر المتصلة, فتكون المقابلة "أي: القيمة الخلافية أو المخالفة" أساسًا لفهم خصوص الضمير المستتر بواسطة صورة فعله دون حاجة إلى ذكر الضمير, ودلالة الفعل بصورته الإسنادية في نطاق الجدول على ضمير ما هو التفسير المضبوط لما قصده

ص217

النحويون باصطلاح "الاستتار", فليس في المسألة ما يشبه الكلام في الغيبيات والظنيات كما زعم البعض. على أنَّ الاستتار في السياق لا يتَّكل على الصورة في الجدول فحسب, وإنما يعززه أيضًا وجود مرجع في الجملة يدل على خصوص المستتر؛ فالفاعل يذكر اختيارًا مع بعض الماضي لدلالة القرائن عليه عند الاستتار, أما في المضارع فإن حروف المضارعة تفيد المعاني التصريفية التي تؤخذ في الماضي من الضمائر المتصلة, فإذا استتر الضمير في المضارع فإن حرف المضارعة إحدى قرائن تقديره, بل أهمّ هذه القرائن. والاستتار في الأمر في صورة واحدة هي المخاطب المفرد, فوقوفها بإزاء بقية الصور يدل من طريق القيمة الخلافية على خصوص الضمير المستتر, وهكذا تعيّن القرائن كالقيمة الخلافية والربط بالمرجع وحروف المضارعة على تحديد معنى الضمير المستتر. ويكون الاستتار في ضمير الفاعل ونائب الفاعل واسم كان, وقد سبق عند الكلام عن الإلصاق أن بَينَّا متى يكون الاستتار مطردًا "واجب", ومتى يكون غير مطرد "جائز", فلا حاجة بنا إلى تكرار ذلك هنا. ذلك أمر الذكر والاستتار.
أما الذكر والحذف: فإنهما يكونان فيما عدا ذلك من الضمائر وغيرها من أقسام الكلم جميعًا, على أن يكون الحذف دائمًا مع وجود القرينة الدالة على المحذوف؛ فالمضاف والمضاف إليه يتطلب أحدهما الآخر, ويحذف كل منهما مع وجود القرينة نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} و {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} والمبتدأ والخبر متلازمان, ويحذف كل منهما بالقرينة.
وحذف ما يعلم جائز كما ... تقول زيد بعد من عندكما
وفي جواب كيف زيد قل دنف ... فزيد استغنى عنه إذ عرف
والموصوف وصفته متلازمان, ولكن كلًّا منهما يحذف فتدل عليه القرينة عند حذفه نحو: "صليت بالجامع", والمراد المسجد الجامع, ونحو: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة} والمراد المسجد الأقصى, والضمير العائد يذكر فيكون قرينة دالة على الارتباط بين جملة فرعية أو نحوها, وبين بقية أجزاء الجملة الكبرى, ولكنه إذا قامت قرينة أخرى تفيد ما يفيده هذا الضمير, أو تدل على هذا الضمير العائد أمكن حذفه نحو: "ما هذا الذي صنعت"

