المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


صراع اللغات (العامل الأول: نزوح عناصر أجنبية إلى البلد)  
  
661   05:09 مساءً   التاريخ: 14-2-2019
المؤلف : د. علي عبد الواحد وافي
الكتاب أو المصدر : علم اللغة
الجزء والصفحة : ص230- 240
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / تكون اللغات الانسانية / احتكاك اللغات /

العامل الأول: نزوح عناصر أجنبية إلى البلد
قد يحدث على أثر فتح أو استعمار أو حرب أو هجرة ... أن ينزح إلى البلد عنصر أجنبي ينطق بلغة غير لغة أهله؛ فيشتبك اللغتان في صراعٍ ينتهي إلى إحدى نتيجتين؛ فأحيانًا تنتصر لغة منهما على الأخرى؛ فتصبح لغة جميع السكان قديمهم وحديثهم, أصيلهم ودخيلهم، وأحيانًا لا تقوى واحدة منهما على الأخرى؛ فتعيشان معًا جنبًا لجنب.
أ- الحالات التي يحدث فيها تغلب إحدى اللغتين:
وتحدث النتيجة الأولى، وهي أن تتغلب إحدى اللغتين على الأخرى فتصبح لغة جميع السكان أصيلهم ودخيلهم، في حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون كلا الشعبين همجيًّا, قليل الحضارة, منحط الثقافة، ويزيد عدد أفراد أحدهما عن عدد أفراد الآخر زيادة كبيرة؛ ففي هذه الحالة تتغلب لغة أكثرهما عددًا سواء أكانت لغة الغالب أم المغلوب، لغة الأصيل أم الدخيل, وذلك أنه عند انعدام النوع يتحكم الكم في مصير الأمور, ولكن هذه النتيجة لا تحدث إلّا إذا كانت اللغتان المتصارعتان من شعبة لغوية واحدة أو شعبتين متقاربتين.
والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ, فمن ذلك أن الإنجليز السكسونيين، حينما نزحوا من أواسط أوربا إلى إنجلترا، لم تلبث لغتهم أن تغلبت على اللغات السلتية التي كان يتكلم بها السكان الأصليون, وذاك لأن عدد من بقي من السلتيين بهذه الأقاليم لم يكن شيئًا مذكورًا بجانب عدد المغيرين، وكلا الشعبين كان همجيًّا منحطًّا في مستوى حضارته ومبلغ ثقافته، وكلتا اللغتين تنتمي إلى فصيلة اللغات الهندية الأوربية. والنورمانديون Normands، حينما أغاروا على إنجلترا في منتصف القرن التاسع الميلادي واحتلوا معظم
ص230
أقاليهما، لم تلبث لغة الشعب المقهور أن تغلبت على لغتهم، فأصبح جميع السكان، أصيلهم ودخيلهم، إنجليزهم ونورمانديهم، يتكلمون الإنجليزية السكسونية, وذلك لأن الإنجليز المغلوبين كانوا أكثر عددًا من النورمانديين الغالبين، ولم يكن لأحد الشعبين إذ ذاك حضارة ولا ثقافة راقية، وكلتا اللغتين من الفصيلة الهندية الأوربية.
وقد يحدث أحيانًا في هذه الحالة أن تتغلب لغة على أخرى من غير فصيلتهما, ولكن هذه الظاهرة نادرة الحدوث، ولا يتم التغلب فيها إلّا بصعوبة, وبعد أمد طويل, واللغة التي تنشأ من هذا التغلب ينالها كثير من التحريف في ألسنة المحدثين من الناطقين بيها، لشدة الاختلاف بينها وبين لغته الأصيلة؛ فتبعد بعدًا كبيرًا عن صورتها الأولى؛ فالبلغاريون، وهم من أصل فينواني  Finois، حينما نزحوا إلى البلقان وامتزجوا بشعوب الصقالبة "الشعوب السلافية Slaves" أخذت لغتهم تنهز شيئًا فشيئًا أمام لغة هذه الشعوب حتى انقرضت وحلَّ ملحا لسان صقلبي, وذلك لأن عدد البلغاريين لم يكن شيئًا مذكورًا بجانب عدد الصقالبة الممتزجين بهم، وكلتا الفئتين كانت إذ ذاك همجية منحطة في مستوى حضارتها ومبلغ ثقافتها, وقد حدث هذا التغلب مع اختلاف اللغتين في الفصيلة، فلغة البلغاريين الأصلية كانت من الفصيلة الفينية، على حين أن اللغات الصقلبية من الفصيلة الهندية الأوربية, ولكن هذا التغلب لم يتم إلّا بصعوبة, وبعد أمد طويل وصراع عنيف, خرجت منه اللغة الغالبة مشوهة محرفة عن مواضعها في ألسنة المحدثين من الناطقين بها، فبعدت بعدًا كبيرًا عن صورتها القديمة؛ فالبلغارية الحديثة هي أكثر اللهجات الصقلبية تحريفًا وبعدًا عن أصولها الأولى.
