عبقرية رجل سياسي ح8 : الأدوار النيابية القيادية التي أداها الحسن في غضون حكم ابيه (عليه السلام)

الرئيسة / مقالات اسلامية

حسين مناتي

عدد المقالات : 116

تقلد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) زمام الأمور وصُيرت الخلافة لحضرته بإعلان الثوار البيعة له ؛ لأنه لم يكن هناك من هو جديراً بقيادة الامة نحو الصلاح والخلاص سواه , كما انه مثل المُخلص الاول والداعي الامثل لنهضة الامة ومنع وقوع المكاره فيها فكان صمام أمان للدين والامّة بحقن دماء المسلمين وعزل الولاة الذين عينهم من سبقه من الحُكام الذي حكموا الامة قبله وذلك بسبب السياسات الخاطئة التي كان يتابعوها بالتعامل مع الرعية وكذلك احتضانهم الافكار التي لا دخل للإسلام بها بل هي كانت مثل جاهلية ودعوات مبنية على الاهواء والطبقية في تمييز ابناء المجتمع الاسلامي كما انه في زمن حكومة عثمان صُدرت جملة من الحقوق التي كان لابد من رعايتها والحفاظ عليها ومن ضمن تلك الحقوق حقوق صحابة النبي (صلى الله عليه واله) الذين رعوا الدعوة المحمدية بدمائهم وأموالهم وقدموا الغالي والنفيس في سبيل رفعت الدين وتطوير الدولة الاسلامية , كما ان السياسات المالية التي كان يعاني منها المجتمع الاسلامي تعد من اصعب الفترات التي مرت عليه حيث كان الخليفة والزعماء المقربين عليه وولاته في الأمصار لهم حق احتكار المال واي شيءٍ اقتصادي دون الرجوع الى حقوق الناس او رعاياها كل هذا واكثر من هذا صار عبارة عن شرارة للنهضة وقيام المسلمين بالثورة لعزل الخليفة الاموي وتغيير الوضع الذي تأزم وزاده ازمة مخالفة الخليفة كل العروض التي قدمت له بتغيير ولاته كما أنه لم يفي بوعده الى الجماهير المتجمهرة بباب قصره والوفود التي قدمت عليه من الكوفة ومصر فكل هذا ادى للإعلان الثورة وحصره داخل بيته ومنعه من الخروج حتى قتل .
أجهز الثوار على عثمان وقد تولى قتله جماعة في طليعتهم محمد ابن ابي بكر فكان من أحقدهم عليه فقد شهر السيف في وجهه وقال له : على أي دين أنت يا نعثل؟ قال : على دين الاسلام و لست بنعثل ولكني أمير المؤمنين .
فقال له : غيرت كتاب الله.
قال : كتاب الله بيني وبينكم ؛ وأخذ بلحيته فسحبه إلى الأرض وهو يقول : إنا لا يقبل منا يوم القيامة أن نقول : ربنا إنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل , وهجم القوم عليه فاردوه قتيلا يتخبط بدمائه وتركوه جثة هامدة لم يواروه ولم يسمحوا لأحد بمواراته وتكلم بعض خواصه مع الامام أمير المؤمنين في ذلك فتوسط في شأنه فأذنوا لهم في ذلك ولكنهم لم يسمحوا لهم بدفنه في البقيع فدفنوه في حش كوكب(1) .
كان موقف الإمام الحسن (عليه السلام) نفس موقف الصحابة وموقف ابيه (عليه السلام) من الثورة اذ انه لم يكن راضٍ عما يفعل الخليفة وزبانيته وكان بينه وبين السلطة مواقف ومشادات لما يقترفونه من ظلم وان زعم بعض الرواة بأنه دافع عن عثمان او انه كان عثماني الهوى محض افتراءات اموية(2) للتمجيد بالخليفة المقتول لانه ومن المؤكد ان بن رسول الله (صلى الله عليه واله) لايقف ضد الحق لان هدفه الرئيسي هو احقاق الحق كجده وابيه والاصلاح بالأمة وتقويم الاصح والأحق .