ص218

وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} . ويحذف هذا العائد إذا كان أول مفعولي ظنَّ نحو: "زيد ظننت قائمًا" لوجود القرينة الدالة عليه وهي "المبتدأ" الذي هو مرجع هذا الضمير.
والفعل يذكر أو يحذف إذا دلّت عليه القرينة بالتفسير نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّت} أو دخول الأدوات التي تتطلب الأفعال على الاسم المنصوب نحو: $"التمس ولو خاتمًا من حديد" أو أن يذكر ما يطلب المحذوف من غير ذلك نحو: "إن زيدًا هلك أو كاد" فالحذف لا يتم إلّا بقرينة تدل على المحذوف, ولا مانع في كل ذلك من ذكر المحذوف. وأما ما يسميه النحاة "وجوب حذف الفعل" فالمعنى في جميعه على غير تقدير الفعل, لقد قال النحاة بحذف الفعل وجوبًا في النداء, ولا يستقيم معنى النداء وهو إنشائي مع تقدير الفعل؛ لأن الكلام مع تقديره سيصبح خبًرا, والأوضح فيه أنه من الجمل التي تعتمد على الأداة ومعناها، وقال النحاة بحذف الفعل وجوبًا في الاختصاص, والأوضح فيه أن نصب الاسم المختص على المخالفة أي: أن النصب قيمة خلافية تفرق بينه وبين الخبر في نحو: "نحن العرب نكرم الضيف".
وقال النحاة بوجوب حذف الفعل مع الصفات المقطوعة والبيِّن فيه أن القرائن الأخرى دلَّت على الربط بين الصفة والموصوف حتى لم تعد الحركة الإعرابية مناط المعنى فصحَّ الاستغناء عنها اتكالًا على بقية القرائن, وهذا شبيه بما في "خرق الثوب المسمار" و"جحر ضب خرب", وقال النحاة بوجوب حذف الفعل في التحذير, والأوضح فيه أن ضمير النصب المنفصل يتعدَّد معناه بين التعدية وهي معنى المفعول به وبين معنى الأداة, فيرجع ذلك إلى ما درسناه تحت تعدد المعاني الوظيفية للمبنى الواحد, وإذا كان "إياك" منقولًا إلى معنى الأداة هنا, فلا سبيل إلى فهم معنى الفعل المحذوف. وأما "إن زيدًا ضربته" فأراها من مسائل الرتبة والفصل والربط بالضمير, وليست من مسائل حذف الفعل وجوبًا.
وأورد النحاة عبارات محفوظة قالوا: إنها على حذف الفعل وجوبًا, وأكثر ما يرد من هذه المنصوبات يمكن تفسيره على معنى المخالفة, فتكون الفتحة قيمة خلافية تفرّق بين معنى هذه المنصوبات في حالة النصب وبين

ص219

معناها في حالة الرفع نحو: شأنك والحج، امرأ ونفسه، أهلك والليل -عذيرك- هذا ولا زعماتك كليهما وتمرًا، كل شيء ولا شتيمة حر. انتهوا خيرًا لكم، الأسد الأسد، سقيًا لك ورعيًا ويحك، حمدًا وشكرًا، إنما أنت سيرًا سيرًا، له صوت صوت حمار، هو عبد الله حقًّا، له ألف عرفًا، حنانيك، هنيئًا مريئًا، أقائمًا وقد قعد الناس إلخ.
وأما الأدوات فبعضها يتطلب الأسماء كليتما وإذا الفجائية وإن وأخواتها والنواسخ الأخرى الداخلة على الجملة الاسمية, وبعضها يتطلب الأفعال كان ولو ولولا وألا وهلا, وكذلك تنقسم بحسب الدخول على المفردات, والدخول على الجمل, ولكل أداة معناها في التعليق النحوي, ولذلك تعتبر الأداة قرينة من هذه القرائن على نحو ما سنرى بعد قليل, ولكنّ قرينة الأداة ككل قرينة أخرى لا تقف وحدها في نظام إفادة القرائن, وإنما تكون إفادتها في إطار مبدأ عام سبقت الإشارة إليه هو مبدأ تضافر القرائن، فإذا كانت القرائن الأخرى بحيث تغني عن ذكر الأداة, فلا تكون الأداة بمفردها مناط المعنى, فإن النص حينئذ يمكن أن يؤمن فيه اللبس بدون ذكر الأداة. فمن ذلك أن التلازم الذي بين همزة التسوية وبين "أم" يجعل "أم" هذه قرينة على الهمزة فيستغنى أحيانًا عن الهمزة بقرينة ذكر "أم" نحو: "سواء علا قمت أم قعدت", والأمر كذلك مع همزة التعيين نحو: "قائم زيد أم قاعد", وبذا يكون الاستفهام قد تَمَّ بدون الأداة, وقد تغني النغمة عن الأداة كما في قولك عند عرضك الطعام على مخاطب: "تأكل", والمعنى المراد "ألا تأكل" وقد يستغنى عن أداة النداء بقرينة قصده ونغمته أيضًا.
والجمل الفرعية كذلك تحذف عند أمن اللبس, أي: عند إغناء القرائن عن ذكرها, وذلك كحذف جملة جواب الشرط في نحو قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} إلخ, وكذلك قوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . بل قد تحذف الجملة الشرطية بجزءيها عند دلالة القرينة إذ يؤمن اللبس نحو:

ص220

قالت بنات العم يا سلمى وإنن ... كان فقيرًا معدمًا قالت وإنن(4)
وإذا دلت القرائن على جملة الخبر فأمن اللبس مع حذفها, فمن الممكن أن تحذف, نحو الجواب على قوله: من الذي حفظ الدرس؟ بقولك: "علي", أي: عليٌّ حفظ الدرس, وتحذف الجملة التي قطع عنها الظرف بقرينة دالة عليها كسبق الذكر وتنوين الظرف للقطع كقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُون} أي: "حين إذ بلغت الروح الحلقوم", وقد جاء تقدير هذه الجملة على هذه الصورة بخصوصها بقرينة سبق الذكر في قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُوم} .
فالذكر قرينة لفظية, والحذف إنما يكون بقرينة لفظية أيضًا, ولا يكون تقدير المحذوف إلّا بمعونة هذه القرينة, وأهم القرائن الدالة على المحذوف هي الاستلزام وسبق الذكر, وكلاهما من القرائن اللفظية الداخلة في مفهوم التضام.
والتنافي عكس التضامِّ وإن أدخلناه تحته باعتباره قسيمًا للتلازم, وهذا التنافي قرينة سلبية على المعنى يمكن بواسطتها أن نستبعد من المعنى أحد المتنافيين عند وجود الآخر. فإذا وجدنا "أل" استبعدنا معنى الإضافة المحضة, وإذا وجدنا التنوين استبعدنا معنى الإضافة بقسميها, وإذا وجدنا المضمر استبعدنا نعته, وإذا وجدنا إن المكسورة الهمزة مخفَّفَة من الثقيلة استبعدنا المضمر أن يكون اسمًا لها, وإذا وجدنا كلا وكلتا استبعدنا فيما أضيف إليهما أن يكون مفردًا أو جمعًا أو نكرةً, وإذا وجدنا "ذو" استبعدنا فيما أضيف إليها أن يكون ضميرًا, وإذا وجدنا حرف الجر استبعدنا فيما يتلوه أن يكون جملة محكية, وإذا وجدنا أداة النداء لم نتوقع بعدها الاسم المقترن بأل إلّا بواسطة "أي", وإذا وجدنا لولا استبعدنا أن يكون لمبتدئها خبر, وهلمَّ جرا. وهكذا يكون التنافي قرينة لفظية سلبية لا إيجابية.
وفيما يلي تخطيط العلاقة بين القرائن الداخلة تحت عنوان التضام:


ص221

ويتفرع عن التضام أيضًا مسألة أخرى هي الفصل أو عدم الفصل بين المتلازمين, فمن الفصل مثلًا ما يحدث من:
1- الفصل بضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وبين جزئي الجملة المنسوخة.
2- الفصل بكان الزائدة بين ما والتعجب.
3- الفصل بما الكافة بين إن واسمها.
4- الفصل بإن الزائدة بين ما النافية ومنفيها.
5- الفصل بما بين ليت ومدخولها.
6- الفصل بالقسم والظرف والمجرور بين إذا والمضارع.
والملاحظ أن الفواصل هنا أكثرها من الأدوات, فلا نخرج عن ذلك إلّا ضمير الفصل وجملة القسم وشبه الجملة, وهو الظرف أو الجار والمجرور.
أما عدم الفصل فيتضح من منعه في الحالات الآتية:
1- منع الفصل بين لا ومدخولها.
2- منع الفصل بين الصفة والموصوف.
3- منع الفصل بين العاطف والمعطوف.
4- منع الفصل بين النواصب "إلّا إذ" والمضارع.
5- منع الفصل بين الموصول وصلته.
6- منع الفصل بين الجار والمجرور إلّا ما شذَّ من الفصل بكان الزائدة.
وما سبق هو أشهر الأمثلة لظاهرة التضام على وجه استخدامها قرينة لفظية, فلا ينبغي أن يؤخذ كما لو كان استقصاء لكلِّ حالات التضامِّ من هذا النوع, فحسبنا أن نشرح الظاهرة هنا, وأن نترك الاستقصاء لمناسبة أخرى مقبلة, ومعنى أن التضامِّ قرينة لفظية هنا أن الموصول مثلًا قرينة على أن الجملة التي بعده صلة, وأنه لو لم يتقدمها الموصول لصلحت بصورتها الخبرية أن تكون