الحالة الثانية: أن يكون الشعب الغالب أرقى من الشعب
ص231
المغلوب في حضارته وثقافته وآداب لغته، وأشد منه بأسًا وأوسع نفوذًا؛ ففي هذه الحالة يكتب النصر للغته فتصبح لغة جميع السكان، وإن قلّ عدد أفراده عن أفراد الشعب المغلوب، على شريطة أن تدوم غلبته وقوته مدة كافية، وأن تقيم بصفة دائمة جالية يعتد بها من أفراده في بلاده الشعب المغلوب، وأن تمتزج بأفراد هذا الشعب، وأن تكون اللغتان من شعبة لغوية واحدة أو من شعبتين متقاربتين.
والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ؛ فقد نجم عن فتوح الرومان في وسط أوروبا وجنوبها وشرقها أن تغلبت لغتهم اللاتينية على اللغات الأصلية لإيطاليا وأسبانيا وبلاد الجول Lu Gaule "فرنسا وما إليها" والألب الوسطى Alpes Centrales والأليريا lllyrie، مع أن الرومان المغيرين كانوا في هذه البلاد أقلية بالنسبة لسكانها الأصليين, وقد نجم عن غزو الآراميين للبلاد الناطقة بالأكادية والفينيقية والعبرية أن تغلبت لغتهم على هذه اللغات، مع أن الآراميين المغيريين كانوا في هذه البلاد أقلية بالنسبة لسكانها الأصليين(1), وقد نجم عن فتوح العرب في آسيا وأفريقيا أن تغلبت لغتهم على كثير من اللغات السامية الأخرى, وعلى اللغات القبطية والبربرية والكوشيتية، فأصبحت اللغة العربية لغة الحديث والكتابة في معظم مناطق شبه الجزيرة العربية وفي مصر وشمال أفريقيا, وفي جزء كبير من قسمها الشرقي المتاخم لبلاد الحبشة، مع أن الجالية العربية في هذه البلاد كان عددها أقل كثيرًا من عدد السكان الأصليين.
وفي كلتا الحالتين السابقتين لا يتم النصر غالبًا لإحدى اللغتين إلّا بعد أمد طويل يصل أحيانًا إلى أربعة قرون، وقد يتمد إلى أكثر من ذلك؛ فالرومان قد أخضعوا بلاد الجول La Gaule "فرنسا وما إليها"
ص232
في القرن الأول الميلادي، ولكن لم يتم النصر للغتهم اللاتينية على اللغة السلتية التي كان يتكلم بها أهل هذه البلاد إلّا حوالي القرن الرابع الميلادي, ومع ما كان للعرب من قوة الشوكة، ورقي اللغة، واتساع الحضارة، وحماية الدين، وسطوة الغالب، لم يتم النصر للغتهم على القبطية والبربرية إلّا بعد أمد طويل, على أن اللغة القبطية لا تزال مستخدمة في كثير من الطقوس الدينية الأرثوذكسية(2)، واللغات البربرية لا تزال إلى الوقت الحاضر لغة محادثة لدى بعض العشائر في المغرب والجزائر وتونس وليبيا.
وغنيٌّ عن البيان أن انتصارًا لا يتم إلّا بعد أمد طويل وجهاد عنيف، لا يخرج المنتصر من معاركه على الحالة نفسها التي كان عليها من قبل؛ فاللغة التي يتم لها الغلب لا تخرج سليمة من هذا الصراع, بل إن طول احتكاكها باللغة الأخرى يجعلها تتأثر بها في كثير من مظاهرها وبخاصة في مفرداتها.