في عهد أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) سعى الإمام الحسن كما سعى بقية الصحابة الاجلاء من الخُلص الى الامام والامة وعملوا بكل ما استطاعوا به انقاذ الامة والاصلاح فيها والدعوة إلى ذلك من أجل تغير الحال من الانحراف الذي فُعِلَ بها والذي احدثته الأيادي الخبيثة. لم يكن الحسن على خلاف مع أبيه ، بل كان مع علي في كل صغيرة و كبيرة لا يعصى له أمر ، كيف لا و هو الأدرى بإمامته و مكانته و أن علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه حيث دار(3) كما أنه يعلم علم اليقين ان كل ما ينطق به أمير المؤمنين هو منطق القران وقوله وأحكامه وتشريعاته بل ان كل مواقف أمير المؤمنين هي على الحق ومؤيدة بتسديدات الهية فعلي صاحب المنزلة الرفيعة بين المؤمنين والمتقين كمانه بمنزلة هارون من موسى عند النبي (صلى الله عليه واله) الا انه لا نبي بعد النبي لخصوصية سيد الانبياء والمرسلين بكونه خاتم الانبياء والمرسلين ؛ فكان الإمام الحسن رفيق درب أبيه في كل الحروب و الوقائع : صفين و الجمل و النهروان ؛ ولم يتوقف دوره على القتال بل اعتمد عليه أمير المؤمنين في مهمات أخرى مثل المهمة التي أوكله إياها الإمام علي باستنفار أهل الكوفة للقتال معه في حرب البصرة فسار الحسن (عليه السلام) مع عمار بن ياسر و زيد بن حومان و قيس بن سعد و خطب الحسن في الناس و استنفرهم للخروج و كان أبو موسى الاشعري يثبّط عزائم الناس و يدعو هم لعدم الخروج مدعيا انه سمع رسول الله ( صلّى الله عليه و آله ) يقول : ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم و النائم خير من القاعد فرد عليه عمار بن ياسر و قال : إذا صح! أنك سمعت رسول الله يقول ذلك فقد عناك وحدك فالزم بيتك أما أنا فاشهد الله أن رسول الله قد أمر علياً بقتال الناكثين و سمي لي منهم جماعة و أمره بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمن لك شهوداً أن رسول الله ( صلّى الله عليه و آله ) قد نهاك وحدك و حذرك من دخول الفتنة ؛ و أمر الحسن أبا موسى الأشعري بالتنحي قائلاً : اعتزل عملنا لا أم لك و تنح عن منبرنا , و دخل مالك الأشتر القصر و أخرج الحرس منه ، و خرج أبو موسى من المسجد(4).
اخذ سبط النبي يوقظ الهمم ويبعث النشاط في النفوس ويحفزها للجهاد ويدفع المؤمنين نحو الحق وكشف خيوط الظلالة و الغي بعد الموقف الذي عمل عليه ابو موسى الاشعري من منعه الناس من الوقوف مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فخطب فيهم قائلا : أيها الناس انا جئنا ندعوكم إلى الله والى كتابه وسنة رسوله والى أفقه من تفقه من المسلمين واعدل من تعدلون وأفضل من تفضلون وأوفى من تبايعون من لم يعيه القرآن ولم تجهله السنة ولم تقعد به السابقة إلى من قربه الله تعالى ورسوله قرابتين قرابة الدين وقرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون فقرب منه وهم متباعدون وصلى معه وهم مشركون وقاتل معه وهم منهزمون وبارز معه وهم محجمون وصدقه وهم يكذبون إلى من لم ترد له ولا تكافأ له سابقة وهو يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق ويأمركم بالمسير إليه لتؤازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ومثلوا بعماله وانتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واحضروا بما يحضر به الصالحون(5)؛ وعلى اثر هذا الخطاب الكبير والدعوة القيمة للناس التي دعا بها بن رسول الله (صلى الله عليه واله) أُقضت همم الرجال الصادقون المنتظرون لأجالهم المحامون عن بيضة الاسلام بموقفهم الفذ مع أمير المؤمنين على هذا الاثر استجاب الناس للإمام الحسن (عليه السلام) فخرج معه للبصرة اثنا عشر ألفاً , ولم يقف الإمام الحسن (عليه السلام) عند هذا الحد الجهادي بنصرة ابيه بل كان المقاتل الفذ الذي دفع الكثير من الكرب عن وجه ابيه وكان صاحب السابقة في القتال بين يدي أبيه مع أخيه الحسين حتى ان أمير المؤمنين رأى اندفاعه واندفاع اخيه ابي عبدالله الحسين في المعركة فصاح في أصحابه : املكوا عني هذا الغلام لا يهدني فإنني أنفس بهذين على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (صلّى الله عليه و آله)(6) , وبعد عظم المعركة وهول أحداثها انتصر أمير الصابرين والمتقين على اعداء الدين الناكثين للعهد والبيعة في معركة الجمل وبعد هذا الانتصار القيم قامت غائلة معاوية وفتحت له باب التمرد على مصراعيه وقد هيئة له عائشة الاسباب لحرب وصي رسول الله (صلى الله عليه واله) والوقوف بكل عنجهية بوجه صاحب البيعة الحقة التي اخذت بأرادة المؤمنين له ويعد معاوية هو الذي أذكى الحرب على أمير المؤمنين ومد هو وأبناء عمومته من الاسرة الاموية اصحاب الجمل بالمال والسلاح كل هذا ليس كما يدعون طلباً للثأر انما هو طموحٌ واحد للحصول على السلطة والحكم وبهذا قد مهد الطريق للمعاوية بأن يكون حاكماً بنظر المتمردين وبذلك اعلن معاوية تمرده على خليفة الزمان أمير المؤمنين وقد عبر روجيه غارودي عن تمرد معاوية وخلافته وحكم الامويين بأنه عبارة عن هزة اصابة الاسلام والمسلمين وقرحٌ دامي استنزف الطاقات الهائلة داخل الدولة الاسلامية حيث قال : كانت الدولة الأموية وخلافة معاوية من القروح الآكلة في جسم الدولة الإسلامية(7) , وبذلك كانت معركة الجمل الجسر الممهد لحرب صفين وايقاع الفتنة الكبرى بين المسلمين وتعد من اعظم الحروب التي شهدها المسلمين ناهيك عن الفتنة التي استحدثت بين المسلمين والتي لم يكن للأمام اي يدٍ بها بل كان غايته دائماً وبكل خطوة خطاها المقابل الى الحرب كان يقابل الخطوة بخطوة سلمٍ ودعوة سلام ولكن المقابل اي معاوية واعوانه كانوا دائماً يصرون على الحرب والنزال ولم يكن المتضرر بكل الاحوال سوى المسلمين الذي دافع الامام علي (عليه السلام) بكل الوسائل عنهم ومن اجل حمايتهم ورعاية مصالحهم , وقد حاول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يئد الفتنة في مهدها، وينزع فتيل الحرب إلا أنّ معاوية أصرّ واستكبر استكباراً بدعواه الكاذبة بل انها يمكن وصفها ببدعةٍ مضحكة ولا صحة لها , فمطالبة معاوية الامام علي بدم عثمان لاحق له به لان معاوية يعد من اكثر الناس اشتراكاً بقتله ويعد صاحب اليد الاولى بقتل عثمان وذلك لكثرة الاسنجادات التي استنجدها عثمان به وبغيره من ولاته لكنهم عملوا على اعطاء اليد العضباء والاذن الصماء منعاً من تدخلهم بمشكلة الثوار ضد عثمان ؛ قال الطبري ، وابن الأثير: إنّ الرسائل التي بعثها الإمام علي (عليه السلام) إلى معاوية كادت أن تقلب عليه الشام ؛ لأنها دحضت حجج معاوية في قتل عثمان(8) .