ص223

صفة إذا تطلبها الموصوف, أو حالًا إذا تطلبها صاحب الحال, أو خبرًا إذا تطلبها المبتدأ, أو في محل جر بالإضافة إذا تطلبها الظرف, فالذي يتطلب هذه الجملة هو الذي يحدد معناها، ومن مظاهر قرينة التضامّ أيضًا أن الاسم الواقع بعد الأدوات التي لا تدخل إلّا على الأفعال في الاشتغال لا يكون إلًا منصوبًا على المفعولية لفعل محذوف مقدَّر يفسره المذكور؛ لأنه لو ارتفع لكان مبتدأ, ولعدت هذه الأدوات داخلة على الأسماء على عكس حظِّها من التضام, وفي ذلك يقول الأشموني: "ولا يجوز رفع الاسم السابق على أنه متبدأ؛ لأنه لو رفع والحالة هذه لخرجت هذه الأدوات عَمَّا وضعت له من الاختصاص بالفعل(5)".
ولا شكَّ أن التضامّ مبرر قبول التقدير سواء عند الاستتار أو عند الحذف, فالاستتار والحذف إنما يكونان للعناصر التي تتطلبها عناصر أخرى, فيكون هذا التطلب أساسًا لقبول تقدير المستتر أو المحذوف أو متعلق الظرف والجار والمجرور, وتتضافر معه بالطبع قرائن أخرى كسبق الذكر عند الحذف, وكدلالة الصيغة عند الاستتار, وقد سبق لنا أن أشرنا إلى ظاهرة "تضافر القرائن".
7- الأداة: وهذه القرينة اللفظية المستخدمة في التعليق تعتبر من القرائن الهامة في الاستعمال العربي, ولقد سبق أن ذكرنا أن الأدوات في مجموعها من المبنيات فلا تظهر عليها العلامة الإعرابية, ومن ثَمَّ أصبحت كلها ذات رتبة شأنها في ذلك شأن المبنيات الأخرى التي تعينها الرتبة على الاستغناء عن الإعراب.
وهذه الأدوات على نوعين: أحدهما الأدوات الداخلة على الجمل, والثاني الأدوات الداخلة على المفردات, فأما الأدوات الداخلة على الجمل فرتبتها على وجه العموم الصدارة، وأما الأدوات الداخلة على المفردات فرتبتها دائمًا رتبة التقدم, ومثال أدوات الجمل النواسخ جميعًا وأدوات النفي والتأكيد والاستفهام والنهي والتمني والترجي والعرض والتحضيض والقسم والشرط
ص224

والتعجب والنداء، ومثال الأدوات الداخلة على المفردات حروف الجر والعطف والاستثناء والمعية والتنفيس والتحقيق والتعجب والتقليل والابتداء والنواصب والجوازم التي تجزم فعلًا واحدًا, ولكل أداة من هذه الأدوات ضمائمها الخاصة, فهي تتطلّب بعدها شيئًا بعينه, فتكون قرينة متعددة جوانب الدلالة حيث تدل بمعناها الوظيفي وبموقعها وبتضامّها مع الكلمات الأخرى, وربما قد يكون متفقًا مع وجودها من علامات إعرابية على ضمائمها. وهذا التعدد في جوانب الدلالة بقرينة الأداة يجعلها في التعليق النحوي قرينة لفظية هامَّة جدًا.
ومن الأمثلة التي يمكن أن نضربها هنا للتعليق بقرينة الأداة ما يمكن أن يستفاد مثلًا من واو المعية من التفريق بين المفعول به الذي تدلّ عليه أساسًا قرينه التعدية, وبين المفعول معه وهو تدل عليه أساسًا قرينتان: إحداهما المعية والأخرى الواو. لاحظ مثلًا الفرق بين الجملتين الآتيتين:
فهمت الشرح في مقابل فهمت والشرح.
وكذلك غنيت زيدًا أغنية. في مقابل غنيت وزيدًا أغنية.
فلا الفتحة بمفرها أغنت فتيلًا في تمييز المعنيين, ولا هي والمرتبة معًا لاتحادهما في البابين, وإنما يكون التفريق بينهما بأمرين:
أ- القيمة الخلافية الناتجة من مقابلة التعدية بالمعية.
ب- القيمة الخلافية الناتجة من مقابلة وجود الواو وعدمه.
ولما كانت الواو هي مطية المعية هنا فلا يفهم معنى المعية بغير الواو, اجتمع في الواو أمر التفريق بين المعنيين فصارت هي القرينة الوحيدة الدالة على المفعول معه, وأصبح عدمها قرينة المفعول به, ومثل ذلك ما تفيده أداة الاستثناء من فرق بين البدل والمستثنى في نحو المقابلة الآتية:
حييت القوم زيدًا في مقابل حييت القوم إلّا زيدًا.
والنفي والقصر في: ما قام زيد في مقابل ما قام إلّا زيد.
وممن اعترف بقيمة الأداة اعترافًا ضمنيًّا ابن مالك حيث يقول في أدوات الشرط:

ص225

فعلين يقتضين فعل قدما ... يتلو الجزاء وجوابًا وسما
فقصَّ قصة التضام فيها صراحة وقصة دالة الأداة ضمنيًّا؛ حيث جعل ضميمتها الأولى فعلًا للشرط والثانية جوابًا وجزاء.
8- النغمة:
ومن قرائن التعليق اللفظية في السياق التنغيم, وهو الإطار الصوتي الذي تقال به الجملة في السياق, ولقد ذكرنا من قبل كيف تأتي الكلمات العربية على مثال صيغ محددة تعتبر قوالب لها. ونحب هنا أن نعقد شبهًا بين هذه الصيغ الصرفية التي للكلمات, وبين صيغ أخرى تنغيمية تتَّصل بالمعاني النحوية التي للجملة لا للباب المفرد. فالجمل العربية تقع في صيغ وموازين تنغيمية هي هياكل من الأنساق النغمية ذات أشكال محددة, فالهيل التنغيمي الذي تأتي به الجملة الاستفهامية وجملة العرض غير الهيكل التنغيمي لجملة الإثبات, وهنَّ يختلفن من حيث التنغيم عن الجملة المؤكدة. فلكل جملة من هذه صيغة تنغيمية خاصة فاؤها وعينها ولامها وزوائدها وملحقاتها نغمات معينة, بعضها مرتفع وبعضها منخفض, وبعضها يتفق مع النبر وبعضها لا يتفق معه, وبعضها صاعد من مستوى أسفل, وبعضها هابط من مستوى أعلى, فالصيغة التنغيمية منحنى نغمي خاصّ بالجملة يعين على الكشف عن معناها النحوي, كما أعانت الصيغة الصرفية على بيان المعنى الصرفي للمثال, وأنا أتصور أنك لو طلبت إلى أحد المتكلمين أن يحاول نطق بعض الجمل وهو مقفل الشفتين لاستطعت في هذه الحالة أن تستمع الهيكل التنغيمي للجملة المرادة دون أن تسمع ألفاظ الجملة نفسها, وسيكون في مقدورك في هذه الحالة أن تقول ما إذا كانت الجملة المرادة التي لم تسمع ألفاظها استفهامًا أو إثباتًا أو تأكيدًا. تفعل ذلك دون حاجة إلى تفكير أو استنتاج؛ لأن سياق النغمات في كل جملة له من الطابع العرفي المشروط المحدد ما للكلمة في دلالتها على معناها, وما للحركة أو الرتبة في دلالتها على الباب النحوي الخاص.
والتنغيم في الكلام يقوم بوظيفة الترقيم في الكتابة, غير أن التنغيم أوضح من الترقيم في الدلالة على المعنى الوظيفي للجملة, وربما كان ذلك لأنَّ ما يستعمله