ويختلف مبلغ هذا التأثر باختلاف الأحوال؛ فتكثر مظاهره كلما
ص233
طال أمد احتكاك اللغتين, وكان النزاع بينهما عنيفًا والمقاومة قويةً من جانب اللغة المقهورة، وتقل مظاهره كلما قصرت مدة الصراع، أو خفت وطأة النزاع، أو كانت المقاومة ضعيفة من جانب اللغة المغلوبة, فلطول الأمد الذي استغرقه الكفاح بين لغة الإنجليز السكسون بإنجلترا, ولغة الفاتحين من الفرنسيين النورمانديين "الذين أغاروا على بلاد الإنجليز في القرن التاسع الميلادي, واحتلوا معظم مناطق إنجلترا كما سبقت الإشارة إلى ذلك"، ولشدة المقاومة التي أبدتها اللغة النورماندية المقهورة، خرجت اللغة المنتصرة "الإنجليزية" من هذا الصراع وقد فقدت أكثر من نصف مفرداتها الأصلية, واستبدلت به كلمات من اللغة النورماندية المغلوبة، واقتبست منها فضلًا عن هذا مفردات أخرى جديدة, على حين أن لغة بلاد الجول Le Gaule التي انتصرت عليها اللغة اللاتينية لم تترك في اللغة الغالبة أكثر من عشرين كلمة(3)، واللغات القبطية والبربرية المغلوبة لم تكد تترك أيّ أثر في اللغة العربية الغالبة(4)، وذلك لأن الصراع في هذين المثالين، على
ص234
طول أمده، لم يكن عنيفًا, ولم تلق في أثنائه اللغتان الغالبتان "اللاتينية في المثال الأول, والعربية في المثال الثاني" مقاومة شديدة من جانب اللغات المقهورة "لغة الجول السلتية في المثال الأول, والقبطية والبربرية في المثال الثاني".
وتختلف كذلك النواحي التي يبدو فيها تأثر اللغة الغالبة باللغة المغلوبة تبعًا لاختلاف الأحوال التي تكون عليها كلتا اللغتين في أثناء اشتباكهما, ويبدو هذا التأثر بأوضح صورة في النواحي التي تكون فيها اللغة المغلوبة متفوقة على اللغة الغالبة, ولذلك تألف معظم المفردات التي أخذتها الإنجليزية "الغالبة" عن الفرنسية النورماندية "المغلوبة" من كلمات دالة على معانٍ كليةٍ, وألفاظ تتصل بشئون المائدة والطهي والطعام, وذلك لأن النورماندية كانت غنية في هاتين الطائفتين من المفردات، على حين أن الإنجليزية كانت فقيرة فيهما كل الفقر؛ فعمدت إلى خصيهما المقهور واستلبته ما كان يعوزها قبل أن تجهز عليه, وإلى اقتباسها منه الألفاظ المتصلة بشئون المائدة والطهي وألوان الطعام يرجع السبب في أسلوبها الغريب في تسمية الحيوانات المأكولة اللحم؛ فكثير من هذه الحيوانات يطلق على كل منها في الإنجليزية اسمان: اسم جرماني الأصل يطلق على الحيوان مادام حيًّا "sheep calf ox pig, واسم آخر فرنسي الأصل يطلق عليه بعد ذبحه وإعداده للغذاء "mutton veal beef pork".
والألفاظ الأصيلة للغة الغالبة ينالها كثير من التحريف في ألسنة المحدثين من الناطقين بها "المغلوبين لغويًّا"، فتبعد بذلك في أصواتها ودلالاتها وأساليب نطقها عن صورتها الأولى, ويبلغ بعدها هذا أقصى درجاته إذا كانت اللغة المقهورة من فصيلة أخرى غير فصيلة اللغة
ص235
الغالبة كما سبقت الإشارة إلى ذلك(5).