أدرك معاوية انكشاف حقيقته ووضوح امره للشاميين وخاف انقلاب أمره عليه فتهيئ للحرب ونزل بصفين قبل تغير اوضاع الشاميين عليه وانحسار ملكه وانتهاء امره وبعد ما سمع الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) بفعل معاوية تهيئ للحرب وعمل على تنظيم الصفوف وشد الازر بصحابه واتباعه من الموالين وعند الوصول الى موقع الحدث وجدوا ان معاوية قد سيطر على موارد المياه وعمل على منع الكوفيين من الوصول اليه حتى تستبد قوتهم وتتلاشى قدرة جيش الامام على قتاله وأكيد انها خدعةٌ دبرت بليل هدفها ايقاع الفتنة بذوي النفوس الضعيفة الا انه كان امتحاناً مناسباً لقوات جيش الخلافة المحمدية بقيادة أمير المؤمنين (عليه السلام) على كشف القدرة الكامنة بدواخل قلوب شجعان العراق وابطالها وكذلك أبدى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلق الرفيع كما هو المعروف دائماً من ربيب رسول الله (صلى الله عليه واله) على اعطاء الماء لمانعيه بعد انحسار وانتهاء معركة كشف الجيش الاموي عن ضفة نهر الفرات , ففي بداية المعركة اي معركة صفين استولى جند معاوية على شاطئ الفرات، ثمّ منعوا الماء عن جيش الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حتى أخذ العطش منهم مأخذاً ضجّ جيش الإمام (عليه السلام) ، وقالوا: يا أمير المؤمنين نوشك أن نهلك من العطش فأرسل الإمام (عليه السلام) مبعوثاً إلى معاوية يطلب منه تقسيم المياه، فرفض معاوية، قائلاً: لا والله حتى تموتوا عطشاً ؛ عندها أمر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بإرسال كتيبة بقيادة الإمام الحسن (عليه السلام) فاتجهوا نحو الفرات، وخاضوا معركة شرسة هزموا فيها جيش معاوية بن أبي سفيان شرّ هزيمة مخلّفين وراءهم قتلاهم وعندما استولى جيش الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقيادة الامام الحسن استبدّ الذعر في جيش معاوية، وخافوا العطش(9).
أدى الإمام المجتبى أهم الأدوار القيادية بإتمامه الواجب الذي فوضى اليه وقد اتم أهم مهمة اوكلت اليه وأثبت قدرته على حل الازمات التي قد يتعرض لها الجيش بأي وقت فالحنكة التي أداها كانت السبب بخلاص الجيش الاسلامي من الهلاك عطشاً او تنازلاً لحكمِ من لا حكم له بالشريعة الاسلامية مما ادى الى اعطاء الاسبقية للجيش الاسلامي وكذلك الفرصة بزعزعة الجيش الشامي , الا ان الإمام أمير المؤمنين لم يتعامل بمثل ما تعامل معاوية وجيشه بمنع الماء عنهم بل عبر عن قيمة الاسلام بفعل رصين واخلاقاً رفيعة داعياً المتزمت معاوية ومن معه من أعوانه لجب الظلم عن المسلمين بحقن دمائهم فأول اثباتاً قدمه لهم راعياً لحياتهم ومحافظاً على نفوسهم من الفناء هو اعطاءهم الماء بعد الاستيلاء عليه مع قدرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وجيشه من منعه عنهم وعدم امكان جيش الشام من اعادة الكرة عليه ؛ فأباح الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الماء لجيش معاوية، وأفرد لهم جانباً من نهر الفرات، والمفروض من جيش معاوية بعد هذا الموقف الرفيع أن يحسن الاختيار ويعرف الحق والحقيقة وينسحب من جيش الباطل، ولكن ماذا نفعل إذا كانت القلوب جرداء والبصيرة عمياء قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٩] , وقد ابلى الامام الحسن (عليه السلام) واخيه الحسين بلاءً حسناً مع ابيهم بكل الاصعدة فقد دافعوا عن بيضة الاسلام ورعاية شموخه كما صنع ابيهم فقد قاتلوا على تأويل القران كما قاتل ابيهم على تنزيل وتأويل القران مع النبي (صلى الله عليه واله) وبعده رعايةً للدين وحفاظاً عليه من دنس وتحريف المندسين المبالغين بأنحرافاتهم وفسقهم .