ص226

التنغيم من نغمات أكثر مما يستعمله الترقيم من علامات؛ كالنقطة والفاصلة والشرطة وعلامة الاستفهام وعلامة التأثر, وربما كان ذلك لسبب آخر. ولكن الذي لا شكَّ فيه أن الكتابة إذا كان لها على النطق ميزة الدوام وإمكان الاستحضار مرة أخرى وإعادة التجربة وتخطي حدود الزمان والمكان, فإن النطق له عليها ميزة الحياة والحركة والموقف الاجتماعي, وربما أصحبت له قدرة مشاركتها عنصر الدوام وإمكان الاستحضار مرة أخرى, وإعادة التجربة, وتخطي حدود الزمان والمكان بعد اختراع أشرطة التسجيل والإذاعة والتليفزيون, وفي كل هذه المخترعات يحتفظ النص بدلالة النغمة وبالموقف الاجتماعي, ويزيد التليفزيون عليها الاحتفاظ بتعبيرات الملامح وحركات أجزاء الجسم كالرأس واليدين, مما يجعل الموقف أقرب شيء إلى الحياة.
لقد وصلنا التراث العربي مكتوبًا ففقد بذلك عنصر المقام الاجتماعي, ولذلك أصبح لزامًا على الكاتب قبل إيراد أيّ نص أدبي أن يعيد تكوين هذا المقام بوصف الأحداث كالذي نلاحظه في التقديم لخطبة الحجّاج في أهل العراق مثلًا.
ولم يكن لدى العرب نظام الترقيم كالذي نعرفه الآن, لقد كانت اللغة العربية الفصحى في عصرها الأول ككل لغات العالم, ربما أهملت أن تذكر الأدوات في الجملة اتكالًا على التعليق بالنغمة, فكان من الممكن مثلًا أن نفهم معنى الدعاء من قولهم: "لا وشفاك الله"" بدون الواو اتكالًا على ما في تنغيم الجملة من وقفة واستئناف, ومع ذلك لم يكن ثَمَّةَ مفر لمن دوَّنوا التراث من الاحتفاظ دائمًا بهذه الأدوات بسبب عدم وجود ذلك الترقيم أو التنغيم في الكتابة, فكان لا بُدَّ لهم من ضمان أمن اللبس في المعنى بواسطة اطراد ذكر الأدوات. ولكن شاعرًا كابن أبي ربيعة استطاع أن يحذف الأداة بلا لبس حين قال:
ثم قالوا: تحبها؟ قلت بهرًا ... عدد النجم والحصى والتراب
فقد أغنت النغمة الاستفهامية في قوله: تحبها؟ " بما له من صفة وسيلة التعليق عن أداة الاستفهام, فحذفت الأداة وبقي معنى الاستفهام مفهوم من البيت, وإنصافًا للحق هنا لا بُدَّ أن نشير إلّا أنه يمكن في بيت ابن أبي ربيعة

ص227

هذا مع تغيّر النغمة أن يفهم منه معنى التقرير للتأنيب أو التعبير أو الإلجاء إلى الاعتراف, وإن مجرَّد قبول احتمال من هذا النوع ليبرر موقف الأقدمين حين حافظوا على ذكر الأدوات باطراد؛ لأن التراث مكتوب تتضح فيه العلاقات بالأدوات, وليس منطوقًا تتضح فيه العلاقات بالنغمات.
ومما يتَّصل بقولنا في: "لا وشفاك والله" ما أخطأ النحاة التوفيق في فهمه من قول جميل بن معمر:
لا لا أبوح بحب بثنة إنها ... أخذت عليّ مواثقًا وعهودًا
فلو اصطنع النحاة لأنفسهم علامات للترقيم لوجد القارئ نقطة للوقف بعد "لا" الأولى, ولأدركوا أن "لا" هذه بنفسها تكون جملة مفيدة يستحسن في تنغيمها أن نقف عليها لتمام الفائدة, ولو تورَّطوا في اعتبارها حرف نفي مؤكدًا توكيدًا لفظيًّا بحرفٍ على مثل صورته قال له. ومن الواضح أن هناك فرقًا بين أن تكون "لا" الأولى حرف نفي مؤكدًا أو جملةً كاملة الإفادة يستحسن السكوت عليها, ويتطلب التنغيم في حالة التوكيد وصل الكلام, وفي حالة المفيدة وقفة واسئنافًا.
وللنغمة دلالة وظيفية على معاني الجمل تتضح في صلاحية الجمل التأثرية exciamatcry المختصرة نحو: لا! نعم! يا سلام!، الله! إلخ. لأن تقال بنغمات متعددة ويتغيّر معناها النحوي والدلالي مع كل نغمة بين الاستفهام والتوكيد والإثبات لمعانٍ مثل: الحزن والفرح والشكّ والتأنيب والاعتراض والتحقير, وهلمَّ جرا حيث تكون النغمة هي العنصر الوحيد الذي تسبَّب عنه تباين هذه المعاني؛ لأن هذه الجملة لم تتعرَّض لتغيّر في بنيتها, ولم يضف إليها, أو يستخرج منها شيء مؤلم يتغير فيها إلّا التنغيم, وما قد يصاحبه من تعبيرات الملامح وأعضاء الجسم مما يعتبر من القرائن الحالية.
والتنغيم في اللغة العربية الفصحى غير مستحيل ولا مدروس, ومن ثَمَّ تخضع دراستنا إياه في الوقت الحاضر لضرورة الاعتماد على العادات النطقية في اللهجات العامية. وفي دراستي للهجة عدن وقفت بواسطة الملاحظة التي أيدتها تجارب المعمل في بعض نتائجها على نظام التنغيم في اللهجة, ثم حاولت

