‏غالبا ما تستعمل اللفظتان منطق ومنطقي بمعنى معقول أو محسوس. غير ان هناك معنى أضيق للفظتين للإشارة إلى الانظمة المنطقية الشكلية التي تشترك في الكثير من نقاطها مع الأنظمة الرياضية، والتي تعالج رجاحة الاستدلالات.

المثال المفضل من كتب المنطق التقليدية هو:

 كل الرجال فانون (غير خالدين)

‏سقراط رجل

‏إذن سقراط فان.

‏يتأتى الاستنتاج (الجملة الثالثة) من الأوليات (الجملتين الأولى والثانية). و هذا الاستدلال راجح منطقيا. لاحظ على كل حال، ان هذا

 ص203

لن يكون صحيحا في:

‏كل الرجال فانون

سقراط فان

إذن سقراط رجل.

‏ان لحظة تفكير تبين أنه يوجد هنا استنتاج خاطئ، لان سقراط قد يكون اسم قطتي.

‏اننا نتوصل غالبا الى الاستنتاجات عبر مثل هذه الخطوط من دون ان نذكر عمليا كل الأوليات. فمثلا، قد نستنتج ان موريس ثري جدا لأننا نعرف انه نجم شعبي. الاوليات هنا: جميع النجوم الشعبيين أثرياء، و: موريس نجم شعبي. على كل حال، لا نستطيع ان نستنتج ان موريس نجم شعبي لأننا نعرف انه ثري، باستثمار الاوليات نفسها. سيتطلب الاستنتاج هذه الأولية: جميع الناس الأثرياء نجوم شعبيين، وهي غير صحيحة. مع ذلك، فان مثل هذه الاستنتاجات الخاطئة غالبا ما نصل إليها، خاصة في بعض الحقول مثل السياسة. وبالمثل، قد نجادل بهذا الشكل:

‏جون إما في البيت أوفي مكتبه

جون ليس في البيت

‏جون إذن في مكتبه.

‏فان كانت الأوليات صحيحة، كانت الاستنتاجات صحيحة أيضأ. ولتحديد خواص الجمل التي تحمل استنتاجات راجحة مثل تلك التي ناقشناها أعلاه، اهتم المناطقة بالشكل المنطقي لهذه الجمل. ويمكن تبيان ذلك (كما رأينا فيما سبق) باستعمال اللغة الشكلية التي تستخدم الرموز التي تتطابق صيغها مع صيغ الرموز الرياضية. وهكذا فالمثال عن وجود جون في مكتبه يمكن ترميزه بهذا الشكل:

ص204

‏« ب ٧ ‏ك ) م N ‏ب ← ك

‏(أي: " في البيت أوفي المكتب) المجموع - في البيت)

‏في المكتب). وهذا الترميز ليس أكثر غموضا من ترميز حالا إضافة  ‏تفاحتين إلى اربع تفاحات ثم حذف نصف الكمية، حيث متبقى ثلاث، بالمعادلة:

(4+2) ÷2 = 3.

‏من المهم ان نلاحظ ان أعراف آية لغة معينة أو حالة العالم الفعلية لا تؤثر بأي شكل على صواب المنطق التقليدي. فاستنتاجنا عن سقراط لا يعتمد على معنى الكلمتين: رجال وفانون (على الرغم من آنه يعتمد طبعا على النية المنطقية الممثلة جزئيا بالبينة القواعدية وبكلمات مثل: جميع. وعندما يكون هناك توافق بين الرموز المنطقية و كلمات اللغة، فان هذا التوافق ليس مضبوطا دائما. فالرمز E ‏قد يترجم الى  بعض، لكنه خلافا لكلمة بعض، يشمل واحد، واكثر من واحد، وليس لهذا الرمز، مرة أخرى خلافا لكلمة بعض، تضمينات بمعنى، ليس جميع، لأن القول: بعض الرجال فانون، يبقى صحيحا إذا كان: كل الرجال فانون، صحيحا. وبالمثل، فالرمز 7 يمكن ان يقابل أو، لكنه لا يتضمن خيارا  بين بديلين، بل انه يعني: اما هذا أو ذاك أو كلاهما (ولكن أنظر فيما يلي في آو، الواسعة و أو، الضيقة) كما ان المنطق لا يعتمد في رجاحته على اي حدس يمكن ان تقوم به بشأن صحته. وهكذا فيمكن أن نبين بالتضمين المادي ان المقولة:

‏إن كنت غير مرئي، فبوسع كل واحد أن يراني، راجحة تماما ان فسرت منطقيا. نجيران حدسنا طبعا يكون مختلفا غالبا عن المفاهيم

‏الرياضية مثل تلك المفاهيم المتعلقة باللامتناهي، أي تلك الخطوط المتوازية التي تلتقي في اللامتناهي. كما ان المناظرة لن تكون راجحة

 ص205

ان لم يكن هناك رجال، آو ان لم يكونوا في الحقيقة فانين، أو إذا لم يكن

‏سقراط في الحقيقة  رجلا. فالمناظرة، مثلا:

كل الرجال خالدون

سقراط رجل

إذن سقراط خالد

‏مناظرة راجحة:

مع ذلك، سيحظى هذا باهتمام قليل ان لم يمكن تطبيقه على اللغة. المسألة ليست ما إذا كانت اللغة أو لم تكن منطقية، بل إلى أي ‏مدى ينفع تطبيق المنطق عليها في شرح بعض الظواهر اللغوية. سنرى في الصفحات القادمة كيف يمكن للمنطق ان يتعامل مع المشاكل ‏والابهامات التي تفشل القواعد في حلها. فمثلا انا أبحث عن قلم رصاص جملة غامضة كما يتبين ذلك من تكملتها: وعندما أجده.... أو: وعندما أجد واحداً... مرة أخرى، واجه اللسانيون صعوبة في حقيقة ان لجملة: Everybody in this room speaks two languages.

(كل شخص في هذه الغرفة يتكلم لغتين).

‏معنى مختلفا على ما يبدو عن:

Two languages are spoken by everybody in this room

‏(هناك لغتان يتكلمهما كل شخص في هذه الغرفة. )

‏ونكتة مألوفة جداً وقديمة جدا يمكن لعبها بـ: لا أحد، ولا واحد، الخ، فقد أخبر أوديسوس في ملحمة هومر، مثلاً، العملاق بوليفمس ان إسمه ‏كان ولا واحد، ولم يأت أصدقاء بوليفمس لنجده عندما قال: (ولا واحد آذاه ) ‏. كما ترد الدعابة في لويس كارول: (من تجاوزت في الطريق ؟)... ‌ (ولا واحد).... (حسنا، هذه السيدة رأته أيضاً. لذلك

ص206

‏طبعاً فان ولا واحد يسير أبطأ منك). وكما رأينا، يمكن شرح كل هذه بتعابير منطقية بسيطة.

ص207