لم تقف قدرات الإمام الحسن (عليه السلام) الصامدة بوجه المعتدين الظالمين والكاشفة عن زيغ المنحرفين بجبهة القتل والقتال بل انه تمثل شخصه بالحنكة والذكاء والعبقرية الكبرى بإدارة صلب المواقف والكشف عن حقيقة خفايا الدعاوى التي دعي اليه فعند علم معاوية انه مهزوم لامحالة في معركة صفين عمل على الايقاع بالإمام الحسن بخدعة دبرت له بدعوته لخلع أمير المؤمنين (عليه السلام) وتنصيبه بمحله بدعوة من معاوية ان المسلمين اكثر وفاءً وحباً له من ابيه فقد جاء عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال أرسل عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي (عليه السلام) ان لي إليك حاجة فالقني فلقيه الحسن (عليه السلام) فقال له عبيد الله ان أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئه الناس فهل لك في خلعه وان تتولى أنت هذا الأمر فقال كلا والله لا يكون ذلك ؛ ثم قال يا ابن الخطاب والله لكأني انظر إليك مقتولا في يومك أو غدك اما أن الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق تري نساء أهل الشام
موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا ؛ قال نصر : فوالله ما كان الا بياض ذلك اليوم حتى قتل عبيد الله فمر الحسن (عليه السلام) فإذا رجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن (عليه السلام) لمن معه انظروا من هذا فإذا رجل من همدان وإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب قد قتله الهمداني في أول الليل وبات عليه حتى أصبح
(اه) وقول عبيد الله هذا للحسن (عليه السلام) خداع ما كان لينطلي على الحسن(10) , وبهذا بحد ذاته موقف البطل العارف لدينه الذي تثبت قلبه على نور الدين وبلغ عقله من الحنة والذكاء ما لا يستطيع امثال هؤلاء ان يتلاعبوا بسبط النبي وتغير حاله على ابيه ويعد هذا موقف من مواقف الإمام الذي ادى بها اجل واعظم الأدوار الحكيمة التي اثبت بها احقية والده الجليل أمير المؤمنين بقيادة ركب المسلمين وقيادتهم نحو الصلاح والخير .
استمرت معركة صفين حتى انتهت بالنهاية المعروفة وحقيقة يعد موقف الجيش الذي قبل بنهاية معركة صفين على النحو المعروف بالموقف الخائن وعديم المرؤة والمتهاون بنصره الذي وصل اليه حتى انه حاصر الإمام وارغمه على القبول المحاكمة ومازاد الطين بلة هو تحكيم ابو موسى الاشعري الجاهل بأدارة السياسة والمواقف التي لابد له من التحلي فيها بشيء من الحكمة والايمان والشجاعة ، بالمقابل كان هناك الداهية عمر بن العاص الذي استطاع الوصول الى غاياته من خلال خدعة التحكيم التي أرغم الإمام علي عليه من قبل الخوارج , وبسذاجة تفكيرهم ارتضوا بأبو موسى ممثلا عن جانب الامام علي دون ابن عباس , فلما أذيع الخبر المؤلم بالخديعة التي أوقع فيها أبن العاص ابو موسى الاشعري حيث أثبت خلع الإمام علي عن مسند الحكم كما يزعمون وما فعله ابن العاص بأثبات معاوية حدثت الفتنة بين العراقيين وكثر الاختلاف والانشقاق بينهم وجعل بعضهم يتبرأ من بعض ويشتم بعضهم بعضا ورأى الإمام أمير المؤمنين أن خطورة الموقف تقضي بأن يقوم نفر من أهل بيته فيخطب بين الناس ليوقفهم على حقيقة الحال ويبين لهم فساد التحكيم فقال للحسن : قم يا بني , فقل في هذين الرجلين عبد الله ابن قيس وعمرو بن العاص فقام الحسن فاعتلى أعواد المنبر فقال : أيها الناس ؛ قد أكثرتم في هذين الرجلين وإنما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى فحكما بالهوى على الكتاب ومن كان هكذا لم يسم حكما ولكنه محكوم عليه وقد أخطأ عبد الله بن قيس إذ جعلها لعبد الله ابن عمر فأخطأ في ثلاث