والألفاظ الدخيلة التي تقتبسها اللغة الغالبة من اللغة المغلوبة ينالها كذلك كثير من التحريف في أصواتها ودلالاتها وطريقة نطقها؛ فتبعد في جميع هذه النواحي عن صورتها القديمة, ويظهر هذا بالموازنة بين الكلمات الإنجليزية الآتية, والكلمات الفرنسية التي اقتبست منها: Motton, veal, beef. - Mouton, veau, boeuf، فإن كل كلمة منها تختلف عن أصلها اختلافًا غير يسير؛ في أصواتها ودلالتها وطريقة النطق بها، حتى أن الفرنسي الذي لا يعرف الإنجليزية لا يكاد يتبينها أو يدرك مدلولها إذا سمعها من إنجليزي. وليست هذ الظاهرة مقصورة على الاقتباس الناشئ من الصراع بين لغتين كتب لأحداهما النصر، بل هو ظاهرة عامة تتحقق في جميع الحالات التي يحدث فيها انتقال مفرد من لغة إلى أخرى.
وتقطع اللغة المغلوبة في سبيل انقراضها مراحل كثيرة, تمتاز كل مرحلة منها بمظهر خاص من مظاهر الانحلال وضعف المقاومة, ففي المرحلة الأولى تقذفها اللغة الغالبة بطائفة كبيرة من مفرداتها, فتوهن بذلك متنها الأصلي وتجرده من كثير من مقوماته, ولكن اللغة المغلوبة تظل طوال هذه المرحلة محتفظة بقواعدها ومخارج حروفها وأساليبها في نطق الكلمات، فيؤلف أهلها عباراتهم ويصرفون مفرداتهم وفقًا لقواعدهم التنظيمية والمورفولوجية "السنتكس والمورفولوجيا"، وينطقون بألفاظهم الأصيلة وما انتقل إليهم من ألفاظ دخيلة طبقًا لأسلوبهم الصوتي ومخارج حروفهم، حتى إنهم ليستبدلون في الكلمات الدخيلة بالحروف التي لا يوجد لها نظير لديهم حروفًا قريبة منها من حروف لغتهم, وفي المرحلة التالية تتسرب إلى اللغة المغلوبة أصوات اللغة الغالبة ومخارج حروفها وأساليبها في نطق الكلمات, فينطق أهل اللغة المغلوبة بألفاظهم الأصيلة وما انتقل إليهم من ألفاظ
ص236
دخيلة من المخارج نفسها, وبالطريقة نفسها التي يسير عليها النطق في اللغة الغالبة, فيزداد بذلك انحلال اللغة المغلوبة, ويؤذن نجمها بالأفول, ولكنها تظل طوال هذه المرحلة مستبسلة في الدفاع عن قواعدها الصرفية والتنظيمية "قواعد المورفولوجيا والسنتكس", وفي مقاومة قواعد اللغة الغالبة؛ فيركب أهمها جملهم ويصرفون كلماتهم وفق أساليبهم الأولى, وفي المرحلة الأخيرة تضعف هذه المقاومة شيئًا فشيئًا, فتأخذ قواعد اللغة الغالبة في الاستيلاء على الألسنة حتى يتم لها الظفر، فيتم بذلك الإجهاز على اللغة المغلوبة, فالقواعد في اللغة المغلوبة أشبه شيء بالقلعة التي تحتمي بها فلول الجيش المنهزم, وتقاتل عنها حتى آخر رمق، والتي يتم بسقوطها استيلاء العدو على البلاد.
ب- الحالات التي لا تقوى فيها إحدى اللغتين على التغلب:
وأما النتيجة الثانية وهي عدم تغلب إحدى اللغتين على الأخرى وبقاؤهما معًا جنبًا لجنب, فتحدث فيما عدا الحالتين المشار إليهما في الفقرة السابقة.
والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ الأمم الغابرة وفي العصر الحاضر, فاللغة اللاتينية لم تقو على التغلب على اللغة الإغريقية، مع أن الأولى كانت لغة الشعب الغالب، وذلك لأن الإغريق، مع خضوعهم للرومان، كانوا أعرق حضارة وأوسع ثقافة وأرقى لغة، وقد سبق أن انهزام لغة الشعب المغلوب أمام لغة الشعب الغالب لا يحدث إذا كان الشعب الثاني أرقى من الشعب الأول في جميع هذ الأمور(6). ولهذه الأسباب نفسها لم تقو لغات الشعوب الجرمانية التي قوضت الإمبراطورية الرومانية الغربية في فاتحة العصور الوسطى على التغلب على اللغة اللاتينية في البلاد التي قهرتها بمناطق الجول Le Gaule "فرنسا" وما إليها. واللغة اللاتينية لم تقو على التغلب على لغات أهل بريطانيا العظمى، على الرغم من فتح الرومان لبلادهم واحتلاهم
ص237
إياها نحو مائة وخمسين سنة، وعلى الرغم من أن الشعب الغالب كان أرقى كثيرًا من الشعب المغلوب في حضارته وثقافته، وذلك لأن الجالية الرومانية في الجزر البريطانية لم تكن شيئًا مذكورًا ولم تمتزج امتزاجًا كافيًا بأفراد الشعب المغلوب، وقد تقدَّم أن الغلب اللغوي لا يتم في مثل هذه الحالات إلّا إذا أقامت في البلاد المقهورة جالية يعتد بها من أفراد الشعب الغالب, وتم الامتزاج بينها وبين أفراد الشعب الآخر. واللغة العربية لم تقو على الانتصار على اللغة الفارسية، على الرغم من فتح العرب لبلاد فارس وبقائها تحت سلطانهم أمدًا طويلًا، وذلك لأن الشعب العربي لم يكن إذ ذاك أرقى حضارة من الشعب الفارسي، ولقلة عدد الجالية العربية بفارس، وضعف امتزاجها بالسكان، ولانتماء اللغتين إلى فصيلتين مختلفتين "فالعربية من الفصيلة السامية والفارسية من الفصيلة الهندية - الأوروبية"(7). واللغة العربية لم تقو على الانتصار على اللغات الأسبانية على الرغم من فتح العرب للأندلس وبقائها تحت سلطانهم نحو سبعة قرون، وذلك لانتماء العربية إلى فصيلة غير فصيلة اللغات الأسبانية, ولعدم امتزاج الشعوب القوطية بالشعب العربي. واللغة التركية لم تقو على التغلب على لغة أية أمة من الأمم التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية بأوربا وآسيا وأفريقيا، على الرغم من بقاء هذه الأمم مدة طويلة تحت سلطان تركيا، وذلك لاختلاف فصائل اللغات؛ فالتركية من الفصيلة الطورانية, على حين أن لغات معظم الأمم التي كانت خاضعة لتركيا من الفصيلة السامية - الحامية أو الهندية - الأوروبية، ولأن الترك كانوا أقل حضارةً وثقافةً من معظم الشعوب التي كانت تابعة لهم، ولقلة عدد جاليتهم في بلاد هذه الشعوب، ولضعف امتزاجها بالسكان, ولم تقو الإنجليزية على التغلب على اللغات الهندية على الرغم من خضوع الهند لإنجلترا
ص238
أمدًا طويلًا، وذلك لأن شعوب الهند أعرق حضارة من الإنجليز، ولقلة أفراد الجالية الإنجليزية بهذه البلاد، وعدم امتزاجها بالسكان(8).
ولكن عدم تغلب إحدى اللغتين لا يحول دون تأثر كل منهما بالأخرى؛ فقد تأثرت اللاتينية بالإغريقية في أساليبها وآدابها, واقتبست منها طائفة كبيرة من مفرداتها, وتأثرت الإنجليزية بعض التأثر باللاتينية من قبل أن تتأثر تأثرًا كبيرًا بشعبة من شعبها وهي النورماندية, وقد تركت اللغة العربية آثارًا قوية في الأسبانية والبرتغالية، وبخاصة في المناطق التي كانت تسمى بالأندلس أو أندلوسيا Andalousie؛ حيث دام سلطان العرب عدة قرون(9), والصراع بين العربية والفارسية، وإن لم ينته إلى تغلب إحداهما، قد ترك في كلٍّ منهما آثارًا واضحة من الأخرى، وبخاصة من ناحية المفردات, والصراع بين التركية ولغات الأمم التي خاضعة للإمبراطورية العثمانية، وإن لم ينته إلى تغلب لغوي، قد ترك في التركية آثارًا قوية من هذه اللغات, وبخاصة من اللغة العربية، وترك كذلك في هذه اللغات آثارًا ظاهرة من التركية(10).