ص228

أن أقارنه بكلامي أنا باللغة الفصحى, فوجدت الفروق طفيفة جدًا بحيث يمكن مع قليل من التعديلات أن يمثل هذا التنغيم كلامي بالعربية الفصحى. ويمكن وصف هذا النظام التغيمي بواسطة تقسيمه من وجهتي نظر مختلفتين: إحداهما: شكل نغمة آخر مقطع وقع عليه النبر في الكلام, والثانية: هي المدى الذي بين أعلى نغمة وأخفضها في الصوت سعةً وضيقًا. فأما من حيث وجهة النظر الأولى فينقسم نظام تنغيم الفصحى إلى لحنين: الأول: وينتهي بنغمة هابطة على آخر مقطع وقع عليه النبر، والثاني: وهو ينتهي بنغمة صاعدة على المقطع المذكور. وأما من حيث وجهة النظر الثانية فينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: الواسع، والمتوسط، والضيق, ومن ج جميع هذه الاعتبارات معًا نرى أن اللحن العربي للكلام يمكن أن يكون على أحد النماذج التنغيمية الستة الآتية:
الأول: الواسع الثاني: الواسع
الأول: المتوسط الثاني: المتوسط
الأول: الضيق الثاني: الضيق
والواسع ما كان نتيجة إثارة أقوى للأوتار الصوتية بواسطة الهواء المندفع من الرئتين, فيسبب ذلك اهتزازًا أكبر في الأوتار الصوتية, ومن ثَمَّ يعلو الصوت, ومن أمثلة استعماله الخطابة والتدريس لأعداد كبيرة من الطلاب, والصياح الغاضب, ونحو ذلك. والمتوسط يستعمل للمحادثات العادية وهو أقل تطلبًا لكمية الهواء وما يصحبها من علوِّ صوت. وأما الضيق فهو المستعمل في العبارات اليائسة الحزينة, وفي الكلام بين شخصين يحاولان ألّا يسمعها ثالث على بعد قليل منهما. فالسعة والتوسط والضيق تتصل باصطلاحات علوِّ الصوت وانخفاضه هنا.
وأما الاصطلاحان: "الأول" و"الثاني" فلا يصفان إلّا نغمة آخر مقطع وقع عليه النبر في الجملة من الكلام, فإذا كان هذا المقطع منحدرًا من أعلى إلى أسفل فذلك هو الشكل الأول للحن العربي, وإن كان صاعدًا من أسفل إلى أعلى فهو الشكل الثاني, ومع أنَّ الشكل الأول هو المستعمل في