خصال واحدة انه خالف - يعني ابا موسى - أباه - يعني عمر- إذ لم يرضه لها ولا جعله من اهل الشورى واخرى إنه لم يستأمره في نفسه وثالثها إنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الامارة ويحكمون بها على الناس وأما الحكومة فقد حكم النبي (صلى الله عليه واله) سعد بن معاذ في بني قريضة فحكم بما يرضى الله به ولا شك لو خالف لم يرضه رسول الله (صلى الله عليه واله) ثم نزل عن منصة الخطابة(11) , وبهذا الخطاب المبارك قد كشف الامام الحسن الغشاوة والظلمة عن عين المسلمين واثبت للناس عيب التحكيم حيث ان كلا الحكمين كانا كارهين لأبيه وكل مايهمهم هو خلعه وحتى لوكان هذا الخلع هو تدمير هيكل الحضارة الاسلامية وضياع هيبتها بين الامم ولولا ان هناك بالأمة امثالاً عارفين مثل الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) ومن الصحابة الاشتر وحبر الأمة لضاعة الامة بتلك اللحظة لسفاهة الحكمين الذين حكمتهم اهوائهم وقومتهم انفسهم المريضة , وبعد هذا ازداد المرض بالأمة ناخراً بسجدها بخروج الخوارج وبدعائهم الادعاءات الكاذبة على الله ورسوله فقاتلهم الامام أمير المؤمنين على بصيرة من أمره محافظاً ورعاياً لشمل الامة ولم يكن موقف الامام الحسن بالاعتيادي فقد وقف موقفاً شجاعاً رافعاً بسالةً غير اعتيادية بقتاله مع ابيه على بصيرةً من نورٍ مدافعا عن الاسلام والمسلمين حتى انتصر بحربه في النهروان وقتل كل الخارجين على الدين الا التسعة التي اخبر عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) عنهم .
تمثل موقف ودور الامام الحسن (عليه السلام) بدور المساند والمدافع المحامي مع ابيه (عليه السلام) وقد رعى كل الافكار التي بثها الامام أمير المؤمنين فيه ولم يفارقه بصغيرة او كبيرة كما أكدت جميع المصادر الموثوقة أن الحسن بقي إلى جانب والده إلى آخر لحظة و كان يعاني ما يعانيه أبوه من أهل العراق و يتألم لآلامه و متاعبه و هو يرى معاوية يبث دعاته في أنحاء العراق و يغوي السادة و الزعماء بالأموال و المناصب حتى فرق أكثرهم عنه و أصبح أمير المؤمنين يتمنى فراقهم بالموت أو بالقتل ثم يبكي و يقبض لحيته و يقول متى ينبعث أشقاها فيخضب هذه من هذا(12) فالمعاناة التي عاشها أمير المؤمنين هي ذاتها التي عان منها ابنه الحسن والالم والخذلان والتآمر كل هذا رأه مع ابيه أمير المؤمنين ولم يتزحزح او يغير موقفه مع ابيه بل انه صمد كما صمد ابيه وضحى وقدم كما قدم وضحى ابيه بالضبط دون اختلاف او تنازل في دورٍ او موقف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - باقر شريف القرشي : حياة الامام الحسن دراسة وتحليل,ج1, ص280.
2 - ظ :العلامة الاميني :الغدير, ج1, ص219.
3 - هاشم معروف الحسني : سيرة الأئمة الاثني عشر, ص542 .
4 - ظ: باقر شريف القرشي : الامام الحسن دراسة وتحليل, ج1, ص387-390.
5 - السيد محسن الامين : أعيان الشيعة, ج2, ص369.
6 - نهج البلاغة : الخطبة 207 من خطب أمير المؤمنين, ص513 .
7 - الأستاذ كمال شاكر : علي (عليه السلام) إمام لكل العصور, ص295.
8 - الشيخ باقر شريف القرشي : حياة الإمام الحسين (عليه السلام),ص57 .
9 - السيد المرعشي : شرح إحقاق الحق, ج27, ص506.
10 - السيد محسن الامين : أعيان الشيعة, ج2, ص370.
11 - باقر شريف القرشي : حياة الامام الحسن دراسة وتحليل,ج1, ص479.
12 - هاشم معروف الحسني : سيرة الائمة الاثني عشر, ص552 .