حـ- الخلاصة:
وقصارى القول: متى اجتمع لغتان في بلد واحد لا مناص من تأثر كل منهما بالأخرى، سواء تغلبت أحداهما أم كتب لكتيهما البقاء. غير أن هذا التأثر يختلف في مبلغه ومنهجه ونواحي ظهوره ونتائجه
ص239
في الحالة الأولى عنه في الحالة الثانية, فإذا كان الغلب قد كتب لإحداهما نراها تسيغ كل ما تأخذه من الأخرى مهما كبرت كميته، فيستحيل إلى عناصر من نوع عناصرها، بدون أن تدع له مجالًا للتأثير في بنيتها أو تغيير تكوينها الأصلي، على حين أن المغلوبة لا تقوى على مقاومة ما تقذفها به الغالبة من مفردات وقواعد وأساليب, ولا تكاد تسيغ ما تتجرعه منها، فيتخمها ويضعف بنيتها، فتخور قواها وتفنى أنسجتها الأصلية شيئًا فشيئًا حتى تزول؛ كما كان شأن الإنجليزية الغالبة مع النورماندية المغلوبة. وإذا كان البقاء قد كتب لكلتيهما تعمد كل منهما إلى ما تأخذه من الأخرى فتسيغه وتفيض عليه من حيويتها, وتقاوم آثاره الهدامة، فتبقى كل منهما متميزة الشخصية, موفورة القوى, سليمة البناء؛ كما كان شأن الفارسية مع العربية.
ص240
_________________
(1) انظر تفصيل ذلك في الفصول الأول والثاني والثالث من كتابنا "فقه اللغة".
(2) ظل انتشار اللغة العربية في مصر بطيئًا طوال القرن الهجري الأول, وقبيل نهاية هذا القرن "أي في سنة 87هـ-705م" وفي ولاية عبد الله بن عبد الملك على مصر من قِبَلِ أخيه الوليد بن عبد الملك بن مروان أمر بالدواوين فنسخت بالعربية, وكانت قبل ذلك تكتب بالقبطية "انظر الكندي ص58، 59". وجاء في دائرة المعارف الإسلامية في مادتي "ديوان" و"قبط" "إن الدواوين في مصر كانت تكتب باليونانية لا القبطية" وهذا هو الأصح, وظل التحول من الكتابة باليونانية في الدواوين والتحدث بالقبطية إلى الكتابة والتحدث بالعربية بالتدريج خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة، حتى إذا كان القرن الرابع كانت غالبية الشعب المصري يتكلمون العربية ولا يفهمون القبطية، بدليل أن رجال الكنيسة أنفسهم اضطروا في هذا القرن أن يلقوا مواعظهم في الكنائس باللغة العربية, وليس معنى ذلك أن القبطية كانت قد انقرضت كل الانقراض في هذا العصر؛ فالحقيقة أنها ظلت باقية في السنة بعض المناطق مدة طويلة بعد ذلك، بدليل ما يذكره المقريزي من أن المأمون كان ينتقل من ريف مصر ومعه مترجم "دخل المأمون مصر سنة 217هـ" وما يذكره المقدسي في "أحسن التقاسيم"، "ألفه حوالي سنة 375هـ" من أن بعض مسيحي مصر كانوا يتحدثون بالقبطية "انظر في هذا مقالًا للأستاذ جمال الدين الشيال في العدد 334 بتاريخ 22/ 5/ 45 من مجلة الثقافة".
(3) على أن بعض هذه الكلمات كان قد انتقل إلى اللاتينية قبل غزو الرومان لبلاد الجول.