ص229

الإثبات والنفي والشرط والدعاء وجميع الجمل, حتى إنه يشارك الثاني في مجاله وهو الاستفهام والعرض, فيشمل الاستفهام بالظروف ونحوها دون الأداتين "هل والهمزة", نرى الشكل الثاني قاصرًا على الاستفهام بالأداتين فقط, وهو النوع الوحيد من أنواع الاستفهام الذي ينتهي بنغمة صاعدة. قارن العبارتين:
هل جاء زيد؟
متى جاء زيد؟
تجد اختلافًا في النغمة الأخيرة في الجلمتين, ولا تصعد النغمة الأخيرة مع الظروف إلّا عند إرادة التعبير بجملة الاستفهام عن معانٍ إضافية كالدهشة أو التعالي أو نحوهما, وفي هذه الحالة نجد جملة "متى جاء زيد" السابقة تنتهي بنغمة صاعدة. وينبغي لنا أنَّ نشير هنا إلى أنَّ هبوط النغمة أو صعودها أو تحولها عن المستوى السابق في وسط الكلام أو في آخره لا يكون إلّا متفقًا مع موقع النبر, فلا تتحوّل النغمة هذا التحوّل إلّا على مقطع منبور, وهذه الصلة الوثيقة بين النبر وبين التنغيم لا يمكن انفكاكها, ولذلك يكثر أن يقف المرء عند أحد المعاني باحثًا عَمَّا إذا كان هذا المعنى وظيفة النبر بمفرده أو التنغيم بمفرده, ثم لا يستطيع الجزم بأنه وظيفة أحدهما على انفراد.
وإذا وقف المتكلم قبل تمام المعنى وقف على نغمة مسطَّحة لا هي بالصاعدة ولا بالهابطة, ومن أمثلة ذلك الوقف عند كل فاصلة مكتوبة في الآيات الآتية:
{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} .
فالوقف على "البصر" و"القمر" أولًا, و"القمر" ثانيًا, وقف على معنى لم يتمّ فتظل نغمة الكلام مسطحة دون صعود أو هبوط, أما الوقف عند "المفر" فالنغمة فيه هابطة؛ لأنه وقف عند تمام معنى الاستفهام بغير الأداة, أي: الاستفهام بالظرف. وكثيرًا ما يرى المتكلم أن المعنى يتطلب تقسيم الجملة تنغيميًّا بحسب الاعتبارات الإلقائية إلى فقر تنفسية تتصل بوجود

ص230

مفاصل من الألفاظ كأدوات العطف وغيرها, فيقف المتكلم عند كل فقرة تنفسية منها بنغمة مسطَّحة على نحو ما حدث في الآيات التي أوردناها.
وفي كلٍّ من هذه الأشكال الستة للحن التنغيمي العربي يمكن أن يكون الكلام عاديًّا أو مؤكدًا, ويأتي التأكيد أيضًا من زيادة نسبية في كمية الهواء المسلَّط على الأوتار الصوتية عند النطق بالمقطع الذي وقع عليه النبر وأُرِيدَ تأكيده, فتأتي النتيجة في صورة نبر أقوى, ومدى تنغيمي أوسع, فمثلًا تقول لمن يعرف أنه حدث قيام ويشك في شخص القائم: "محمد قائم" بتوكيد المقطع المنبور من "محمد", وهو"حم"؛ بحيث يصبح المقطع أقوى نطقًا وأعلى صوتًا منه في الكلام العادي, أما إذا كان يعرف أن محمدًا قد فعل شيئًا ويشك في أنه قيام أو قعود, فكل ما تقدَّم إجراؤه بالنسبة للمقطع "حم" يصبح ضروريًّا بالنسبة للمقطع "قام".

 

 

 

__________
(1) انظر التضامّ فيما يلي بعد قليل.

(2)الأشموني ص588.

(3) البيت مثال صنعه المؤلف.

(4) انظر شرح الأشموني: باب جوازم الفعل.

(5) ص188 "محيي الدين".




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



جامعة كركوك: حفلات التخرج يجب أن تكون بمستوى حفل التخرج المركزي لطلبة الجامعات
جامعة نينوى: حفل تخرج طلبة الجامعات دليل على اهتمام العتبة العباسية بشريحة الخريجين
جامعة كربلاء: في حفل تخرج الطلبة المركزي امتزج التحصيل العلمي بالقيم الأخلاقية والاجتماعية
قسم التربية والتعليم يقيم حفل ختام المسابقة المركزية لبرنامج (الأذن الواعية)