اعضاء معجبون بهذا

جاري التحميل

ثقافية

قراءة في كتاب مراقد الائمة المعصومين في العراق

بقلم // مجاهد منعثر منشد هذا الكتاب الموسوم (كتاب مراقد الائمة المعصومين في العراق كما وصفها الرحالة والمسؤولين الأجانب) تأليف أ.د/ عماد جاسم حسن الموسوي أستاذ التاريخ المعاصر في كلية التربية للعلوم الإنسانية في جامعة ذي قار . قدمنا عن المؤلف الباحث سيرة موجزة في قراءتنا على كتابه (دراسات في تاريخ... المزيد

مجاهد منعثر الخفاجي

عدد المقالات : 367

حمورابي إرادة العدل والتوازن

في زمن بعيد، توجد قوانين قديمة شديدة الأهمية والتأثير، تحمل بين طياتها روح العدل والتوازن. قوانين حمورابي، التي أصدرها الملك حمورابي ملك بابل، تعتبر من بين أقدم النظم القانونية المعروفة في التاريخ الإنساني. أحد هذه القوانين، ينص على المبدأ العريق للعقاب الذي يتناسب مع الجرم، حيث يقول: "إذا ضرب رجل... المزيد

ياسين فؤاد الشريفي

عدد المقالات : 26

أثر المدد القانونية للتقادم الضريبي

يشترط لتقادم حق الدولة في استيفاء الضريبة سريان أو انقضاء أو اكتمال المدة المحددة بموجب القانون لهذا التقادم بأكملها دون أن تمارس الإدارة الضريبية دورها في فرض واستيفاء الضريبة ، إذ لا يتصور أن يبقى الحق في فرض الضريبة قائمـاً أبــد الدهر على الرغم من وجود الإهمال من جانب السلطة المختصة المتمثل بعدم... المزيد

علي الحسناوي

عدد المقالات : 127

السلم المتحرك للرواتب

هو طريقة لأعادة تقييم الرواتب آليا تبعا لتطور بعض المؤشرات الاقتصادية والغاية المبتغاة منه تأمين تطور مماثل لمداخيل الموظفين والمتقاعدين وكلف المعيشة والمحافظة على الراتب الفعلي .هذا ويتفق المختصون بلا شذوذ على ان هناك طرقا ثلاثة لأعاده تقييم الرواتب وهي (1) تعديل آلي عند كل تغيير يطرأ على المؤشر... المزيد