(4) تركت اللغات البربرية آثارًا كثيرة في اللهجات العامية المغربية، وتركت اللغة القبطية في اللهجات العامية المصرية آثارًا كثيرة وخاصة في المفردات؛ فمن ذلك "مم" بمعنى أكل, مأخوذ من الكلمة المصرية القديمة "أونم"، و"أمبو" مأخوذة من الكلمة القبيطة "أمبمو" بمعنى أنا أشرب، و"واوا" مصرية قديمة بمعنى ألم أو وجع، "و"الكخ" بمعنى القذارة، و"تاتا" مصرية قديمة ومعناها "أمش"، و"البعبع" أصلها "بوبو" وهو اسم عفريت مصري قديم، و"البخ" كلمة قبطية بمعنى شيطان، وعندما يلعب أطفال الفلاحين المصريين بالكرة الشراب فإنهم يقولون "سنو" و"كحكو" و"شكا" "والكلمة الأولى معناها اثنان، والتي تليها معناها يتمنى، والأخير معناها يضرب، وكلها من المصرية القديمة"، و"الحمرأة" أي: التردد وعدم الثبات، والسماء "ترخ" أي تنزل المطر بغزارة، "والمدمس" أصلها "المتمس" بمعنى الفول المطبوخ في الفرن، و "البيصارة" وأصلها بيصورة وهي قبطية كذلك، و"ياما" قبيطة ومعناها كثير، وكلمة "عنتيل" قبطية ومعناها قوي، و"باش" الخبز أي تبلل وهي قبطية، وعندما نغني نقول: "ياليل يا عين" أو يا ليلى يا عيني" والكلمة الأولى أصلها"ليليى" ومعناها بالقبطية الفرحة أو البهجة، وكأننا نقول يا فرحة عيني, أو يا بهجة عيني، ويقول المراكبية "يا للاهيليصا" ومعناها في الأصل القبطي لقد سقطنا في الوحل، والليص معناها الوحل، ونقول فلان "لايص" أي وقع في الوحل، وفي الاستغاثة نقول "جاي" كلمة قبطية بمعنى أغيثوني، وكلمة "شبرًا" معناها الحقل، ويقال "شبرامنت" أي: شبرا الغربية، و"شبراخيت" أي شبرا الشماية, "وكلمة "ميت" التي تسبق أسماء البلاد معناها طريق بالقبطية، وكلمة "مينا" التي تسبق أسماء البلاد معناها بالقبطية محطة، ومعظم أسماء الأدوات المنزلية ترجع إلى أصول مصرية قديمة؛ مثل: الفوطة والفاس والمأجور والمنشة والزباطة.. "انظر كتاب "آثار حضارة الفراعنة في حياتنا" للأستاذ محرم كمال".
(5) انظر ما ورد بصفحة 231 بصدد البلغارية الحديثة.
(6) انظر آخر صفحة 231 وصفحة 232.
(7) تقدم أن انتماء اللغتين إلى فصيلتين مختلفتين يحول غالبًا دون انتصار إحداهما على الأخرى. "انظر آخر صفحة 231 وأول صفحة 232".
(8) ولكن أصبحت الإنجليزية لغة ثقافة ولغة تفاهم مشترك بين سكان القارة الهندية المتعددة لغاتهم.
(9) ويظهر أن الآثار التي تركتها العربية في البرتغالية قد بلغت درجة كبيرة من الضخامة حتى أن بعض الباحثين أفرد مؤلفات خاصة للكلمات البرتغالية المأخوذة من العربية, ومن هؤلاء الأستاذ راجي باسيل في ريو دي جانيرو بالبرازيل؛ فقد طبع أربع كراسات عنوانها: "معجم الكلمات البرتغالية المأخوذة من العربية" وقدم هذه الكراسات إلى جريدة الأهرام، ونشرت ذلك جريدة الأهرام بعددها الصادر في 29/ 3/ 1944.
(10) قد بلغ هذا التأثر مبلغًا كبيرًا في بعض هذه اللغات؛ فلغة العراق في العصر الحاضر مثلًا قد أخذت عن التركية كثيرًا من المفردات وبعض الأصوات التي لا نظير لها في العربية؛ كالصوت الذي ينطق به بين الشين والجيم المعطشة في مثل عربنجي" وطائفة من القواعد الصرفية كقواعد النسب والنعت والإضافة في مثل: عربنجي "سائق العربة"، خوش ولد "خوش كلمة فارسية الأصل معناها حسن"، كتبخانة " "دار الكتب".. إلخ.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



جامعة كركوك: حفلات التخرج يجب أن تكون بمستوى حفل التخرج المركزي لطلبة الجامعات
جامعة نينوى: حفل تخرج طلبة الجامعات دليل على اهتمام العتبة العباسية بشريحة الخريجين
جامعة كربلاء: في حفل تخرج الطلبة المركزي امتزج التحصيل العلمي بالقيم الأخلاقية والاجتماعية
قسم التربية والتعليم يقيم حفل ختام المسابقة المركزية لبرنامج (الأذن الواعية)