علي الحسناوي

عدد المقالات : 127

أدبية

أيامنا الحلوة (قصة قصيرة)

بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن وغادر الطبيب بعد أن أخبر هدى بالحقيقة، وقد مثلت تلك الحقيقة صدمة كبيرة لها، وطفقت تفكر في مآل مَن حولها والصلة التي تربطها بهم. انهمرت الدموع من عينيها، هاتان العينان البريئتان الخضراوان اللتان ما نظرتا قط ما في أيادي غيرها من نعمة؛ بل كانتا تنظران فحسب إلى الأيادي الفارغة... المزيد

ابراهيم امين مؤمن

عدد المقالات : 39

فكرة مدرستنا : مقاربات الإصلاح الاجتماعي والمعرفي

أ.د. صادق المخزومي الشعر الانساني قلم وفم يتمحور بوحُه حراك الإنسان على وسادة الألم ومقاربة الأمل، ويفصح عن حقائق الحياة الخالدة وحكمها الرفيعة؛ يهدف هذا النوع من الشعر الى نشر معالم الأخلاق وأدبيات المجتمع، وإرساء الحكمة والمعرفة والقيم الدينية والاجتماعية؛ بهذه التمثلات في الانثروبولوجيا... المزيد

صادق المخزومي

عدد المقالات : 12

سألوني

يا أنتِ يا عِطرَ الغَوالي لا لستُ في قولي اُغالي إنْ قُلتُ أنّكِ شمعتي في نورها هَزمتْ ضَلالي أوْ قُلتُ أنّكِ نجمتي بشُعاعِها وَشَجتْ حِبالي أوْ قُلتُ أنّكِ كوثري يا كوثرَ الماءِ الزُلالِ أوْ قُلتُ أنّكِ بلسمــــي إنْ ساءَ في الازماتِ... المزيد

عطا يوسف المنصور

عدد المقالات : 54

أدب الأطفال الشعبي في النجف

أ.د. صادق المخزومي من فنون الأدب، وقد يشمل القصص والكتب والمجلات والقصائد المؤلفة بشكل خاص للأطفال، فالطفولة شريحة عمرية مهمة في المجتمع، وتكون حاجتها للأدب مثلما تحتاجه الشرائح العمرية الأخرى، ولعلها أكثر، لأن الأدب قد يسهم في التربية والتنمية الاجتماعية والثقافية، وينبغي أن يكون هذا النوع الأدبي... المزيد

صادق المخزومي

عدد المقالات : 12

علمية

المجال المغناطيسي الأرضي

هو ظاهرة طبيعية مثيرة للإعجاب تلعب دورًا هامًا في حماية كوكب الأرض وفهم علم الفيزياء. يتكون المجال المغناطيسي الأرضي من تأثير القوى المغناطيسية التي تنشأ في النواة الخارجية الملساء للأرض وتنتج حول الكوكب حقلًا مغناطيسيًا يعرف باسم "المجال... المزيد

جوائز مسابقة كنز المعرفة لشهر آذار 2024

استلام المتسابق : ( صفاء عماد كامل ) الفائز بالمرتبة الأولى لجائزته في مسابقة #كنز_المعرفة لشهر آذار / 2024 ألف مبارك للأخوة الفائزين، وحظاً أوفر للمشتركين في الأعداد القادمة.. يمكنكم الاشتراك في المسابقة من خلال الرابط : (http://almerja.com/knoze/) المزيد

التفقيس الصناعي للبيض

ما هو التفقيس الصناعي؟ هو عملية توفير الظروف البيئية المناسبة من حرارة ورطوبة وتقليب لبيض الدجاج المخصب داخل حاضنة لضمان فقسه وخروج الكتاكيت. مميزات التفقيس الصناعي: زيادة الإنتاجية: حيث تسمح بفقس كميات كبيرة من البيض في وقت واحد. التحكم في... المزيد